لجريدة عمان:
2025-12-13@15:58:36 GMT

تعاقب الأجيال

تاريخ النشر: 7th, October 2025 GMT

قبل منتصف القرن العشرين، كان مفهوم تعاقب الأجيال بسيطًا ومحدودًا في ثلاث مراحل عمرية رئيسية هي: الطفولة، والشباب، والكهولة. لم يكن الناس بحاجة إلى مزيد من التفاصيل لتوصيف الفوارق بينهم، فالحياة كانت أبطأ إيقاعًا، والقيم أكثر استقرارًا، والتغيرات أقل حدة. ومع تطور العلوم الإنسانية، خصوصًا علم الاجتماع، بدأت تتشكل نظرة جديدة للإنسان داخل مجتمعه، وبرزت الحاجة إلى تصنيفات أدقّ تعكس التحولات الثقافية والاجتماعية والقيمية التي باتت تميز كل جيل عن الآخر.

من هنا وُلدت فكرة تقسيم الأجيال وتسميتها، فظهرت مصطلحات باتت مألوفة اليوم مثل الجيل الصامت (من عشرينيات إلى أربعينيات القرن الماضي)، وجيل الطفرة السكانية في الخمسينيات، ثم جيل إكس في السبعينيات، وجيل الألفية في الثمانينيات، وجيل زد الذي نشأ في بدايات الألفية الجديدة، وهو الجيل الرقمي بامتياز الذي وُلد مع الإنترنت وتكنولوجيا الاتصال، وأخيرًا جيل ألفا، أول جيل يولد كليًا في القرن الحادي والعشرين.

بهذا التدرج والمفهوم الجديد لفكرة التعاقب، لم تعد الأجيال مجرد فترات زمنية، بل أصبحت علامات تعكس ملامح الإنسان في كل مرحلة من مراحل تطوره الاجتماعي والثقافي. ومع ذلك، فإن هذه التسميات رغم انتشارها قد لا تعني الكثير في ظاهرها، وإنما هي رموزٌ تقريبية لفهم اختلاف الأزمان.

ما حثني على البحث في فكرة تعاقب الأجيال، ما قرأته وسمعته خلال الأسبوع الفائت من كثرة الحديث عن «صراع الأجيال أو الفجوة بين الأجيال» والعلاقات المعقدة بين جيل وآخر، مع تركيز لافت على جيل التقنية جيل زد الذي أصبح محور الأحاديث والتحليلات في ميادين السياسة والاقتصاد والصحة وعلم النفس حيث بات يُنظر إلى هذا الجيل بوصفه جيلًا استثنائيًا نشأ في قلب الثورة التقنية، حيث الإنترنت بين يديه منذ الطفولة، والشاشات جزء من تفاصيل حياته اليومية، والمعلومة تصل إليه قبل أن يبحث عنها. غير أن هذه الميزة الرقمية التي ميزت ذلك الجيل جاءت بثمنٍ باهظ؛ فجيل زد، رغم وعيه وسرعته في التعلّم والتكيّف، يُتّهم بالانعزال وضعف التواصل الواقعي، وكثرة التقلّب في المواقف والاهتمامات، والانشغال المفرط بصورته على المنصّات الاجتماعية. وفي بيئة العمل، يُقدَّم على أنه جيل طموح يبحث عن التوازن بين الحياة والمهنة، لكنه لا يحتمل الروتين ولا يؤمن بالولاء المؤسسي الطويل. أما في الأسرة، فهو أقرب للتعبير عن مشاعره لكنه أكثر عرضة للقلق والاكتئاب.

قد أتفق مع كثير من هذا التوصيف النظري لسمات ذلك الجيل وما يُقال عن مميزاته وعيوبه، لكنني أرى الصورة من زاوية مختلفة، أقرب إلى الواقع منها إلى الورق. فأنا لا أكتب عن هذا الجيل بصفتي قارئًا أو محللًا فقط، بل بصفتي أبًا يعيش بينهم ويلاحظهم يومًا بيوم. بعض أبنائي من هذه الفئة، وأزعم بثقة أنني أصبحت خبيرًا بهم من واقع التجربة لا من التنظير. وأقولها عن قناعة: هذا جيل قوي، يمتلك من الوعي والجرأة والقدرة على التعبير ما لم نكن نمتلكه في أعمارهم. جيل منفتح على العالم، لكنه في الوقت ذاته متمسك بالكثير من القيم والمعتقدات التي تمثل جذوره وهويته.

في رأيي، هم جيل أفضل من جيلنا في جوانب كثيرة، وقد يكونون كذلك أفضل حتى من الجيل القادم، جيل ألفا، الذي يبدو أكثر هشاشة أمام الإغراءات الرقمية وسرعة التغيّر في أنماط الحياة. حين أنظر إلى أبنائي أراهم امتدادًا لنا في مرحلة ما، حين كنا نُوصف ببساطة بأننا «جيل الشباب»، قبل أن تُنمط الأجيال وتُختزل في رموز وأحرف. كنا نختلف عن آبائنا في طموحاتنا وأسلوب حياتنا، تمامًا كما يختلف أبناؤنا عنا اليوم. إنها الدورة ذاتها التي تتكرر جيلاً بعد جيل؛ فجوةٌ تتسع وتتبدّل ملامحها، لكنها تظل جزءًا طبيعيًا من حركة الحياة، فجوة لا أظن أنها ستُردم يومًا، لأنها ببساطة ما يجعل لكل جيل صوته وملامحه الخاصة. وربما كان الأجدر بنا أن ننظر إلى تعاقب الأجيال لا بوصفه صراعا أو فجوة، بل كحوار متجدد بين زمنين؛ زمن يسلم خبرته وآماله، وزمن يلتقط الشعلة ليواصل المسير بطريقته الخاصة. فكل جيل يحمل في جوفه ما يميّزه، وما يكمل به من سبقه، وما يمهّد به لمن يأتي بعده.

عبدالله الشعيلي رئيس تحرير جريدة «عُمان أوبزيرفر»

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

مؤشر توتر مع إثيوبيا.. إريتريا تتحلل مجددا من روابط الإيغاد

أعلنت إريتريا اليوم الجمعة انسحابها من منظمة إيغاد، في حين عبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن قلقه من التوتر بين أسمرة وأديس أبابا.

وقالت وزارة الخارجية الإريترية -في بيان- إن أسمرة أبلغت الأمين العام لمنظمة الإيغاد أن قرار انسحابها جاء بعد فقدان المنظمة تفويضها القانوني، وعجزها عن تحقيق الاستقرار الإقليمي أو تلبية تطلعات شعوب القرن الأفريقي.

وقد اتهمت إريتريا المنظمة بأنها تحوّلت إلى أداة سياسية تُستخدم ضد بعض الدول الأعضاء، في إشارة إلى إثيوبيا التي تربطها علاقات متوترة معها.

وقالت الحكومة الإريترية إن استمرار المنظمة في التملص من الالتزامات القانونية جعل بقاءها داخل التكتل فاقدا للجدوى.

وأشار البيان إلى أن إريتريا أعادت تفعيل عضويتها في يونيو/حزيران 2023 على أمل دفع عملية إصلاح المنظمة، لكنها لم تلحظ أي تحسن في أدائها.

قرار مؤسف

من جهتها، أعربت إيغاد عن أسفها لقرار حكومة دولة إريتريا الانسحاب من المنظمة.

 وقالت في بيان إن إريتريا سبق أن علقت عضويتها لعقدين من الزمن، وإن قمة الإيغاد في يونيو/حزيران 2023 قررت عودة إريتريا إلى الإيغا، في خطوة تضامنية تؤكد التزاما جماعيا من أجل مصلحة الإقليم وتعزيز التعاون، وإن الأمانة العامة ظلت منفتحة وعملت بإيجابية من أجل مصلحة المنظمة.

وأوضح البيان أن قرار الانسحاب اتخذ دون تقديم مقترحات ملموسة أو الدخول في مشاورات بشأن إصلاحات مؤسسية أو سياسات محددة، مؤكدة أن قنواتها الاستشارية القائمة ظلت دائمًا مفتوحة للحوار.

وأكد البيان أن الإيغاد ستتواصل مع الحكومة الإريترية وتشجعها لإعادة النظر في قرارها والعودة الكاملة إلى المنظمة بحسن نية، بما يخدم الأهداف المشتركة للسلام والاستقرار والتنمية في المنطقة.

وجدد البيان التزام منظمة الإيغاد العمل من أجل تعزيز التعاون الإقليمي والحوار الجماعي لخدمة شعوب القرن الأفريقي.

ضغائن التاريخ والجغرافيا

يذكر أن الانسحاب الأول لإريتريا من منظمة الإيغاد شكل محطة مفصلية في تاريخ علاقات الطرفين.

إعلان

ففي عام 2007، أعلنت أسمرة انسحابها من المنظمة احتجاجا على الاتهامات التي وجهت لإريتريا بدعم حركة الشباب الصومالية. وهو ما نفته إريتريا، واتهمت إثيوبيا بالعدوان عليها وعلى الصومال.

ويومها، اتهمت أسمرة الإيغاد بالانحياز لأديس أبابا.

وعقب اتفاق السلام بين إريتريا وإثيوبيا في عام 2018، تحسنت العلاقات وطالبت إثيوبيا إيغاد والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بالعمل مع إريتريا ورفع العقوبات عنها، ممهدة لعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

واستأنفت إريتريا عضويتها رسميا وشاركت في القمة العادية الـ14 للإيغاد.

ويأتي الانسحاب اليوم ليثير المخاوف من تصاعد التوتر بين إريتريا وإثيوبيا اللتين دخلتا في حرب حدودية انتهت قبل 25 عاما بموجب اتفاقية أبرمت في الجزائر.

وعبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن قلقه للتوتر بين أثيوبيا وإريتريا، مؤكدا أن أي تصعيد جديد بين البلدين سيهدد الاستقرار الهش في القرن الأفريقي.

مقالات مشابهة

  • محكمة روسية تعاقب كريم خان وقضاة في الجنائية الدولية
  • سوخوي 57 | أول دولة عربية وإفريقية تحلّق إلى عصر المقاتلات الشبحية من الجيل الخامس: خطوة تاريخية
  • جنش: نهائي القرن أكثر هزيمة وجعتني مع الزمالك
  • مؤشر توتر مع إثيوبيا.. إريتريا تتحلل مجددا من روابط الإيغاد
  • انهيار أحد أبواب المسجد العمري الكبير في مدينة غزة بفعل الأمطار
  • كيا تقدم الجيل الثاني من سيلتوس 2026 الرياضية
  • الجيل المستهدف .. حين يتحول الترفيه إلى سلاح
  • الجيل: حقوق الإنسان منظومة شاملة تبدأ بتحسين معيشة المواطن وتعزيز الخدمات
  • رابطة محترفي التنس ATP تعلن قائمة المشاركين في نهائيات بطولة الجيل القادم في جدة
  • واشنطن تعاقب شبكة تجند مقاتلين كولومبيين للقتال مع الدعم السريع في السودان