عنف الحضر وحفريات الحرب !! (إلي روح المطربة شادن محمد حسين وآخرين)
تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT
ربما لا تمثل الحرب الجارية في السودان الان أعلا درجات العنف المجتمعي والسياسي كما يظن الكثيرون ، فقد شهدت الدولة السودانية حروباً أهلية في الجنوب و دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة ،لقد كانت تلك الحروب أشد عنفاً وضراوة ففي دارفور كان عدد الضحايا يفوق الثلاثمائة الف وفي الجنوب ما يقارب المليونين هذا دعك عن المشردين والنازحين واللاجئين في زمن كانت أخبار الموتي تأتي عبر ساعي البريد بالدواب ولا يوجد هناك لايفاتية ولا بث حي ولا ناشطون فقد كان اللسان الوحيد هو الدولة في أقصي تجليات عنفها وتبريراتها ، ولا عجب فقد عرفت تلك الحرب بانها ضمن موسوعة (الحروب المنسية) ،لم يتم العمل علي فضح عنفها وعبثيتها ووحشيتها مع أنها قد ذهبت بما يقارب نصف البلاد ونصف سكانها ولتصبح هناك دولة أخري وإبادة عرقية وإستمسكنا ب (حكاية جحا) لا يهم طالما أنا بخير، في ذلك الفهم الساذج للمشكل السوداني الذي يتلخص في (من يحكم السودان) وليس (كيف يحكم السودان ).
يري الكثيرون أن أحداث العنف التي تفجرت في العام 1968 بجامعة الخرطوم أثناء ذلك الحفل والذي كانت تزعم الجبهة الديمقراطية الطلابية إقامته إحتفاءً. بالطلاب الجدد، هو شرارة العنف الثقافي ورفض الآخر وتفاصيله الثقافية والاجتماعية ، فأثناء تأدية رقصة العجكو هجم مؤدلجون وسلفيون علي مسرح الحفل تحت صيحات التكبير والتهليل فقد كانوا كما ذكروا في دعوتهم الاحتجاجية أن رقصة العجكو ما هي الا صورة (غرائزية) ودعوة للانحلال والتفسخ وهي تمس قيم وتقاليد ذلك المجتمع المحافظ ،الذي بنوه من خيال أفكارهم المريضة والتي لاتري في السودان وتقاليده أبعد من تلك البيئات التي تربوا فيها أو جرعات المناهج الاحادية التي صاحبت تلك الفترة مثل كتاب( جاهلية القرن العشرين ) لسيد قطب ، أو منشورات وكراسات حسن البنا ، في بذرتها التي نحصد الان ثمارها المرة .
لم يدر بخلد هؤلاء ومعارفهم أن رقصة العجكو هي رقصة تراثية لإحدي بوادي السودان ، وأن الحجيج لبيت الله قد يستقبلون عند عودتهم من المناسك علي تلك الإيقاعات ،هذا عدا الأفراح والمناسبات المختلفة .لقد تقدم العقل البدوي كثيراً علي هؤلاء الذين هيمنت الغرائز علي نظرتهم للفنون الشعبية والتقاليد والتراث .
ومن كلمات تلك الأغنية التي تغنت بها فيما بعد ثنائي النغم ( زينب وخديجة) وغيرها من المطربين
العجكو يمة الليلة منعو
بشوف جمال السودان
في بلدنا كردفان
ديل صبحو ديل غربو
شكو الريش بتن ماجو
والأغنية تقترب من المناحة ،في ذلك الحزن الشفيف علي الفراق ، حينما كان الجند يذهبون في تلك الحروب العبثية ، و يزين قبعاتهم الريش وقد لا يعودون أبداً .
ولكنهم صناع العنف وتلك العقول المنكفئة علي الاحادية والرافضة للتعدد ، لا تري في ذلك سوي مشاهد الجنس وأغلفة (البرونو). لقد كان أولي بهذه العقليات المصحات النفسية وكورسات الاندماج الثقافي الوطني .
لم يقتصر العنف الثقافي الذي انتهجه الحضر قاصراً علي لون ثقافي معين ، فقد سقطت الثقافة وفي تجلياتها المختلفة في عطن ذلك العنف ، وانتشرت (الكوميديا السوداء)، أهل العوض ، كان في أدروب ، واحد شايقي ،مرة في غرباوي ، كان المجتمع الحضري يضحك حتي الثمالة ، وكان يعد المسرح لما يجري الان ، وحتي تكون مقبولاً في المدن الزائفة عليك أن تستبدل ثيابك وأن تعرف كيف تترنح في تلك اللهجة المدينية ،وأن تعاف ذلك الطعام الذي صنعته الأمهات في الأرياف البعيدة وتكتسب الكثير من الخبرات ليمنحك الحضر جواز مرور إلي منتدياتهم وأنفسهم ومراتع حياتهم اليومية والاقتصادية .
كانت عملية التشويه الثقافي تجري ببطء، ولم تستطع آلة الترييف عند أطراف المدن الناعسة أن تقف في وجهها وعطفاًعلي رواية الروائية الجنوبسودانية إستيلا غاتيانو (كل شئ هنا يغلي).
في الخامس عشر من ابريل من العام 2023 فار التنور واندلعت الحرب ، وحينما هرع المدنيون نحو الريف هرباً من ويلات الحرب أكتشف البعض ولأول مرة أن تخوم الخرطوم تفتقر لمياه الشرب دعك عن النقية ، وأن الكهرباء محض خيال ، وأن (الهوطدوج) الذي تبجح به المأفون البشير في أحدي نزواته لم يبارح سنتر الخرطوم ، وعرف الفارون من الويلات أم تكشو، والتركين ، والعصيد ،والقراصة هي وجبات رئيسية في الأرياف البعيدة .
وأن هناك أبناء عمومة قد فاتهم قطار التعليم ، وهناك من نساء بلادي من لا تفك الخط ، وأن التنقل بالدواب أمر في غاية العادية .
جاري الان إعادة إكتشاف أن هناك لهجات في هذا الوطن الممتد لا نفهمها ولا نفك رموزها ، وأن هناك سحنات لا عهد لنا بها ، ولا سبيل سوي إنكارها ونبذها إمعاناً في العنف الحضري .
ربما تتوفر الان عناصر إعادة إكتشاف أنفسنا ، في تكوينات تلك الحمم التي قذفت بها الحرب علي سطح مجتمعنا . وفي منعرجات ودوامة عنف الحضر فقد أودت قذيفة بحياة المطربة شادن محمد حسين البالغة من العمر 35 عاماً وهي داخل منزلها في ام درمان ، كان ذلك يوم السبت 13 مايو 2023.
لقد كانت الراحلة الملقبة ب (الحكامة شادن) تحلم بمشروع فني علي مداميك العجكو .
وتلك مجرد حلقة من عنف رفض الاخر ثقافياً والذي يفضي الي عوامله السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
musahak@icloud.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
الجيش السوداني يتهم قوات خليفة حفتر بمهاجمة مواقع حدودية
اتهم الجيش السوداني قوات تابعة لخليفة بمهاجمة مواقع حدودية سودانية ومساندة الدعم السريع اليوم الثلاثاء.
وقال الجيش في بيان "هاجمت اليوم مليشيا آل دقلو الإرهابية مسنودة بقوات خليفة حفتر الليبية ( كتيبة السلفية) نقاطنا الحدودية في المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا بغرض الاستيلاء على المنطقة"، والتي تقع إلى الشمال من مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، إحدى أهم خطوط المواجهة في الحرب.
وأضاف الجيش السوداني في بيانه "سندافع عن بلدنا وسيادتنا الوطنية وسننتصر مهما بلغ حجم التآمر والعدوان المدعوم من دولة الإمارات العربية المتحدة ومليشياتها بالمنطقة".
وتعد هذه المرة الأولى التي يتهم فيها الجيش السوداني قوات اللواء خليفة حفتر بالضلوع المباشر في الحرب الدائرة منذ عامين بينه وبين قوات الدعم السريع شبه العسكرية.
ومطلع العام الجاري، قال ياسر العطا، عضو مجلس السيادة ومساعد قائد الجيش السوداني، إن 25 بالمئة من قوات الدعم السريع هم من ليبياتحت قيادة خليفة حفتر، والمرتزقة من التشاد، وبعض الإثيوبيين، وأفراد من كولومبيا وأفريقيا الوسطى، وبقايا فاغنر، ومقاتلين من سوريا، بينما 65 بالمئة من القوة المتبقية من أبناء جنوب السودان، للأسف، في حين أن 5% فقط هم من الجنجويد الأصليين كقادة لبعض المجموعات.
وأشار العطا من مدينة بوط بولاية النيل الأزرق إلى أنهم تحدثوا مع المسؤولين في جنوب السودان خلال سنتين من الحرب حول هذا الموضوع، ولكن لم يتم اتخاذ أي إجراء، حتى على مستوى الإعلام، لتجريم مثل هذه الأفعال.
وأضاف أنه كان بالإمكان القول في الإعلام إن جنوب السودان يشن حربا ضدهم.
وفي وقت سابق، أكد رئيس جيش تحرير السودان، مني اركومناوي، أن الدعم الأجنبي يتواصل عبر محور ليبيا، ويدخل تعزيزات جديدة بقوة قوامها 400 آلية عسكرية متنوعة عن طريق ليبيا إلى دارفور الآن، حسب قوله.
وسبق أن تحدثت تقارير أن كتيبة طارق بن زياد التابعة لصدام حفتر قد توجهت مؤخراً نحو “معطن السارة”؛ لتأمين المنطقة، وحماية الطرق المؤدية إلى السودان، بما في ذلك إمدادات الأسلحة والوقود التي تنطلق من ميناء طبرق وتصل إلى السودان.
وشهدت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، التي اتهمها الجيش أيضا بالضلوع في الهجوم، تدخل العديد من الدول بينما لم تنجح المحاولات الدولية بعد في إحلال السلام.
وفي بداية الحرب اتهم السودان حفتر بمساندة قوات الدعم السريع عبر مدها بالأسلحة، واتهم الإمارات، حليفة قائد قوات شرق ليبيا، بدعمها أيضا، عبر وسائل منها غارات جوية مباشرة بطائرات مسيرة الشهر الماضي. وتنفي الإمارات تلك المزاعم.