الغاز التركمانستاني.. صراع أنابيب وسيادة بين بغداد وواشنطن
تاريخ النشر: 20th, October 2025 GMT
20 أكتوبر، 2025
بغداد/المسلة: تمخّضت الأزمة الطاقوية في العراق عن وجهٍ جديد من التعقيد السياسي، بعدما اصطدمت صفقة الغاز مع تركمانستان بجدار الرفض الأمريكي الصلب.
وبرزت واشنطن مجددًا كوصيّ غير معلن على القرار الاقتصادي العراقي، إذ رفضت السماح لبغداد باستيراد الغاز التركماني بدعوى أن مسار الصفقة يمرّ عبر الأراضي الإيرانية، وهو ما تعتبره خرقًا للعقوبات المفروضة على طهران.
وظهرت ملامح الاتفاق بين بغداد وعشق آباد كخطة طموحة لتخفيف الاعتماد على الغاز الإيراني، بعد سنوات من الضغط الشعبي والاقتصادي الناجم عن انقطاعات التيار الكهربائي وديون الغاز المتراكمة.
واتفق الطرفان على توريد عشرة ملايين متر مكعب يوميًا في الشتاء، وعشرين مليونًا في الصيف، مع إمكانية رفع الكميات لتغطية نصف واردات الغاز الإيراني تقريبًا.
لكن المفارقة أن الغاز التركماني لن يصل إلى العراق مباشرة، بل سيُضخ إلى الشمال الإيراني مقابل تزويد طهران بغداد بكميات مماثلة من غازها المحلي، في آلية مقايضة تتقاطع فيها مصالح ثلاث دول وحدود ثلاث عقوبات.
واستمر الغموض يلف مصير الاتفاق، إذ لم يدخل بعد حيز التنفيذ بانتظار تحديد الشركة الوسيطة التي ستضمن تدفق الإمدادات وتتعهد بالتعويض في حال الانقطاع، سواء ماليًا أو بوقود من مصدر بديل. وتم الاتفاق مبدئيًا على أن تُدار العمليات المالية عبر المصرف العراقي للتجارة لضمان الشفافية والتمويل، في حين عرضت بغداد إشراك طرف دولي ثالث لمراقبة الالتزام بالعقوبات وقواعد مكافحة غسل الأموال.
وبيّن الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي أن واشنطن ترى في الصفقة محاولة التفاف غير مباشرة على نظام العقوبات، إذ إن مرور الغاز عبر إيران يعني تدفق أموال جديدة إلى طهران، بما يعزز قدرتها الاقتصادية ويقوّض سياسة “الضغط الأقصى” التي تتبناها الولايات المتحدة. وتحذّر واشنطن من أن المضي بالاتفاق دون موافقتها سيعرّض المصارف العراقية والمؤسسات المالية للعقوبات، في وقت يرزح فيه الاقتصاد العراقي أصلًا تحت رقابة مالية صارمة من الخزانة الأمريكية.
وتتأرجح بغداد بين مطرقة الحاجة الملحّة للطاقة وسندان القيود السياسية، وهي تدرك أن كل خطوة في ملف الغاز باتت خاضعة لحسابات دقيقة لا تتعلق بالاقتصاد فحسب، بل بموازين القوى في المنطقة. ويبدو أن صفقة الغاز التركماني تحولت من مشروع إنقاذ اقتصادي إلى اختبار جديد لاستقلال القرار العراقي، وسط صراع النفوذ بين واشنطن وطهران على أرض الرافدين.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts
المصدر: المسلة
إقرأ أيضاً:
تعداد سكاني بأرقام تخالف المنطق
11 دجنبر، 2025
بغداد/المسلة:
كتب علي مارد الأسدي: ليس من المبالغة القول إن الأرقام، حين تتعلق بالسكان، تتحول من مجرد بيانات إلى أساس للعدالة في التخطيط والخدمات والتمثيل. ومن هذا المنطلق، تثير نتائج التعداد السكاني الأخير لقضاء الزهور (الحسينية) في بغداد تساؤلات جدية حول مهنية ودقة نتائج تعداد عام 2024.
فبحسب بيانات منشورة عام 2013 ومنسوبة إلى وزارة التخطيط، وربما مأخوذة من وزارة التجارة (نظام البطاقة التموينية) بلغ عدد سكان قضاء الزهور 257,985 نسمة. لكن بعد مرور اثنتي عشرة سنة كاملة، يفاجئنا التعداد السكاني لعام 2024 برقم أقل، يبلغ 250,170 نسمة، وبمعدل زيادة 2.56%!!
وهي أرقام لا تمت للواقع بصلة، في واحدة من المناطق الحضرية المكتظة داخل العاصمة.
المنطق الديموغرافي البديهي يقول إن المناطق الحضرية في بغداد تشهد نموًا سكانيًا مستمرًا، تغذيه الولادات المرتفعة، والتوسع العمراني، والهجرة الداخلية. وقضاء الزهور تحديدًا لم يشهد حربًا، ولا تهجيرًا جماعيًا، ولا كوارث طبيعية، ولا مشاريع إخلاء واسعة. بل على العكس، شهد توسعًا عمرانيًا واضحا، وازديادًا في أعداد المدارس، وضغطًا متصاعدًا على الكهرباء والماء… فكيف يعقل أن ينخفض عدد السكان بدل أن يرتفع؟!
وحتى باعتماد معدل نمو سكاني متحفظ جدًا لا يتجاوز 2% سنويًا، كان يفترض أن يبلغ عدد سكان القضاء بعد 12 سنة ما لا يقل عن 327 ألف نسمة. أما إن اعتمدنا المعدلات الطبيعية المعمول بها في بغداد، فإن الرقم المنطقي يتراوح بين 340–370 ألف نسمة.
والسؤال البسيط هنا:
أين ذهب أكثر من مئة ألف مواطن؟
هل هو خلل في المنهج أم في التطبيق؟
نقرأ ونسمع أن الكثيرين من سكنة قضاء الزهور لم يطرق بابهم المكلف بالتعداد.
كما أن أعداد كثيرة من المشمولين بالرعاية الإجتماعية قد امتنعوا عن المشاركة بالتعداد خشية أن يكون هناك تقاطع معلوماتي مع بياناتهم المدرجة في نظام الرعاية الاجتماعية.
أن هذا الفارق الكبير لا يمكن تبريره بهامش خطأ إحصائي، ولا يمكن تمريره بوصفه “تفاوتًا طبيعيًا”. بل يطرح أسئلة جوهرية عن طبيعة وحقيقة العد، وعن منهجية الجمع والمعالجة التي لم تنشر تفاصيلها بشفافية.
الأخطر من ذلك أن هذه الأرقام ستبنى عليها خطط خدمية، وتوزيعات مالية، وقرارات تمثيلية… وكل خلل فيها يعني ظلمًا صامتًا يتجاوز حدود المنطقة وسكانها.
إن التعامل مع الإحصاء السكاني بوصفه شأنًا تقنيًا محضًا هو تبسيط مخادع. فالأرقام تملك أثرًا سياسيًا واقتصاديًا مباشرًا، وأي تلاعب أو إهمال فيها يفتح الباب أمام إعادة رسم الواقع على الورق، لا على الأرض.
وإذا كانت وزارة التخطيط واثقة من نتائجها، فإن الطريق الأسلم هو نشر المنهجية كاملة، وتوضيح أسباب التراجع العددي، وإعادة تدقيق بيانات قضاء الزهور علنًا _ كنموذج من عدة نماذج _ ومن قبل جهة رقابية محايدة.
وأما الاكتفاء بأرقام تناقض الواقع والعقل والمنطق، فلن يؤدي إلا إلى تراكم المزيد من الفشل الحكومي، والتخبط الإداري، وفقدان الثقة، ليس بالأرقام وحدها، بل بالحكومات ومؤسسات الدولة بشكل عام.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author زينSee author's posts