في مثل هذا اليوم، 27 أكتوبر، تمر علينا ذكرى تاريخية عظيمة في تاريخ مصر والمنطقة العربية، يوم يحمل في طياته ذكرى السلام والشجاعة والقيادة الحكيمة. 

ففي مثل هذا اليوم من عام 1978، منح الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات جائزة نوبل للسلام مناصفة مع رئيس وزراء إسرائيل آنذاك مناحيم بيغن، تقديرا لجهودهما في إبرام اتفاقيات كامب ديفيد التي أرست أساس السلام بين مصر وإسرائيل.

 

هذه الجائزة لم تكن مجرد تكريم رمزي، بل كانت شهادة على عظمة رجل مصري استطاع أن يجمع بين بطولة الحرب وحكمة السلام، رجل كتب التاريخ بقدميه على أرض سيناء وبحروفه على صفحات السلام العالمي.

الرئيس السادات، بطل الحرب والسلام، لم يكن زعيما عاديا، بل كان قائدا يتمتع برؤية واضحة وإرادة صلبة، فمن خلال قراره التاريخي بزيارة القدس منفردا، واجه الموقف بشجاعة قل نظيرها، وألقى خطابا أمام الكنيست الإسرائيلي، خطابه الذي لا يزال صدى كلماته يتردد في ذاكرة الأمة، دعا فيه إلى بناء حياة جديدة، إلى السلام والعدل، مؤكدا أن الأرض هي للجميع، وأن الحب والصدق والسلام يجب أن يكونا دستور عمل. 

لم يكن هذا مجرد خطاب دبلوماسي، بل كان تعبيرا عن روح مصرية صادقة، عن حلم عربي عميق، عن أمل في أن تتحول أسطورة الصراع إلى قصة نجاح للسلام.

لم يكن السادات سعيدا بمنح جائزة نوبل مناصفة مع بيغن، فقد كان يرى أن جهود السلام التي بذلها يجب أن تكرم بشكل كامل له، وهو ما جعله يقرر عدم السفر إلى أوسلو لاستلام الجائزة بنفسه، وأناب عنه المهندس سيد مرعي، مع تكليف الكاتب الكبير أنيس منصور والدكتور أحمد ماهر بصياغة الخطاب الذي ألقاه نيابة عنه. 

ورغم هذا، فقد بقي موقفه شامخا ورمزا للكرامة الوطنية، فقد اختار أن يتبرع بكامل الجائزة المالية لأهله في قريته ميت أبو الكوم بالمنوفية، مظهرا كرمه وإيمانه العميق بأن الوطن والشعب هما أغلى من أي تكريم شخصي.

إن لحظة منح جائزة نوبل للسلام للرئيس السادات هي لحظة خالدة في تاريخ الأمة، فهي تمثل تتويجا لرحلة طويلة من الكفاح من أجل استعادة أرض الفيروز بعد ست سنوات من الاحتلال الإسرائيلي، وللانتصار العظيم في حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 التي كسرت أسطورة الجيش الإسرائيلي وعلمت العالم أن الشعب المصري وجيشه لا يقهر. 

السادات، بهذا المزج بين الحرب والسلام، أصبح رمزا للقائد الذي يعرف متى يقاتل ومتى يسعى للسلام، رمزا للزمن الذي تتحول فيه المآسي إلى انتصارات والدموع إلى أمل.

وعلى الرغم من التحديات والانتقادات، فإن إرث السادات يظل حاضرا في الذاكرة المصرية والعربية، لأنه لم يكن مجرد سياسي، بل كان قائدا ذا رؤية، قادرا على صناعة التاريخ بقراراته وبتضحياته. 

لقد كان السادات يعي تماما أن السلام ليس نهاية الرحلة، بل بداية لمستقبل يحتاج إلى صبر وإرادة وشجاعة، وأن العظمة الحقيقية للقائد تقاس بقدرته على حماية وطنه وتحقيق آمال شعبه في الحرية والأمن والكرامة.

اليوم، ونحن نستذكر هذا اليوم العظيم، علينا أن نتذكر الدروس التي تركها لنا السادات: أن البطولة لا تقتصر على ساحات القتال، وأن السلام هو عمل شجاع يحتاج إلى إيمان بالمبادئ، وأن القيادة الحقيقية تقاس بمدى قدرتها على تحقيق الإنجازات العظيمة لشعبها ووطنها. 

في مثل هذا اليوم، نحتفل بذكرى رجل مصري صنع المجد في الحرب وصاغ السلام بيديه، نحتفل بذكرى أنور السادات، بطل الحرب والسلام، الذي علم العالم أن السلام ليس حلما بعيدا، بل هو طريق يبنى بالعزم والإيمان والوطنية الحقيقية.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: انور السادات نوبل للسلام حرب اكتوبر معاهدة كامب ديفيد السلام العربي الحرب والسلام هذا الیوم بل کان لم یکن

إقرأ أيضاً:

المسيرة القرآنية .. إعصار الوعي الذي حطم أدوات التضليل ونسف منظومة الحرب الناعمة للعدوان

منذ انطلاق المسيرة القرآنية المباركة في اليمن باعتبارها مشروعًا إيمانيًا حضاريًا، ، برزت مواجهتها لحرب واسعة تتجاوز إطار الصراع العسكري التقليدي لتشمل الحرب الناعمة بكل أدواتها، التضليل الإعلامي، الشائعات، التشويه، بث الإحباط، استهداف الوعي الجمعي، هذه الحرب التي وصفها السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله، أخطر من القصف العسكري، لأنها تستهدف الإنسان من الداخل، هويته ووعيه وروحه، لا بنيته المادية فقط.

يمانيون / تقرير / طارق الحمامي

 

 المسيرة القرآنية منهج إيماني واعي

المسيرة القرآنية تمثل مشروعًا إيمانياً تربويًا وفكريًا يقوم على إعادة صياغة الإنسان وفق رؤية قرآنية قائمة على تعزيز مستوى العلاقة مع الله ومع هدى الله والوعي بالمسؤولية الإيمانية، القائم على تعزيز ثبات الموقف تجاه قوى الهيمنة والاستكبار.

كما أنها تقوم على منهج قرآني يعتني ببناء الوعي المجتمعي الذي يحصّن الأمة من الاختراق الثقافي، وبناء إنسان قوي، مسؤول، واعٍ، ومتمسك بهويته.

بهذه الرؤية، أصبحت المسيرة القرآنية مشروعًا للنهضة النفسية والقيمية، وليست حركة سياسية قابلة للاختراق بواسطة الدعاية أو الحرب الإعلامية.

 

 الحرب الناعمة .. محاولة لاختراق الداخل اليمني

من أبرز أدوات الحرب الناعمة التي اشتغل عليها العدوان كانت محاولة شيطنة، المسيرة القرآنية، عبر روايات إعلامية منظمة تهدف إلى تصوير المسيرة القرآنية على أنها مشروع طائفي أو سلالي، بينما رسالتها تؤكد وحدة الشعب والهوية الإيمانية الجامعة، وفي إطار حملات ممنهجة ربطت أدوات العدوان وأبواقه من المرتزقة المسيرة القرآنية بالتبعية لإيران، كذريعة لاستمرار التدخل العسكري  رغم كل الصدمات التي تلقاها العدو في إطار المواجهة على كافة المستويات والتي تؤكد استقلالية المشروع القرآني عن أي تبعية،كما أن العدوان سعى إلى أن يصور مواقف السيد القائد يحفظه الله المبدئية ضد العدو الصهيوأمريكي ، بأنها تهديد للأمن الإقليمي في حين أن الخطاب القرآني يحددها كمواقف تحررية تصون كرامة الأمة.

هذه الحملات ليست مجرد اختلاف إعلامي، بل جزء من إستراتيجية صاغها العدو وأنفق عليها ملايين الدولارات.

 

 الشائعات كأداة لضرب المعنويات

تعتمد الحرب النفسية على بث الإشاعات التي تستهدف صمود المجتمع، ومن نماذجها، نشر شائعات عن تفكك داخلي أو خلافات قيادية، وتضخيم خسائر ميدانية أو افتعال انتصارات وهمية للعدو، وتكثيف نشر روايات عن مواجهات في مناطق الحوثيين وسقوط الجبهة أو استسلام شخصيات قيادية.

غير أن وعي الناس، وتعامُل القيادة مع الأحداث بوضوح وشفافية، أفشل الكثير من هذه المحاولات.

كما أن حرب العدو النفسية ركزت على بث مشاعر اليأس والإحباط، خصوصًا في لحظات الضغوط الاقتصادية والحصار.
كان المخطط يعتمد على إفراغ روح الصمود عبر رسائل إعلامية خبيثة استهدفت إثارة العواطف والتضليل بأن لا جدوى من المقاومة ، وأن العدو قوي ولا يمكن مجابهته للوصول إلى أن تكون الروح الانهزامية هي السائدة في المجتمع تدفعه للتعامل مع فكرة أن الحل هو في الاستسلام

غير أن خطاب السيد القائد، المرتكز على القرآن، أعاد بناء الروح الجهادية للشعب اليمني عبر التذكير بأن الصمود عبادة، وأن القوة الحقيقية تنبع من الإيمان والاعتماد على الله.

 

 أدوات المواجهة القرآنية للحرب النفسية

من أهم أدوات المواجهة كان الخطاب القرآني الذي يقدّمه السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، والذي يمتاز بالتحليل العميق لمخططات العدو، وكشف أساليب التضليل، وتعزيز الثقة بالله، وتحويل التهديد إلى فرصة للوعي واليقظة.

السيد القائد لا يتعامل مع الحرب النفسية كردّ فعلٍ، بل يفككها ويواجهها من جذورها، واضعًا الجماهير في قلب التحدي بوصفهم الشركاء في الصمود،

كما أن المسيرة القرآنية اعتمدت على تكثيف الدروس والمحاضرات القرآنية التي تؤسس لفهم واسع لمفاهيم، الولاء ، والهوية، المسؤولية، الجهاد، الاستقلال، مواجهة الهيمنة.
هذا التأسيس التربوي يخلق جدارًا نفسيًا يجعل المجتمع أقل عرضة للتضليل، لأنه يستمد ثباته من منبع قرآني ثابت لا يتغير بتغير الظروف، وبالتالي فقد نجحت المسيرة القرآنية في كسر جزء كبير من الحرب النفسية عبر الشفافية في نقل الأحداث الميدانية والسياسية والاقتصادية.
وكان النموذج واضحًا ،لا إخفاء للخسائر، ولا تخدير إعلامي، هذا الصدق عزّز ثقة الجمهور بالسيد القائد، وسبّب فقدان إعلام العدوان لمبررات تأثيره، وأسقط كل مؤامراته.

 

 ربط الوعي بالهوية الوطنية الإيمانية

المسيرة القرآنية أعادت تعريف الانتماء، خارج اعتبارات الانتماءات الضيقة، بل انتماءٌ للهويّة القرآنية التي تجعل من الدفاع عن الوطن دفاع عن الدين، وهذا الدمج بين الوطنية والإيمان خلق صلابة نفسية لا يمكن للحرب الناعمة كسرها بسهولة.

 

 الواقع القرآني على الأرض يؤكد فشل الحرب الناعمة

هناك دلائل كثيرة من الواقع اليمني تؤكد نجاح المسيرة القرآنية في كسر التضليل، منها الثبات الشعبي لسنوات رغم الحصار والغارات، وهو مؤشر على أن الحرب النفسية لم تُحدث اختراقًا في الإرادة العامة، وكذلك الاستجابة الواسعة لمناسبات التعبئة العامة وإحياء الشعائر والمناسبات الدينية والوطنية الجامعة وعلى رأسها ذكرى المولد النبوي الشريف التي أضحت العنوان الأبرز للوحدة في الدين والوطن، وهذا يُظهر أن الهوية الإيمانية ما زالت مركزية في المجتمع.

وهو ما أحدث تحولاً نوعياً في الوعي الشعبي تجاه مفهوم الاستقلال، حيث أصبحت سياسات الهيمنة الخارجية واضحة لدى أغلب اليمنيين، وتعززت حالة الوعي المتقدم لدى الجيل الجديد ، جيل القرآن الذي صار أكثر إدراكًا لأساليب الإعلام العالمي، وأكثر ارتباطًا بالمنهج القرآني، هذا الجيل الذي قال عنه السيد القائد مخاطباً دول العدوان : (( الويل لكم من هذا الجيل الناهض))

وهذه الشواهد لا تمثل حالة عابرة، بل مسارًا تحوّليًا طويل الأمد.

 

 الدلالات الاستراتيجية لهذه المواجهة

إسقاط رهانات العدو على الانهيار الداخلي، فقد كان الرهان الأساسي قائماً على تفكيك المجتمع من الداخل، لكن الثبات الشعبي أوضح أن المجتمع اليمني بتأثير المسيرة القرآنية المباركة أصبح محصّنًا بالوعي لا بالخوف.

وبفضل الهوية الإيمانية القرآنية، ظهر اليمن كقوة مبدئية لا ترضخ للتهديدات أو الضغوط، وهذا جعل اليمن لاعبًا مؤثرًا في قضايا الأمة، من نصرة فلسطين إلى مواجهة النفوذ الأمريكي _ الإسرائيلي.

وعملت المسيرة القرآنية المباركة على ترسيخ قاعدة أن الحرب على الوعي أخطر من الحرب على الأرض، وهذه القاعدة أصبحت مبدأً استراتيجيًا في مسارات المواجهة، فالعدو، بعد فشله عسكريًا، سعى إلى اختراق العقول، لكن المنهج القرآني سبق بخطوات في بناء حصانة داخلية.

قدّم اليمن بصموده في وجه الحرب الناعمة نموذجًا يُحتذى به لشعوب أخرى تواجه حروبًا مشابهة، حيث يصبح القرآن منطلقًا لمناعة ثقافية وحضارية طويلة المدى.

ختاماً 

أثبتت التجربة اليمنية أن المسيرة القرآنية ليست مجرد خطاب ديني أو حركة سياسية، بل مشروع إيماني قرآني شامل لبناء الإنسان وتحصين الوعي، وعبر قيادة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله ، الذي قدّم رؤية قرآنية واضحة لآليات مواجهة التضليل، نجحت المسيرة المباركة في كسر كثير من أدوات الحرب النفسية التي رافقت العدوان على اليمن.

لقد تحولت الحرب الناعمة إلى فرصة لزيادة الوعي، لا لتقويضه، وانعكس ذلك في صمود الشعب، ثبات الموقف، وتعاظم الدور الإقليمي لليمن.

مقالات مشابهة

  • البيت الأبيض: إجمالي كلمات ترامب مع الإعلاميين يفوق أربعة أضعاف حجم «الحرب والسلام»
  • أعضاء في الكنيست والكونغرس يطالبان بمنح ترامب نوبل لعام 2026
  • أعضاء في الكنيست والكونغرس يطالبان بمنح ترامب جائزة نوبل للسلام لعام 2026
  • توكل كرمان: النساء صانعات السلام والديمقراطية شرط للأمن العالمي
  • إصابة7 أشخاص فى حادثين بالعياط والسلام
  • لقاء زيلينسكي وميلوني.. ما الدور الذي يمكن أن تلعبه إيطاليا في محادثات السلام؟
  • من أنور السادات إلى ناديا مراد وعمر ياغي.. من هم العرب الذين فازوا بجائزة نوبل؟
  • المسيرة القرآنية .. إعصار الوعي الذي حطم أدوات التضليل ونسف منظومة الحرب الناعمة للعدوان
  • تونس تستضيف المنتدى الإفريقي رفيع المستوى حول المرأة والسلام والأمن