"الموت لا يوجع الموتى، الموت يوجع الأحياء!".. هكذا وصف محمود درويش الموت، وهو ما ينطبق تمامًا مع "الحدث الحزين" الذي فاجأنا مؤخرًا برحيل الروائي الكبير صنع الله إبراهيم عن عمر يناهز الـ (88) عامًا، لتنفرط آخر حبات "جيل الستينيات".. الجيل الأعظم في تاريخ الرواية المصرية على الإطلاق، والذي ضم كوكبة مضيئة يصعب تكرارها، من أمثال: جمال الغيطاني، وبهاء طاهر، وخيري شلبي، وعبد الحكيم قاسم، وإبراهيم أصلان، ويحيى الطاهر عبد الله - رحمهم الله جميعًا-، وكذلك "المجالد" يوسف القعيد - أطال الله في عمره-.
في عام 1937م، ولد الراحل الكبير بالقاهرة لأسرة متوسطة، وكان وراء اختيار والده لاسمه الغريب "صنع الله" قصة تستحق أن تُروى، إذ كان والده في الستين من عمره حين صلى صلاة استخارة، ولما أنهى صلاته، فتح المصحف الشريف، وأول ما وقعت عليه عيناه كان قوله تعالى: "صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ" (النمل: 88).
ولأن والده قد خرج إلى المعاش وتميز - كأبيه/ جد صنع الله- بأنه "حكّاء ماهر"، يجيد سرد القصص والحكايات، انتقلت "عبقرية الحكيّ" إلى الطفل الصغير الذي تلبسته تلك العبقرية، ولكن "على الورق".
حين بلغ صنع الله الثانية والعشرين - وكان ما زال طالبًا بكلية الحقوق- تعرض لتجربة السجن لخمس سنوات (1959- 1964م) بسبب انضمامه لتنظيم "حدتو" الشيوعي، والذي ناصب الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر العداء، وهي تجربة صعبة تركت آثارها على شخصية الراحل الكبير. ورغم انتقاده - آنذاك- لعبد الناصر، إلا أنه ظل محترمًا له ولتجربته مثل غيره من الشيوعيين الذين تناسوا تجربة السجن وانضموا إلى التنظيمات الاشتراكية الناصرية - لا سيما التنظيم الطليعي-.
وبعد خروجه من السجن، عمل صنع الله صحفيًا في وكالة أنباء الشرق الأوسط، ثم سافر إلى لبنان عام 1967م، ومنها سافر ليعمل صحفيًا في وكالة أنباء برلين الشرقية، كما درس الإخراج في روسيا بغية إنتاج الأفلام الوثائقية. وقد عاد إلى مصر إثر اغتيال السادات، والذي عارضه وكره عهده بشدة بعد التحولات الدراماتيكية في بنية المجتمع المصري اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا والانقلاب على التجربة الناصرية، وهو الموقف الذي استمر بنفس الحدة في عصر مبارك، علمًا بأنه كان أحد مؤسسي حركة "كفاية" ومن المشاركين الأوائل في ثورتي 25 يناير 2011م، و30 يونيو 2013م، ورفضه التام لحكم جماعة الإخوان.
وتضم قائمة أعمال الراحل الكبير عددًا من الروايات الرائعة، ومنها: تلك الرائحة- إنسان السد العالي - 67- ذات- أمريكانلي- شرف.. والأخيرة احتلت المرتبة الثالثة في قائمة المائة رواية الأفضل عربيًا في القرن العشرين.
وأخيرًا.. إذا أردنا تلخيص رحلته الروائية الفذة، لا نجد توصيفًا أعمق من مقولته عن نفسه: "كلما أمعنت التفكير فيما كتبته طوال مساري، أرى طفلًا يريد أن يقول ما لا يقوله الغير".. رحم الله صنع الله إبراهيم.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: صنع الله
إقرأ أيضاً:
سنغادر غزة إلى الجنة فقط.. أهالي غزة يرفضون التهجير رغم التهديد باحتلالها
#سواليف
في ظل إعلان #حكومة #الاحتلال الإسرائيلي المضي بخطتها لاحتلال مدينة #غزة، والتحضير لإقامة خيام في جنوب القطاع لإيواء #النازحين، يرى الفلسطينيون أن ذلك جزء من #مخطط #تهجير_قسري طالما فشل في الماضي. وقد تصاعدت من غزة أصوات ترفض مغادرة الأرض، وتؤكد أن الثبات هو الخيار الوحيد.
وكتب عمر محمد العطل حول ذلك: “منذ اليوم الأول للحرب لم نفكر بالخروج من غزة لجنوب القطاع، وكانت بدايات الحرب قاسية حتى كنا ننام في الطرقات وعلى الإسفلت، ننزح من منطقة لأخرى حاملين أبناءنا في الحر والبرد. عشنا أسوأ أيام حياتنا في #الجوع حتى كنا نأكل تمرة واحدة كل ثلاثة أيام، واضطررنا لأكل علف الدواب. أذكر يومًا كنا نموت عطشًا حتى سقط المطر فشربنا منه، وكان ذلك أروع وضوء لنا منذ فترة طويلة. ومع كل ذلك لم نفكر لحظة بترك أرضنا والخروج إلى جنوب القطاع، وبقينا من القلة التي أفشلت مخطط التهجير. واليوم الاحتلال يعيد التخطيط من جديد، وبإذن الله سيفشل كما فشل من قبل، وستبقى غزة شامخة بأهلها لا تكسر.”
أما معين الكحلوت فرأى أن الطريق من غزة لا تكون إلا إلى الجنة: “اللهم لا نزوح من غزة إلا للجنة، اللهم افشل مخططاتهم وزلزل الأرض من تحت أقدامهم.”
مقالات ذات صلةالناشط السياسي ذو الفقار سوبر جوجو قال: “أنا شخصيًا أشعر بالطمأنينة ولست خائفة من أي نزوح. إن ما يجري الآن من قبل إسرائيل هو قمة الضغط للوصول للهدف دون قتال. الهلع والخوف هو الهدف من ذلك، فلا تكن ضحية لذلك. النزوح يعني الهروب من الموت نحو الموت”.
وأضاف “فلنأخذ قرارًا جماعيًا أننا باقون هنا، وعلينا أن نواجه الموت بشجاعة. أقول إن كلام الموت صعب وساعة الموت ترهب القلوب قبل العقول، ولكننا أصحاب تجربة مريرة امتدت لأشهر طويلة نزوحًا فيها كل ألوان الذل والعذاب. فلتكن تجربتنا هي بوصلة”.
وكتب محمد عبد العزيز الرنتيسي: “نجدد عهدنا مع الله عز وجل.. نحن باقون مرابطون على أرض غزة المباركة إلى أن ننتصر أو نلقى الله ونحن كذلك.”
أما معتصم آل بركات فقال: “اثبتوا قدر الإمكان وادعوا الله أن ينصرنا. الأماكن التي يريدون أن نذهب إليها أشبه بالجحيم. لن نترك غزة.. عند الله تجتمع الخصوم.”
وكتب الصحفي يوسف فارس من مدينة غزة: “المكان الذي سيجهزه #جيش_الاحتلال الأمم المتحدة لتجهيز الخيام فيه هو جنوب محور موراج، يقع تحت سيطرة مجموعات أبو شباب. يعني خاتمة صبرنا سنتين يحكمنا أبو شباب ويعطينا سلامة أمنية ندخل من البوابة أو نزوح على الدبابة؟! اللهم حسن الختام.. اللهم لا نغادر مدينة غزة إلا إلى السماء”.