صحيفة البلاد:
2025-07-07@19:31:17 GMT

عندما تكون الكلمة كالرصاصة

تاريخ النشر: 6th, November 2023 GMT

عندما تكون الكلمة كالرصاصة

الكلمة عندما تخرج من اللسان، كالرصاصة تصيب في مقتل، وخصوصاً إذا أتت من أقرب الناس إليك.
والكلمة القاسية لها أثر سلبي على الكل، سواء كان إبناً أو أخاً أو أختاً أو زوجة أو حتّى صديق.
لهذا أحاول في هذا المقال، أن أُسلِّط الضوء على الأثر السلبي للكلمة السيئة على الأبناء ، لما لها من قوة تدّميرية هائلة على شخصية الطفل.

إنه لموقف مؤلم ذلك الذي شاهدته وأنا أتجول في أحد الأسواق : فها هو ذا أحد الآباء يعاتب إبنه على أمر ما، ومن غضبه عليه، ينعته بصفة أحد الحيوانات. شاهدت الإبن وهو يطأطئ رأسه في انكسار واضح بسبب هذه الكلمة القاسية والتي قيلت في وجهه أمام الملأ. ‏
لا أنكر أن هذا الموقف هزّني بشدِّة ، فالكلمات القاسية لها أثر سلبي على الكل،حيث يؤدي التوبيخ المفرط إلى تحّطيم احترام الطفل لذاته وثقته بنفسه لدرجة كبيرة ، إذ لا يمكن أن نجبر الطفل على التصرف بطريقة معينة ، وتوبيخه عندما يفشل في القيام بما نريد نحن .

لا ينبغي أبداً أن نخاطب أبناءنا بكلمات قاسية، أو أن نصفهم بأشياء لا تليق بهم ، ذلك أنه عندما تصدرهذه الكلمات القاسية من أقرب الناس:( أب أو أم أو اخ أكبر)، فإن الطفل نظراً لبساطة تفكيره ،قد يبدأ في تصديق هذه الكلمات ، وهذا يدمّر شخصيته ويمسحها تماماً. قد يصدِّق فعلاً أنه أحمق لايفهم أو غبي لا يستوعب، في وقت يظن فيه الأب أن ابنه صغير وسوف ينسى، ولكن على العكس من ذلك، فالطفل يدرك ويفهم كل شيء ،كما أن الأب يظن أن ضرر هذه الكلمات لا يستمر لفترة طويلة ،ولكنها في الحقيقة تظل كامنة في صدره لفترة طويلة وتؤثر على نفسيته وتستمر معه إلى مرحلة المراهقة والرجولة، ولا غرابة في ذلك، فكثير من الرجال الآن وهم في أعمار متقدمة ،لا زالوا يتذكرون مواقف ضرب أو توبيخ آبائهم أو أمهاتهم لهم رغم مرور عقود طويلة ،بل تجد منهم من يفعل الشيء ذاته مع أبنائه رغم علمه التام بآثاره التدّميرية.

إن علينا كآباء وأمهات، أن نتجنّب إظهار الغضب أمام أطفالنا مهّما كانت الظروف والأسباب.
علينا أن نأخذ وقتاً كافياً للتنفيس عن الغضب بعيداً عن أبنائنا ، وأن نناقشهم بهدوء ونسدي لها النصح والإرشاد.
قد يبدو هذا مستحيلاً على من تعوَّد على أن ينفِّس عن غضبه تجاه أقرب الناس إليه، بما فيهم أبناؤه، ولكن عليه أن يحاول جاهداً التخلُّص من هذه العادة السيئة.

علينا أن نفكر جيّداً في العواقب المترتِّبة على مثل هذه الألفاظ على نفوس أطفالنا وما قد يشعرون به بعد ذلك ،فالطفل يظل طفلاً بحاجة دائماً إلى التوجيه، والتوجيه لا يأتي بالتوبيخ المبالغ فيه لأتفه الأسباب أو التنابز بالألقاب .
ليس بالضرورة أن يكون أمثال هؤلاء الآباء سيئين، ربما هم يكِنّون حباً كبيراً لأبنائهم، إلّا أنهم يرون أن هذه هي الطريقة المثلى للتوجيه.
علينا ألا نستغرب من هذا ،فهناك من الآباء من يرى أن في تحّقيره لإبنه ووصفه بأبشع الألقاب، وسيلة تحّفيزية، تحفّز إبنه لتغيير الصورة السلبية التي ارتسمت عنه في ذهنه ، متناسياً الأثر المدمّر على إبنه.
والله عزّ وجلّ يقول في محكم التنزيل: “وقولوا للناس حسنا”.

jebadr@

المصدر: صحيفة البلاد

إقرأ أيضاً:

قولُ ما لا يُقال

بتلقائيته المعهودة، ألقى الكاتب والمحلل السياسي علي بن مسعود المعشني قنبلة انشطارية، انشطرت ووصلت شظاياها إلى بقاع كثيرة في الأرض، كان موقع «أكس» ساحة لها، إذ أثارت القنبلة ضجيجا وعويلا ونواحا وصل في أحيان كثيرة إلى ما هو أبعد من ذلك.

لم يكن المعشني يعلم أنّ جملة واحدة في سياق مقابلة معه في إذاعة «هلا أف أم» ستثير كلَّ تلك الضجة عندما قال: «بإمكان إيران، في صفقة من تحت الطاولة مع الأمريكان، أن تحتل مكة». وقد جاءت العبارة ضمن تحليل واسع للمشهد الإقليمي في الخليج، حيث تحدّث عن السيناريوهات الممكنة في حال استمرار التفاهمات الأمريكية الإيرانية، محذرًا من احتمالات زعزعة التوازن الإقليمي، لكنه حين أتى على ذكر «مكة المكرّمة» بشكل مجازي، تحوّلت المقابلة عند الكثيرين من تحليل إلى قنبلة رأي عام، وذلك عندما سألتْه المذيعة عن سبب انحياز البعض لإسرائيل ضد إيران، (وهو سؤالٌ منطقي)، فقال: «بسبب البرمجة. فعندما تقولي إنّ إيران ستحتل الكعبة، ألا يخوّف ذلك. هناك ناس يصدّقون روايات مثل هذه؟» ثم ألقى تلك العبارة.

أين الخطأ فيما قاله علي المعشني؟! لم يقل إنه يتمنّى ذلك - وهو مؤكد أنه لا يتمنى - لكن الحقيقة هي أنّ إيران لو تخلت عن تأييد المقاومات العربية وأقامت علاقات طبيعية مع الكيان الصهيوني ومع أمريكا، كانت ستؤدي الأدوار نفسها التي كانت تضطلع بها إبان حكم الشاه محمد رضا بهلوي، بأنْ جعلتها أمريكا شرطيَّ المنطقة، «إذا كحّ الشاه في طهران يُصاب حكّام المنطقة بالزكام» حسب تعبير الراحل محمد حسنين هيكل؛ فكلامُ المعشني واضحٌ جدًا ولا يحتاج تأويلاتٍ تُخرج الكلمة من سياقها. ويبدو أنّ كثيرين ممن أخذتهم العزة من تصريح المعشني لا يريدون أن يعرفوا أنّ أمريكا لا تهتم إلا بمصالحها، وهي بما أنها تتلقى التريليونات من دول الخليج، ستستمر في الابتزاز تحت غطاء حماية هذه الدول، وعندما تنتهي مصالحُها ستضحّي بها كعادتها، فهكذا رأيناها في تاريخها كله، وبالتأكيد فإنّ إيران بالنسبة لأمريكا أفضل من دول الخليج العربية المضمونة في الدفع. والملاحظ أنّ هناك غزَلًا أمريكيًّا لإيران الآن، لإعادة «إدماجها للمجتمع الدولي»، حسب التصريحات الأمريكية. والخطةُ أصلًا جاهزة لتطبيقها، في حالة عودة رضا بهلوي إلى إيران، أو حتى في حال تغيير الثورة بوصلتها.

هناك مِن العُمانيين ممّن يخالفون المعشني في آرائه وتحليلاته مَن قال إنّه لا يمثلنا، وهذا صحيحٌ فهو لم يقل إنه يمثّل عُمان، وإنما هو كاتب ومحلل يعبّر عن رأيه، وفي رأيي أنه ناصحٌ أمين، يتميّز بتلقائية في تحليلاته - اتفقنا معه أو اختلفنا - وهو أحد الأصوات المهمة الآن في الساحة العربية، بوضوح رؤيته ووقوفه مع المقاومة في فلسطين ولبنان في صراحة دون لف أو دوران ودون تجميل كلماته بعبارات إنشائية اعتاد عليها بعض المحللين. ومن حقّ أيِّ إنسان أن يعبّر عن رأيه ويختلف مع المعشني ومعي ومع أيّ أحد، هذا حق أصيل، ولكن الغريب في الأمر أنّ تعليقات بعض العُمانيين كانت مؤذية، فاقت تعليقاتِ الذباب الإلكتروني، في وقت نرى أنّ أصحاب مثل تلك التعليقات يخبؤون رؤوسهم تحت الرمال عندما تُهاجَم عُمان. وقد تحوّل الهجوم على المعشني إلى الهجوم على عُمان وسياساتها، وهناك من استغل تلك الهجمة الشرسة لإثارة الفتن من خلال حسابات وهمية، وصفها الكاتب مصطفى الشاعر في إحدى تغريداته أنها «عمل ممنهج ومنظّم».

ما حدث مع المعشني يعيدنا إلى الضجة التي أثيرت حول الفنان طالب بن محمد البلوشي، عندما مثل دور الكفيل في الفيلم الهندي «حياة الماعز»، إذ انبرى الكثيرون للهجوم على طالب وعلى عُمان، دون أن يتناولوا موضوع الفيلم وهو تجاوزات «بعض الكفلاء»، وهي تجاوزات لا يمكن إنكارها في كلِّ مكان.

ليس غريبًا على من يعرف علي بن مسعود المعشني، أن يراه يُطلق تصريحًا ثم يترك الساحة تشتعل بالنقاش. ولأنّ مواقفه ثابتة لا تتزحزح، في وقتٍ تلوّن فيه الكثيرون حسب الأهواء، كثيرًا ما نقرأ هجومًا شخصيًّا عليه وليس على الأفكار التي يطرحها، وهذه حجة العاجزين دائمًا. لكن من حسن الحظ أنّ الرجل - وهو مثقف جريء - لا يعبأ بالضجيج ولا يحرص على تلطيف عباراته أو تجميل مواقفه، ولو أنه تأثر بكلّ هجوم عليه لما كتب حرفًا واحدًا، ولا نطق كلمة واحدة، ولسان حاله يقول: «يا جبل ما يهزك ريح».

مواقف علي المعشني جعلت منه صوتًا لا يمكن تجاهله، حتى من قِبل من يختلفون معه جذريًا، فهو بأطروحاته يثير لدى المتلقي الأسئلة الصعبة، ولو كان ذلك على حساب شعبيته أو علاقاته. ولا يخفى على المتابعين أنّ من أبرز آرائه التي أثارت جدلًا، وصفه لبعض الدول بأنها «سوبر ماركت سياسي»، ما عدّه مبغضوه إهانة للسيادة الوطنية، ولكن عندما تتعرّض السيادة الوطنية للإهانات العلنية، (مثلما حصل من الرئيس ترامب أكثر من مرة)، لا يعدّونها إهانة بل يصمتون. وكذلك دفاعه عن الوجود الإيراني في المنطقة واعتباره «مشروعًا استراتيجيًّا»، في وقت تعتبر فيه بعض الدول الخليجية إيران تهديدًا مباشرًا. ومن أوصافه للتطبيع مع إسرائيل بأنه «رجسٌ من عمل الشيطان»، مع اتجاه بعض الدول الخليجية نحو علاقات علنية مع تل أبيب. فأين الخطأ من مواقفه هذه؟ ولماذا يصر البعض على أن يصادر رأيه؟ ثم لماذا لا تناقش آراؤه، وهل هو محق أم لا؟!

قلتُ في مقال سابق في هذه الجريدة، إنّ علي المعشني يتميّز عنّا بأنّ له علاقات وصلات قوية ومتشعبة مع شخصيات بارزة في الوطن العربي والإسلامي، من سياسيين ومثقفين وكتّاب واقتصاديين، وله علاقات خاصة مع البعض، ممّن يمكن أن نسمّيهم «الصندوق الأسود»، لذا فإنّ ما يكتبه أو يقوله في مقابلاته وفي قناته اليوتيوبية عبارة عن معلومات استقاها من لقاءاته ومناقشاته الكثيرة تلك مع من يلتقيهم أو يتواصل معهم؛ وهنا يكمن الفرق بين أن تستقي المعلومة من مصدرها أو أن تقرأها في الكتب والصحف.. ونحن الكتّاب نعاني معاناة شديدة من بعض القراء الذين يرغبون أن نكتب لهم ما يتناسب مع توجهاتهم فقط.

المؤسف أنّ كلّ الهجمات الشرسة التي تعرّض لها علي بن مسعود المعشني، تخطت شخصه إلى الهجوم على كلّ ما هو عُماني - كما أشرتُ سابقًا - ويقينًا أنّ حجم الصراخ يدلّ على حجم الألم. وما يزعج البعض أنّ المعشني من القلائل الذين يجرؤون على قولِ ما لا يُقال، وأنّ صوته أصبح عاليًّا يصدح بمواقفه الثابتة والمشرّفة تجاه القضية الفلسطينية، ويتابعه الملايين في جهات الأرض الأربع، وهذا في حدِّ ذاته تهديد ومقلق للبعض، بقدر ما هو نجاحٌ شخصيٌّ له أيضًا.

زاهر المحروقي كاتب عُماني مهتم بالشأن السياسي الإقليمي

مقالات مشابهة

  • عندما تشهد علينا أعضاؤنا يترجم الـ AI اعترافاتها!
  • نجلاء الودعاني ترد على انتقادات رحلتها إلى باريس: يسقطون نقصهم علينا .. صور
  • مدبولى بقمة بريكس: علينا إحراز تقدم فى تمكين التسويات المالية بالعملات المحلية
  • قولُ ما لا يُقال
  • هل يمكن للقراءة أن تكون علاجاً فعالاً للاكتئاب؟
  • تشابي ألونسو بعد هزيمة دورتموند: علينا تفادي الفوضى قبل مواجهة باريس
  • عون: لن تكون في جنوب لبنان قوة مسلحة غير الجيش
  • الأمين العام لحلف الناتو: علينا تعلم اللغة الروسية
  • أدعية يوم عاشوراء.. ردد هذه الكلمات المجربة عند الإفطار
  • ترامب:علينا أن نفعل شيئا بشأن غزة