لائحة الاتهامات بحق مينينديز.. هذا ما تكشفه بمسار العلاقات الأمريكية المصرية
تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT
سلطت الناشطة المصرية، مي السعدني، الضوء على اتهام السيناتور الأمريكي، بوب مينينديز، بتلقي رشى والعمل لصالح مصر، مشيرة إلى الاهتمام العام في الولايات المتحدة تركز في الغالب على "تفاصيل سخيفة" للائحة الاتهام، مثل سبائك الذهب التي أهديت إلى مينينديز، لكن اللائحة تثير أيضًا تساؤلات جدية حول تدخل الحكومة المصرية في المصالح الأمريكية.
وذكرت مي، في مقال نشرته بمدونة "لو فير Lawfare" الأمريكية المتخصصة في قضايا الأمن القومي، وترجمه "الخليج الجديد"، أن اللائحة تتهم مينينديز بإساءة استخدام دوره القيادي في السياسة الخارجية الأمريكية للموافقة على صفقات لصالح النظام المصري، ولتثبيط وعرقلة شروط المساعدات العسكرية، إضافة إلى تبادله لمعلومات سرية مع مسؤولين أمنيين وعسكريين في مصر على حساب الاعتبارات الأمنية الأمريكية.
وأضافت: "وسط كل النكات حول سبائك الذهب، لا ينبغي للمعلقين أن يفقدوا فهمهم لما قد تعنيه هذه الاتهامات بالنسبة لمستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر".
فعلى مدار عقود من الزمن، تبلور نهج الولايات المتحدة في علاقتها مع مصر من خلال المساعدات العسكرية التي زادت قيمتها حتى الآن على 50 مليار دولار، إضافة إلى 30 مليار دولار من المساعدات الاقتصادية، وذلك نتيجة تفاهم قديم مفاده أنه بدون هذه الوعود، فإن مصر لن تحافظ على السلام مع إسرائيل.
وتقول وزارة الخارجية الأمريكية إن مصر "شريك مهم للولايات المتحدة في عمليات مكافحة الإرهاب ومكافحة الاتجار بالبشر وعمليات الأمن الإقليمي"، ولكن هل مصر هي حقاً الشريك الأمني الذي يمكن الاعتماد عليه كما تصفه الولايات المتحدة؟
تجيب مي السعدني من لائحة الاتهام بأمثلة إضافية على تلقي مينينديز رشاوى للتدخل في بنود جدول أعمال السياسة الأمريكية بناء على طلب من المسؤولين المصريين، بما في ذلك قضايا حقوق الإنسان، والمبيعات العسكرية الأجنبية، والنزاع مع إثيوبيا بشأن سد النهضة ومياه نهر النيل والوصول إليها.
اقرأ أيضاً
رشاوي مينينديز.. دعوات متصاعدة بواشنطن لاستقالته وحجب المساعدات العسكرية لمصر
ووفقا للائحة، وافق مينينديز على أو إلغاء القيود المفروضة على المساعدات الأمريكية ومبيعات المعدات العسكرية لمصر ونقل ذلك إلى رجل الأعمال، رئيس الشركة الإسلامية للحوم الحلال، وائل حنا، الذي قام بدوره بإبلاغ المسؤولين المصريين.
وتوفر الشركة، التي منحتها الحكومة المصرية احتكارًا حصريًا لشهادة صادرات الأغذية الأمريكية في سوق اللحوم الحلال إلى مصر، "مصدرًا للإيرادات" يمكن من خلاله دفع الرشاوى، بحسب الكاتبة، مشيرة إلى أن وسائل إعلام مصرية مستقلة، بينها موقع "مدى مصر" كشفت، في عام 2019، عن علاقات للشركة بمؤسسات أمنية رفيعة المستوى في مصر.
وأشارت إلى مزاعم بأن مسؤولي المخابرات المصرية دعوا مينينديز لمواجهة اعتراضات وزارة الزراعة الأمريكية لاحتكار الشركة الإسلامية للحوم الحلال للسوق المصرية، وهو ما فعله مينينديز، ورغم أن لائحة الاتهام تشير إلى أن مسؤولي وزارة الزراعة الأمريكية لم يستجيبوا لمطالب مينينديز، إلا أن الشركة احتفظت باحتكارها.
سجل التدخلات المصرية
وفي وصفه للعلاقة بين الولايات المتحدة ومصر، يشير الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية الأمريكية إلى "قرن من التعاون الدبلوماسي والصداقة"، ويتناول بالتفصيل المساعدات والاستثمارات الأمريكية المكثفة في مصر، إلى جانب التعاون في النزاعات الإقليمية والتجارة والمناخ، إضافة إلى "شراكة دفاعية تمتد لعقود من الزمن"؛ وبرامج التبادل المهني والأكاديمي.
وتعد مصر ثاني أكبر متلق للتمويل العسكري الأجنبي الأمريكي بعد إسرائيل. وفي مواجهة الأدلة الشاملة على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، انتقدت الولايات المتحدة، في بعض الأحيان، سجل مصر واشترطت ربط نسبة مئوية من المساعدة بحالة حقوق الإنسان، وهي مناقشة تستهلك اهتمام دوائر السياسة الخارجية سنويا.
وتصف مي السعدني قبول ميندينينز الرشاوى واتخاذه إجراءات بناءً على طلب حكومة أجنبية، على حساب المصالح الأمريكية، بأنه "أمر لا يصدق"، لكنها أشارت إلى أنها "ليست المرة الأولى التي يتدخل فيها مسؤولو الحكومة المصرية بشكل غير لائق في السياسة الخارجية الأمريكية".
ففي يناير/كانون الثاني 2022، تم إلقاء القبض على رجل من نيويورك، يُدعى بيير جرجس، بعد أن كشف المحققون أنه كان يعمل "بتوجيه وسيطرة العديد من المسؤولين في الحكومة المصرية في محاولة لتعزيز مصالح الحكومة المصرية في الولايات المتحدة دون التسجيل كوكيل عن مصالح دولة أجنبية".
ومن بين أمور أخرى، زعمت وزارة العدل الأمريكية أن جرجس حصل على معلومات عن معارضين سلميين في الولايات المتحدة، وجمع معلومات غير علنية من مسؤولي إنفاذ القانون، ونسق اجتماعات بين سلطات إنفاذ القانون الأمريكية والمصرية في الولايات المتحدة.
وإزاء ذلك، ترى مي السعدني أن السلطات المصرية أصبحت متواطئة في عدد متزايد من حوادث القمع العابر للحدود الوطنية، حيث استهدفت بشكل غير قانوني المواطنين المصريين على الأراضي الأمريكية، انتقامًا من مواقفها السياسية.
وتشير التقارير بموقع "بوليتيكو" الأمريكي، عام 2021، إلى أن مبادرة الحرية وثقت العشرات من حالات مراقبة المعارضين المصريين في الولايات المتحدة من قبل عملاء لحكومة بلادهم، وتلقيهم تهديدات بالقتل، فضلا عن حملات التشهير التي تستهدف الحاملين للجنسية الأمريكية منهم أو الحاصلين على الإقامة الدائمة.
وواصلت مصر اعتقال وتعذيب ومحاكمة عدد من المقيمين الدائمين والمواطنين الأمريكيين بشكل تعسفي، بمن فيهم، مصطفى قاسم، الذي توفي بعد أن أمضى 6 سنوات في السجون المصرية، رغم مناشدات الولايات المتحدة.
اقرأ أيضاً
مينينديز متهم بتسليم مسؤول مصري معلومات حول مقتل خاشقجي.. ماذا حدث؟
ورغم تزايد عدم الاستقرار الذي تساهم فيه الأزمة الاقتصادية وأزمة حقوق الإنسان في مصر، إلا أن فشلها في تحقيق سياسة اجتماعية واقتصادية عادلة لشعبها ظل مستمرا، وبدلاً من ذلك ركزت مواردها وجهودها في بناء مشروعات زائفة وإسكات المعارضة عبر الاعتقالات والملاحقات القضائية.
وقال مينينديز في بيان رده على الاتهامات بحقه: "لقد وقفت بثبات ضد الحكام المستبدين في جميع أنحاء العالم - سواء كانوا في إيران أو كوبا أو تركيا أو أي مكان آخر - وقاتلوا ضد قوى الاسترضاء وأقف مع أولئك الذين يدافعون عن الحرية والديمقراطية"، وهو ما علقت عليه مي السعدني بالقول: "الغريب أن السيناتور لم يذكر الدولة التي يُزعم أنه يتعاون مع حكومتها الدكتاتورية".
وشددت الكاتبة على ضرورة تسليط الضوء على العلاقات الأمريكية المصرية برمتها وليس على الاتهامات "الشخصية" لميندينينز، مضيفا: "بالحد الأدنى، يجب على الكونجرس أن يتحرك لتعليق فوري لمبلغ 235 مليون دولار من التمويل العسكري الأجنبي لمصر، الذي وافقت عليه إدارة بايدن".
وبموجب القانون الأمريكي، تخضع المساعدات المقدمة لمصر بقيمة 320 مليون دولار لشروط حقوق الإنسان؛ ومع ذلك، يمكن لوزير الخارجية التنازل عن هذه الشروط مقابل 235 مليون دولار من هذا التمويل إذا كان ذلك في مصلحة الأمن القومي الأمريكي.
وترى مي السعدني أن تدخلا من هذا النوع، يجب أن لا يستمر، وأن العقوبات ضد المسؤولين المصريين الذين ثبت تورطهم في أعمال الفساد ستكون مبررة في المستقبل.
واختتمت الكاتبة مقالها بأن "الدعم الأمريكي عبر البيانات والمساعدات والمبيعات والقوة الناعمة لا يمكن أن يكون غير مشروط ومساومًا على مصالح الولايات المتحدة وقيمها، بما في ذلك حقوق الإنسان"، مشدة على أن عدم تمكن صناع السياسة الأمريكيون من الاعتراف بهذا الواقع واتخاذ الإجراءات اللازمة ردًا عليه، فإن العلاقة بين الولايات المتحدة ومصر لن تؤتي أي ثمار ذات معنى.
اقرأ أيضاً
السيناتور الأمريكي روبرت مينينديز يرد على اتهامه بتلقي رشى من مصر.. ماذا قال؟
المصدر | مي السعدني/لو فير - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: بوب مينينديز مصر عبدالفتاح السيسي وائل حنا العلاقات المصرية الأمريكية فی الولایات المتحدة الخارجیة الأمریکیة الحکومة المصریة حقوق الإنسان المصریة فی إلى أن فی مصر
إقرأ أيضاً:
بين اليورانيوم والنيكل.. كيف تستعد الصين للصدام التجاري مع الولايات المتحدة؟
تتزايد مؤشرات التصعيد في العلاقات الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، وسط تحركات لافتة من بكين تشمل تقليص صادراتها من اليورانيوم المخصب وتعزيز احتياطياتها من النيكل، تزامناً مع تهديدات أميركية بفرض رسوم جمركية على دول مجموعة “بريكس” وتأكيد صيني على رفض استخدام التجارة كأداة ضغط سياسي
تقليص حاد في صادرات اليورانيوم المخصب
وأظهرت بيانات هيئة الإحصاء الأميركية انخفاض صادرات الصين من اليورانيوم المخصب إلى الولايات المتحدة بنسبة الثلثين خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وقد بلغت قيمة هذه الصادرات نحو 118.5 مليون دولار، متراجعةً بمقدار 2.7 مرة.
رغم هذا التراجع، جاءت معظم واردات أميركا من اليورانيوم الصيني في مايو وحده، إلا أن الصين تراجعت إلى المرتبة السادسة بين كبار المورّدين، خلف فرنسا وروسيا وهولندا وبريطانيا وألمانيا.
الصين تكدّس النيكل وسط حرب تجارية متصاعدة
في خطوة أخرى تحمل دلالات استراتيجية، كشفت صحيفة فاينانشيال تايمز عن شراء الصين ما يصل إلى 100 ألف طن من النيكل منذ ديسمبر الماضي، لتعزيز مخزونها الاستراتيجي وسط انخفاض أسعار المعدن وتصاعد التوترات مع واشنطن.
ويُستخدم النيكل عالي النقاء، الذي تركز عليه بكين في مشترياتها، في صناعة الفولاذ المقاوم للصدأ وبطاريات السيارات الكهربائية والطيران، وتُظهر بيانات الجمارك أن واردات الصين من النيكل النقي خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2025 تجاوزت 77 ألف طن، وهو أعلى مستوى منذ عام 2019.
وتشير مصادر صناعية إلى أن الصين تسعى إلى تأمين سلاسل التوريد الحيوية عبر شراء كميات ضخمة من النيكل والمعادن الأخرى مثل الكوبالت والليثيوم والنحاس، في ظل التنافس الجيوسياسي على الموارد الاستراتيجية.
تهديدات أميركية وردّ صيني صارم
في موازاة ذلك، توعد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10% على الدول التي تدعم ما وصفه بـ”السياسات المعادية لأميركا” المنبثقة عن مجموعة “بريكس”، التي عقدت قمتها الأخيرة في ريو دي جانيرو.
وردت وزارة الخارجية الصينية على هذه التهديدات، حيث جددت المتحدثة باسمها ماو نينغ معارضة بكين لاستخدام الرسوم الجمركية كوسيلة لفرض السياسات على الدول الأخرى، مؤكدة أن “استغلال الرسوم لا يخدم أحداً”.
تأتي هذه التحركات في ظل تصعيد متبادل بين واشنطن وبكين على جبهات عدة، تشمل التكنولوجيا والطاقة والمعادن الاستراتيجية، حيث تسعى الصين إلى تعزيز أمنها الاقتصادي وتقليل اعتمادها على الإمدادات الغربية، في مقابل جهود أميركية لحشد حلفائها والحد من النفوذ الصيني في الأسواق العالمية.