لجريدة عمان:
2025-07-07@04:38:46 GMT

قولُ ما لا يُقال

تاريخ النشر: 6th, July 2025 GMT

بتلقائيته المعهودة، ألقى الكاتب والمحلل السياسي علي بن مسعود المعشني قنبلة انشطارية، انشطرت ووصلت شظاياها إلى بقاع كثيرة في الأرض، كان موقع «أكس» ساحة لها، إذ أثارت القنبلة ضجيجا وعويلا ونواحا وصل في أحيان كثيرة إلى ما هو أبعد من ذلك.

لم يكن المعشني يعلم أنّ جملة واحدة في سياق مقابلة معه في إذاعة «هلا أف أم» ستثير كلَّ تلك الضجة عندما قال: «بإمكان إيران، في صفقة من تحت الطاولة مع الأمريكان، أن تحتل مكة».

وقد جاءت العبارة ضمن تحليل واسع للمشهد الإقليمي في الخليج، حيث تحدّث عن السيناريوهات الممكنة في حال استمرار التفاهمات الأمريكية الإيرانية، محذرًا من احتمالات زعزعة التوازن الإقليمي، لكنه حين أتى على ذكر «مكة المكرّمة» بشكل مجازي، تحوّلت المقابلة عند الكثيرين من تحليل إلى قنبلة رأي عام، وذلك عندما سألتْه المذيعة عن سبب انحياز البعض لإسرائيل ضد إيران، (وهو سؤالٌ منطقي)، فقال: «بسبب البرمجة. فعندما تقولي إنّ إيران ستحتل الكعبة، ألا يخوّف ذلك. هناك ناس يصدّقون روايات مثل هذه؟» ثم ألقى تلك العبارة.

أين الخطأ فيما قاله علي المعشني؟! لم يقل إنه يتمنّى ذلك - وهو مؤكد أنه لا يتمنى - لكن الحقيقة هي أنّ إيران لو تخلت عن تأييد المقاومات العربية وأقامت علاقات طبيعية مع الكيان الصهيوني ومع أمريكا، كانت ستؤدي الأدوار نفسها التي كانت تضطلع بها إبان حكم الشاه محمد رضا بهلوي، بأنْ جعلتها أمريكا شرطيَّ المنطقة، «إذا كحّ الشاه في طهران يُصاب حكّام المنطقة بالزكام» حسب تعبير الراحل محمد حسنين هيكل؛ فكلامُ المعشني واضحٌ جدًا ولا يحتاج تأويلاتٍ تُخرج الكلمة من سياقها. ويبدو أنّ كثيرين ممن أخذتهم العزة من تصريح المعشني لا يريدون أن يعرفوا أنّ أمريكا لا تهتم إلا بمصالحها، وهي بما أنها تتلقى التريليونات من دول الخليج، ستستمر في الابتزاز تحت غطاء حماية هذه الدول، وعندما تنتهي مصالحُها ستضحّي بها كعادتها، فهكذا رأيناها في تاريخها كله، وبالتأكيد فإنّ إيران بالنسبة لأمريكا أفضل من دول الخليج العربية المضمونة في الدفع. والملاحظ أنّ هناك غزَلًا أمريكيًّا لإيران الآن، لإعادة «إدماجها للمجتمع الدولي»، حسب التصريحات الأمريكية. والخطةُ أصلًا جاهزة لتطبيقها، في حالة عودة رضا بهلوي إلى إيران، أو حتى في حال تغيير الثورة بوصلتها.

هناك مِن العُمانيين ممّن يخالفون المعشني في آرائه وتحليلاته مَن قال إنّه لا يمثلنا، وهذا صحيحٌ فهو لم يقل إنه يمثّل عُمان، وإنما هو كاتب ومحلل يعبّر عن رأيه، وفي رأيي أنه ناصحٌ أمين، يتميّز بتلقائية في تحليلاته - اتفقنا معه أو اختلفنا - وهو أحد الأصوات المهمة الآن في الساحة العربية، بوضوح رؤيته ووقوفه مع المقاومة في فلسطين ولبنان في صراحة دون لف أو دوران ودون تجميل كلماته بعبارات إنشائية اعتاد عليها بعض المحللين. ومن حقّ أيِّ إنسان أن يعبّر عن رأيه ويختلف مع المعشني ومعي ومع أيّ أحد، هذا حق أصيل، ولكن الغريب في الأمر أنّ تعليقات بعض العُمانيين كانت مؤذية، فاقت تعليقاتِ الذباب الإلكتروني، في وقت نرى أنّ أصحاب مثل تلك التعليقات يخبؤون رؤوسهم تحت الرمال عندما تُهاجَم عُمان. وقد تحوّل الهجوم على المعشني إلى الهجوم على عُمان وسياساتها، وهناك من استغل تلك الهجمة الشرسة لإثارة الفتن من خلال حسابات وهمية، وصفها الكاتب مصطفى الشاعر في إحدى تغريداته أنها «عمل ممنهج ومنظّم».

ما حدث مع المعشني يعيدنا إلى الضجة التي أثيرت حول الفنان طالب بن محمد البلوشي، عندما مثل دور الكفيل في الفيلم الهندي «حياة الماعز»، إذ انبرى الكثيرون للهجوم على طالب وعلى عُمان، دون أن يتناولوا موضوع الفيلم وهو تجاوزات «بعض الكفلاء»، وهي تجاوزات لا يمكن إنكارها في كلِّ مكان.

ليس غريبًا على من يعرف علي بن مسعود المعشني، أن يراه يُطلق تصريحًا ثم يترك الساحة تشتعل بالنقاش. ولأنّ مواقفه ثابتة لا تتزحزح، في وقتٍ تلوّن فيه الكثيرون حسب الأهواء، كثيرًا ما نقرأ هجومًا شخصيًّا عليه وليس على الأفكار التي يطرحها، وهذه حجة العاجزين دائمًا. لكن من حسن الحظ أنّ الرجل - وهو مثقف جريء - لا يعبأ بالضجيج ولا يحرص على تلطيف عباراته أو تجميل مواقفه، ولو أنه تأثر بكلّ هجوم عليه لما كتب حرفًا واحدًا، ولا نطق كلمة واحدة، ولسان حاله يقول: «يا جبل ما يهزك ريح».

مواقف علي المعشني جعلت منه صوتًا لا يمكن تجاهله، حتى من قِبل من يختلفون معه جذريًا، فهو بأطروحاته يثير لدى المتلقي الأسئلة الصعبة، ولو كان ذلك على حساب شعبيته أو علاقاته. ولا يخفى على المتابعين أنّ من أبرز آرائه التي أثارت جدلًا، وصفه لبعض الدول بأنها «سوبر ماركت سياسي»، ما عدّه مبغضوه إهانة للسيادة الوطنية، ولكن عندما تتعرّض السيادة الوطنية للإهانات العلنية، (مثلما حصل من الرئيس ترامب أكثر من مرة)، لا يعدّونها إهانة بل يصمتون. وكذلك دفاعه عن الوجود الإيراني في المنطقة واعتباره «مشروعًا استراتيجيًّا»، في وقت تعتبر فيه بعض الدول الخليجية إيران تهديدًا مباشرًا. ومن أوصافه للتطبيع مع إسرائيل بأنه «رجسٌ من عمل الشيطان»، مع اتجاه بعض الدول الخليجية نحو علاقات علنية مع تل أبيب. فأين الخطأ من مواقفه هذه؟ ولماذا يصر البعض على أن يصادر رأيه؟ ثم لماذا لا تناقش آراؤه، وهل هو محق أم لا؟!

قلتُ في مقال سابق في هذه الجريدة، إنّ علي المعشني يتميّز عنّا بأنّ له علاقات وصلات قوية ومتشعبة مع شخصيات بارزة في الوطن العربي والإسلامي، من سياسيين ومثقفين وكتّاب واقتصاديين، وله علاقات خاصة مع البعض، ممّن يمكن أن نسمّيهم «الصندوق الأسود»، لذا فإنّ ما يكتبه أو يقوله في مقابلاته وفي قناته اليوتيوبية عبارة عن معلومات استقاها من لقاءاته ومناقشاته الكثيرة تلك مع من يلتقيهم أو يتواصل معهم؛ وهنا يكمن الفرق بين أن تستقي المعلومة من مصدرها أو أن تقرأها في الكتب والصحف.. ونحن الكتّاب نعاني معاناة شديدة من بعض القراء الذين يرغبون أن نكتب لهم ما يتناسب مع توجهاتهم فقط.

المؤسف أنّ كلّ الهجمات الشرسة التي تعرّض لها علي بن مسعود المعشني، تخطت شخصه إلى الهجوم على كلّ ما هو عُماني - كما أشرتُ سابقًا - ويقينًا أنّ حجم الصراخ يدلّ على حجم الألم. وما يزعج البعض أنّ المعشني من القلائل الذين يجرؤون على قولِ ما لا يُقال، وأنّ صوته أصبح عاليًّا يصدح بمواقفه الثابتة والمشرّفة تجاه القضية الفلسطينية، ويتابعه الملايين في جهات الأرض الأربع، وهذا في حدِّ ذاته تهديد ومقلق للبعض، بقدر ما هو نجاحٌ شخصيٌّ له أيضًا.

زاهر المحروقي كاتب عُماني مهتم بالشأن السياسي الإقليمي

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

دموع لاعبي البرتغال في «مونديال الأندية»!

 
أورلاندو (رويترز)

أخبار ذات صلة لاعبو ليفربول يتجمعون في البرتغال لحضور جنازة جوتا مدرب تشيلسي يتغنى بـ «الليلة المثالية»


انهمرت دموع روبن نيفيز وجواو كانسيلو، ثنائي الهلال السعودي، خلال دقيقة الصمت حداداً على زميلهما السابق في منتخب البرتغال ديوجو جوتا، قبل مباراة الفريق أمام فلوميننسي البرازيلي في كأس العالم للأندية لكرة القدم 2025.
وتوفي جوتا مهاجم ليفربول الإنجليزي وشقيقه الأصغر أندريه سيلفا في حادث سيارة في شمال غرب إسبانيا صباح الخميس، عندما انحرفت سيارتهما من طراز لامبورجيني عن الطريق واشتعلت فيها النيران.
وتواصلت التعازي في جوتا وأندريه، إذ انضم نجوم كرة القدم، بما في ذلك كريستيانو رونالدو وستيفن جيرارد، إلى رئيسي وزراء البرتغال وبريطانيا في الحداد على وفاة الشقيقين.
وبدأت مباراة الهلال وفلوميننسي في أورلاندو بولاية فلوريدا بالوقوف دقيقة صمت من قبل اللاعبين والمشجعين، حداداً على جوتا وأندريه.
وأصدر نيفيز، أحد أقرب أصدقاء جوتا (28 عاماً) والذي لعب معه خلال فترتهما في ولفرهامبتون، تحية مؤثرة على إنستجرام قبل ساعة تقريباً من انطلاق اللقاء.
وكتب نيفيز «أينما كنت، أعرف أنك ستقرأ هذه الرسالة، لم نكن أبداً من النوع الذي يقوم بمثل هذه الأمور، وربما سأندم الآن قليلاً، لكنك تعرف ما تعنيه لي بقدر ما أعرف ما أعنيه لك».
وأضاف: «نحن أكثر من مجرد صديقين، نحن عائلة ولن نتوقف عن كوننا عائلة لمجرد أنك قررت التوقيع على عقد يبعدك عنا قليلاً!».
وتابع: «عندما أذهب إلى المنتخب الوطني، ستظل بجانبي على مائدة العشاء، في الحافلة، في الطائرة، ستظل بجانبي كالعادة، سنظل نضحك، ونضع الخطط، ونتشارك حياتنا مع بعضنا البعض». 
وقال: «سأتأكد من وجودك دائماً هناك، وسأتأكد من أن عائلتك لن ينقصها أي شيء بينما أنت هناك، بعيداً ولكنك تفكر فينا، وتنتظرنا».
كما وجه البرتغالي بيدرو نيتو، مهاجم تشيلسي الإنجليزي، تحية من القلب لصديقيه عندما خرج إلى الملعب بقميص يحمل اسميهما قبل مباراة دور الثمانية أمام بالميراس في فيلادلفيا.
وقال إنزو ماريسكا مدرب تشيلسي بعد فوز فريقه 2-1 على بالميراس: «تحدثنا مع بيدرو وكان قرار اللعب من عدمه بيد بيدرو تماماً».
وأضاف: «لقد لعب وبذل جهدا رائعاً في هذه المباراة مع زملائه في الفريق، ونحن نقدر حقا ما فعله».
وقال: «قلت للاعبين إن هذا الفوز كان مهماً لبيدرو، لأننا نعرف مدى قربه من جوتا، لقد بذل جهداً كبيراً، لذلك لا شك أننا نقدر حقاً القرار الذي اتخذه في النهاية».

 

مقالات مشابهة

  • الأولى منذ وقف إطلاق النار مع إيران.. ما الأهداف الحوثية التي ضربتها إسرائيل؟
  • علي المعشني.. وقولُ ما لا يُقال
  • عندما كان لدينا نخوة..
  • 9 وفيات في حادث اصطدام حافلتين شمال مصر
  • حرب الـ12 يوما.. ما التغييرات التي طرأت على إيران بعد الهجوم الإسرائيلي؟
  • دموع لاعبي البرتغال في «مونديال الأندية»!
  • عندما يُصنَّف الغناء مقاومة.. .ويتحوّل المغني إلى "إرهابي"
  • المحرضون على أذية الناس..«كفى»!
  • عندما تضحك الدموع