مما تعلمته في أمريكا أنه لا يوجد شيء يحدث فيها والا غالبا (وأقول غالبا وليس كل شيء) وراءه فاعل ومستفيد ومحرض.

تعقيدات السياسة الأمريكية تجعلها مثل طبق الإسباجبتي ما أن تجر طرفا منه إلا وتجد بقية الطبق يفور أمامك، ولذلك الإقدام على المواصلة في المراحل الأولية لأي قضية وهي التربص والترصد وجمع الأدلة لا يحدث إلا بفعل فاعل، وفي هذه الحالة (فضيحة سيناتور) هو فاعل قوي ومؤثر، ولديه القدرة على الاستمرار.

أنا صاحب عبارة: أمريكا دولة (إخراج مؤسسي وتفصيل قانوني) من الدرجة الأولى، وليست (دولة قانون ومؤسسات) بالمعنى الأكاديمي النظري غير الواقعي.

هنالك خارطة تحالفات وتقاطعات سياسية دقيقة، وقواعد لعبة محكمة وتخصصات “مفروزة”، لو فهمتها تستطيع أن تجعل الحلال حراما، والديك حمارا، وبياض العين أحمر، وبالقانون والمؤسسات. عدا ذلك، ستكون انت الخاسر في “سيستم” يقتات على الضحايا ويتقوى بلحمها وعصبها، ولا يحمي المغفلين والكسالى وحسني النوايا.
من وراء فضيحة السيناتور؟ وهل من الممكن أن يخرج منها؟

الاحتمال الأول: الصراع الداخلي الأمريكي وبالذات قبل السباق الانتخابي والقضايا المتفجرة، وهنالك محاور عديدة للصراع وأقواها هي اليمين الأقصى واليمين المحافظ وكلاهما لديهم أموال ضخمة وأجندة سياسية واجتماعية متماسكة ومن الطبيعي أن يستهدفوا خصومهم.

الاحتمال الثاني: أن يكون مينينديز هو كرت اسرائيل المحروق، والذي أيدهم كثيرا ولكنه صار في دائرة التتبع، والأفضل التخلص منه بالفضيحة التي يريدون وليس التي تداهمهم حسب الظروف، وها هنا تم انتقاء العلاقة بالملف المصري دون غيرها، وتم ربطها بالكثير من التعسف المتعمد، وربما يكون هنالك فاعل آخر أو دولة اخرى مستفيدة، ولكن لا أحد يستهدف حليفا لاسرائيل إلا بالتنسيق معها.

الاحتمال الثالث: هو ميكانيزم الصراع الداخلي في الكونغرس ومجاله الحيوي من شركات التآمر والضغط (لوبيينغ) وشركات العلاقات العامة، وهذه الشركات ترفض جدا التعامل المالي المباشر بين أعضاء الكونغريس والشركات والدول وأصحاب النفوذ، لأن التعامل المباشر في نموذج السيناتور مينينديز يلغي دورهم القائم على تقنين وتوصيل المكاسب، وأخذ عمولة في هذا الصدد، ويسددون للحكومة ضرائب باهظة جدا على عملهم، وهم غالبا كانوا جزءا من المحاولة الأولى لاتهامه بالرشوة والتي نجى منها واحتفل، ثم دخل بعدها في حب الهرمة نادين ذات الاصول اللبنانية الأرمنية والقوام الفارع والسيقان الممتلئة، وطار بها إلى الهند ليقدم لها خاتم الزواج أمام تاج محل ويغني لها.

تعقيدات منطقة واشنطون السياسية عبر عنها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب بوصف (المستنقع) لأنه خطر على من يدخله وخطر على من يسكنه وخطر على من يقترب منه، وتوعد ترمب بتجفيف المستنقع واسترداد الديموقراطية الطبيعية للشعب الأمريكي ولكنه فشل وطفا بدنه بين الحياة والموت بعد دورته الأولى، وها هو يحاول دخول المستنقع مرة أخرى، وخرجت عليه التماسيح والأفاعي لتمنعه وتفترسه بالخارج.

نجيب على سؤال هل ينجو السيناتور منينديز مجددا بتفصيل في مقال قادم؟ لكن أقول بالرغم من تماسك القضية، فقد نجا من قبل في تهمة قوية، وهو يقارب الآن عقدين من الزمان في مجلس الشيوخ الأمريكي (الغرفة العليا من الكونغرس)، ولا بد أنه اكتسب العديد من القدرات والعلاقات “التي تتضرر من سقوطه”، ولذلك من جهة أولى الاحتمال وارد، ومن جهة ثانية، الاجابة على هذا السؤال ترتبط بالاجابة على السؤال الأول، من هو الفاعل؟ ولماذا؟

مكي المغربي

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

"جحيم في زي التعليم".. مدرسة فرنسية تتحوّل إلى رمز لأوسع فضيحة تحرش بالأطفال

عندما رأى الطفل باسكال جيليه (14 عامًا آنذاك) كتيبًا دعائيًا لمدرسة داخلية كاثوليكية في جنوب فرنسا، حلم بتجربة تشبه فيلم Dead Poets Society: رياضة، مغامرات، صداقات، واستكشاف الذات. لكن الليلة الأولى في مدرسة "نوتردام دو بيتهارام"، كانت كافية لتدمير كل تلك الأحلام. اعلان

"كنت أظنني أبدأ مرحلة مشرقة في حياتي، لكنني سرعان ما وجدت نفسي أقف طوال الليل في البرد كعقوبة على همسة. هناك، يبدأ الرعب ولا ينتهي"، قال باسكال، الموظف اليوم في بوردو، وهو واحد من عشرات الناجين الذين كشفوا عن أوسع شبكة انتهاكات ممنهجة ضد الأطفال داخل مؤسسة تعليمية كاثوليكية في فرنسا.

جراح لا تندمل: ضرب، إذلال، وتواطؤ

تشير روايات الضحايا إلى نظام عقوبات قائم على العنف والترهيب: ضرب على الرأس، وقوف جماعي بجوار الأسرّة لساعات، قلب الأسرة على التلاميذ، وحتى حالات إغماء ونزف. لكن الأشد وطأة كان ما يجري في الخفاء: اعتداءات جنسية يصفها الناجون بأنها "منهجية ومتعمدة".

 الناجون أكدوا أن التلاميذ المستهدفين كانوا غالبًا من خلفيات هشّة اجتماعيًا أو عائليًا، ما جعلهم فريسة سهلة في غياب أي رقابة حقيقية أو آلية حماية فعالة.

Relatedأكبر قضية اعتداء جنسي في البلاد.. محكمة فرنسية تحكم على جراح سابق بالسجن 20 عامًاجرأة محفوفة بالمخاطر.. شهادات علنية لضحايا اعتداء جنسي تتحدى ثقافة العار.. جيزيل بيليكوت غيرت المشهدمؤسسة مراقبة الإنترنت: أكثر من 291 ألف بلاغ عن صور اعتداء جنسي على الأطفال في أوروبامدير المدرسة المعتدي… والظرف الذي يعيد الذاكرة

 من بين أبرز الشهادات، ما رواه بوريس (51 عامًا، يعمل حاليًا في إدارة الفعاليات)، إذ أُرسل إلى المدرسة من قبل والدته بعد تعرّضه لتحرّش سابق في بوردو. وللمفارقة، اعتقدت الأم أنها بذلك تحميه.

في عيد ميلاده الرابع عشر، استدعاه مدير المدرسة الكاهن بيير سيلفيه-كاريكار إلى مكتبه، واعتدى عليه جنسيًا، ثم ناوله ظرفًا يحتوي على 50 فرنكًا… نفس المبلغ الذي كان يقدّمه له المتحرّش الأول في بوردو.

 "الصدمة لم تكن فقط في الاعتداء، بل في التكرار المقصود لمعالم الجريمة الأولى. كان الأمر أشبه بإعادة تمثيل للإذلال"، قال بوريس، الذي طالب بإبقاء اسمه العائلي سريًا.

اعتداء في يوم الجنازة… وصمت طويل

 قصة أخرى صادمة رواها ابن مارتين (71 عامًا اليوم)، الذي تعرّض للاعتداء على يد نفس الكاهن، صباح جنازة والده.

"عند الساعة السادسة صباحًا، ذهب به الكاهن إلى حمام الكهنة وطلب منه أن يغتسل ليبدو نظيفًا في الجنازة، ثم اعتدى عليه هناك. لم يخبرني، لكنني رأيت علامات الانهيار. عند المحرقة، حاول فتح تابوت والده وهو يصرخ: أريد أن أذهب معه"، روت مارتين.

 الابن ظل صامتًا حتى سن الـ21، حين اعترف أثناء تحقيق جنائي بتعرضه المتكرر للاغتصاب في المدرسة. وعلى إثر ذلك، تم توقيف الكاهن كاريكار لفترة وجيزة، قبل أن يُفرج عنه، ويسمح له بالسفر إلى روما. في عام 2000، وعندما حاولت الشرطة استدعاءه مجددًا، أقدم على الانتحار.

القضية تتحوّل إلى أزمة سياسية: بايرو في الواجهة

 فضيحة "بيتهارام" لم تتوقف عند الجوانب القضائية والإنسانية، بل تمددت إلى قلب السلطة. فقد تبين أن رئيس الوزراء الفرنسي الحالي، فرانسوا بايرو، أرسل أبناءه إلى المدرسة ذاتها، وكانت زوجته تدرّس فيها التعليم الديني.

 وقد استجوبته لجنة برلمانية مؤخرًا بشأن مدى معرفته بما كان يجري داخل المدرسة، وما إذا تدخل يومًا لحماية أحد الكهنة. بايرو أنكر بشدة أي علم مسبق، واصفًا ما يجري بأنه "حملة سياسية منظمة تهدف إلى تدميره".

التحقيقات البرلمانية والحقوقية كشفت أن عدد الشكاوى المقدمة ضد كهنة ومشرفين في المدرسة بلغ أكثر من 200 شكوى، من بينها 90 تتعلق باعتداءات جنسية أو اغتصاب مباشر. إلا أن أغلب هذه القضايا لم تصل إلى القضاء بسبب قانون التقادم الذي يمنع محاكمة الجرائم الجنسية بعد مرور سنوات محددة، وهو ما اعتبره الضحايا "نظام حماية غير مباشر للجناة".

قال باسكال جيليه: "نريد تعديل القانون. الصمت قد يستمر لعقود بعد الصدمة. لا يمكن أن نُحاسَب نحن على التأخر في النطق، بينما يفلت الجاني."

الكنيسة تعترف… ولكن متأخرة

 في مارس الماضي، أصدرت الرهبنة الكاثوليكية التي كانت تدير المدرسة بيانًا اعترفت فيه بـ"المعاناة الجسيمة" التي لحقت بالتلاميذ، وأعلنت فتح تحقيق داخلي مستقل.

لكن الضحايا يرون أن الاعتراف جاء متأخرًا، ويتهمون الكنيسة بـ"إدارة الضرر إعلاميًا" دون محاسبة حقيقية. كما طالبوا بتوسيع التحقيق إلى مدارس أخرى للرهبنة نفسها في البرازيل، ساحل العاج، بريطانيا وتايلاند، حيث يُعتقد أن الانتهاكات قد تكون تكررت.

لوران، موظف في القطاع العام يبلغ من العمر 56 عامًا، روى أنه تعرّض للكم حتى فقد وعيه، فقط لأنه رمى كرة ثلج في الاتجاه الخطأ، كما اعتُدي عليه جنسيًا داخل مكتب أحد الكهنة.

وأضاف: "العنف لم يكن تأديبًا، بل منهج إذلال. ما زلت أعيش آثاره حتى اليوم. أنا أتكلم الآن لأجل الأطفال الذين لم يولدوا بعد. كي لا يمروا بما مررنا به."

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • أب ينهي حياة أبنائه الثلاث بإحدى قرى المنيا.. القصة الكاملة
  • "جحيم في زي التعليم".. مدرسة فرنسية تتحوّل إلى رمز لأوسع فضيحة تحرش بالأطفال
  • فضيحة داخل مؤسسات أمريكية.. بيانات حساسة بحوزة ماسك
  • فرنسا تواصل انسحابها من ثاني دولة بالعالم وتسلم قواعدها العسكرية التي كانت تستخدمها
  • 38 مليون جنيه من فاعل خير لأسر ضحايا حادث المنوفية.. والتضامن تبدأ في صرف الدعم
  • الأمواج خدتها.. مأساة طفلة تونسية أحزنت الملايين
  • مجلس الشورى.. دور تشريعي فاعل وتعزيز للمشاركة في صنع القرار
  • “بفعل فاعل”.. قبطان مصري يطلق تحذيرا غريبا حول ظاهرة كارثية في البحر المتوسط
  • فجر اليوم... رموا قنبلة على أحد المكاتب
  • معضلة فوردو النووية فضيحة تلاحق ترامب