لا يمكن أن يستقر اليمن إلا بتجريم شيء وحيد
تاريخ النشر: 29th, October 2023 GMT
بعد تتبع للأحداث والحروب والمعاناة المجتمعية في اليمن خلال أكثر من عقدين، وصلت لقناعة أنه لا يمكن أن يستقر اليمن إلا عبر سن قوانين حازمة لتجريم العنصرية بكافة أشكالها وأنواعها على رأسها خرافة "الولاية" العرقية التي كانت وما تزال أحد أهم أسباب معاناة اليمنيين منذ قرون.
يجب على كل من يحب اليمن ويريد استقراره أن يعمل على تجريم العنصرية أسوة بكل الدول التي نجحت في صناعة الاستقرار والرخاء بعدما تحلت بالشجاعة الكاملة وواجهت الثقافات المتوارثة والمعتقدات المتطرفة والمنحرفة والتفسيرات الدينية الخاطئة التي تؤصل للعنصرية وكانت سببا في معاناة شعوبها، ولن يكون ذلك إلا من خلال سن قوانين وبنود دستورية واضحة وحاسمة تجرم الممارسات والأفعال والشعارات والمفاهيم والنصوص العنصرية وإزالتها من المناهج الدراسية وفرض عدم ترديدها في أي مكان.
العنصرية ليست دينا أو رأيا سياسيا يجب احترامه، بل اعتداء على حقوق وخصوصية الآخرين وسببا في نسف قيم التعايش واحترام التنوع وتمزيق النسيج الاجتماعي كما حدث وما يزال يحدث في اليمن.
في اليمن.. إما أن يتم تجريم العنصرية وضمان التعايش والمواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية، أو ستكون النتيجة حروب ومآسي ومعاناة إلى ما لا نهاية.
همدان العليي
مؤلف الكتاب
______
رسالة كتاب الجريمة المركبة والتي ستوضع في النسخة المترجمة باللغة الانجليزية باذن الله.
اقرأ أيضاً ”خطأ العمر”..المليشيا توجه أول تحذير رسمي لواشنطن غداة إستدعاء قوة نارية إلى اليمن بيان للحكومة اليمنية بشأن أحداث غزة مقتل تاجر داخل بقالته برصاص مسلح وسط اليمن الحقيقة المرّة من تعز إلى غزة انهيار جنوني متسارع للريال اليمني .. وصعود أسعار صرف العملات الأجنبية درجات الحرارة في اليمن اليوم الأحد اللواء سلطان العرادة: مليشيات الحوثي تحاول بكل الطرق والوسائل محو التراث والتاريخ والحضارة اليمنية ارتفاع معدلات التفكك الأسري في اليمن.. 78 ألف حالة طلاق وخلع سجلتها مناطق الميليشيات خلال عام الرئيس العليمي يشكر السعودية على التخفيف من وطأة الكارثة الطبيعية التي ضربت شرق اليمن اعلامي إسرائيلي يكشف عن تحركات حوثية جديدة لاستهداف الأراضي المصرية بالصواريخ بعد تلقيهم تهديدات خارجية .. تحذيرات حوثية لقياداتهم بمغادرة منازلهم والانتقال إلى أماكن مجهولة مساع لمليشيا إيران لجر اليمن لحرب مدمرة وتطويق مصر والحل الحاسم في الساحل الغربيالمصدر: المشهد اليمني
كلمات دلالية: فی الیمن
إقرأ أيضاً:
الكـونية العـنـصريـة
أكثـرُ أوهام كونيّـةِ القيـم فُـشُـوًّا ورواجـًا، في عالـم اليـوم، وهْـمُ «كونيّـة الحقوق» واستوائِـها على نظامٍ من المبادئ والقواعد واحـدٍ وجامع في العالم كلِّـه. عهـدُ البشريّـة بهذا الوهـم ليس جـديدًا؛ فـلقد شهدت على أمثـلةٍ لـه منذ نهايات عـقـد الأربعينيّـات من القرن العشرين كان أظهرها جميعًا صدور «الإعـلان العالميّ لحقوق الإنسان»؛ لكنّـه الوهم الذي ما فتئ يتزايد كثـافةً وسعةً مع توالي الزّمـن وصولًا إلى لحظـة انعطافـه الكبرى مع ميلاد العولمة وزحْـف حركتها على المجتمعات والدّول، في أركان الأرض قاطبة، على امتـداد الأعوام الخمسة والثّـلاثين الماضية. ولقد تعاورت سياساتُ الدّول الكبرى في النظام الدولي والمنظّماتُ الدّوليّـة الرّسميّـة، التّـابعة للأمـم المتّحدة، ثـمّ المنظّـماتُ الدّوليّـة غيرُ الحكوميّـة على تدبيح خطاب كونيّـة الحقوق هذا والتّـرويجِ له، بـل الذّهابِ في الدّفاع عنه ضدّ منتـقديه إلى حـدود اتّهامهم بمحاولة النّـيْل من منظومة الحقوق المتعارَف عليها.
وغالبًا ما كان المايسترو الذي يدير معزوفة الحقوق بين هذه المؤسّسات الدّوليّـة واحدًا: إنّـه الحاكم بأمره للنّظام الدّوليّ، منذ قيامه، قبل ثمانية عقود، والرّاعي للمنظّـمات الحقوقـيّـة غـيـرِ الحكوميّـة بالإنفاق والتّوجيه السّياسيّ والتّمكين لقولها وفعْـلِها في القـرار الدّوليّ.
يقضي زعـمُ كونيّـة الحقوق، عند القائلين بها، بوجوب التّسليم بأنّ المعايير التي توزَن بها حقوقُ الإنسان والحقوقُ الاجتماعيّـة- الاقتصاديّـة في العالم معايـيرٌ موحَّـدة ساريةٌ، بالضّـرورة، على الجميع: دولًا ومجتمعات؛ وأنّ أي دعـوةٍ إلى التّـمسُّك بالهـويّات والخصوصيّات لـدفْع أحكام تلك الكـونيّـة دعوى باطلةٌ مردودة على أصحابها، وقد تكون - أبعـد من هـذا - منتهكـةً للقانون الدّوليّ.
هـكذا، يستـغلّ دعاةُ الكونيّـة سوابقَ صدور قرارات دوليّـة للبناء عليها بالقول إنّها كـونيّـةٌ مـعترفٌ بها ومحـطُّ إجمـاعٍ دوليّ وهي، بالتّالي، جزءٌ لا يتجزّأ من القانون الدّوليّ، وكـلُّ اعتـراضٍ عليها اعتـراضٌ على القانون الدّوليّ وانتهاكٌ لأحكامه يقـتضي ردْعـًا من نـوعٍ مّـا. هكـذا، أيضًا، يقضي التّسليمُ بكونيّـة المعايـير تلك بضرورة تكيـيف المنظومات القانونيّـة للدّول جميعِها بما يتـناسب والأحكام القانونيّـة الدّوليّـة في مجال حقوق الإنسان والحقوق الاجتماعيّـة- الاقـتصاديّة.
إنّ سيادة الدّول في مجال التّـشريع وإصدارِ القوانين لا يعود، في منظور هـذه «الكـونيّة»، أكـثر من دعـوًى غرضُها الرّئيس التّـنصُّـل من التـزام الأحكام التي يفرضها القانون الدّوليّ على الجميع، وهي دعوى لن تعفيَ أصحابَها من الخضوع لما تـقضي به تلك الأحكام بحسبانها أحكامًا مرجعُها إلى القانون الدّوليّ؛ فهي مدعوّة إلى الخضوع لها طوعاً وبإرادتها، وإلاّ أُكْـرِهت على ذلك بالقـوّة. هذه، مـثلًا، حال تلك الدُّول التي عُـدَّت «مارقـة» في نظـر دعاة كونيّـة الحقوق، فـتلقّـت وجْباتٍ من العقاب الدّوليّ متـفاوتـةَ القـسوة: من العـقوبات الاقـتصاديّة إلى الحصار إلى الحرب عليها!
يصطدم المرءُ، هـنا، بحقيقـة الفجوة الكبيرة التي تـنـتصب بين دعـوى الكونيّـة هذه وواقعٍ موضوعيّ مجافٍ لا يشهد لها. صحيح أنّها دعوى تـترجم نفـسَها في سياساتٍ دوليّـة، وأنّ هذه السّياسات مطبَّـقة على قسـمٍ كبير من أمم العالم ودولـه، مع ذلك لا شيء فيها يدلُّ على اسمها؛ إذْ ليس فيها من الكونيّـة سوى ادّعاؤُها المعلن.
ولنا، في الشّأن هـذا، دليلان على قـلـناه:
أوّلهما أنّ مفعول هذه التّـشريعات الكونيّة مطلوبٌ أن يسريَ على دولٍ بعينها من دون أخرى: على الدّول الصّغرى في العالم وحدها - وهي تـنتمي إلى الجنوب والشّـرق - ومعها على الدّول الكبرى المناهضة للغرب والمنافِسـة له. إنّ على هذه الدّول أن تُخْضِـع منظوماتها القانونيّـة القوميّـة للأحكام التي تقضي بها القوانين الدّوليّـة في مضمار الحقوق والتّـشريع وِفْـق والمعايـير التي بها تـتحـدّد، ثمّ عليها - بالتّـالي- أن تـتحمّـل تبعات التّـنكّـب عن التـزامها بما في ذلك ما يمكن أن يرتّـبه عليها التّـنكّـب ذاك من عـقوبات. في المقابل، تظلّ دول الغرب الكبرى - خاصّـةً الولايات المتّحدة الأمريكيّـة- محتفظـةً بمنظوماتها القوميّـة، غيرَ متجاوبةٍ مع دعوات تكييف قوانينها مع القوانين الدّوليّـة ولا حتّى آبهـة لِـمَـا يعنيه سلوكها السّياسيّ هذا - القائم على ازدواجيّـة صارخة في المعايير- من تناقضٍ صارخ مع العالم ومن انفضاحٍ كبير لأُزعوماتها حـول كونيّـة الحقوق!
وثانيهما أنّ التّـفاوت الصّارخ بين حقوق الأمم والدّول في ما تـتمتّـع به من حقوقٍ بمقتضى القوانين النّظريّـة الدّوليّـة يفضح، من جهـته، مزعمة الكونيّـة تلك ويميط النّـقاب عمّا تحمله من رياء. نعم، ليس للأفراد الحقوق عينُها في الدّول جميعها وعلى قـدم المساواة بينها فيها. حقّ التّـنقُّـل الحرّ مكفول لكلّ مواطنٍ في الغرب في بقاع العالم كلِّها من غير قيود، فيما هو مقـيَّـد في معظم دول العالم بشروطٍ تعجـيزيّـة من دول الغرب (نظام التّأشيرة أحدُها مثـلًا).
وهـذا مَثَـل واحد من مئات الأمثلة النّظـير. ثمّ ليس لشعوب العالم وأممه من الحقوق الوطنيّة والقوميّة في السّيادة والوحدة ما لشعوب الغرب وأممه مع أنّ احتلال أراضيها وتجزئة الاستعمار لكياناتها أفعالٌ تـنـتهك القانون الدّوليّ وتعتدي عليه! حتّى أقـدس الحقوق - التي لم يمنحها قانونٌ - وهـو الحقّ في الحياة تستكـثـرُه دولٌ كـثيرةٌ في الغرب على شعوبٍ ترزح تحت وطأة الاحتلال والعـدوان والفـقر والتّجويع فـتراها ضالعة في انتهاكه أو ساكـتة عن ذلك الانتهاك! فأيـن «كونيّة الحقوق» في هذا؟!
إذا كان ما تُفصح عنه سياساتُ القـوى المتحكّـمة بالنّظام الدّوليّ هو الكونيّـةُ في عُرفها، فهي قطـعًا كونيّـةٌ عنصريّـة تقـسِّم سكّـان الأرض إلى فئتين على طرفي نقيض: فئة البشر وفئة ما دون البشر. يستحقّ الأوّلون إنسانيّـتهم التي اعتُـرِف لهم بها وما ينجُم منها من سابغ الحقوق كاملةً غيـرَ منقوصـة، فيما لا يستحقّ الثّانون من الحقوق إلاّ ما قـدَّر سادةُ العالم أنّها الحقوقُ التي يستحقّـونها: على مثـال ما يملك الإنسان أن يقـدّر ما هي الحقوق التي تـتمتّع بها حيواناتُه الأليفة في البيت! فـقط في مثـل هذه العنصريّـة النّـكراء، يمكن للعقل أن يُدرِك معنًى مفهومًا لهـذه «الكونيّـة»...