خط بارليف ليس الأخير فى قائمة الانكسارات.. وسبقه الهكسوس والصليبيون
تاريخ النشر: 26th, October 2023 GMT
سيناء تاريخ عميق من الحضارة فى قلب العالم ليست مجرد موقع استراتيجى وحلقة الوصل بين قارتى آسيا وأفريقيا لكنها أرض الحضارات والديانات الإسلامية والمسيحية واليهودية التى التقت جميعًا على أرض أرض التجلى الأعظم فى الطور ومنها دخلت العائلة المقدسة.
وبها دير سانت كاترين وشجرة النور ومسجد الأمر بالله وبها فى أعظم مشهد يجسد التقاء كل الديانات فى مكان واحد،
منها دخل الإسلام وعلى عتبتها تحطمت قوى العدوان بدءًا من محاولات الغزو الصليبى حتى انكسار إسرائيل وخط بارليف الأسطورة الوهمية.
سيناء هى أرض الدين والحضارة والتاريخ والفيروز والخير لما تضمه من ثروات طبيعية ومعدنية لكن تظل القيمة الاعلى كونها التاريخ والحضارة وارض الأديان السماوية وستظل الحارس الامين لبوابة مصر الشرقية.
قال الدكتور محمد عبداللطيف رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية الأسبق إن سيناء ليست مجرد سياحة وأرض بكر للمعادن والثروات أو مصدر للسياحة إنما هى جزء أصيل من مصر وتاريخها وحضارتها وهى الأرض الوحيدة التى تحتضن آثارًا يهودية وقبطية وإسلامية.
وأضاف: «رب العزة لم يكلم بشرًا ويتجلى على جبل إلا فى سيناء وجبل الطور حين جعله دكًا وخر موسى صعقًا وشجرة العليقة الملتهبة. وهى آثار يهودية والعائلة المقدسة التى دخلت من سيناء وجاءت من بيت لحم.. مريم العذراء أطهر نساء العالمين.
هناك أيضاً دير سانت كاترين الذى يجسد الديانة المسيحية. وكيف سمح فيه الرهبان ببناء مسجد الأمر بالله ومن يزور المشهد يريد الشجرة وهى مقدسة فى الديانة اليهودية.
والدير وهو رمز الديانة المسيحية وبداخله المسجد، ولذلك سميت أرض الأديان السماوية وأرض السلام وأرض الفيروز.. وأيضاً يرصد التاريخ أن كل الأعداء حاولوا دخول مصر عبر أرضها وتم قهرهم وهزيمتهم وعودتهم يجرون أذيال الهزيمة عبر أرضها أيضاً، وكم أن بها دير الفرما.
وأضاف «عبداللطيف» أن بها عددًا من القلاع الإسلامية لها طابع عسكرى مثل قلعة صلاح الدين فى طابا..وقلعة الغورى فى سهل الطينة مما يؤكد أهميتها العسكرية.
وقال الدكتور جمال عبدالرحيم أستاذ الآثار جامعة القاهرة يقول سيناء حتى قبل الفتح الإسلامى فهى تمثل موقعًا استراتيجيًا عسكريًا مهمًا وقف على عتبتها كثير من الأعداء مثل الهكسوس وحتى الحملات الصليبية عام 1116 قدموا من الشام بقيادة بلدوين فى العهد الفاطمى.. وعندما جاء الإسلام ودخل عمر بن العاص ومن بعدها ظلت سيناء محور اهتمام السلاطين والأمراء فى العهد الإسلامى وبنى المماليك قلعة العريش الحربية وتوجد قلعة عسكرية فى رأس سدر أيضاً.. ومن وقتها ظلت سيناء حلم اليهود لأنها تتجسد على أرضها أهم معالم اليهودية مثل جبل الطور والشجرة الملتهبة.
كما كانت مطمع الرومان والاغريق من قبل، ومن بعدها طمع فيها الحملات الصليبية، لأن بها أهم معالم المسيحية.
ولكن نجحت مصر عبر أرض سيناء فى قهر كل أعدائها ولعل نصر أكتوبر وتحرير سيناء أكبر درس لليهود ولذلك ستظل سيناء، أما أن تكون لهم أو تكون كتلة النار التى تحرق المنطقة، لكن ستظل مصر قيادة وجيشًا وشعبًا حراسًا لسيناء وأرضها كما كانت هى لعهود وعقود طويلة الحارس الأمين والباب الشرقى الصلب لمصر.
وتابع «عبدالرحيم» كون أن يختص المولى سبحان وتعالى أرض سيناء بأن تحتضن ديانات سماوية ثلاثة بدأها المولى عز وجل على جبل الطور وكلم النبى موسى ومرورا بالعائلة المقدسة واتخاذها ملاذًا وآمنًا بعد قدومهم من بيت لحم من فلسطين ووجود دير سانت كاترين ومسجد الأمر بالله.. ووجود قلاع عسكرية كل هذا يؤكد أنها أرض الديانات السماوية وأرض الدفاع عن مصر وأرض السلام.
ولعل ذكرى انتصار حرب أكتوبر المجيدة مازالت تذكر إسرائيل بالهزيمة ومصر بالنصر ستظل سيناء الحصن المنيع والأرض البديع بخير الله والمزارات الدينية العظيمة ومصدر التاريخ والحضارة والسياحة والسلام.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: سيناء تاريخ الحضارة قلب العالم
إقرأ أيضاً:
محرقة غزة تعيد كتابة التاريخ
في زمنٍ تتكسر فيه المدن تحت الأقدام الثقيلة للحرب، وتتماوج الحقيقة بين دخان القصف وضجيج الإعلام، برزت غزة لا كمساحة صغيرة على خارطةٍ محاصَرة، بل كجبهة سردية كبرى تُعاد عبرها صياغة الوعي العالمي. فالمحرقة التي فُتحت أبوابها في أكتوبر 2023 لم تكن مجرد فصل دموي في الصراع، بل لحظة مفصلية انشقّ فيها المشهد السياسي والأخلاقي أمام عدسات العالم، وبدأت رواية جديدة تتشكل من قلب النار.
منذ 1948، نجحت إسرائيل في بناء هيمنة محكمة على الوعي الغربي، عبر شبكة مركّبة من الإعلام والسينما والجامعات واللوبيات. كانت الرواية الصهيونية تُروَّج كقدر تاريخي لا يُناقش: دولة صغيرة محاطة بالأعداء، تناضل للبقاء في مواجهة “تهديد فلسطيني” دائم. لكن حرب السابع من أكتوبر شقّت هذا الجدار القديم، ليس بسلاح المقاومة فقط، بل بقوة الصورة، وقسوة الحقيقة، وسقوط اللغة الرسمية في امتحان الأخلاق.
لم يعد الفلسطيني مجرّد موضوعٍ يُغطّيه مراسل أجنبي؛ صار هو المراسل والشاهد والضحية وصاحب الرواية. من هواتف محمولة ترتجف بين الأنقاض، خرجت صور لا يمكن لأي غرفة أخبار أن تُهذّبها، ولا لأي دعاية أن تطمسها. وفي تلك اللحظة، بدأت توازنات السرد في الانقلاب: شبكات عالمية اضطرت لمراجعة مسلّماتها، وصحف كبرى تخلّت عن كثير من احترازها اللغوي، ومنظمات أممية وجدت نفسها أمام وقائع لا تستطيع أن تُخفيها خلف مفردات “الاشتباكات” و”التوترات”.
في المقابل، واجهت إسرائيل تحديًا وجوديًا في المجال الأهم: المجال الرمزي. فالسردية التي بنتها على مدى عقود—بالقوة والدعاية—بدأت تتهاوى أمام عين طفل يبكي أمام كاميرا هاتفه، وأمام أم تبحث عن فلذات أكبادها تحت الركام. سقطت روايات “تحرير الرهائن” و”القضاء على حماس” أمام الأدلة الدامغة على المجازر؛ وتورّطت منظومة الاحتلال في تناقضات أحرجت حلفاءها قبل خصومها. حتى الإعلام العربي، الذي وقع كثير منه في فخ الحياد المزيّف، بدا عاجزًا عن ملاحقة حجم الحقيقة التي تفجّرت من غزة.
لكن التحول الأكبر تجلّى في الشارع العالمي. من نيويورك إلى باريس، من الجامعات الأميركية إلى النقابات البريطانية، خرجت الجماهير لا بوصفها مؤيدة لفصيل، بل بوصفها شهودًا على جرح إنساني أكبر من كل الحسابات السياسية. لم يعد الدعم لإسرائيل بديهيًا في الغرب، ولا النقد محرّمًا. تفككت القداسة القديمة وعاد السؤال الأخلاقي إلى الواجهة: من يقتل من؟ ومن يعيش فوق دم من؟ وفي هذا السياق، جاء قرار إدارة ترامب بربط المساعدات الفيدرالية للمدن الأميركية بعدم مقاطعة إسرائيل، لا كقانون إداري، بل كوثيقة خوفٍ سياسي من انهيار السردية الصهيونية داخل الحاضنة الغربية نفسها.
في هذه المعركة، لم تنتصر غزة لأنها الأقوى عسكريًا، بل لأنها الأصدق. لأن الرواية حين تخرج من قلب المجزرة لا تحتاج إلى زخرفة أو وسيط. ولأن الدم الذي يصبح صورة، يتحول إلى وثيقة، ثم إلى موقف، ثم إلى تاريخ يُدرَّس للأجيال. لقد أعادت غزة تعريف معنى القوة في زمنٍ تحكمه الصور، حيث لم تعد الغلبة لمن يمتلك الدبابة، بل لمن يمتلك الحقيقة.
اليوم، يقف الكيان الإسرائيلي أمام أخطر تهديدٍ في تاريخه الحديث: فقدان السيطرة على الرواية. فكم من جيش هُزم في الوعي قبل أن يُهزم في الميدان، وكم من دولة سقطت عندما سقطت شرعيتها الأخلاقية أمام العالم. ومع كل مقطع يُبث من غزة، تتراكم حجارة جديدة في جدار الحقيقة، وتنهار طبقات جديدة من الزيف الذي بُني على امتداد عقود.
أما غزة، فهي في هذه اللحظة ليست مدينة محاصرة، بل مركز جاذبية أخلاقية وسياسية. مدينة صغيرة تعيد ترتيب خرائط القوى الكبرى، وتفرض على العالم درسًا جديدًا: أن السردية ليست ملحقًا بالحرب، بل هي الحرب نفسها؛ وأن من يمتلك الحكاية يمتلك التاريخ؛ وأن من يكتب وجعه بيده لا يمكن لأحد أن يسرق صوته.
وهكذا، بينما ينهار الصمت العالمي وتتشكل تحالفات الوعي الجديدة، تكتب غزة—بدم الشهداء وصمود الأحياء—فصلًا جديدًا في ملحمة الإنسانية. فصلًا لا يمكن محوه، ولا يمكن تزويره، لأنه خرج من مكانٍ لا تستطيع الدعاية الوصول إليه: من قلب الحقيقة.
*كاتب ومحلل سياسي فلسطيني