جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-14@18:51:32 GMT

مُراجعة القوانين

تاريخ النشر: 21st, October 2023 GMT

مُراجعة القوانين

 

د. صالح الفهدي

ذهبتُ إلى "الكاتبِ بالعدل" لاستخراجِ وكالةَ بيعَ أرضٍ إلى مشترٍ، وبعدَ أن صَاغها الكاتبُ، طُلِبَ منِّي شاهدَين يوقِّعانِ على الوكالة، فوقعتُ في حيرةٍ من أَمري، وتساءلتُ: لِمَ لا تُسايرُ القوانينُ العصرَ الذي يتقدَّم بتقنياتهِ، وبرامجهِ، وأساليبه؟!  

لم تكن بالطبعِ المرة الأُولى، ولا الوكالة الأُولى، وفي كلِّ مرَّة، وفي كلِّ موقعٍ أَلمسُ ذات الوجهةِ النظر التي اقتنعَ بها الكاتبُ بالعدلِ نفسه: لا حاجةَ للشاهدَين، لأنه ببساطة لا (حاجة) تؤثِّر على مسارِ الإجراء، فصاحبُ الأَمرِ والقرارِ يأتي بنفسهِ، وبإرادته، وبما لديه من وثائق هُويةٍ، وما يتعلَّقُ بالطلبِ من مُرفقات أصليَّةٍ، فَلِمَ يُطلبُ منه شاهدينَ؟ شاهدَينِ على ماذا؟ أَعلى طلبهِ وقد حضرَ شخصيًا أمام "الكاتب بالعدل" المعيَّنِ من قِبل الحكومةِ للتوثيق؟ ثم مَنْ سيكون هؤلاءِ الشاهدَين؟ في غالبِ الأَمر هُما "شاهدَينِ لم يشهدا على شيء"!، فهل بهذا تستقيمُ أركانُ الشهادة؟ أم هل يعطِّل صاحبُ الحاجةِ شاهدَين من التزاماتهما، ويفرغا من ارتباطاتهما لساعاتٍ حتى يصحبانه؟

ثم انظر لجهةٍ رسميَّةٍ تقومُ بتحويلِ ملكيَّات الأرضِ التي قد تصلُ إلى ملايين الريالات دون أن تطلبَ "شاهدَين" وهي وزارة الإسكان والتخطيط العُمراني من خلال أمانة السجل العقاري فتؤدي الأَمر بسلاسةٍ تامَّة.

لا أظنُّ أن مسألةَ "الشاهدَين" مقتصرةٌ على استخراجِ الوكالات وحسب؛ بل إنها قد تشملُ مصالحَ أُخرى، مما يجعلني أَقول: إن أهمية مراجعة القوانين لتواكبَ العصرَ المتسارع بتقنياته، وتطبيقاته، هو أَمرٌ واجبٌ بالضرورة، في وقتٍ يقومُ فيه الواحد بتحويلِ آلاف الريالات عن طريق ضغطة زرٍ ورقمٍ سرِّيٍّ متغيِّرٍ لكلِّ طلب وفَّرَ على الناس وقتًا وجهدًا مع هامش (صفر) في التطبيقِ، وهامش خطأ إنساني نادرٍ جدًا، يتحمَّلهُ صاحبُ المعاملةٍ نفسها، وقس على ذلك قضاء الكثير من المصالح عبر الوسائط الإلكترونية التي اعتمدتها جهاتٌ حكومية وخاصَّة.

ما أوردتهُ فيما سبقَ هو أُنموذج لكثيرٍ من القوانين التي يفترضُ أن تُراجع لأنها دون داعٍ مع وجود الوسائل التي هي أجدى وأنفع لتسهيل الإجراءات، وسلاسة المصالح.

لقد وجدتُ في الكثير من المؤسسات الحكومية ما يستوجبُ المراجعة من القوانين التي عقَّدت المصالح، وأَخَّرت الإجراءات، وليست العبرةُ هنا هو وجود نظام تطبيق إلكتروني فحسب، وإِنما العبرةُ في محتوى هذا التطبيق، وكيف يعمل بسلاسة ويسر من أجل قضاء المصالح، إذ أن بعض التطبيقات الخدمية معقَّدة، لأنها – كما قلتُ في أكثر من مناسبة- قد نُقلت تعقيداتها من الورقِ إلى الأنظمة الإلكترونية فـ «كأنك يا أبوزيد ما غزيت»!، إذ ما الفائدة من نقلِ إجراءٍ من الاستمارات الورقية إلى شاشات الحواسيب بتعقيداتها، ومرفقاتها؟!

لِمَ يحتاجُ أصحابُ المصالح إلى تعبئة البيانات الشخصية، ويفترضُ أن تظهر تلقائيًا بمجرَّدِ أن يدوَّن رقمُ الهوية التعريفية؟! لِمَ تقبلُ بعض التطبيقات إرسال بعض الطلبات وفيها أخطاء واضحة ثم تعيدها الجهة الخدمية دون تفصيلٍ أو تصحيح، لتأخذَ دورة التصحيح، والأخطاء والإِعادة مثلما يحدثُ في عقودِ الإيجار أيامًا وأسابيع؟!

يمكننا أن نسترسلَ في هذا الأمر، لكنَّ الشاهدَ فيه أن مسألة مراجعة القوانين وعمل التطبيقات والإجراءات أصبح أمرًا غير اختياري وإِنما هو واجبٌ لكلِّ مؤسسةٍ تسعى إلى الإنجازِ السريع، وتحسين الأداء، وتوفير الوقت والجهد، وفي ذلك تسريعٌ لخطى الوطنِ نحو التحديث والتقدم والنماء.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

فلنغير العيون التي ترى الواقع

كل مرة تخرج أحاديثنا مأزومة وقلقة وموتورة، مشحونة عن سبق إصرار وترصد بالسخط والتذمر، نرفض أن نخلع عنا عباءة التشاؤم، أينما نُولي نتقصّى أثر الحكايات شديدة السُمية، تلك الغارقة في البؤس والسوداوية. 

في الأماكن التي ننشُد لقاءت متخففة من صداع الحياة، نُصر على تصفح سجل النكبات من «الجِلدة للجِلدة»، فلا نترك هنّة ولا زلة ولا انتهاكًا لمسؤول إلا استعرضناه، ولا معاناة لمريض نعرفه أو سمعنا عنه إلا تذكرنا تفاصيلها، ولا هالِكِ تحت الأرض اندرس أثره ونُسي اسمه إلا بعثناه من مرقده، ولا مصيبة لم تحلُ بأحد بعد إلا وتنبأنا بكارثيتها. 

ولأننا اعتدنا افتتاح صباحاتنا باجترار المآسي، بات حتى من لا يعرف معنىً للمعاناة، يستمتع بالخوض في هذا الاتجاه فيتحدث عما يسميه بـ«الوضع العام» -ماذا يقصد مثله بالوضع العام؟- يتباكى على حال أبناء الفقراء الباحثين عن عمل، وتأثير أوضاعهم المادية على سلوكهم الاجتماعي، وصعوبة امتلاك فئة الشباب للسكن، وأثره على استقرارهم الأُسري، وما يكابده قاطني الجبال والصحراء وأعالي البحار! 

نتعمد أن نُسقط عن حواراتنا، ونحن نلوك هذه القصص الرتيبة، جزئية أنه كما يعيش وسط أي مجتمع فقراء ومعوزون، هناك أيضًا أثرياء وميسورون، وكما توجد قضايا حقيقية تستعصي على الحلول الجذرية، نُصِبت جهات وأشخاص، مهمتهم البحث عن مخارج مستدامة لهذه القضايا، والمساعدة على طي سجلاتها للأبد. 

يغيب عن أذهاننا أنه لا مُتسع من الوقت للمُضي أكثر في هذا المسار الزلِق، وأن سُنة الحياة هي «التفاوت» ومفهوم السعادة لا يشير قطعًا إلى الغِنى أو السُلطة أو الوجاهة، إنما يمكن أن يُفهم منه أيضًا «العيش بقناعة» و«الرضى بما نملك». 

السعادة مساحة نحن من يصنعها «كيفما تأتى ذلك»، عندما نستوعب أننا نعيش لمرة واحدة فقط، والحياة بكل مُنغصاتها جميلة، تستحق أن نحيا تفاصيلها بمحبة وهي لن تتوقف عند تذمر أحد. 

أليس من باب الشفقة بأنفسنا وعجزنا عن تغيير الواقع، أن نرى بقلوبنا وبصائرنا وليس بعيوننا فقط؟ أن خارج الصندوق توجد عوالم جميلة ومضيئة؟ ، أنه وبرغم التجارب الفاشلة والأزمات ما زلنا نحتكم على أحبة جميلين يحبوننا ولم يغيرهم الزمن؟ يعيش بين ظهرانينا شرفاء، يعملون بإخلاص ليل نهار، أقوياء إذا ضعُف غيرهم أمام بريق السلطة وقوة النفوذ؟ 

النقطة الأخيرة 

يقول الروائي والفيلسوف اليوناني نيكوس كازنتزاكس: «طالما أننا لا نستطيع أن نغير الواقع، فلنغير العيون التي ترى الواقع». 

عُمر العبري كاتب عُماني 

مقالات مشابهة

  • الكشر: الخطر على حقوق المرأة في ليبيا من فوضى السلاح لا من القوانين
  • سلطنة عُمان وبوركينا فاسو تؤكدان توسيع الشراكات السياسية والاقتصادية
  • بحث مجالات الشراكة الاقتصادية والاستثمارية بين سلطنة عُمان وبوركينا فاسو
  • فلنغير العيون التي ترى الواقع
  • الشاهد: الحزمة الثانية من التسهيلات الضريبية فرصة لتعزيز الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال
  • مصطفى بكري يُشيد بسرعة ضبط المتهمين بمحاولة اغتيال الكاتب الصحفي عبده مغربي
  • روضة الحاج: يا بلادي أنا بالبابِ وفي كفي الأناشيدُ التي كنتِ تحبينَ
  • الشاهد: لجنة مراجعة التشوهات الجمركية خطوة داعمة للصناعة الوطنية
  • مصطفى بكري وأسرة تحرير «الأسبوع» يتقدمون بالعزاء لـ الكاتب الصحفي عماد الدين حسين في وفاة والدته
  • أسرة صدى البلد تنعى والدة الكاتب الصحفي عماد الدين حسين