لعنة العدوان على غزة تطارد الجاليات اليهودية حول العالم
تاريخ النشر: 12th, November 2023 GMT
القدس المحتلة – شكاوى متصاعدة من "لعنة حرب غزة" بدأت في الظهور وسط الجاليات اليهودية حول العالم، على خلفية اتساع رقعة الاحتجاجات الشعبية ضد عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، وتصاعد التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني.
ومع دخول العدوان الإسرائيلي الشهر الثاني، سلطت وسائل الإعلام الإسرائيلية الضوء على تداعياته على الجاليات اليهودية حول العالم، حيث أجمعت أن حرب غزة تلاحق اليهود والإسرائيليين عالميا، خصوصا مع تراجع الشرعية الدولية لهذه الحرب والضغوطات التي تمارس على الحكومة الإسرائيلية لوقفها.
وإذ تتوسع دائرة المظاهرات والاحتجاجات ضد إسرائيل ونصرةً لغزة، اكتشف الإسرائيليون الذين يعيشون في أوروبا أن الحرب هزت حياتهم أيضا، في ظل ارتفاع حوادث العداء لليهود، بحسب تقرير لصحيفة "دى ماركر".
أزمة هوية
وهربا من "لعنة الحرب على غزة" ولتجنب تداعيات الحرب التي تلاحق اليهود، فقد اختار بعض اليهود في القارة الأوروبية تغيير أسمائهم في تطبيق "أوبر"، ومنهم من يخشى تثبيت "المزوزاه" وهي تميمة الباب التي تعرف بـ"العضادة اليهودية"، وبعضهم يُخفون الرموز الدينية اليهودية والإسرائيلية ويخشون حتى الحديث باللغة العبرية، وفقا لتقرير الصحيفة الإسرائيلية.
في هذا السياق، يشعر الإسرائيليون في المدن الأوروبية التي تشهد مظاهرات واحتجاجات، أن العديد من التصورات قد تحطمت، بحسب ديكلا كوهين التي تعيش في لندن منذ 7 سنوات، وتقول "هذه هي المرة الأولى منذ أن انتقلت إلى هنا، التي أسأل نفسي فيها عما أفعله هنا، إن الشعور بالانتماء والاستقرار في لندن تزعزع".
وأضاف كوهين "إنها أزمة هوية لمن اعتقد أنه كإسرائيلي يسكن في أوروبا ويدأب على تعزيز الهوية اليهودية. الكثير من الإسرائيليين الذين يعيشون في الخارج ويعتبرون أنفسهم مواطنين في العالم، يكتشفون الآن أنه ليس من السهل قطع هويتهم اليهودية وأصلهم الإسرائيلي".
منذ بداية معركة "طوفان الأقصى" في السابع من الشهر الماضي، حشدت الجالية اليهودية في الولايات المتحدة كل قوتها وجمعت نصف مليار دولار لإسرائيل، وهو مبلغ يعادل مساهماتها في حروب 1948 و1967 و1973 مجتمعة.
من وجهة نظر اليهود الأميركيين -بحسب تقرير لصحيفة "هآرتس"- عادت إسرائيل إلى المكانة التي كانت عليها في الماضي، إذ يُنظر إليها كطفل صغير تابع ومرتبط ومتكل على الآخر، ولا تبدي القيادات اليهودية تفاؤلها بشأن مستقبل إسرائيل ما بعد الحرب.
"ماذا سيحدث بعد الحرب؟" هكذا سألت الصحيفة البروفيسور ديريك بنسلر المختص في التاريخ اليهودي الحديث، الذي أجاب قائلا "أنا غير متفائل على الإطلاق، بعد 75 عاما على حرب الاستقلال لم يكن من الممكن أن تكون الظروف أكثر اختلافا، لكن يهود الولايات المتحدة يشعرون مرة أخرى أن مصير دولة إسرائيل يعتمد على عمق جيوبهم وسخاء قلوبهم".
ويعترف البروفيسور بنسلر أن الحملات الأخيرة والتعبئة الكبيرة لليهود الأميركيين إلى جانب إسرائيل في الأسابيع الأخيرة، قد سببت للجالية اليهودية قدرا كبيرا من الانزعاج والملاحقة، وسط مظاهرات داعمة للفلسطينيين ومناهضة لإسرائيل ومنددة بالحرب.
وفي ظل اتساع دائرة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، أضاف بنسلر "نشهد بشكل رئيسي ظاهرة مثيرة للقلق تتمثل في خيبة الأمل من إسرائيل وانتقادها والابتعاد عنها خاصة بين جيل الشباب، إن استمرار احتلال الأراضي العربية وعدم تسوية الصراع مع الفلسطينيين، والتطرف الديني، والتعديلات القضائية، كل ذلك أدى إلى تفاقم وتعميق الفجوة بين إسرائيل واليهود بأميركا".
وردا على سؤال إذا ما كان هناك أيضا قلق حقيقي لدى الجاليات اليهودية بشأن استمرار وجود دولة إسرائيل، أجاب البروفيسور قائلا "أعتقد أننا نشهد بشكل أساسي شعورا قويا جدا بالذعر. ومع ذلك، لا أعتقد أن هناك قلقا حقيقيا هنا بشأن استمرار وجود دولة إسرائيل، ولكن هناك شعور بالعودة إلى أيام إسرائيل كدولة هشة وضعيفة كما كانت قبل حرب الأيام الستة".
لعنة الحرب
كطالبة يهودية، شعرت إيدن روث دائما بالأمان والترحيب في جامعة تولين في ولاية لويزيانا الأميركية، حيث أكثر من 40% من الطلاب هم من اليهود، لكن تمت إعادة النظر في كل شيء في أعقاب الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس على "غلاف غزة" والحرب الإسرائيلية على غزة، بحسب ما نقلت عنها صحيفة "يديعوت أحرونوت".
وتعتقد روث، التي كانت في إسرائيل الصيف الماضي للمشاركة في برنامج دراسي، أن "التغيير في تجربة اليهود في الحرم الجامعي كان صادما للغاية. يأتي العديد من الطلاب إلى تولين بسبب السكان اليهود، ويشعرون بأنهم مدعومون، كونهم أغلبية لا أقلية. أعتقد أن هذا قد تغير بالتأكيد، بتنا نخشى حتى التحدث بالعبرية".
وفي مؤشر آخر على لعنة الحرب التي تلاحق اليهود في أميركا، ظهرت كتابات على الجدران في حرم جامعة "نيو أورليانز" تحمل رسالة "من النهر إلى البحر، فلسطين ستتحرر"، وهو هتاف شائع في المظاهرات التي ينظمها النشطاء المؤيدون للفلسطينيين والمناهضين للحرب الإسرائيلية على غزة.
طفح الكيل!
في القارة الأوروبية وكندا، تبدو الصورة أكثر تعقيدا للجاليات اليهودية وللإسرائيليين، بحسب ما وثق الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرنوت" في تقريره الذي اعتمد على إفادات للعديد من اليهود.
وقال رئيس الجالية اليهودية في مونتريال الكندية يائير شلاك "تم إطلاق النار على مدرستين يهوديتين مؤخرا، نواجه الآن واقعا مختلفا، الجالية اليهودية -بسبب الحرب على غزة- تتعرض للهجوم، ومعاداة السامية ليست مشكلة يمكن لليهود حلها. هناك مظاهرات مناهضة وضد الحرب في كل مكان".
وأضاف شلاك إنها "أوقات صعبة بالنسبة لليهود في جميع أنحاء العالم، لقد غمرتنا الشكايات من الطلاب وأولياء الأمور في أوروبا وكندا بشأن الملاحقة لليهود والمظاهرات والاحتجاجات ضد الحرب الإسرائيلية على غزة، لا يمكننا حل مشكلة معاداة السامية، لا يمكننا تحمل ذلك، لقد طفح الكيل".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: على غزة
إقرأ أيضاً:
القدس.. الحرب التي لا تنتهي!
من خطة الاستيطان E1 إلى احتلال مدينة غزة، تعمل “إسرائيل” على تفكيك أيّ إمكانية لقيام دولة فلسطينية.
إنّ مساعي “إسرائيل” العدوانية لإعادة تشكيل جغرافيا وسياسة القدس والأراضي الفلسطينية الأوسع ليست عفوية ولا دفاعية. إنها نتيجة استراتيجية طويلة الأمد لمحو إمكانية السيادة الفلسطينية، التي يسعى إليها البعض في المجتمع الدولي مؤخراً، وفرض سردية إسرائيلية حصرية للسيطرة.
من القدس إلى غزة، تعمل كلّ خطوة مدمّرة من جانب “إسرائيل” على ترسيخ سلطتها، وتهجير الفلسطينيين، وزعزعة استقرار المنطقة. ومن دون تدخّل دولي جادّ، ستمتد العواقب إلى ما هو أبعد من الأرض المقدّسة.
أصبح هذا التحوّل جلياً في عام 2017م، عندما حطّم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقوداً من الإجماع الدولي باعترافه بالقدس عاصمةً موحّدةً لـ “إسرائيل” ونقله السفارة الأمريكية إليها.
هذا الإجراء الأحادي، المُغلّف ضمن ما يُسمّى “صفقة القرن”، أعطى “إسرائيل” الضوء الأخضر لتسريع خططها في القدس.
توسّعت المستوطنات، وتضاعفت عمليات هدم منازل الفلسطينيين، وزادت القيود على الوصول إلى الأماكن المقدّسة. بالنسبة للفلسطينيين، لم يُقوّض إعلان ترامب حلّ الدولتين فحسب، بل قضى عليه تماماً.
فسّرت “إسرائيل” مباركة واشنطن على أنها ترخيص لترسيخ السيادة على القدس على حساب الوجود الفلسطيني وحقوقه. ولم تُسرّع خطوة ترامب سوى عملية كانت جارية بالفعل. فقد فرضت “إسرائيل” تدابير تهدف إلى تفتيت المجتمع الفلسطيني في القدس وفرض سيطرتها الحصرية على أماكنه المقدّسة.
في عام 2015م، أشعلت القيود المفروضة على الوصول إلى المسجد الأقصى واقتحامات المستوطنين شرارة انتفاضة القدس، التي خلّفت آلاف الجرحى والمعتقلين والشهداء. بعد عامين، أثار تركيب البوابات الإلكترونية على مداخل الأقصى احتجاجات فلسطينية حاشدة، مما أجبر “إسرائيل” على التراجع المُحرج.
ومع ذلك، لم يتغيّر المسار الأوسع: فقد تصاعدت عمليات هدم المنازل، واستمرت عمليات الطرد، واقتحمت جماعات المستوطنين المسجد الأقصى بوتيرة متزايدة، غالباً تحت الحماية المباشرة لقوات الأمن الإسرائيلية.
قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه، إلى جانب شخصيات من اليمين المتطرّف مثل إيتمار بن غفير، بزيارات رفيعة المستوى إلى سلوان، وهو حيّ فلسطيني في القدس الشرقية المحتلة، وإلى المسجد الأقصى لإرسال رسالة مفادها: ستُعاد صياغة القدس وفقاً لشروط “إسرائيل”، بغضّ النظر عن القانون الدولي أو قرون من الوصاية الدينية.
E1 والضفة الغربية المحتلة
امتدّت هذه الاستراتيجية منذ ذلك الحين إلى الضفة الغربية المحتلة بطرق تكشف عن غايتها الكاملة. في أغسطس 2025م، أحيت “إسرائيل” خطة E1 الاستيطانية المتوقّفة منذ فترة طويلة، وسمحت ببناء نحو 3500 وحدة سكنية شرق القدس.
للوهلة الأولى، قد يبدو هذا بمثابة توسّع آخر للمشروع الاستيطاني الإسرائيلي غير القانوني واسع النطاق، لكنّ آثاره أكثر تدميراً بكثير. منطقة E1 هي قطعة أرض تمتدّ على طول الضفة الغربية المحتلة، تربط القدس بمعاليه أدوميم، إحدى أكبر المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية، وتقسمها في الوقت نفسه.
وبفصل القدس الشرقية المحتلة عن باقي الأراضي، وفصل تجمّعات شمال وجنوب الضفة الغربية عن بعضها البعض، ستجعل E1 إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافياً أمراً شبه مستحيل. ولم يتردّد المسؤولون الإسرائيليون في إعلان نواياهم. فقد صرّح وزير المالية بتسلئيل سموتريتش صراحةً بأنّ الموافقة على البناء في E1 «تدفن فكرة الدولة الفلسطينية”.
وهذه الصراحة تكشف ما يعرفه الفلسطينيون منذ زمن: المستوطنات غير الشرعية لا تهدف إلى نقص المساكن أو الأمن؛ بل هي أدوات ضمّ. ومن خلال E1 ومشاريع مماثلة، تُضفي “إسرائيل” طابعاً رسمياً على ما تسمّيه “السيادة الفعلية”، موسّعةً بذلك سيطرتها على الأراضي المحتلة، منتهكة اتفاقية جنيف الرابعة وقرارات الأمم المتحدة المتكرّرة.
إذا كانت المنطقة E1 تُمثّل استراتيجية “إسرائيل” لتقسيم الضفة الغربية المحتلة، فإنّ غزة تكشف عن الوجه الآخر للعملة: الهيمنة العسكرية المباشرة والتهجير القسري.
في أغسطس2025م، وافقت “إسرائيل” على خطة للسيطرة على مدينة غزة، مما قد يؤدّي إلى تهجير أكثر من مليون من سكانها تحت ستار “الأمن”. أُمرت العائلات بالإخلاء، وأُجبرت على اللجوء إلى ملاجئ غير آمنة ومكتظة في جنوب غزة، بينما تُحذّر تقارير المنظّمات الإنسانية من وفيات ناجمة عن الجوع وكارثة إنسانية متفاقمة.
وباحتلالها مدينة غزة، تُنفّذ “إسرائيل” خطة لإعادة تشكيل هذا الجيب بشكل دائم، كما فعلت في القدس الشرقية المحتلة والضفة الغربية المحتلة. وبالنظر إلى هذه التطورات مجتمعةً، فإنها تكشف عن استراتيجية توسّع مُنسّقة.
وفي القدس، تسعى الإجراءات التقييدية والاستفزازات في الأقصى إلى تقليص الوجود الفلسطيني وتعزيز سيادة المستوطنين. أما في الضفة الغربية المحتلة، فتهدف المنطقة E1 إلى تجزئة الأرض الفلسطينية إلى الحدّ الذي تصبح فيه الدولة الفلسطينية ضرباً من الخيال. في غزة، يُشير النزوح الجماعي والاحتلال العسكري إلى نية “إسرائيل” إعادة تشكيل المنطقة بالكامل. هذا محوٌ للوجود الفلسطيني، ولطالما كان كذلك.
صمت عالمي، مقاومة محلية
العواقب وخيمة وفورية. ستقاوم المجتمعات الفلسطينية المجزّأة، المجرّدة من السيادة والمعرّضة للعنف المستمر، كما كانت دائماً. ستُقابل هذه المقاومة، سواء في شوارع القدس أو قرى الضفة الغربية المحتلة أو مخيمات اللاجئين في غزة، حتماً بمزيد من القوة الإسرائيلية، مما يُؤجّج دوامة لا نهاية لها من سفك الدماء.
وخارج فلسطين، تُهدّد هذه الاستفزازات بجذب قوى إقليمية، مما يُزعزع استقرار الأردن ولبنان وغيرهما.
ويرى الأردن، الوصي على المسجد الأقصى، أنّ كلّ اعتداء إسرائيلي على القدس يُمثّل تهديداً مباشراً لسيادته واستقراره الداخلي، ولا سيما بالنظر إلى العدد الكبير من السكان الفلسطينيين داخل حدوده. لبنان، الذي يعاني أصلاً من شلل سياسي وانهيار اقتصادي، يواجه توتراً مستمراً على طول حدوده الجنوبية مع تصاعد التوغّلات العسكرية والغارات الجوية الإسرائيلية.
وفي الوقت نفسه، وسّعت “إسرائيل” نطاق وجودها العسكري في المنطقة، حيث ضربت أهدافاً في سوريا ولبنان واليمن، وكان أبرزها هجوم غير مبرّر على قطر. هذه الإجراءات، وإن لم تكن مرتبطة مباشرة بمشروع “إسرائيل” التوسّعي في فلسطين، تُظهر كيف يُزعزع عدوانها العسكري استقرار الشرق الأوسط بشكل متزايد.
لا يمكن للمجتمع الدولي أن يبقى مكتوف الأيدي. فالإدانات الصادرة عن بروكسل أو بيانات الأمم المتحدة لا قيمة لها إن لم تُقابل بإجراءات ملموسة. فلطالما أظهرت “إسرائيل” أنها ستتجاهل الرأي العامّ الدولي ما لم تُواجه عواقب. المطلوب هو المساءلة: الضغط من خلال العزلة الدبلوماسية، وفرض قيود على مبيعات الأسلحة، وفرض عقوبات تستهدف مؤسسات المستوطنات. في الوقت نفسه، يجب التمسّك بحقوق الفلسطينيين كمبدأ مُلزم في القانون الدولي.
الرأي العامّ العالمي آخذ في التغيّر. ومع ذلك، يجب ترجمة هذه الموجة إلى سياسات لمنع المأساة التي تنتظرنا. البديل واضح: الصمت سيشجّع “إسرائيل” على المضي قدماً في ضمّ الضفة الغربية المحتلة، وتهجير سكان غزة، وإلغاء الوضع الراهن للقدس.
القدس ليست مجرّد نزاع محلي؛ إنها مقياس لالتزام العالم بالعدالة. غزة ليست ساحة معركة فحسب؛ إنها اختبار للإنسانية. وخطة E1 ليست مسألة تقنية لتقسيم مناطق؛ إنها مخطط لإنكار دائم للدولة الفلسطينية.
إنها مجتمعة تُشكّل مشروعاً توسّعياً لا يهدّد الفلسطينيين فحسب، بل استقرار المنطقة بأسرها. ما لم يتحرّك العالم بحزم، فإنّ سعي “إسرائيل” للسيطرة الكاملة سيقودنا جميعاً إلى صراع لا نهاية له.
صحفي فلسطيني.