قال الشيخ الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي ، إمام وخطيب المسجد الحرام،   إن الحديث عن الحب والمحبة، حديث يستهوي القلوب، وله شعور فطري محبوب، فالحبُّ يُضفِي على الحياة بهجة وفرحاً، وجمالاً ورضاً، ويكسُو الروحَ بهاءً وسروراً.

كيف تحصل على محبة الله

وأوضح " المعقيلي" خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة، أن المحبة صفة ثابتة لله جل وعلا، فهو سبحانه يحب عباده المحسنين، ويحب التوابين ويحب المتطهرين، ويحب المتقين ويحب الصابرين، وجعل سبحانه الإيمان والعمل الصالح، سبباً لحصول محبته فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾.

ونبه إلى أن الوُدُّ: هو خالصُ الحب، وما يزال العبد يتقرب إلى ربه بنوافل العبادات، حتى يحبه، فإذا أحبه، دعا جبريل فقال: إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض "، منوهًا بأن الحب فطرة في بني آدم، منذ أن خُلِقَ آدم عليه السلام، وستبقى المحبة على وجه الأرض ما بقي الإنسان.

وأشار إلى أنها تتفاوت بحسب الداعي إليها، من حب المرء لربه، ودينه ونبيه، وحبه لنفسه ووالديه، وزوجته وأبنائه، وإخوانه وأصحابه، وحبه لوطنه وممتلكاته، وما حوله من مخلوقات ربه، وذكر ابن القيم رحمه الله، أن من منازل إياك نعبد وإياك نستعين، منزلة المحبة، فقال عنها: "هي روح الإيمان والأعمال، والمقامات والأحوال، التي متى خلت منها، فهي كالجسد الذي لا روح فيه".

وتابع: ولما كانت المحبة بتلك المنزلة، جاء الإسلام بتهذيبها، ووصلها بخالقها، فأعظم منازل المحبة وأعلاها، محبة الله وما والاها، فالمحبة في الله، من أسمى أنواع الحب وأجلها، وأعظمها صلة وأوثقها، وأصدقها محبة وأدومها، فما كان لله دام واتصل، وما كان لغيره انقطع وانفصل، فيحب المرء أخاه، لما يتَّصِف به المحبوب، من تقوى الله وحُسْن الخلق، وإن تفرَّقت أبدانهم، وتباعدت دُورهم، والمحبة في الله، هي الصداقة الصافية، والأخوّة الحقة، التي لا تتأثر بالمصالح الدنيوية، كفى بأصحابها سروراً وحبوراً، وفخراً وعزاً، أن الله جل وعلا، يقربهم يوم القيامة، ويجلسهم على منابر من نور، يغبطهم عليها الأنبياء والشهداء.

منزلة المحبة

واستشهد بما ورد في سنن أبي داود: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ، يَغْبِطُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بِمَكَانِهِمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ، قَالَ: هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ - أي بكتاب الله -، عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ، وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا، فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ، وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ، لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ )، وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.

وأفاد بأن المحبة في الله، من أوثق عُرَى الإيمان، ودليل الصدق وأمارة الإحسان، وبها يجد المرء طعم الإيمان، وهي من أحب الأعمال إلى الله، ومن أسباب محبَّته ورضاه، وكما أن المحبة في الله تنفع صاحبها في الدنيا، بالتعاون على الطاعة والبر، والتواصي على الحق والصبر، فإنها في الآخرة، ترفع المحب لمن هو أعلى منه منزلة وإيماناً، وأكثر اجتهاداً وعملاً.

وأضاف:  فالمرء يحشر يوم القيامة، مع مَنْ أحبَّه في الدنيا، فمن أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأحب من اتبع سنته، واقتفى بآثارهم، حشره الله يوم القيامة في زمرتهم، ففي الصحيحين: عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا ، قَالَ: لاَ شَيْءَ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ، قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ))، قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ .

ولفت إلى أنه في عرصات القيامة، حين يشتد الزحام، ويطول بالناس القيام، والشمس بمقدار ميل من رؤوسهم، ويبلغ العرق منهم بقدر أعمالهم، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، هناك ينادي الله المتحابين بجلاله، وعظمته وخشيته، فيقول: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي، يوم لا ظل إلا ظلي، وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم منهم: ((وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ، وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ))، رواه البخاري ومسلم، فكل منهما محب ومحبوب، اجتمعت قلوبهما على حب علام الغيوب، وقد تكون هذه المحبة الخالصة، بين الرجل وإحدى محارمه، أو بين الرجل وزوجته، أو بين المرأة وأختها.

الدعاء والإحسان للمحبوب

ونوه بأن الدعاء والإحسان للمحبوب في ظهر الغيب، دليل على سلامة القلب، وهو من ثمرات المحبة والحب، فالداعي يُحسن لأخيه في حياته وبعد مماته، ومن دعا لأخيه فقد دعا لنفسه، ونفع أخاه ونفع نفسه، وأكثر الأصحاب ثواباً عند الله؛ أكثرهم دعاءً وإحساناً لصاحبه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم، يكثر من ذكر حبه خديجة رضي الله عنها، ويدعو ويستغفر لها بعد موتها، وكان يذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق خديجة، وأكرم صلى الله عليه وسلم عجوزاً دخلت عليه في المدينة، فقيل له في ذلك، فذكر بإنها كانت تأتيهم أيام خديجة، وقال: ((إِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ))، أخرجه الحاكم في المستدرك.

ودلل بما جاء في صحيح مسلم: عَنْ صَفْوَانَ ابْنِ عَبْدِاللهِ قَالَ: قَدِمْتُ الشَّامَ، فَأَتَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فِي مَنْزِلِهِ، فَلَمْ أَجِدْهُ وَوَجَدْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ، فَقَالَتْ: أَتُرِيدُ الْحَجَّ الْعَامَ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَادْعُ اللهَ لَنَا بِخَيْرٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: ((دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ)).

ولفت إلى أن مما يزيد المحبة بين المؤمنين: زيارة مريضهم، وتشييع جنائزهم، وتنفيسُ الكروب عنهم، والتيسيرُ على مُعسِرهم، وستر عيوبهم، وإلقاء السلام عليهم، وإن التغافل عن هفوات الأحباب، وتجنب كثرة عتابهم، وقبول معاذيرهم، وحُسْنَ الظن بهم، من أسباب دوام المحبة، كما أن التزاور والتواصل، حق من حقوق الصحبة، وهو يوجب من الله المحبة، ففي صحيح مسلم: عَنْ ‌أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللهُ لَهُ، عَلَى مَدْرَجَتِهِ، مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ، قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لَا، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ، بِأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ ).

مما يزيد المحبة

وبين أن المحب الصادق، مرآة أخيه، إن استشاره نصح له، وإن أخطأ، أخذ بيده وذكّره، ولا يكون عوناً للشيطان عليه، ففي صحيح البخاري: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَكْرَانَ، فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ رَجُلٌ من القوم: مَا لَهُ أَخْزَاهُ اللَّهُ، وفي رواية قال: اللَّهُمَّ العَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لاَ تَلْعَنُوهُ، لاَ تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ).

وشدد على أنه حري بنا أن نسعى لكسب أخ صالح، يعيننا إذا ذكرنا، ويذكرنا إذا نسينا، وينصحنا إذا غفلنا، ويدعوا لنا إذا متنا، فهذه هي المحبة الباقية، يوم تتهاوى الصداقات، وتنقلب يوم القيامة إلى عداوات: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾، فكم من خليل سيتبرأ من خليله يوم القيامة، وسيندم على صحبته وخلته: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا﴾، وأهل النار - أجارنا الله وإياكم -، يتمنون الصديق الحميم، عندما يرون المتحابين بجلال ربهم، يشفعون لبعضهم، قال عَلي رَضِيَ اللهُ عَنهُ: "عليكم بالإخوان، فإنَّهم عدَّةٌ في الدُّنيا والآخرةِ، أَلا تَسمعونَ إلى قَولِ أَهلِ النَّارِ: ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾.

وأوصى المسلمين بتقوى الله والتمسك بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وإصلاح ذات البين ، والمحافظة على اجتماع الكلمة، للفوز برضا الله تعالى ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: إمام و خطيب المسجد الحرام خطيب المسجد الحرام ماهر المعقيلي خطبة الجمعة من المسجد الحرام محبة الله النبی صلى الله علیه وسلم المحبة فی الله یوم القیامة ى الله ع ی الله إلى أن

إقرأ أيضاً:

 ترجمة خطبة الجمعة لأول مرة في المسجد الحرام إلى 35 لغة

أعلنت رئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي عن ترجمة خطبة الجمعة غدًا، لأول مرة في المسجد الحرام، لـ 35 لغة؛ بهدف إثراء تجربة القاصدين والمعتمرين وإبراز فضائل وآداب يوم الجمعة، وسيؤم المصلين معالي الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس.

وأكد مستشار رئيس الشؤون الدينية، المشرف العام على الإعلام والتواصل برئاسة الشؤون الدينية، فهيم الحامد، حرص الرئاسة على ترجمة خطبة الجمعة بعدة لغات، لتكون جسرًا ممتدًا للتواصل بين الشعوب، وتبادل الثقافات والحضارات.

وتعد ترجمة خطبة الجمعة من الأهداف الإستراتيجية لإيصال رسالة الحرمين الوسطية للعالم، فضلًا عن خدمة الزائرين والقاصدين دينيًا بلغاتهم المتباينة.

مؤذنا صلاة الجمعة 9 محرم 1447هـ بالمسجد الحرام.#يوم_الجمعة #المسجد_الحرام #رئاسة_الشؤون_الدينية_بالمسجد_الحرام_والمسجد_النبوي pic.twitter.com/jY35aBwfcN

— رئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي (@PRAGOVSA) July 3, 2025 المسجد الحرامرئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي ترجمة خطبة الجمعةقد يعجبك أيضاًNo stories found.

مقالات مشابهة

  • ماذا يحدث لمن واظب على ذكر الله؟.. خطيب المسجد النبوي: ينعم بـ10 أرزاق
  • أمر إلهي.. خطيب المسجد الحرام: التدبر في حوادث الأيام مطلب شرعي
  • خطيب المسجد النبوي: الذكر يرضي الرحمن ويطرد الشيطان ويقوي الإيمان
  • خطيب المسجد الحرام: على الداعي إلى الله أن يلتزم بالرفق واللين والحكمة
  • خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف
  • خطبة الجمعة من المسجد الحرام
  •  ترجمة خطبة الجمعة لأول مرة في المسجد الحرام إلى 35 لغة
  • الشؤون الدينية: ترجمة خطبة الجمعة لأول مرة في المسجد الحرام لـ 35 لغة
  • لأول مرة.. ترجمة خطبة الجمعة في المسجد الحرام لـ 35 لغة
  • “الشؤون الدينية”: ترجمة خطبة الجمعة لأول مرة في المسجد الحرام لـ 35 لغة