إيلي كوهين في البحرين..تسارع غير مدروس
تاريخ النشر: 8th, September 2023 GMT
إيلي كوهين في البحرين..التسارع غير المدروس
الغضب الشعبي تُرجم باستنكار شديد من جانب شخصيات سياسية ووطنية ومن عامة الناس، كون التطبيع محل تندّر شعبي واضح!
في البحرين إصرار رسمي على الانغماس في العلاقة مع "إسرائيل"رغم التحديات والأضرار المحتملة والسخط الشعبي الذي يعبّر عنه الكبير والصغير.
هذا الإصرار و"المسارعة" في مسار التطبيع مع العدو، يعبّر عن تيه سياسي فاقع، كمن يقوم بضر نفسه بأعمال غير مدروسة من شدة الاضطراب أو العجلة.
السياسة الخارجية للبحرين لا تجري باستقلالية عن دول الخليج الداعمة للنظام، لكن ثمة رغبة لدى العائلة الحاكمة بكسر التقليد الذي مشت عليه عقودا.
لا أحد في البحرين يرى مصلحة حقيقية في التقارب مع "إسرائيل" بل الاعتقاد ينصب في المخاطر الأمنية التي سيجلبها الكيان الصهيوني إلى المملكة الخليجية الصغيرة.
قد تعين "إسرائيل" الأمن البحريني على قمع المعارضين بتقنيات تجسس عالية وأساليب استخبارية جديدة وهذه إن سُميت فائدة فهي بالتأكيد ليست فائدة وطنية!
كل الدول التي طبعت مع الكيان الصهيوني إما أنها دول مانحة، أو دول متضررة، وهذا الحديث لا يخفى على المسؤولين البحرينيين بطبيعة الحال، فهل الكيان الغاصب لعنة؟
* * *
وسط غضب شعبي عارم في البحرين، زار وزير خارجية الكيان الصهيوني إيلي كوهين المنامة؛ لفتح سفارة الكيان يوم الأحد 3 أيلول/سبتمبر الجاري، وهي الزيارة الرسمية الأولى له إلى دولة خليجية.
مُهرت الزيارة بعنوان عريض وهو فتح السفارة، لكن ثمة اتفاقيات تجارية مطروحة على الطاولة قد يبحثها الوزير مع المسؤولين في البحرين، خصوصاً وأن الوفد المرافق للوزير الصهيوني يضم عدداً من المسؤولين الاقتصاديين ورجال الأعمال.
الغضب الشعبي تُرجم باستنكار شديد من جانب شخصيات سياسية ووطنية ومن عامة الناس، كون التطبيع محل تندّر شعبي واضح، لكن نظراً إلى عدم وجود مؤسسات ديمقراطية في البلاد، يتبخر الصوت الرافض للتطبيع.
وتمضي الإرادة السياسية للملك حمد في تمتين هذه العلاقة بين بلد صغير لا يتحمل هزات الإقليم المحتملة، وبين كيان مهزوز فاضت مشكلاته الداخلية والخارجية وبات أضعف من ذي قبل.
السياسة الخارجية للبحرين، وكما ذكرتُ مراراً، لا تجري باستقلالية عن رأي الأشقاء الخليجيين الداعمين للنظام، لكن في الوقت نفسه، ثمة رغبة لدى العائلة الحاكمة أن تكسر التقليد الذي مشت عليه المنامة لعشرات العقود.
وكسر هذا التقليد له أسبابه السياسية والاقتصادية والأمنية التي طالما تحدثنا عنها بالتفصيل في مقالات سابقة، لكن ثمة أمر مهم في حلقة هذا التيه السياسي، وهو أن المسؤولين البحرينيين يعتقدون أن المسارعة إلى التطبيع ستؤدي إلى المسارعة في كسب الغنائم المحتملة منه.
فرغم أن التطبيع بدأ قبل ثلاث سنوات، فإن الآثار انحصرت في الأضرار لا الفوائد، فهناك ما عُرف بتهويد المنامة، عبر شراء اليهود عدداً من العقارات لبيعها عبر أكثر من وسيط إلى صهاينة يرغبون في استيطانها.
كما أن ثمة أنشطة ثقافية لـ"إسرائيل" تعمل على تنفيذها على أرض الواقع، غير أن التحكم بتقنية المياه والأمن يدر على "إسرائيل" حظوة سياسية أكثر مما يفيد البحرين من الناحيتين التقنية والاقتصادية.
وتسعى السلطة جاهدة عبر التطبيع الاقتصادي والثقافي إلى جر الناس إلى التأقلم مع هذا الفعل، ويتذكر البحرينيون ما قاله وزير الصناعة والتجارة والسياحة زايد بن راشد الزياني في كانون الأول/ديسمبر 2020 لموقع "تايمز أوف إسرائيل" إنه "لن يمنع أي منتج إسرائيلي"، علماً أن البضائع المكتوب عليها "صنع في إسرائيل" شوهدت في الأسواق البحرينية منذ تموز/يوليو 2009.
ثمة إصرار رسمي على الانغماس في العلاقة مع "إسرائيل"، رغم كل التحديات والأضرار المحتملة، ورغم كل الغضب الشعبي الذي يعبّر عنه الكبير والصغير، وهذا الإصرار الذي نعتّهُ بــ "المسارعة"، يعبّر عن تيه سياسي فاقع، كمن يقوم بضر نفسه بأعمال غير مدروسة من شدة الاضطراب أو العجلة.
وحتى لو كان الجانب الرسمي يتبع تعليمات إماراتية وسعودية في هذا المجال، لشق طريق التطبيع وتعبيده لدول أخرى، فإن المسارعة في حدّ ذاتها تعجل من النتائج التي غالباً ما تكون عكسية.
لم يزدهر جنوب السودان، ولم تخرج مصر من أزمتها ولم تتشاف الأردن من مشكلتها الاقتصادية وكل الدول التي طبعت مع الكيان الصهيوني إما أنها دول مانحة، أو دول متضررة، وهذا الحديث لا يخفى على المسؤولين البحرينيين بطبيعة الحال، فهل الكيان الغاصب لعنة؟
القياسات بطبيعة الحال تختلف، وإذا ما أردنا الحديث على المستوى السياسي، فقد يقال إن أحد مصادر الرخاء النسبي في كردستان العراق هو العلاقة مع "إسرائيل"، لكن لو صح ذلك على المستوى الاقتصادي-وهو غير صحيح-فإن هذا الكيان جلب لكردستان العراق المزيد من الكوارث، ثم أن النفط الكردي يباع إلى "تل أبيب" بثمن بخس أقل من سعر السوق، وسياسة الاستحواذ-على العقارات والتجارة- التي يقوم بها الإسرائيليون لم تستثن كردستان، وهكذا سيجري في البحرين إن مضت قُدماً في تطبيعها المرفوض من جانب البحرينيين.
نعم؛ قد تعين "إسرائيل" الأمن البحريني على قمع المعارضين عبر تقنيات تجسس عالية وأساليب استخبارية جديدة، وهذه إن سُميت فائدة فهي بالتأكيد ليست فائدة وطنية، أي لا تصب في صالح الأمن القومي والرفاه الاجتماعي، بل ستزيد من هوة الفجوة ما بين النظام الحاكم والشعب.
ثم أن أي حديث عن فوائد حقيقية على المستوى التجاري مشكوك في نجاحه لعدة أسباب، إن كانت التجارة البينية ستشمل البضائع الاستهلاكية من غذاء وأجهزة وما شاكلهما، فإن سيف المقاطعة سينزل على هذا النوع من التجارة، وكذلك فإن السياحة لن تكون ساحة مريحة للإسرائيليين في البحرين.
أما إذا كانت التجارة تتصل بما تصدره المنامة من نفط وألمنيوم، ففي الأمر نقاش، كون النفط المستهلك داخل الكيان يسد معظمه النفط الكردي، فبحسب تقرير نشرته "الفايننشل تايمز" الأميركية في 2015 فإن 77% من حاجة الاستهلاك داخل "إسرائيل" يغطى من النفط الآتي من كردستان، في حين أن أربيل وثقت العلاقة على كل المستويات مع الكيان الصهيوني في السنوات التي تلت 2015.
أما شراء الكيان الغاصب للألمنيوم البحريني، فقد تحدث السفير الإسرائيلي إيتان نائيه العام الماضي، وتحديداً في كانون الثاني/يناير 2022، في مقابلة له مع صحيفة "الأيام" المقربة من الديوان الملكي، عن أن "إسرائيل" بدأت بالفعل باستيراد الألمنيوم من البحرين من دون تقديم أي أرقام حول حجم الاستيراد أو سعره.
وفعلياً لن يضيف ذلك إلى البحرين شيئاً؛ لأن كمية التصدير محددة ولا تتوقف على بلد ما، أي أن الألمنيوم البحريني مطلوب كون شركة "ألبا" من أجود مصدري الألمنيوم في الشرق الأوسط، بحسب بعض التقارير.
لا أحد في البحرين يعتقد أن ثمة مصلحة اقتصادية حقيقية في التقارب مع "إسرائيل"، بل الاعتقاد ينصب في المخاطر الأمنية التي سيجلبها الكيان الصهيوني إلى المملكة الخليجية الصغيرة.
*عباس الجمري كاتب وباحث بحريني
المصدر | الميادين نتالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: البحرين التطبيع إسرائيل ايلي كوهين الكيان الصهيوني الکیان الصهیونی فی البحرین یعب ر عن
إقرأ أيضاً:
التفكيك ونشر الفوضى خيار إسرائيل بسوريا بدل التطبيع معها
في الوقت الذي تتداول فيه وسائل إعلام وتقارير غربية تسريبات عن قنوات اتصال غير معلنة بين إسرائيل والحكومة السورية الجديدة، تكشف مصادر دبلوماسية وتحليلات ميدانية أن الاحتلال الإسرائيلي لا يُبدي حماسا حقيقيا لتطبيع العلاقات مع دمشق، بل يتحرك في اتجاه مغاير تماما.
وتشير التقديرات إلى أن إسرائيل تستخدم التطبيع كأداة ضغط سياسي ودبلوماسي، بينما تمارس على الأرض سياسات تعرقل أي استقرار محتمل في سوريا، سواء عبر الضربات الجوية، والتوغلات البرية التي بدأت منذ اليوم الأول لسقوط النظام المخلوع، أو من خلال التدخل بالشؤون الداخلية لبقاء الوضع الأمني والسياسي في حالة اضطراب دائم.
يثير هذا التناقض بين الخطاب العلني والسلوك الفعلي علامات استفهام واسعة حول نوايا إسرائيل الحقيقية في مرحلة ما بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، فما الذي يدفع إسرائيل لتفضيل الفوضى على التطبيع؟ وما العوامل التي تشكل هذا الموقف شبه المعلن؟
تفضل إسرائيل حسب مؤشرات عدة، وتصريحات لمسؤولين أمنيين وعسكريين، الإبقاء على الوضع السوري هشا مفككا، وترى في استمرار الفوضى وضعف السلطة المركزية بيئة مناسبة لتحركاتها الأمنية، بما يخدم مصالحها الإستراتيجية في المنطقة.
ويرى مختصون بالشأن الإسرائيلي أن هذا الواقع الهش في سوريا يحقق للاحتلال الإسرائيلي هدفا مزدوجا، فمن جهة يمنع تشكّل نظام سياسي قوي قد يطالب ويضغط مستقبلا باسترجاع الجولان المحتل وباقي الأراضي التي احتلتها إسرائيل مؤخرا.
ومن جهة أخرى يوفّر بيئة تسمح بتقليص نفوذ أي جماعة ترى فيها إسرائيل أنها تشكل خطرا على أمنها القومي، سواء أكانت هذه المجموعات لـ"حزب الله" أم مجموعات فلسطينية، إضافة إلى مجموعات أخرى.
إعلانوفي مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي، أشار الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية تامير هيمان إلى أن "الفوضى في سوريا مفيدة" بالنسبة لإسرائيل، حيث يرى أن استمرار الصراع الداخلي بين القوى المختلفة في سوريا يسهم في تقليل التهديدات الأمنية الموجهة إلى إسرائيل.
وأضاف "دعهم يتقاتلون مع بعضهم البعض" في إشارة إلى التوترات التي تشهدها الساحة السورية بعد سقوط النظام.
وتعليقا على هذا الجانب، يرى الباحث في معهد كارنيغي للدراسات، مهند الحاج علي، أنه خلافا لما يتم تداوله في وسائل الإعلام حول سعي تل أبيب لتوسيع "الاتفاقيات الإبراهيمية" في المنطقة، فإن "التطبيع" مع سوريا ليس هدفا لإسرائيل، التي تنطلق في تعاملها مع الوضع السوري الجديد من مقاربة أمنية بحتة.
ويتابع الحاج علي حديثه للجزيرة نت بالقول إن إسرائيل تستثمر في التوترات الداخلية في سوريا من خلال دعم بعض الأطراف كالدروز أو قوات قسد، لأن التعامل مع دولة ضعيفة ومفككة، مع وجود أتباع لإسرائيل على الأرض، أفضل من التطبيع مع نظام قد يكون معاديا لها في المستقبل.
القلق من خلفية الحكام السوريين الجددتعرب إسرائيل منذ سقوط النظام المخلوع عن قلقها المتزايد من سيطرة "هيئة تحرير الشام" والفصائل التي تصفها بـ"الإرهابية" على السلطة في دمشق، وتقول إنها تسعى بالمقابل لاتخاذ إجراءات استباقية لمنع تمركز الجيش السوري الذي يتشكل من هذه الجماعات بالقرب من الجولان، لذلك احتلت بعد يوم من سقوط النظام المنطقة العازلة بين البلدين، ملغية بذلك اتفاقية "فض الاشتباك" الموقعة عام 1974 بين البلدين.
هذا الخوف عبرت عنه العديد من التصريحات الإسرائيلية، إضافة إلى مراكز الأبحاث المختصة بالشؤون الأمنية في تل أبيب، فوفقا لتقرير صادر عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، فإن إسرائيل ترى في "غياب سلطة مركزية فعالة في سوريا، إلى جانب تصاعد نفوذ الجماعات الجهادية تهديدا مباشرا لأمنها"، كما أشار تقرير آخر إلى أن "هيئة تحرير الشام" قد سيطرت على معابر حدودية رسمية، مما أدى إلى خلق وضع أمني هش على جانبي الحدود.
إعلانوأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس في ديسمبر/كانون الأول 2024 أن إسرائيل أوعزت للجيش بإنشاء "منطقة دفاعية خالية من السلاح على الحدود السورية"، مؤكدا أن تل أبيب "لن تسمح لأي كيان إرهابي بالعمل ضدها من وراء الحدود".
ويرى الباحث حاج علي أن قلق الإسرائيلي من طبيعة السلطة الجديدة في دمشق هو الجانب الأكثر حساسية لإسرائيل تجاه سوريا، إذ تعتبر تل أبيب السلطات الجديدة جماعة إسلامية جهادية لا يمكن التعامل معها إلا بطرق أمنية وعسكرية، بعيدا عن التواصل السياسي والدبلوماسي.
من ناحيته، يرى الأكاديمي المختص بالشأن الإسرائيلي، خالد خليل، في حديثه للجزيرة نت، أن نتنياهو وحكومته المتطرفة تدرك أنه لا توجد تهديدات أمنية حقيقة للأمن القومي الإسرائيلي من السلطة الجديدة في دمشق، ولكنهم يحاولون إثارة الفوضى والتدخل في سوريا هروبا من أزماتهم الداخلية، والضغوط التي يمارسها عليهم الشارع الإسرائيلي على خلفية الحرب في غزة.
ما علاقة تركيا؟إلى جانب خشيتها من صعود جماعات إسلامية قرب حدودها، لا تُخفي إسرائيل توجسها من تمدد النفوذ التركي داخل سوريا، وخاصة في ظل وجود علاقة وثيقة بين الحكومة السورية الجديدة وأنقرة.
ترى إسرائيل أن أي إدارة سورية ذات توجهات قريبة من الحكومة التركية قد تعيد تشكيل المعادلات في الجنوب السوري، بما يُضعف قدرة إسرائيل على فرض معادلات الردع القديمة، ويمنح أنقرة موطئ قدم في الجنوب السوري.
وفي هذا السياق، يعتقد رائج أبو بدوية أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة العربية الأميركية أن الهدف الإستراتيجي والمحرك الأساسي للإسرائيليين هو تشجيع الانقسامات، وخلق كيانات سياسية داخل سوريا حليفة للإسرائيليين عبر دعم جماعات عرقية أو طائفية معينة.
وتكمن غاية إسرائيل من هذه الخطوة، حسب حديث أبو بدوية للجزيرة نت، بإحداث نوع من التوازن مقابل النفوذ التركي الذي تراه إسرائيل يتمدد يوما بعد يوم في سوريا، بسبب قرب الحكومة في دمشق من أنقرة.
إعلانويرى أبو بدوية أن إسرائيل لا يمكن أن تذهب بعيدا في تحدي النفوذ التركي في سوريا، أو فرض واقع عسكري أمني في سوريا؛ بسبب وجود مصالح وتقاطعات قوية مع الولايات المتحدة ومع الاتحاد الأوروبي، ولأن تركيا قوة إقليمية وعضو فعال في "الناتو".
وفي 10 أبريل/نيسان الماضي، عقدت تركيا وإسرائيل اجتماعا في مدينة باكو بأذربيجان بشأن خفض التوتر ومنع الصدام في سوريا، على خلفية تزايد المخاوف والتحذيرات الإسرائيلية، بعد أنباء عن نية أنقرة إقامة قواعد عسكرية في سوريا أبرزها في مطار التيفور قرب تدمر وسط البلاد.
تشير تقارير أمنية وعسكرية إلى أن عملية "طوفان الأقصى" شكلت نقطة تحول فارقة في طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي، ووضعت الاحتلال أمام تحد وجودي، فلم يعد يكتفي بالرد، بل فعّل إستراتيجية هجومية متدحرجة تجاوزت غزة، لتطال الجبهتين اللبنانية والسورية، في محاولة لإعادة هندسة البيئة الأمنية المحيطة، وفرض وقائع ميدانية جديدة تفضي إلى تغيير الجغرافيا السياسية في أكثر من ساحة.
وتعليقا على هذه الإستراتيجية في الحالة السورية، يؤكد الأكاديمي خالد خليل أن إسرائيل تحاول عبر كل هذه الضغوطات الوصول إلى ترتيبات أمنية مع الإدارة الجديدة، وهذا مرتبط بـ"طوفان الأقصى" وما فرضه من تغييرات على العقيدة العسكرية الإسرائيلية إذ لجأت إسرائيل إلى إستراتيجية الأحزمة الآمنة".
وحسب هذه الإستراتيجية، تعمل إسرائيل على نقل المعركة إلى أرض العدو على حد وصفها، لكي لا يتكرر سيناريو "طوفان الأقصى"، لذلك وسع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحرب على الجنوب اللبناني، إضافة إلى أجزاء من سوريا في حين تسمى عملية "سهام الشمال"، وهذا ما لا يتاح لإسرائيل القيام به إن التزمت باتفاقية "تطبيع" مع دمشق.
إعلانوكانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" كشفت في 24 فبراير/شباط عن إستراتيجية عسكرية جديدة لإسرائيل تهدف إلى إنشاء نظام دفاعي بري ثلاثي الطبقات لحماية حدودها مع كل من سوريا وقطاع غزة وجنوب لبنان.
وأضافت الصحيفة أن الكشف عن هذه الخطة يتزامن مع تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي لدمشق بإخلاء منطقة الجنوب السوري من قوات "هيئة تحرير الشام" والجيش السوري الجديد، ونزع السلاح فيها.
يرى مراقبون أن إسرائيل لا ترغب في تفكيك سوريا بالكامل خشية الفوضى، ولا في قيام دولة مركزية قوية يمكن أن تعيد التوازن الإقليمي، لكنها تسعى مقابل كل ذلك إلى فرض نوع من "التطبيع الأمني"، يُبقي دمشق تحت سقف السيطرة ويمنح تل أبيب ما تريده من تهدئة وتنسيق دون الاعتراف أو الشراكة.
وفي هذا السياق، نقلت وكالة "رويترز" عن 3 مصادر وصفتها بـ"المطلعة" أنباء عن وجود قناة تواصل غير معلنة بين سوريا وإسرائيل، وأكد مصدر أمني سوري رفيع المستوى أن القناة الخلفية تنحصر في ملفات مكافحة الإرهاب، ولا تشمل الشؤون العسكرية الخالصة، وعلى وجه الخصوص أنشطة جيش الاحتلال الإسرائيلي داخل الأراضي السورية.
ومن الصعوبات التي تقف بوجه تطبيع العلاقات بين البلدين هو وجود انقسامات حادة في المجتمع السوري ورفض شعبي لهذا الموضوع، إضافة إلى أن الحكومة الحالية هي حكومة انتقالية لا تمتلك صلاحيات اتخاذ مثل هذه القرارات الإستراتيجية.
وكانت صحيفة "هآرتس" العبرية تحدثت عن زيارة سرية أجراها وفد من المسؤولين السوريين إلى إسرائيل أواخر أبريل/نيسان الماضي. وضم الوفد السوري مسؤولين من محافظة القنيطرة، إلى جانب شخصية بارزة في وزارة الدفاع، وعقدوا سلسلة لقاءات مع مسؤولين في وزارة الدفاع الإسرائيلية داخل إسرائيل، في زيارة وُصفت بأنها غير معلنة وجرت في أجواء من السرية التامة.
إعلانوالأربعاء الماضي، قال الرئيس أحمد الشرع للصحفيين في قصر الإليزيه خلال زيارته إلى فرنسا "نجري مفاوضات مع إسرائيل عبر وسطاء لتهدئة الأوضاع ومنع فقدان السيطرة".