عندما فازَ المرشَّح اليمينيّ المتطرّف خافيير ميلاي بالمركز الأوّل في الانتخابات التمهيدية الرئاسية منذ شهرَين في الأرجنتين، تضاعفت حظوظُ شبيه ترمب وبولسونارو، بالفوز بالرئاسة، لأسبابٍ تتعلّق بأسلوبه فائقِ الشعبويّة، في وقتٍ بلغ فيه مستوى الغضب الشعبيّ على الحكومة الحالية وسابقتها، أعلى معدّلاته. لكنّ نتائج الجولة الأولى يوم الأحد الماضي مثّلت مفاجأة أقوى من مفاجأة الانتخابات التمهيدية، وأكَّدت إلى حدّ كبير عودة الرّشد إلى النّاخبين، الذين تراجعوا عن دعم المرشّح الذي يباهي باصطفافِه التامّ مع السياسات الإسرائيليّة والأمريكيّة، لاسيما بعد "طوفان الأقصى".

إذن، وعلى عكس التوقّعات واستطلاعات الرأي، قفز مرشّح الائتلاف الحاكم، وزير الاقتصاد الحالي سرخيو ماسا، إلى المركز الأوّل، وحصل على 36.68%، تاركًا خافيير ميلاي في المركز الثاني بـ29.99%، لتشتدّ وتيرة التنافس والتحالفات من أجل الفوز برئاسة الأرجنتين يوم 19 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، خلفًا لألبيرتو فرنانديز.

الإعجاب بإسرائيل

وبغضّ النظر عن المفاجآت، التي أكّدت أنّ الخاسر الأكبر فيها، هو المرشح اليمينيّ المتطرّف ميلاي- الذي كان يراهن على حسم الفوز منذ الجولة الأولى، لتجنّب الاستمرار في كشف جوانب أكثر من أفكاره وتصرّفاته التي صدمت العديدين، وجعلتهم ينفضّون من حوله- فإنه حريّ بنا التعرف على هذه الظاهرة السياسية.

يعرّف ميلاي نفسه بأنّه اقتصادي ليبرالي متحرر ورأسمالي فوضوي، قادر على إخراج الأرجنتين من أزمتها المالية الحادّة، من خلال أفكاره الفذّة و"الشجاعة"، وأنه مُعجب جدًا بالديانة اليهودية، ويدعم إسرائيل قلبًا وقالبًا، ويعتبرها الشريك الأبرز لحكومته، في حال فوزِه. في المقابل، يعِد بإلغاء كل دور للدولة في الشراكة مع الصين وروسيا، وكل الأنظمة الاشتراكيّة، وتلك المعادية لإسرائيل، بما في ذلك البرازيل، التي تعتبر أقوى شريك اقتصادي إقليمي للأرجنتين. كما تضم قائمة البلدان التي لاتروق له، الفاتيكان، ووعدَ بقطع علاقات بلاده معها، ولم ينجُ البابا ذو الأصول الأرجنتينية من بذاءته ولعناته المشهورة، واصفًا إياه بأنه مرتزِق، وهو ما ألّبَ عليه غضب فئات واسعة من المجتمع، لكنها على الجانب الآخر، راقت لفئات شبابية متمرّدة على كل شيء.

في الحقيقة، يمثّل ميلاي ظاهرةً شغلت الناس والإعلام وأسالت حبرًا كثيرًا، بسبب ملامح شخصيته سواء فيما يتعلق بالجانب الخاص من حياته أو بالجانب السياسي، ويكفي القول إنَّ اسم شهرته – الذي أطلقه عليه أصدقاء طفولته وصاحبه إلى اليوم – هو "المجنون"، ومثّل عنوانَ كتاب عن سيرته، تمّ تأليفه مؤخرًا، من أحد المهتمّين بدراسة شخصيته. إضافة إلى أنّ اسمه سجّل أرقامًا قياسية في مجالات عديدة، من بينها تصنيف لقائه التلفزيوني مع المذيع الأمريكي تاكر كارلسون، بالحوار الأعلى مشاهدة في التّاريخ، متغلبًا بذلك على حوار الرئيس الأمريكي السابق ترامب مع نفس المذيع خلال حملته الانتخابية.

على صعيد آخر، مثّل اقتحام ميلاي السباقَ الرئاسي في الأرجنتين، صدمةً لأنصار القُطبية التي حكمت البلاد عدّة عقود، والمتمثلة في تيّار "البيرونيزمو"، رائد سياسات اليسار الاجتماعيّ وخصومه اليمينيين، وأثبت صعود شعبيته الصاروخي، ارتفاعَ حظوظه في الفوز، وكسر تلك القُطبية، باعتبار أنّ الأفكار التي يروّج لها تسعى لنسف كل أفكار ما سبق من تيارات حكمت البلاد، بل يتوعّدها بأقسى العقوبات منذ أول يوم يتولّى فيه السلطة، ودون الحاجة حتى للمرور بالبرلمان. وأكّد حصوله على المركز الأوّل في الانتخابات التمهيدية في أول مشاركة له، أنّ خطابه الشعبوي الفائق، نجح في إقناع الناخبين بأنّ "الشّر" والإفلاس وانهيار الأرجنتين كان بسبب فكرة الدولة، التي أدارتها الحكومات السابقة، وبالتالي فإن الدولة هي المشكل وليست الحلّ حَسَب رأيه، وأنه وفريقه، القادرون وحدَهم على إنقاذ البلاد، تأكيدًا لشعار حملته "الحلّ الوحيد". ويراهن ميلاي على أنَّ اختزال دور الدولة- من خلال إلغاء جميع الخدمات التي تدعم دور "الدولة الراعية" للمواطنين- سوف يساهمُ في توفير 14% من الناتج المحلي الإجمالي. إضافةً إلى أنه يعتبر أنَّ مؤسسات مثل البنك المركزي، هي مجرد خديعة من قِبل الحكومات للتغطية على الاستحواذ على المال العام لفائدة أشخاصِها. كما يرى أنَّ الدولة تحتاج ثماني وزارات فقط، والباقي يمكن اختصاره في فروع إدارية لهذه الوزارات، من بينها وزارة المرأة أو البيئة، التي يعتبرها "نكتة" لمغازلة الثقافة النسويّة والبيئيّة الرائجة. أمّا الوعد الذي مثّل استثناءً في برنامج ميلاي الانتخابي- مقارنة بغيره- فهو الاستغناء عن عملة الأرجنتين، "البيسو" واستبدالها بالدولار الأمريكي، خلال السنة الأولى من حكمه، علمًا أن قيمة "البيسو" انهارت خلال الخمس والعشرين سنة الأخيرة من مستوى كان فيه 1 "بيسو" يساوي 1 دولار إلى 1.000 "بيسو" يمكن أن يساوي 1 دولار في بعض الأوضاع؛ نظرًا لأنّ أسعار الصرف تختلف باختلاف الهدف، كما حدّدتها الحكومة.

انقلاب النتائج

الغريب أنّ الانقلاب الذي حصل على مستوى النتائج- وجعل وزير الاقتصاد ماسا يحتلّ المركز الأوّل في بلد يعاني من ثاني أعلى معدّل تضخم في العالم، بنسبة 140%، ومعدل فقر طال 40% من المجتمع- أكّد أنّ أصحاب الأصوات الجديدة التي اكتسبها، يفضّلون وزيرًا يمكن اعتباره أهمَّ مسؤول عن الانهيار الاقتصادي المذكور، على مرشّح "غريب الأطوار والأفكار"، يمكن أن يذهب بالبلاد إلى الهلاك. وفي هذا السياق، ذهبَ بعض المحللين إلى أن جزءًا كبيرًا من الأصوات التي ذهبت لميلاي في الجولة التمهيدية، كانت بمثابة صرخة غضب أو تحذير للحكومة الحالية والتي سبقتها، ولم يكن أصحابها يتوقّعون أنَّ ميلاي سيحصل على تلك النسبة التي بلغها، لذلك تراجعوا عن دعمه في الجولة الأولى. ويرى آخرون أنّ الجولة التمهيدية، لم تمثّل يومًا اختبارًا جدّيًا، لتحديد شعبية المرشحين، وبالتالي فإنّ التصويت العاقل والوفيّ لتيّار "البيرونيزمو" لايمكن أن يستغني عن دعم مرشّحيه، في المحطات الصعبة، وهو واعٍ بأنّ حكومة فرنانديز وكيرشنر ليست المسؤولة الوحيدة عن الأزمة المالية والاجتماعية التي تعيشها الأرجنتين، وإنما وجب الوثوق في المستقبل، لأنّ "الأسوأ قد مضى"، حَسَب تعبير سرخيو ماسا.

رغم كل ما ذكرناه، يبقى احتمال فوز ميلاي بالرئاسة في الجولة القادمة، واردًا في حال استجابة أكثر من ثلثي أنصار باتريسيا بولريتش، مرشّحة المعارضة ووزيرة داخلية حكومة الرئيس الأسبق ماكري، وإن كان ذلك أمرًا مستبعدًا نسبيًا. لكن في كل الأحوال، يبقى "طوفان الأقصى"، وما تّرتب عنه من تعقيدات عسكرية وسياسية لدى الحكومة الإسرائيلية، أكبر حدث غير منتظر بالمرّة شغل هذه الأخيرة عن مواصلة دعم ذخرها المحتمل لاسترجاع الأرجنتين، من الحِضْن الصيني.

سرخيو ماسا

 

 

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

برئاسة أبو العينين| مجموعة التنمية الاقتصادية بالجبهة الوطنية تناقش خطط الأمانات.. وتعد ورقة عمل لدعم الدولة في التنمية

عقدت مجموعة التنمية الاقتصادية في حزب الجبهة الوطنية اجتماعًا موسعًا برئاسة النائب محمد أبو العينين نائب رئيس الحزب للتنمية الاقتصادية والتكنولوجية والاستثمار، وبمشاركة أمناء الأمانات المركزية للطاقة والثروة المعدنية والمشروعات الصغيرة والذكاء الاصطناعي والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وعدد من الأمناء المساعدين.


ناقش الاجتماع خطط العمل الخاصة بكل أمانة مركزية، وأبرز المقترحات المقدمة؛ تمهيدًا لإعداد ورقة عمل متكاملة باسم المجموعة، تتضمن سياسات وتشريعات وإجراءات داعمة لجهود الدولة في تحقيق التنمية الاقتصادية والتكنولوجية وتعزيز مناخ الاستثمار وزيادة الصادرات.

انطلاق بلا حدود من بورسعيد.. حبشي يشهد فعاليات مؤتمر رواد الأعمال لحزب الجبهة الوطنيةأمانة السياحة بالجبهة الوطنية تطلق مبادرة "بيئتنا مسؤوليتنا" لنظافة مناطق السفاري بشرم الشيخلوحة أسماء المجاهدين وصور الشهداء تزين مقر "الجبهة الوطنية" بجنوب سيناءحزب الجبهة الوطنية بجنوب سيناء يبحث خطة عمل أمانات التعليم


وأكد المشاركون أهمية أن تتسم الأهداف بالطموح، وأن تستهدف المقترحات تحقيق نقلة نوعية في الاقتصاد الوطني تواكب تطلعات القيادة السياسية نحو بناء دولة صناعية حديثة.

وأشادوا بالإجراءات الحكومية الأخيرة لتحسين بيئة الاستثمار والتي ساهمت في تعزيز ثقة المستثمرين وحل عدد من التحديات.

كما تم مناقشة ضرورة تبسيط الإجراءات البيروقراطية، وضمان احترام الدولة لتعاقداتها، وأهمية أن تمتلك وزارة الاستثمار حقيبة استثمارية متكاملة، تشمل فرصًا جاذبة ومتنوعة تتناسب مع احتياجات مختلف فئات المستثمرين، مع الترويج الفعال لهذه الفرص داخليًا وخارجيًا.


كما تم التأكيد على ضرورة إعداد خريطة قومية دقيقة لثروات مصر المنجمية والمحجرية، والترويج لها لجذب الاستثمارات في مجالات الاستكشاف والتصنيع، خاصة في ظل تدني نسبة الاستغلال الحالي للثروات المعدنية والتي لا تتجاوز 5%، إلى جانب طرح مقترحات لإنشاء مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر يمكن للأسر تنفيذها من داخل المنازل، مع توفير الدعم الفني والتسويقي والتغليف اللازم، وربط هذه المشروعات بمبادرة حياة كريمة لإعادة القرى إلى الإنتاج.


وأكد الحضور أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة يجب أن تندمج ضمن منظومة اقتصادية إنتاجية متكاملة ترتبط بسلاسل القيمة المحلية والدولية بما يحقق توطين الصناعة وزيادة القيمة المضافة وخفض التكاليف ورفع معدلات التصدير وتوفير فرص عمل منتجة ومرتفعة الأجر، كما تم التأكيد على أهمية وجود مناطق صناعية متخصصة وخريطة واضحة لفرص الاستثمار المتاحة في هذا القطاع.


وناقش الاجتماع أيضًا دراسة سابقة أعدها قطاع البتروكيماويات حول المشروعات الأنسب لكل محافظة، استنادًا إلى توافر المواد الخام والماكينات والعمالة، إلى جانب ضرورة الاستفادة من طاقات الشباب، من خلال توفير برامج تدريب متخصصة تقدمها شركات عالمية في مجالات الذكاء الاصطناعي والبرمجيات والأمن السيبراني، بما يسهم في رفع قدراتهم وتمكينهم من العمل من منازلهم بأجور تنافسية وزيادة الصادرات الخدمية وتحويل مصر إلى مركز إقليمي للتعهيد.


كما تم التأكيد على أهمية إصلاح الجهاز الإداري المعني بالاستثمار وتطبيق نظام فعال للثواب والعقاب.


وانتهى الاجتماع إلى عدد من القرارات، أبرزها:

- التزام كل أمانة مركزية بتقديم ورقة عمل تفصيلية عن قطاعها.

- يُعقد اجتماع لاحق لمناقشة تلك الأوراق، وصياغة ورقة عمل موحدة باسم مجموعة التنمية الاقتصادية؛ تمهيدًا لرفعها إلى قيادة الحزب.

طباعة شارك النائب محمد أبو العينين حزب الجبهة الوطنية الذكاء الاصطناعي الاتصالات وتكنولوجيا المشروعات الصغيرة

مقالات مشابهة

  • العراق: عن هشاشة الدولة التي لا يتحدث عنها أحد!
  • حماس: المقترح الأمريكي الذي وافقت عليه إسرائيل حول الهدنة في غزة لا يستجيب لمطالبنا
  • الجزيرة نت تحصل على معلومات تفصيلية عن مقترح ويتكوف الجديد حول غزة
  • ماذا نعرف عن مشروع التهويد الأخضر الذي تنفذه إسرائيل؟
  • انهيار سقف سينما في الأرجنتين أثناء عرض فيلم رعب
  • مسؤول حوثي: ارتفاع عدد الطائرات المدنية التي دمرتها إسرائيل في مطار صنعاء إلى 8
  • برئاسة أبو العينين| مجموعة التنمية الاقتصادية بالجبهة الوطنية تناقش خطط الأمانات.. وتعد ورقة عمل لدعم الدولة في التنمية
  • المالطي: مجلس الدولة سيجتمع كاملاً برئاسة المشري بعد حكم المحكمة العليا
  • توماس فريدمان: الإشارات الخاطفة التي رأيتها للتو في إسرائيل
  • تعرف على السلطان الأحمر الذي أسس الدولة البوليسية في سوريا