السوداني بين نارين ويكتوي بثالثة
تاريخ النشر: 11th, November 2023 GMT
آخر تحديث: 11 نونبر 2023 - 10:01 ص بقلم: علي الصراف يعلم رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن الميليشيات الولائية المسلحة لا تملك من أمرها شيئا، لأنها أدوات مجردة للحرس الثوري الإيراني، وهي ليست مما تأخذه الحميّة لأسباب عقائدية. وليس لديها رأي. وتفعل ما يقال لها أن تفعل، وفقا لحسابات تتقلب حسب تقلبات الهوى في إيران.
الأميركيون يعلمون ذلك أيضا. فهم ليسوا ممن تخدعهم ألاعيب “الزعاطيط”، على أساس أنهم ثوريون أو يعانون من حمى الغيرة على القدس والأقصى وفلسطين. قدسهم وأقصاهم في قم، وفلسطينهم إيران، وهي الشيء الوحيد الذي يدافعون عنه.والسوداني، إذ يتلظى بين هذين النارين، فإنه يكتوي بثالثة، لحقيقة أنه مُعيّن في منصبه من هذه الميليشيات بالذات، الأمر الذي يجعله عاجزا من كل وجه، ومضطرا في الوقت نفسه، بأن يحتفل بما تحتفل به في كل عيد.ذهب إلى إيران، بوصفها أمّ البلاء، لينقل رسالة الأميركيين إليها. وليطلب أن تكف يد ميليشياتها عن القواعد العسكرية الأميركية، سواء منها التي في العراق، أو تلك التي في سوريا. وإيران تستخدم، ما كان يسميه إسماعيل الشاه الصفوي “الغلمان”، لأجل أن تطلب شيئا في المقابل. ومذبحة غزة، مناسبة سعيدة لرفع فواتير المطالب.وأما الولايات المتحدة، فإنها تنطلق في طلب كفّ اليد، من واقع أن هناك نظاما للمحاصصة بينها وبين إيران. فهي التي سمحت بأن يتولى غلمانها السلطة، من جهة، في مقابل أن تهنأ بامتيازات اقتصادية بضمانات أمنية تجسدها قواعدها العسكرية، التي كلّما قيل إنها انسحبت منها، كلما ظهر أنها لم تنسحب! ولإيران الكثير مما يمكن أن تطلبه. ومن أوله، أن تكف الولايات المتحدة يدها عن التحويلات المالية من العراق التي تسمّيها واشنطن أعمال فساد وتهريب وتبييض أموال.وفي حين “تمون” واشنطن على طهران، بأنها سلمت لها بلدا على طبق من فضة لتستفيد من عائداته، فإن طهران “تمون” على واشنطن بأنها سمحت لها بامتيازات، هي الأخرى من وجهة النظر الإيرانية أعمال فساد وتهريب وتبييض أموال لصالح الشركات الأميركية. مشكلة السوداني بين هذين النارين، هي أن العراق بلد خاضع للاحتلال مرتين، أمنيا واقتصاديا، ومن جهتين مختلفتين، ولكل منهما طبائع. أمنيا، من جهة الميليشيات الولائية والوجود العسكري الأميركي. واقتصاديا، من جهة أن عائدات العراق ما تزال تخضع لسلطة الاحتياط الفيدرالي الأميركي، الذي يحتجزها، ولا يسمح لحكومة السوداني أن تتصرف بها، إلا بما يرضاه ويسمح به. وهو ما تريد إيران حصتها منه.فعلى الرغم من أن “العراق الجديد” كان قد تحرر من “الدكتاتورية”، إلا أنه ما يزال خاضعا للرقابة وللعقوبات، وكأن “الدكتاتورية” لم ترحل، ولم يحل محلها “نظام ديمقراطي”. تعلم الولايات المتحدة أن ديمقراطية الميليشيات الولائية ليست أهلا للثقة ولا للاحترام. كما تعلم أيضا أن العراق ليس بلدا حرّا، ودولته ليست دولة ذات سيادة، مما يبرر لها أن تتحكم بموارده، على الأقل لكي تعلم كيف يستخدمها، ولكي “تساعده” في اختيار التمويلات والتعاقدات “الصحيحة”.الميليشيات الولائية تحتاج، من جانبها، أن تبقى طافية على سطح المشهد، فلا تبدو بلا دور أو مكانة، وهو مما يضع السوداني في موقف لا يحسد عليه، لاسيما بعد أن خسرت الكثير بعد تراجع خطر تنظيم داعش. فما لم يشتغل سلاحها في شيء، فإنه سوف يبدو عاطلا عن العمل في عين طهران أيضا. وهكذا، فلكي تطفو على سطح المستنقع، فإن شن الهجمات على القواعد الأميركية سلعة مناسبة، ورخيصة التكاليف. ذلك أن طائرة مسيّرة واحدة أو طائرتين، تكلف الواحدة منهما ما لا يزيد عن راتب عنصر واحد من عناصر الميليشيات، سوف تكفل عمل الضجيج المناسب، الذي يؤكد أنها “تناضل” من أجل القدس، وأن “حمّامها” بات يغلي طلبا لتحرير فلسطين. شغل “الزعاطيط” هذا، هو ما دفع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الى زيارة بغداد، وهو ما دفع السوداني الى زيارة طهران، لأجل أن تكف طهران يدها عن هذه الألاعيب.تصوُّر الولايات المتحدة، هو أن هذه الأعمال، رغم تفاهتها من الناحية العملية، فإنها تشكل ضجيجا يؤثر على مجريات تصفية القضية الفلسطينية وتدمير غزة. ولئن كانت أعمالا لن تغير شيئا في تلك المجريات، فإن واشنطن لا تريد لها أن تترك تأثيرات دعائية، تحرض على إسرائيل، بين العراقيين.أما تصوُّر الحرس الثوري الإيراني، فهو أن تلك الأعمال تعيد تذكير الأميركيين بأن صفقة تقاسم الحصص بين الطرفين لا تستوجب المزيد من الضغوط على تهريب الأموال إلى إيران، وأن واشنطن يجب أن تضع في الاعتبار دائما، أن وجودها في العراق وسوريا قابل للشطب، وأن عليها أن تدفع ثمن بقاء قواعدها في هذين البلدين لإيران. السوداني، يحاول بين فكّي الرحى هاتين، أن يكون رئيس حكومة، لديها برامج يتعين أن تنفذها، ومسؤوليات يجب أن تنهض بها، ومشكلات تنموية تتطلب حلولا، بينما الموارد لا تكفي لإرضاء مطامع هذا الطرف وذاك.والسوداني يعرف أن محاولاته تلك لن تنجو بشيء. ذلك أن العراق واقع تحت احتلالين يختلف كل منها في طبيعته عن الآخر.“الزعطوطية السياسية” التي حكمت العراق منذ العام 2003، والتي حوّلت البلاد إلى مستنقع فساد وفشل، تذهب باتجاه، مختلف تماما عن الاتجاه الذي تريده الولايات المتحدة، حيث المسألة بالنسبة إلى واشطن هي مصالح شركات، قد تنهب ولكن أعمالها لا تقتصر على النهب، وحيث أن “الاستعمار الحديث” ناضج نسبيا ويعمل وفقا لمعايير وقواعد قابلة للفهم، بينما الاستعمار الإيراني، طفولي المسالك ويراهن على الضجيج.بين هذا وذاك، لم ينجح أيّ رئيس وزراء في العراق منذ العام 2003 في أن يكون حاكما فعليا، فاكتفى جلهم بأخذ حصته جريا على القول: “حشر مع الناس عيد”. ولهذا السبب، ليس لدى السوداني الكثير من الخيارات ممّا يمكن أن يأمل به، أو يفعله. وقد لا يمضي وقت طويل قبل أن يجد نفسه محشورا مع الناس ليحتفل بالعيد.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
إيران تُحذّر: سنردّ بحزم أكبر في حال تكرار الهجمات الأميركية أو الإسرائيلية
قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي: "إذا كانت هناك مخاوف من احتمال تحويل برنامجنا النووي لأغراض غير سلمية، فقد أثبت الخيار العسكري أنّه غير فاعل، لكنّ حلا تفاوضيا قد ينجح". اعلان
حذّرت إيران من أنها ستردّ بشكل "أشدّ" في حال تعرضها لهجمات جديدة من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل، وذلك في ظل التصعيد المتواصل حول برنامجها النووي.
وجاء التحذير على لسان وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الذي كتب في منشور عبر منصة "إكس" يوم الاثنين: "إذا تكرر العدوان، فإننا بلا شك سنرد بحزم أكبر"، مشيراً إلى أن الخيار العسكري أثبت فشله في التعامل مع المخاوف الدولية من برنامج طهران النووي، بينما قد يكون الحل التفاوضي مجدياً".
رد على تهديد ترامب؟
تصريحات عراقجي بدت بمثابة ردّ مباشر على تهديدات أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في وقت سابق من اليوم نفسه، خلال زيارة له إلى اسكتلندا، حيث قال: "لقد دمّرنا قدراتهم النووية. يمكنهم البدء من جديد، لكن إذا فعلوا ذلك، سندمّرها بلمح البصر".
محادثات "جادة وصريحة"
استؤنفت، الاسبوع المنصرم، جولة جديدة من المحادثات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، وذلك بين الترويكا الأوروبية، المكوّنة من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وإيران، في مقر القنصلية العامة الإيرانية بمدينة إسطنبول التركية.
وترأس الوفد الإيراني في هذه الجولة نائبا وزير الخارجية مجيد تخت روانجي وكاظم غريب آبادي، حيث شدد الأخير في تصريحات له عقب اللقاء على أن المحادثات مع الوفد الأوروبي كانت "جادة وصريحة ومفصلة"، موضحًا أنه تم التباحث بأفكار محددة تم تبادلها خلال الجلسة.
وأكد آبادي التوصل إلى اتفاق على "استمرار المشاورات حول الملف النووي".
Related محذرًا إيران من عودة نشاطها النووي.. ترامب: سنعمل على إنشاء مراكز غذاء في قطاع غزةمعارك في الظل.. إيران تعلن إفشال مشروع خارجي يهدف لتقسيم البلادإيران تعلن عن زيارة مرتقبة لوفد من الوكالة الدولية للطاقة الذريةخلفية التصعيد
يأتي هذا التوتر في أعقاب جولة من المواجهات العسكرية التي اندلعت في 13 يونيو الماضي، حين شنت إسرائيل غارات جوية استهدفت منشآت نووية إيرانية، ردّت عليها طهران بإطلاق صواريخ باليستية نحو الأراضي الإسرائيلية. واستمرت المواجهات 12 يوماً، وشهدت أيضاً ضربات أميركية استهدفت مواقع نووية رئيسية مثل فوردو، أصفهان، ونطنز.
وتعتبر إسرائيل البرنامج النووي الإيراني "تهديداً وجودياً"، ولم تستبعد إمكانية تنفيذ ضربات جديدة في حال أقدمت طهران على إعادة بناء منشآتها المتضررة.
خلاف مستمر
التصعيد العسكري جاء قبل يومين فقط من انطلاق الجولة السادسة من المحادثات النووية بين طهران وواشنطن، والتي تتركز على ملف تخصيب اليورانيوم، أحد أبرز نقاط الخلاف بين الجانبين.
ففي حين تصرّ إيران على أن التخصيب حق سيادي، تعتبر الإدارة الأميركية هذا الأمر "خطاً أحمر". ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن إيران هي الدولة غير النووية الوحيدة في العالم التي تخصب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60%، وهي نسبة تفوق بكثير الحد المسموح به في اتفاق عام 2015 (3.67%)، الذي انسحبت منه واشنطن من جانب واحد عام 2018 خلال ولاية ترامب الأولى.
وتقول القوى الغربية وإسرائيل إن إيران تسعى للحصول على سلاح نووي، وهو ما تنفيه طهران باستمرار، مؤكدة أن برنامجها ذو طابع سلمي بحت.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة