ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول "هل يجب على الإمام أن يسكت قليلًا بعد قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية ليتمكن المأموم من قراءتها؟

الحكمة من قراءة الفاتحة عند الزواج أو في الاتفاق بين شخصين هل يجوز قراءة سورة الإخلاص بعد الفاتحة في الركعتين الأولى والثانية

وقالت دار الإفتاء في إجابتها على السؤال، إنه من المقرر شرعًا أنه لا يجب على الإمام أن يسكت لقراءة المأموم الفاتحة عقب فراغه من قراءتها باتفاق الفقهاء، إلا أنهم اختلفوا في استحباب ذلك للإمام؛ فذهب الشافعية والحنابلة ومَن وافقهم إلى استحباب سكوت الإمام عقب قراءة الفاتحة سكتةً يسيرةً، يقرأ فيها مَنْ خلفه الفاتحة، بينما ذهب الحنفية والمالكية إلى كراهة ذلك.

قراءة الفاتحة في الصلاة

قال الإمام ابن قُدَامة الحنبلي في "المغني" (1/ 353، ط. مكتبة القاهرة) -مبينًا أقوال الفقهاء في المسألة-: [يستحب أن يسكت الإمام عقيب قراءة الفاتحة.. ويقرأ فيها مَنْ خلفه الفاتحة، كيلا ينازعوه فيها. وهذا مذهب الأوزاعي، والشافعي، وإسحاق. وكرهه مالك، وأصحاب الرأي] اهـ.

واستدل الشافعية والحنابلة ومَن وافقهم على استحباب سكوت الإمام عقب فراغه من قراءتها بحديث سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه: "أنه حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سكتتين: سكتة إذا كبَّر، وسكتة إذا فرغ من قراءة: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة: 7]، فحفظ ذلك سمرة وأنكر عليه عمران بن حصين، فكتبا في ذلك إلى أبيِّ بن كعب فكان في كتابه إليهما أو في ردِّه عليهما: أنَّ سمرة قد حفظ" رواه أبو داود -واللفظ له-، وابن ماجه، والترمذي في "السنن". وقال الترمذي: "حديث سمرة حديث حسن".

وقال العلامة الشيرازي الحنفي في "المفاتيح في شرح المصابيح" (2/ 124، ط. دار النوادر): [قوله: "سكتتين"، والغرضُ من السكتة الأولى ليفرغَ المأمومون من النية وتكبيرة الإحرام. والغرض من السكتة الثانية ليقرأ المأمومون الفاتحة بعد فراغ الإِمام منها.. والسكتة الثانية سُنَّةٌ عند الشافعي وأحمد كالسكتة الأولى، ومكروهةٌ عند أبي حنيفة ومالك] اهـ.

سكوت الإمام إذن بعد قراءة الفاتحة

وذكرت أن سكوت الإمام إذن بعد قراءة الفاتحة لإعطاء فرصة للمأمومين لقراءتها مسألة خلافية بين الفقهاء، ومن القواعد المقررة شرعًا في مثل هذه المسائل الخلافية أنه: "لا إنكار في مسائل الخلاف"، وأنه "من ابتُلِيَ بشيء من المختلف فيه فليقلد من أجاز".

وعليه: فإن للإمام ألَّا يسكت بعد قراءة الفاتحة ولا يمهل المأمومين لقراءتها بعده؛ تقليدًا لمن كره ذلك من الفقهاء، وله أن يسكت سكتة يسيرةً لكي يعطي فرصة للمأمومين لقراءة الفاتحة عقب قراءتها؛ تقليدًا لمن أجاز.

قال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (3/ 364، ط. دار الفكر): [قال أصحابنا: ويستحب للإمام على هذا القول أن يسكت بعد الفاتحة قدر قراءة المأموم لها] اهـ.

وقال الإمام ابن مفلح الحنبلي في "المبدع في شرح المقنع" (1/ 390، ط. دار الكتب العلمية): [يستحب سكوت الإمام بعد الفاتحة؛ ليقرأ مَنْ خلفه؛ لئلا ينازع فيها] اهـ.

بل عَدَّ الإمام الأوزاعي وغيره أنَّ هذا من فقه الإمام وعلمه؛ قال الإمام ابن المنذر في "الأوسط" (3/ 118، ط. دار طيبة): [قال الأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز: من فقه الإمام أن يسكت بعد تكبيرة الافتتاح ثم يقرأ بفاتحة الكتاب، ثم يسكت؛ ليقرأها مَنْ خلفه، وذكر لأحمد بن حنبل حديث سمرة فقيل له: يعجبك أن يسكت بعد القراءة سكتة؟ قال: نعم] اهـ.

وبناء على ذلك: فسكوت الإمام في الصلاة الجهرية مستحبٌّ عند فقهاء الشافعية والحنابلة عقب فراغ الإمام من قراءة الفاتحة وقبل قراءة السورة؛ وذلك لإعطاء الفرصة للمأمومين خلفه لقراءتها، وحتى لا يفوت عليهم استماع الفاتحة واستماع السورة، ومقدار سكوت الإمام في ذلك هو بقدر ما يتمكن به المأمومون من قراءة الفاتحة، فإذا لم يسكت وشَرَع في قراءة السورة مباشرة؛ فالمختار للفتوى أنه يجب على المأمومين حينئذٍ الإنصات والاستماع لقراءة إمامهم وعدم الانشغال بقراءة الفاتحة.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: دار الإفتاء قراءة الفاتحة الإمام الصلاة الجهرية المأموم بعد قراءة الفاتحة سکوت الإمام قال الإمام من قراءة یجب على

إقرأ أيضاً:

العراق بين الأوراق المعطلة والفرص الضائعة: قراءة استراتيجية

27 مايو، 2025

بغداد/المسلة: ناجي الغزي

تواجه الدولة العراقية منذ 2003 أزمة عميقة في الهوية السياسية، وبنية النظام، وآليات اتخاذ القرار. ومع تصاعد التحولات الإقليمية والدولية وتكريس موازين قوى جديدة، تتجدد الأسئلة حول قدرة العراق على أن يكون لاعباً فاعلاً، لا مجرد ساحة لتقاطع المشاريع. تحليل الخطابات الواردة يكشف عن سلسلة من الإخفاقات البنيوية للنخبة الحاكمة، ومأزق العلاقة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، وتفكك القرار الوطني، في وقت تنشط فيه قوى إقليمية ودولية لرسم خرائط النفوذ عبر الاستثمار في الطاقة والجغرافيا.

أولاً: معادلة كردستان الجديدة

أبرز ما يميّز موقف إقليم كردستان اليوم، هو أنه اختار التموضع خارج الإطار المهتز للحكومة الاتحادية. لا يعود هذا فقط إلى صراعات سياسية تقليدية، بل إلى قناعة استراتيجية بأن بغداد باتت تمثل الطرف الخاسر في معادلة إقليمية ودولية، عاجزة عن استيعاب التحولات الكبرى بعد الحرب في أوكرانيا، وبعد إعادة تعريف واشنطن لمفهوم “الأمن القومي الخليجي”.
التوجه الكردي نحو توقيع صفقات نفطية بقيمة تتجاوز 100 مليار دولار لا يمكن فصله عن مظلة الحماية الأمريكية، وإدراك الإقليم لغياب مشروع وطني شامل يضم العرب والكرد والشيعة والسنة. إن الترجل من “التحالف المنهك” لا يُعد خيانة للوطنية، من وجهة نظر كردية، بقدر ما يعكس عقلانية سياسية في لحظة تاريخية تتطلب التموضع مع “الطرف المنتصر”. هذا الطرح هو جزء من قراءة سياسية كردية للمشهد الإقليمي والداخلي في آن واحد.

ثانياً: الفيدرالية المعطلة وعجز النخبة السياسية

العراق بموجب الدستور، دولة اتحادية فدرالية. ولكنّ النخبة السياسية فشلت في تجسيد هذه الفدرالية على أرض الواقع، مما دفع الولايات المتحدة، بصفتها “حاملة القلم” وصاحبة الحق في تصحيح المسار السياسي (وفق نظرية “هولدرن”)، إلى التحرك غير المباشر لفرض الأمر الواقع من خلال دعم صفقات الإقليم.
غياب قانون النفط والغاز، وتمسك الأحزاب بثروات المناطق كأداة لفرض الولاء، يمثل شكلاً من أشكال “الإكراه السياسي الإيجابي”، حيث يُقيّد الأفراد عبر الامتيازات، بدلاً من فرض السلاح عليهم. هذا التعطيل لمفهوم الفيدرالية دفع القوى الفاعلة إلى التعامل مع الإقليم ككيان سياسي – اقتصادي منفصل.

ثالثًا: التوازنات الإقليمية والاستثمار كأداة نفوذ

تشير الاستثمارات الإماراتية، تحديداً في مناطق كالسليمانية، إلى مشروع إقليمي اقتصادي يتجاوز الجغرافيا العراقية، ويرتبط بخط أنابيب طاقة يمتد من كردستان العراق إلى كردستان سوريا، وصولًا إلى حوض شرق المتوسط. هذا المسار يعيد تعريف الجغرافيا كساحة صراع بين مشاريع الطاقة والنفوذ، ويضع كردستان في قلب الترتيبات الجديدة، لا بغداد.
الإمارات، بتكليف أمريكي، تتولى الدور الاقتصادي في مشروع إعادة هيكلة المنطقة، بينما تلعب السعودية الدور السياسي. ويتم العمل على دمج سوريا تدريجياً في منظومة أمن الطاقة الإقليمي كبديل جغرافي عن أوكرانيا التي خسرتها أوروبا في معادلة “نورد ستريم”.

رابعاً: مأزق القرار السياسي في بغداد

بالمقابل، تعاني بغداد من انقسام مراكز القرار، وتعدد المرجعيات داخل المكوّن الواحد، خصوصاً الشيعي. رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، رغم إبداء الرغبة في الاستثمار وتحريك الاقتصاد، ولكنه لا يملك تفويضاً استراتيجياً موحداً من قبل المكونات السياسية، ما يضعف قدرته على مواجهة المشاريع الإقليمية أو حتى الدفاع عن السيادة الاقتصادية.
مثال ذلك، شيطنة الاستثمارات السعودية والأمريكية، رغم الحاجة الملحّة لها وللاستثمارات الاجنبية في البلاد، وذلك بسبب ضغط أطراف سياسية ترى في هذه الشراكات تهديداً لنفوذها المرتبط بمحاور إقليمية. هذا أدى إلى إجهاض فرص كبيرة للنهوض الاقتصادي، ومنع بغداد من لعب دور سياسي براغماتي إقليمي يتناسب مع إمكاناتها وموقعها الجيوسياسي.

خامساً: غياب المشروع الوطني وصراع الشرعيات

المفارقة المؤلمة أن العراق يمتلك أوراقاً مهمة: جغرافيا استراتيجية، ثروات هائلة، قدرات بشرية، عمق حضاري، لكنه لا يمتلك مشروعاً وطنياً يجمع بين الأطراف، ولا شرعية موحّدة للقرار السياسي. هذا يفسر لماذا تُعتبر قرارات دول كقطر – رغم صغر حجمها – أكثر تأثيراً وموثوقية من قرارات بغداد.
القمة العربية الأخيرة كشفت حدود القدرة التمثيلية للعراق. ورغم نوايا السوداني لإظهار بغداد كقوة إقليمية، إلا أن الانقسام الداخلي وغياب القرار الموحد جعل الحضور شكلياً، لا فاعلاً.

سادساً: ما العمل؟

المعادلة واضحة: العراق في طريقه إلى خسارة المزيد من الفرص ما لم يُحسم الجدل الداخلي حول هوية الدولة، وشكل النظام، ومصدر الشرعية. على النخب السياسية أن تعترف بفشلها في إدارة التعددية، وتبني مشروعاً سياسياً جديداً يعيد بناء الدولة على أسس واقعية.
كما أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن العراق، لكنها ستعيد تعريف شكل تدخلها وفق مصالحها الاستراتيجية، وموازين القوى الإقليمية. ومَن لا يمتلك مشروعاً واضحاً، سيجد نفسه خارج الحسابات. في هذا السياق، لا بد من التحوّل من حالة “رد الفعل” إلى “صناعة الفعل”، وإعادة تموضع العراق كفاعل جيوسياسي، لا مجرد ساحة.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • أحمد كريمة يحذر من قراءة الفنجان
  • تحذير من الكفر.. أحمد كريمة يحذر من قراءة الفنجان
  • "صحار الدولي" يستضيف منتدى "آراء" لتسليط الضوء على مستجدات الأسواق العالمية
  • هل يأثم المأموم الذى ينصت لقراءة الإمام الفاتحة في الصلاة الجهرية؟.. الأزهر يجيب
  • قراءة في ،،،، خطّة المليشيا للسيطرة على العاصمة
  • العراق بين الأوراق المعطلة والفرص الضائعة: قراءة استراتيجية
  • ما حكم قراءة الأبراج ومتابعتها؟.. الإفتاء تجيب
  • بين التمرد والتجريد: قراءة نقدية لمقال خالد كودي عن ظاهرة القونات
  • بحضور عائلة العدل.. خالد سامي العدل يقرأ الفاتحة على هنا الألفي
  • سكوت ماكتوميناي: قصة نجاح أسكتلندية في قلب نابولي