طهران ـ في ظل تصاعد التوترات الإقليمية وتزايد تهديد النزاعات التي تطال المراكز التعليمية والثقافية، تبرز منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) بوصفها عاملا دوليا محوريا لحماية التراث الإنساني وتعزيز قيم السلام والتفاهم بين الشعوب.

وكشف الأمين العام للجنة الوطنية لليونسكو في إيران حسن فرطوسي، في حوار مع الجزيرة نت، عن جهود المنظمة في التصدي للتهديدات التي تعرتض هذا التراث، وتفاصيل التنسيق بين اللجنة الوطنية الإيرانية واليونسكو خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على إيران.

كما تطرق إلى الأثر المحتمل لانسحاب الولايات المتحدة المتكرر من المنظمة، مؤكدا أن ذلك يشكل تحديا ماليا وإداريا لكنه يفتح فرصا للدول النامية والإسلامية لتعزيز وجودها وتأثيرها داخل اليونسكو، والعمل على بناء تحالفات قوية تحافظ على دور المنظمة كمنصة عالمية للسلام والثقافة.

كما أكد فرطوسي أهمية التعاون بين إيران واليونسكو في بناء جسور الحوار والسلام، خصوصا في ظل التوترات والصراعات التي تشهدها المنطقة، مشددا على أن اليونسكو يجب أن تظل إطارا فعّالا لتعزيز التفاهم الثقافي والتربوي والعلمي بين الشعوب، مما يساعد على تخفيف النزاعات وبناء مستقبل يسوده الاستقرار والسلام في مناطق النزاع.

فيما يلي نص الحوار:

 

في ظل العدوان الإسرائيلي الذي تعرضت له إيران قبل شهرين، ما الدور الذي يمكن أن تلعبه اليونسكو في حماية المراكز التعليمية والثقافية أثناء النزاعات؟

تلعب اليونسكو، باعتبارها المنظمة التربوية والعلمية والثقافية التابعة للأمم المتحدة، دورا مهما في الحفاظ على التراث الثقافي والمباني الأثرية، ولديها برامج متعددة من بينها برنامج لحماية حرية وسلامة العلماء. وقد قامت المنظمة بهذا الدور كما هو متوقع منها، ليس فقط عبر إصدار البيانات المهمة، بل أيضا من خلال تذكير الدول بمسؤولياتها تجاه حماية التراث الثقافي والتربوي، ودعم التعليم والعلوم، خاصة في الدول التي تشهد نزاعات.

إعلان هل تواصلت اللجنة الوطنية في إيران مع اليونسكو أو المنظمات الأممية الأخرى لبحث انتهاكات التراث والثقافة خلال العدوان الإسرائيلي الأخير؟

نعم، قامت اللجنة الوطنية بواجبها خلال العدوان الإسرائيلي الذي استمر 12 يوما، حيث أصدرت وأرسلت 13 رسالة إلى المديرة العامة لليونسكو وإدارتها، ليس فقط من جانب اللجنة نفسها، بل أيضا بالتنسيق مع جهات مختلفة مثل كراسي اليونسكو، والمراكز من الفئة الثانية، والمدن المبدعة، والمدن المتعلمة.

كما أُرسلت رسائل من وزير التعليم العالي الإيراني ووزير التراث الثقافي الإيراني، وذلك عبر الممثلية الدائمة للجمهورية الإسلامية الإيرانية لدى اليونسكو، وبالتعاون مع اللجنة الوطنية. وقد تلقينا دعما وتواصلا من لجان وطنية في دول شقيقة ومجاورة، وأخرى من المنطقة والعالم، مما أظهر لنا اهتماما عالميا بحماية سلامة الدول والعلماء.

في سياق آخر، برأيكم، ما أثر انسحاب الولايات المتحدة من اليونسكو على قدرة المنظمة على تنفيذ برامجها وحماية التراث العالمي؟

هذه ليست المرة الأولى التي تنسحب فيها الولايات المتحدة من اليونسكو، فقد فعلت ذلك ثلاث مرات: الأولى عام 1984، والثانية عام 2018، والثالثة عام 2025. ومن أبرز أسباب الانسحاب المعلنة ما وصفته واشنطن بانحياز اليونسكو لفلسطين، إضافة إلى ادعاءات أخرى مثل الحاجة إلى إصلاح هيكلي في المنظمة. وقد ردت المديرة العامة أودري أزولاي على هذه الانتقادات في بيان رسمي.

من ناحية البرامج، لا تتضرر اليونسكو وحدها، إذ توجد كراسي جامعية ومدن مبدعة ومتعلمة في الولايات المتحدة أيضا، كما أن بعض التراث الثقافي أو الأثري هناك بحاجة إلى التسجيل في قوائم اليونسكو. أما على الصعيد المالي، فكانت مساهمة الولايات المتحدة تمثل سابقا نحو 40% من ميزانية اليونسكو، لكن بعد الانسحاب انخفضت إلى نحو 8%. ورغم الخسارة، فقد شكل ذلك دافعا لإصلاح الهيكل الإداري وتطوير الموارد البشرية وتعزيز فعالية البرامج.

ما يقلقنا هو أن تتأثر دول أخرى بانسحاب واشنطن وتقرر الانسحاب كذلك، ولكن بتقديري، فإن انسحاب الولايات المتحدة قد يحمل دلالة رمزية تهدد هدف اليونسكو الأساسي: تعزيز السلام العالمي، خصوصا في ظل ما أعلنته واشنطن عن خلافاتها مع الصين، في حين أن مهمة المنظمة هي جمع الدول، خاصة عبر البعد الثقافي، لتحقيق التقارب وربما التفاهم السياسي.

كيف تعمل اللجنة الوطنية الإيرانية على تعويض الفجوات التي قد تسببها انسحابات بعض الدول المؤثرة من اليونسكو؟

ترى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، واللجنة الوطنية لليونسكو، أن انسحاب بعض الدول المؤثرة يمثل فرصة ثمينة أمام الدول النامية، بما فيها الدول الإسلامية والعربية ودول الجوار، لبناء تحالفات قوية داخل المنظمة. فإذا كان السبب المعلن للانسحاب الأميركي هو انحياز اليونسكو للقضية الفلسطينية، فلماذا لا تتحرك هذه الدول لسد هذا الفراغ؟

نحن نعمل على تقوية التعاون بين اللجان الوطنية لليونسكو في هذه الدول لضمان أن تبقى المنظمة شاملة وفاعلة، مع الحذر من أن يؤدي الانسحاب إلى تشجيع دول أخرى على الخطوة نفسها. ونحن متفائلون بفوز الدكتور خالد العناني من مصر برئاسة اليونسكو المقبلة.

إعلان في ظل التوترات الإقليمية، كيف يمكن لإيران واليونسكو التعاون لإبقاء الثقافة والتعليم جسورا للحوار والسلام بين الشعوب؟

عندما تعجز الأطراف عن حل مشاكلها عبر الحوار، تبدأ النزاعات، وهنا تأتي مسؤوليتنا في بناء جسور التفاهم بدلا من تراكم الأزمات. ينبغي تبني سياسات متعددة الأطراف، لأن تعددية الأقطاب قادرة على معالجة كثير من القضايا التي تعجز الثنائية عن حلها.

انسحاب الولايات المتحدة من اليونسكو بحجة توسع نفوذ الصين يتناقض مع الهدف من وجود المنظمات الأممية، وهو تحسين العلاقات بين الدول. ومن الضروري أن تعمل اليونسكو بكل إمكاناتها على خلق الفهم المتبادل بين الشعوب والدول، بما يسهم في تطوير الثقافة والتعليم والعلوم والاتصالات، ويؤثر إيجابا على العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف حتى على الصعيدين السياسي والدبلوماسي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات انسحاب الولایات المتحدة العدوان الإسرائیلی اللجنة الوطنیة التراث الثقافی من الیونسکو بین الشعوب

إقرأ أيضاً:

مبادرات دولية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الأرز في أفريقيا

تعمل منظمة "أفريكا رايس" في العديد من البلدان الأفريقية لدعم المزارعين بهدف مضاعفة المحاصيل من الأرز التي يحتاجها سكان القارة السمراء، ويستوردونها بكثرة من دول آسيا.

وعلى أطراف "بواكيه" ثاني أكبر المدن في كوت ديفوار نجحت هذه المنظمة في مساعدة بعض المزارعين للبقاء في أرضهم التي كانت تغمرها المياه في موسم زراعة الأرز ويضطر الكثير منهم لمغادرتها.

وضمن مبادرة "الوديان الذكية" التي أطلقتها المنظمة، نجح بعض المزارعين الصغار في مضاعفة إنتاج الأرز مثل حال السيدة سلماواتا واتارا التي تعيل 3 أبناء، وكانت تحصد سنويا حوالي طنيْن من الأرز، لكنها نتيجة للمبادرة أصبحت تنتج 4.5 أطنان، وهو ما يدر عليها 900 ألف فرنك أفريقي (نحو 1590 دولارا) وقد أضافت واتارا إلى محاصيلها الذرة والطماطم والخيار.

وتركز مبادرة الوديان الذكية التي أطلقتها منظمة أفريكا رايس، والمدعومة أساسا من وزارة الزراعة اليابانية، على الوديان الداخلية، وهي أراض منخفضة تقع بين التلال ذات التربة الخصبة المثالية للزراعة، لكنها نادرا ما تستغل بسبب ضعف إدارة المياه.

ويقول إليوت دوسو-يوفو، مدير البرنامج، إن هذه الوديان تغطي 190 مليون هكتار في أفريقيا جنوب الصحراء، ولا يزرع منها سوى 10%.

أهداف طموحة

وتأسست "أفريكا رايس" عام 1971، ووضعت عام 2009 هدفا لمضاعفة إنتاج الأرز في غضون عقد، ونجحت فيه، ثم انتقلت لهدف أكثر طموحا، وهو تحقيق الاكتفاء الذاتي في الدول الأعضاء بحلول 2030.

تستورد أفريقيا سنويا قرابة 15 مليون طن من الأرز (الغارديان)

ويقع المقر الرسمي للمنظمة في بواكيه ضمن مجمع بحثي مساحته 800 هكتار، ويضم مواقع تجريبية ومختبر علوم البذور وبنكا وراثيا يحفظ 22 ألف صنف من الأرز تُستخدم لتطوير سلالات محسنة.

وتتلقى المنظمة تمويلات من مؤسسة بيل وميليندا غيتس، والبنك الدولي، والبنك الإسلامي للتنمية، والبنك الأفريقي للتنمية، إضافة إلى مساهمات الدول الأعضاء.

إعلان

ويقول المدير العام للمنظمة إن هدفها لا يتوقف عند توفير الأرز كغذاء، وإنما بوصفه مادة صحية ذات تأثير منخفض على مستوى السكر في الدم.

ووفقا للمنظمة فإن أفريقيا تستورد 40% من حاجياتها من الأرز أي ما يربو على 15 مليون طن سنويا، أكثر من نصفها من دولة الهند وحدها.

وعندما حظرت حكومة الهند عام 2023 تصدير الأرز أصيبت الحكومات الأفريقية بالذعر، الأمر الذي جعل بعض الوزراء يذهبون إليها من أجل التفاوض.

وقد أصبحت دولة تنزانيا من الدول التي حققت اكتفاء في محصول الأرز وبدأت في تصديره لدول شرق أفريقيا، فيما تعد نيجيريا من دول غرب القارة التي تقترب من تحقيق الاكتفاء الذاتي.

مقالات مشابهة

  • قرية البردي تستقبل يومًا ثقافيًا فنيًا يجمع بين التراث والإبداع في الشرقية
  • الرشق: المواجهة مع الاحتلال أوجب ما يجب العمل عليه عربيًا وإسلاميًا قبل فوات الأوان
  • رفض عربي وفلسطيني لتصريحات نتنياهو حول “إسرائيل الكبرى”
  • بريطانيا وفرنسا وألمانيا: مستعدون لإعادة فرض عقوبات على إيران
  • بريطانيا وفرنسا وألمانيا: مستعدون لإعادة فرض عقوبات على إيران - عاجل
  • اليونسكو: قتل الصحفيين في غزة غير مقبول وينتهك القانون الدولي
  • اليونسكو تدعو إلى تحقيق شامل في استهداف الصحفيين الفلسطينيين
  • خريطة للدول التي اعترفت بدولة فلسطينية وتلك التي تعتزم القيام بالخطوة
  • مبادرات دولية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الأرز في أفريقيا