في أروقة المتحف الوطني للفن المعاصر في طهران، تتردد أصوات نسائية لا تُسمع بالكلمات، بل بالأشكال والألوان. معرض جديد بعنوان "برواية النساء" يثير هذه الأيام ضجة لافتة في الأوساط الثقافية الإيرانية، إذ لا يقتصر على عرض الأعمال الفنية، بل يسعى إلى إعادة قراءة قرنٍ كامل من الإبداع من زاوية مختلفة.

منذ افتتاحه، تحوّل المعرض إلى حدث ثقافي بارز، أعاد إلى الواجهة أسماء فنانات شكّلن ملامح الفن الإيراني الحديث في ظروف اجتماعية وسياسية معقدة.

ويقول منظموه إن الهدف هو استعادة الذاكرة الإبداعية للمرأة الإيرانية وتسليط الضوء على تطور رؤيتها الجمالية وموقفها من التحولات التي عاشها المجتمع عبر قرن من الزمن.

يواكب معرض "برواية النساء" برنامج من ورش العمل والجلسات الحوارية للفنانات الشابات (الجزيرة)ذاكرة أنثوية

تقول المشرفة على تنظيم المعرض أفسانه كامران إن "برواية النساء" يوثق مسار الفنانات الإيرانيات اللواتي وضعن اللبنات الأولى للفن الحديث منذ عشرينيات القرن الماضي، مشيرة إلى أن كثيرات منهن كن من أوائل خريجات كلية الفنون الجميلة بجامعة طهران، وأن بعضهن درّسن لاحقا أو واصلن دراساتهن في أوروبا والولايات المتحدة.

وتوضح كامران في حديثها للجزيرة نت أن المعرض يضم 125 عملا فنيا لـ65 فنانة من أرشيف المتحف الوطني للفن المعاصر، بينها 60 عملا تُعرض للمرة الأولى. وقد وُزعت القاعات الـ8 وفق محاور موضوعية مثل "الرواد"، و"البورتريه"، و"الحياة اليومية"، و"المنظر الطبيعي"، و"الحداثة"، و"الفن التجريدي"، مما يتيح تتبّع التحولات الأسلوبية والفكرية عبر العقود.

المشرفة على تنظيم المعرض أفسانه كامران تؤكد أن "برواية النساء" يتيح للزائر قراءة تطور اهتمامات الفنانات في البلاد (الجزيرة)

وتشير المشرفة على التنظيم إلى أن المعرض يتبنى منهجا بحثيا يتيح للزائر قراءة تطور اهتمامات الفنانات، خصوصا في الستينيات والسبعينيات، حين انخرطن بوعي في التيارات الحداثية العالمية كالتعبيرية والتجريد، متجاوزات الصورة النمطية عن "الفن النسائي" العاطفي أو الرومانسي. وتذكر أسماء بارزة مثل بهجت صدر، ومنير فرمانفرمائيان، وسونيا بالاستانيان اللواتي جسّدن هذا التحول بجرأة ووعي.

إعلان

وتضيف أن المعرض يُعد الأول من نوعه الذي لم تُستبعد منه أي أعمال لأسباب سياسية أو ثقافية، في محاولة لتقديم رؤية شاملة ومحايدة لتاريخ الفن النسائي الإيراني. كما يضم مواد أرشيفية مرافقة – كدفاتر الفنانات وكتيباتهن – لإثراء الجانب البحثي.

ورشة الفنانة المشاركة فرزانه أسعدي ضمن معرض "برواية النساء" في العاصمة الإيرانية طهران (الجزيرة)مساحة للمقاومة

ومن جانبها، تقول نائبة وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي للشؤون الفنية نادرة رضائي، إن مجال الفن في إيران ما يزال "محاطا بالأحكام المسبقة"، رغم أنه من أكثر المجالات حاجةً إلى التفاهم والتلاحم. وتشير في حديثها للجزيرة نت إلى أن الفنانات يواجهن تحديات مضاعفة، ليس بالضرورة بسبب القوانين، بل نتيجة النظرة الاجتماعية، موضحةً أن بعض المؤسسات لا تزال تتجنب إشراك النساء لتفادي الضغوط.

وترى رضائي أن هذه القيود لم تمنع النساء من إثبات حضورهن، إذ "كلما أُغلقت الأبواب الرسمية، فتحت الفنانات نوافذ جديدة للتعبير عن أنفسهن". وتوضح أن انتشار التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي جعل من كل فنانة "وسيلة إعلام مستقلة بحد ذاتها"، قادرة على كسر العزلة وإيصال صوتها إلى الآخرين.

نائبة وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي للشؤون الفنية الإيرانية نادرة رضائي قالت إن الفنانات يواجهن تحديات مضاعفة (الجزيرة)

وبحسب رضائي، فإن معرض "برواية النساء" يربط بين أجيال الفنانات الإيرانيات، من الرائدات الأوائل إلى الفنانات المعاصرات، ليُظهر كيف عبّر كل جيل عن واقعه الاجتماعي والسياسي من خلال الفن. وتؤكد أن الوقت قد حان لمنح النساء فرصا متكافئة في إدارة المؤسسات الثقافية، إذ إن عدد النساء المتخصصات والبارعات في الإدارة كبير، فمثلا في مجال الخزف والسيراميك تبلغ نسبة النساء نحو 70 إلى 75% من العاملين في هذا الفن في إيران، لكن حضورهن في صنع القرار والإدارة الثقافية والفنية لا يزال محدودا للغاية.

وتشير رضائي إلى أن ضعف التمويل الثقافي يمثل أحد أكبر التحديات، غير أن الحل -كما تقول- يكمن في الابتكار، وتوسيع التعاون مع القطاع الخاص، وتمكين القيادات النسائية التي تمتلك حسّا فنيا وإداريا قادرا على تحويل الأزمات إلى فرص.

تمثال معروض في ورشة الفنانة المشاركة فرزانه أسعدي ضمن معرض "برواية النساء" في طهران (الجزيرة)الحجر الذي يتكلم

من أبرز الأعمال المعروضة تمثال حجري للفنانة فرزانه أسعدي، إحدى رائدات النحت في إيران. يجمع التمثال بين الصمت المادي والنطق الرمزي، ويعبّر عن علاقة الفنانة بالحجر ككائن حي. تقول أسعدي للجزيرة نت إنها شعرت وهي ترى عملها في المعرض بعد 25 عاما بـ"فرحة الأم التي تحتضن أحد أبنائها الغائبين".

تعد الفنانة فرزانه أسعدي إحدى رائدات النحت في إيران (الجزيرة)

تضيف أسعدي، التي نحتت مئات الأعمال داخل إيران وخارجها، أن الفن بالنسبة إليها "ليس ترفا بل وسيلة للبقاء والتعبير". وتقول: "أنا أعمل في النحت منذ نحو 40 عاما. كأم لـ3 أبناء وامرأة وحيدة، لم يكن الطريق سهلا. لكن الفن هو الذي منحني توازني. حجري صامت، لكنه يتكلم عني".

إعلان

وترى أن المعرض يمثل "اعترافا متأخرا بجهد نساء قضين أعمارهن بين الغبار والحجر"، مؤكدة أن "المرأة الإيرانية قد تكون صامتة أحيانا، لكن أعمالها تتحدث بصوت أعلى من أي خطاب".

أعاد "برواية النساء" إلى الواجهة أسماء فنانات شكّلن ملامح الفن الإيراني الحديث في ظروف اجتماعية وسياسية معقدة (الجزيرة)استعادة الصوت الأنثوي

لا يقتصر المعرض على الجانب الفني، بل يُقدَّم أيضا كمشروع بصري بحثي يوثق تطور الخطاب الجمالي لدى الفنانات الإيرانيات. فمن خلال مقارنة الأعمال القديمة بالحديثة، يمكن ملاحظة الانتقال من الرمزية والقيود الشكلية إلى التجريب والانفتاح على المواد الحديثة.

ويرى نقاد أن المعرض يمثل استعادة رمزية لصوت المرأة في الفضاء الثقافي الإيراني، في وقت تتجدد فيه النقاشات حول دورها في المجتمع. فكل لوحة وتمثال يشهد على مسار طويل من المقاومة الهادئة، التي لم ترفع شعارات، لكنها تركت أثرا عميقا في الذاكرة البصرية للبلاد.

ويواكب المعرض برنامج من ورش العمل والجلسات الحوارية للفنانات الشابات، تناقش مفهوم "الفن النسائي" وحدود تصنيفه، في حين تُعرض في إحدى القاعات تسجيلات مرئية لفنانات رائدات يتحدثن عن تجاربهن مع الفن في عقودٍ سابقة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات أن المعرض فی إیران إلى أن

إقرأ أيضاً:

غرفة الأثاث: معرض تراثنا للحرف اليدوية دعم من الدولة للمصنعين

قال علاء نصر الدين عضو مجلس إدارة غرفة صناعة منتجات الأخشاب والأثاث باتحاد الصناعات المصرية أن الغرفة شاركت في معرض “تراثنا” للحرف اليدوية والتراثية، والذي أنهى أعماله مؤخراً ، حيث أكد إن المعرض يمثل دعمًا من الدولة للمصنعين في المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر.

وأوضح نصر الدين في تصريحات صحفية اليوم، أن هذا الدعم جاء استجابة لرغبة الشباب ومطلبهم في كيفية مساعدة الدولة لهم في تسويق منتجاتهم.

وأكد أن المنتجات الحرفية والتراثية تتميز بأنها فريدة ولا يمكن تكرارها، مما يجعلها غير قابلة للمنافسة، ولا تُقدم من قبل أي دولة أخرى. كما أنها تحظى بإقبال كبير من السياح وزوار مصر، الذين يشترونها كذكريات أو هدايا للأصدقاء والعائلة.

اهتمام الدولة بالصناعات الحرفية

وأشار علاء نصر الدين إلى أن المعرض يؤكد مدى اهتمام الدولة بالصناعات الحرفية والتراثية، إضافة إلى أنه يعد تشجيعًا من الدولة لأصحاب المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة على تسويق منتجاتهم وزيادة إنتاجهم والتوسع في مشروعاتهم.

سحر نصر بعد تعيينها فى مجلس الشيوخ: أتعهد بالعمل بكل إخلاص وتفانٍ لخدمة الوطن والمواطنينوزيرة التخطيط تناقش التعاون مع الاتحاد الأوروبي في إطار مبادرة «البوابة العالمية»

وقدم نصر الدين الشكر والامتنان على تكريمه هو وأعضاء الغرفة ضمن فعاليات المعرض الذي أنهى أعماله أمس السبت بعد أن شارك أكثر من 1200 عارض، من رواد صناعات الحرف اليدوية على مستوى الجمهورية، ومن أنحاء الوطن العربى، شاركو إبداعاتهم على مدار ٨ أيام، بمعرض «تراثنا» للحرف اليدوية، الذى ينظمه جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، فى دورته السابعة، تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى أكبر ملتقى سنوى للحرفيين والمبدعين والفنانين من مصر والدول العربية، حيث يجتمع المشاركون لعرض إبداعاتهم الفنية المستوحاة من التراث، بمعايير عالمية، وسط حضور جماهيرى واسع، مشيراً أن التكريم يمثل شهادة على حرص الدولة على تشجيع الاستثمار.

وأضاف نصر الدين أن قطاع الأخشاب والأثاث يعد من القطاعات الواعدة القادرة على المنافسة في الأسواق الإقليمية والعالمية، خاصة مع تزايد الطلب على المنتجات التي تحمل الطابع المصري التراثي، مؤكدًا أن الغرفة تعمل على تشجيع المصنعين على التوسع في التصدير من خلال تطوير التصميمات وتحسين الجودة وفقًا للمعايير الدولية، بما يسهم في زيادة حصيلة الصادرات الصناعية ودعم الاقتصاد الوطني.

وأكد نصر الدين أن انعقاد معرض تراثنا يأتي ضمن سلسلة المبادرات التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي لدعم الحرفيين وتمكين أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة. ويعكس المعرض اهتمام الدولة بالحفاظ على الهوية الثقافية المصرية وتعزيز الصناعات التراثية.

وأعلنت الحكومة أن الاستراتيجية القومية للحرف اليدوية 2025- 2030، التى أعدها جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، بالتعاون مع مختلف الوزارات والجهات المعنية، تستهدف تحقيق أهداف طموحة، من بينها رفع قيمة صادراتنا من الحرف اليدوية إلى 600 مليون دولار بحلول عام 2030، مع زيادة حصة المنتجات اليدوية المصرية لتصل إلى 70٪ من السوق المحلية، بالإضافة لتوفير 120 ألف فرصة عمل جديدة، مع الحفاظ على استدامة فرص العمل القائمة، فضلا عن تنمية 15 تكتلًا حرفيًا طبيعيًا على مستوى الجمهورية، علاوة على زيادة المشروعات الرسمية العاملة فى القطاع بنسبة 10٪ سنويًا.

 

طباعة شارك معرض تراثنا المنتجات اليدوية صادرات المشروعات الصغيرة الصناعات التراثية

مقالات مشابهة

  • تقرير أميركي يعيد قراءة حرب الثمانينيات.. دروس دائمة للجيوش الحديثة
  • النفوذ الإيراني يتهاوى... والحوثيون آخر أوراقها المحترقة.. محور المقاومة يتفكك
  • افتتاح معرض "الظل الثالث" بأتيليه جدة غدا
  • افتتاح معرض «الفن والطبيعة» بكلية التربية النوعية بالفيوم
  • افتتاح المعرض الطلابي "الفن والطبيعة" بكلية التربية النوعية بالفيوم
  • اليمن يحصد الميدالية البرونزية في معرض إكسبو الدولي باليابان
  • غرفة الأثاث: معرض تراثنا للحرف اليدوية دعم من الدولة للمصنعين
  • وزير الري يفتتح معرض منتجات وابتكارات فى مجال إدارة المياه
  • الزليج الجزائري يفوز بالميدالية الفضية في معرض إكسبو باليابان