كيف تشل استراتيجية نتنياهو لاحتلال غزة الجيش الإسرائيلي؟
تاريخ النشر: 27th, August 2025 GMT
تتسبب استراتيجية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لفرض احتلال غير محدد الأمد على قطاع غزة بأزمة حادة ومتصاعدة داخل الجيش الإسرائيلي. ما بدأ كحملة لتفكيك حماس تحول إلى صراع دائم، وهو ما يُجهد الجيش الإسرائيلي ويدفعه إلى نقطة الانهيار. هذه الخطة، المدفوعة بأهداف سياسية، لا تفشل في تحقيق الأمن فحسب، بل تلحق أضرارا عميقة بمعنويات الجيش وجاهزيته العملياتية وأسسه التي يقوم عليها.
حرب بلا نهاية
كانت للمرحلة الأولى من عملية إسرائيل العسكرية في غزة أهداف واضحة، وإن كانت طموحة: تدمير قدرات حماس العسكرية والحكومية وتأمين إطلاق سراح الرهائن. لكن بعد قرابة عامين، أدى غياب خطة سياسية قابلة للتطبيق "لليوم التالي" إلى إغراق الجيش الإسرائيلي في احتلال مكلف ودائم.
لقد رفض بنيامين نتنياهو مرارا مقترحات تتعلق بسلطة فلسطينية متجددة أو قوة دولية لحكم غزة، مصرا على فرض سيطرة أمنية إسرائيلية كاملة. هذه السياسة أجبرت الجيش على لعب دور غير مهيأ للاستمرار فيه: ضبط السيطرة مع سكان معادين يزيد عددهم عن مليوني نسمة وسط مشهد حضري مدمر. فالجنود لا يخوضون معارك حاسمة، بل ينخرطون في حلقة لا تنتهي من المداهمات وعمليات مكافحة التمرد والرد على هجمات حرب العصابات. وقد حوّل هذا الوضع غزة إلى مستنقع استراتيجي يستنزف الموارد العسكرية والأفراد دون وجود نصر واضح في الأفق. ويشبه هذا الوضع بشكل متزايد احتلال إسرائيل الكارثي لجنوب لبنان الذي دام 18 عاما، وهو صراع انتهى بانسحاب أحادي الجانب وترك ندوبا عميقة في نفسية الإسرائيليين.
انهيار الروح المعنوية للجنود
إن النتيجة الأكثر مباشرة لهذه الحرب المفتوحة هي تآكل الروح المعنوية في صفوف الجيش. لقد تم استدعاء الجنود الإسرائيليين، وخاصة آلاف جنود الاحتياط الذين يشكلون العمود الفقري للجيش، وهم يعتقدون أنهم يقاتلون في حرب من أجل بقاء بلادهم. أما الآن، فيشعر الكثيرون منهم أنهم مجرد أدوات لتنفيذ سياسة تهدف إلى الاحتلال الدائم.
تصف تقارير من داخل الجيش الإسرائيلي وفي الصحافة الإسرائيلية حالة من الإرهاق المنتشر والاضطراب النفسي والشعور المتزايد بالعبثية. وتشمل العوامل الرئيسية التي تساهم في هذا التدهور ما يلي:
- غياب المهمة الواضحة: يكافح الجنود لفهم الهدف من وجودهم المستمر. لقد تحول الهدف من هزيمة عدو إلى السيطرة على أرض إلى أجل غير مسمى، وهي مهمة تبدو خطيرة وعديمة الجدوى في آن واحد.
- الخطر المستمر: تعني حرب المدن ضد تمرد صامد أن كل دورية وكل مبنى يحمل خطرا هائلا. إن التوالي البطيء ولكن المستمر للخسائر البشرية له تأثير مدمر على تماسك الوحدات العسكرية ومعنوياتها.
- الأعباء الأخلاقية: إن المهام اليومية المتمثلة في إدارة نقاط التفتيش، ومداهمات المنازل، والتعامل مع السكان المدنيين المعانين تفرض ضغوطا أخلاقية ونفسية ثقيلة على الجنود الشباب.
- رفض الخدمة في الاحتياط: الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للقيادة العسكرية هو الزيادة الكبيرة في ظاهرة "الرفض" (المعروفة بالعبرية سارفانوت) بين جنود الاحتياط. فبعد أن كانت ظاهرة هامشية، أصبح رفض الخدمة فيما يُنظر إليه على أنه حرب سياسية للاحتلال أكثر شيوعا، مما يهدد العقد الاجتماعي الأساسي للجيش.
الاضطراب الاقتصادي والاجتماعي
لقد ألحقت التعبئة المطولة لعشرات الآلاف من جنود الاحتياط أضرارا بالغة بالاقتصاد الإسرائيلي. فهؤلاء ليسوا مجرد جنود؛ إنهم أطباء ومهندسون ورواد أعمال في قطاع التكنولوجيا ومعلمون. وقد أدى غيابهم المطول إلى نقص حاد في العمالة، وتعطيل سلاسل التوريد، وإعاقة الابتكار في قطاع التكنولوجيا الحيوي في البلاد. كما اضطرت الشركات الصغيرة إلى الإغلاق، وتكافح العائلات مع فقدان الدخل والخسائر العاطفية الناجمة عن الفراق.
وقد خلق هذا صدوعا عميقة في المجتمع الإسرائيلي. يتنامى الشعور بالعبء غير المتكافئ، حيث يأتي جزء كبير من جنود الاحتياط من الشريحة العلمانية من الطبقة الوسطى، في غضون ذلك، يواصل مجتمع اليهود المتدينين (الحريديم)، المعفي إلى حد كبير من الخدمة العسكرية، حياته دون انقطاع. ويثير هذا التفاوت احتجاجات واسعة النطاق، حيث تنضم عائلات الجنود إلى المتظاهرين المناهضين للحكومة للمطالبة بإنهاء الحرب ووضع خطة ملموسة للمستقبل.
جيش مُنهك على حدود متقلبة
أدى التركيز المكثف على غزة إلى جعل إسرائيل ضعيفة استراتيجيا على جبهات أخرى. ويعاني الجيش الإسرائيلي من إرهاق عملياتي شديد، فالمعدات العسكرية تعاني من تآكل شديد، ومخزونات الذخيرة آخذة في النضوب، ولم يكن هناك وقت كافٍ للتدريب والاستعداد لتهديدات أخرى.
يكمن الخطر الأكبر على الحدود الشمالية مع حزب الله في لبنان. إن قدرة الجيش الإسرائيلي على شن حرب شاملة في الشمال معرضة للخطر الشديد بينما يتمركز جزء كبير من قواته البرية في غزة، وهذا يؤدي إلى تآكل قوة الردع الإسرائيلية. فالخصوم الإقليميون يرون جيشا إسرائيليا منهكا وممتدا فوق طاقته، مما قد يغري بمزيد من الصراع. وقد حذر جنرالات ومحللون عسكريون إسرائيليون سابقون مرارا وتكرارا من أن استراتيجية نتنياهو في غزة هي خطأ استراتيجي يضحي بالأمن القومي من أجل البقاء السياسي.
الأهداف السياسية مقابل الواقع العسكري
إن الأزمة التي يواجهها الجيش الإسرائيلي هي نتيجة مباشرة للصدام بين طموحات رئيس الوزراء السياسية والمنطق العسكري. وبحسب ما ورد، ضغطت هيئة الأركان العامة للجيش من أجل الوضوح الاستراتيجي وإيجاد حل سياسي لغزة ما بعد الحرب، مدركة أن الحل العسكري البحت مستحيل. ويدرك القادة العسكريون أنه بدون بديل لحكم حماس، سيظل الجيش الإسرائيلي محاصرا في صراع لا يمكن الانتصار فيه إلى الأبد.
ومع ذلك، يعتمد ائتلاف نتنياهو الحاكم على سياسيين من اليمين المتطرف يدعون علنا إلى إعادة بناء المستوطنات الإسرائيلية في غزة والتهجير الدائم للفلسطينيين. وللحفاظ على سلطته، تبنى رئيس الوزراء رؤيتهم للسيطرة غير المحددة، متجاهلا التحذيرات الخطيرة من قيادته العسكرية. ويدفع جنود الجيش الإسرائيلي ثمن هذه الحسابات السياسية.
في الختام، إن خطة احتلال غزة إلى أجل غير مسمى لا تجعل إسرائيل أكثر أمانا، بل إنها تفكك بشكل منهجي أهم أصولها الاستراتيجية: جيشها. فمن خلال محاصرة الجنود في صراع ميؤوس منه، واستنزاف الاقتصاد، وإضعاف موقفها ضد التهديدات الكبرى، تقود سياسة نتنياهو الجيش الإسرائيلي إلى مسار من الإرهاق والأزمات، مع تداعيات خطيرة على أمن الدولة في المستقبل.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء نتنياهو احتلال غزة الإسرائيلي إسرائيل احتلال غزة نتنياهو مدونات قضايا وآراء مدونات قضايا وآراء مدونات قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الجیش الإسرائیلی جنود الاحتیاط فی غزة
إقرأ أيضاً:
أكثر مأساوية وخطورة.. الفاتيكان: الجيش الإسرائيلي يستهدف مدنيين عزل في غزة
أعرب الكاردينال بيترو بارولين، أمين سر دولة الفاتيكان، عن قلقه العميق حيال الأوضاع الإنسانية المتدهورة في قطاع غزة، واصفًا إياها بأنها "أكثر مأساوية وخطورة" مقارنة بالعام الماضي، في ظل حرب مدمرة أودت بحياة عشرات الآلاف.
وفي حديث أدلى به لوسائل إعلام الفاتيكان، في الذكرى الثانية للحرب الإسرائيلية على القطاع، شدد بارولين على ضرورة استعادة "صوت العقل" والتخلي عن منطق الكراهية والانتقام، مشيرًا إلى أن "العنف ليس حلاً، حتى وإن كان تحت مبرر الدفاع عن النفس، فلا بد من احترام مبدأ التناسب".
وأعرب الكاردينال عن حزنه الشديد لسقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين يوميًا، من بينهم أطفال لا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا في هذه المنطقة، مؤكدًا أن "المأساة تتفاقم مع كل يوم، وسط خطر تحول العالم إلى متفرج غير مبالٍ أمام هذه المجازر".
وأضاف: "لا يمكن القبول بأن يختزل الإنسان إلى مجرد (أضرار جانبية) في هذه الحرب، حيث يقتل الأبرياء أثناء بحثهم عن الغذاء، أو يُدفنون تحت أنقاض منازلهم، أو يستهدفون في المستشفيات ومخيمات النزوح".
وانتقد بارولين ما وصفه بـ"النهج العسكري الإسرائيلي"، قائلاً إن العمليات العسكرية تستهدف غالبًا سكانًا مدنيين غير مسلحين يعيشون في ظروف مأساوية، في مناطق مدمرة بالكامل.
وأكد أن "الصور الجوية كافية لإظهار حجم الدمار في غزة، في وقت يظل فيه المجتمع الدولي عاجزًا عن التحرك لوقف الكارثة".
وتابع: "لا يكفي التنديد اللفظي بما يحدث، ثم السماح باستمراره. هناك حاجة فعلية لمساءلة الدول التي تواصل تزويد الأطراف المتحاربة بالسلاح المستخدم ضد المدنيين".
وأشار إلى فشل الأمم المتحدة في وقف ما يحدث، داعيًا إلى تعزيز دورها في إنهاء النزاعات الدموية.
وحول المبادرات السياسية، رحب الكاردينال بأي خطة – بما في ذلك المقترح الأمريكي – تسهم في إنهاء الحرب، وتطلق مسارًا جادًا للسلام، شريطة أن تشرك الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وتؤدي إلى وقف إطلاق النار، والإفراج عن الرهائن، وإنهاء القتل اليومي.
وفيما يخص الاعتراف الدولي بفلسطين، أشار بارولين إلى أن الفاتيكان كان من أوائل المعترفين بالدولة الفلسطينية رسميًا قبل عشر سنوات من خلال اتفاق شامل.
وأكد أن الفاتيكان يدعم قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة، تشمل الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، وقادرة على العيش بسلام إلى جانب جيرانها.
واختتم حديثه محذرًا من أن التصريحات والسياسات الإسرائيلية الأخيرة تسير في الاتجاه المعاكس، عبر توسيع الاستيطان وعرقلة أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية، مؤكدًا أن "حل الدولتين"، الذي تبناه الكرسي الرسولي منذ البداية، لا يزال الخيار الأكثر منطقية في ظل تطورات العامين الماضيين، باعتباره السبيل الوحيد لضمان مستقبل مشترك وآمن للشعبين.