الإمام عبد الحيلم محمود ولىٌ طاف حول طريق رأس الرجاء الصالح
تاريخ النشر: 16th, October 2025 GMT
فى ليالى أكتوبر من كل عام، تتوهج القاهرة والدلتا بأنوار المقامات والمشاهد، حيث يشهد المصريون موسمًا صوفيًا استثنائيًا، تتداخل فيه أصداء المدائح مع نسمات الذكر، وترتفع فيه القلوب نحو سماء آل البيت والأولياء الصالحين، فالموالد فى الوجدان المصرى ليست مجرد تجمعات شعبية، بل هى انعكاس لذاكرة روحية ممتدة، تستحضر محبة المصريين لآل بيت النبى صلى الله عليه وسلم، وتُعيد وصل ما انقطع بين الماضى والحاضر فى لحظةٍ يتجدد فيها الوجد، وتتعانق فيها الأصالة مع الهوى، ورغم ذلك لا تخلو من جدل واسع، بين من يؤكد مشروعيتها، ومن يراها بدعة تتجاوز حدود الإسلام، ويكفر مُريديها، وهكذا، يبقى المشهد الصوفى فى مصر مرآةً لصراعٍ قديم متجدد.
موسم الموالد الصوفية
ويأتى فى مقدمة هذه الموالد مولد الإمام الحسين بن على، سبط النبى صلى الله عليه وسلم، ثم مولد القطب أحمد البدوى بمدينة طنطا، ومولد القطب إبراهيم الدسوقى فى دسوق، إضافةً إلى مولد الصحابى الجليل شبل الأسود بمحافظة الغربية، وهذه المناسبات التى يترقبها ملايين المصريين كل عام لا تُعد مجرد احتفالات شعبية، بل تمثل طقوسًا راسخة فى الوجدان الجمعى، تمتزج فيها حلقات الذكر بالإنشاد الدينى، وتلتقى فيها وفود من مختلف أنحاء مصر وخارجها، فى أجواء يفيض فيها البهاء الروحى.
وقد أوضحت المشيخة العامة للطرق الصوفية أن شهر اكتوبر يزخر بفعاليات موالد أولياء الله الصالحين التى تبدأ من مولد القطب أحمد البدوى بمدينة طنطا يوم الجمعة 10 أكتوبر وتستمر حتى الليلة الختامية يوم الخميس 16 من الشهر نفسه، متخللة مؤتمرًا صوفيًا يعقد مساء الأربعاء 15 أكتوبر بمنطقة سيجر.
الموالد فى الشرع
وحول الجدال المستمر بين حرمة ومشروعية الاحتفال بموالد الصالحين وآل البيت، أكد الدكتور على جمعة، مفتى الديار المصرية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن الاحتفال بموالد آل البيت والأولياء الصالحين أمر مشروع، بل يعد من أفضل القربات وأعظم الأعمال، لأنه يعبر عن الفرح والحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أصل من أصول الإيمان. وأضاف أن النبى صلى الله عليه وسلم سنَّ جنس الشكر على ميلاده الشريف بصيام يوم الاثنين، قائلًا: «ذلك يوم وُلدت فيه».
وأوضح جمعة أن إحياء موالد آل البيت والأولياء فيه تأسٍ بهم وسير على طريقهم، مشيرًا إلى أن الشرع الحنيف حث على تذكر الصالحين والاقتداء بسيرتهم، مستشهدًا بقوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ مَرْيَمَ}، وقوله سبحانه: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ}. وبيّن أن ذكر أيام الميلاد يدخل فى ذلك، لأنها أيام عظيمة أنعم الله فيها بالإيجاد، وهو باب لشكر النعم وتجديد العهد مع الله تعالى.
وختم بالقول: «هذه المناسبات الشريفة تُقام مع إنكار ما قد يشوبها من مخالفات شرعية، وتبقى فى أصلها سُنة حسنة ووسيلة مباركة لشكر نعم الله تعالى».
بين البدعة والمحبة
ومن جانبه أكد الدكتور عبدالهادى القصبى، شيخ مشايخ الطرق الصوفية، أن الاحتفال بموالد آل البيت والأولياء الصالحين ليس بدعة كما يروج البعض، وإنما هو تعبير صادق عن المحبة التى أوجبها القرآن الكريم والسنة المطهرة. وقال إن محبة آل البيت والأولياء راسخة فى وجدان المصريين منذ العهد النبوى، وتجسدت فى إحياء ذكراهم عبر الموالد التى تمثل مناسبة روحية واجتماعية لإظهار الفرح بآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والتذكير بسيرتهم العطرة.
وأضاف القصبى أن «الاحتفاء بموالد آل البيت والأولياء هو امتداد للاحتفال بالمولد النبوى الشريف الذى أجمع العلماء على مشروعيته»، مشددًا على أن هذه المناسبات تربى القلوب على المودة والرحمة، وتجمع الناس على الخير، وتذكرهم بالقيم التى دعا إليها النبى صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الكرام.
كما أوضح أن ما يردده المتشددون من أن هذه المظاهر شرك أو بدعة «قول مرذول ومردود عليه»، مؤكدًا أن الأمة عبر تاريخها عرفت الاحتفالات الدينية كجزء من التعبير عن الفرح بنور الرسالة، وأنها باقية ما بقيت محبة آل البيت فى قلوب المسلمين.
كما أكد الدكتور سيد عويس، عميد علماء الاجتماع المصريين فى الوطن العربى، فى دراسة له بعنوان (الطرق الصوفية فى المجتمع المصرى) أن للطرق الصوفية فى مصر شأنًا عظيمًا، إذ تضم ما يزيد على ستة ملايين مريد، وتشرف على نحو 2850 مولدًا يقام سنويًا فى مختلف المحافظات، ويشير إلى أن هذه الموالد تجتذب أكثر من نصف سكان مصر، الأمر الذى يعكس مكانتها الاجتماعية والروحية فى حياة الناس.
ويرى عويس أن محبة المصريين لآل البيت لا ترتبط بدعوة مذهبية محددة، بقدر ما هى تعبير عن هوى شعبى وثقافة متجذرة، تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ المصرى.
فالموروث الشعبى الممزوج بالتصوف جعل من آل البيت رموزًا للقدوة الحسنة والصفاء الروحى، حتى صارت سيرتهم تضاهى قصص الشهداء والرموز الدينية التى عرفها المصرى القديم مثل «أوزيريس».
كما يرى أن هذه الاحتفالات الصوفية لم تقتصر على كونها مواسم دينية فقط، بل تحولت إلى ساحات للقاء الاجتماعى والثقافى، حيث تتجمع الأسر، وتقام الأسواق الشعبية، وتنتشر حلقات الذكر والإنشاد التى تمنح الموالد طابعها المميز.
وعن بعض الممارسات الخاطئة التى تحدث خلال الاحتفال بموالد آل البيت والصالحين كونها موروث ثقافى يضم الكثير من العادات التى ليست بالضرورة أن تكون شرعية أو معتبرة دينيًا، قال الشيخ هشام ربيع، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن التصوف فى جوهره يمثل منهجًا أخلاقيًا وسلوكيًا يهدف إلى تزكية النفس والارتقاء الروحى للوصول إلى مقام الإحسان.
وأضاف أمين الفتوى أن هناك ما يمكن تسميته بـ«الفلكلور الشعبى الصوفى»، وهو ممارسات وعادات اجتماعية ارتبطت بالتصوف لكنها لا تمثل حقيقته، بل قد تتضمن بعض السلبيات الناتجة عن ظروف ثقافية واجتماعية معينة.
وأشار إلى أن كثيرًا من هؤلاء الذين ينخرطون فى هذه الممارسات هم بسطاء قادهم حسن الظن وحبهم الفطرى للصالحين، لكنهم أخطأوا فى التعبير، موضحًا أن الإصلاح لا يكون بالتشهير ولا بفضح السقطات، وإنما بالتوجيه بالحكمة والموعظة الحسنة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ليالى أكتوبر النبى صلى الله علیه وسلم مولد ا أن هذه
إقرأ أيضاً:
هل يستجاب الدعاء وقت نزول الأمطار؟.. الإفتاء تجيب
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: هل وقت نزول الأمطار يُعدُّ من الأوقات التي يُستجاب فيها الدعاء؟
وأجابت الإفتاء عن السؤال قائلة: الدُّعاءَ عند نزول المطر من الأوقات التي يُستَجَاب فيها الدعاء، لأنَّها أوقات مِنَّةٍ وفَضْلٍ ولُطْفٍ ورحمة من الله على عباده كما دَلَّت على ذلك السنة النبوية المشرفة.
ما ورد في السنة النبوية في فضل الدعاء وقت نزول المطر
اصطفى الله تعالى بعض المواطن والأوقات وجعلها مظنَّةً لإجابة الدعاء رحمةً منه وتفَضُّلًا على عباده؛ ومن هذه الأوقات: الدعاء عند نزول المطر؛ لأنَّها أوقات مِنَّة وفضل ولطف ورحمة من الله على عباده، كما في الحديث الذي رواه أبو داود والحاكم بلفظه عن سهل بن سعد رضي الله عنه مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ثنتان ما تُرَدَّان: الدُّعاء عند النداء، وتحت المطر» أي: عند نزوله.
قال العلامة المناوي في "فيض القدير" (3/ 340، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [أي: دعاء من هو تحت المطر لا يُرَدُّ أو قلَّمَا يُرَدُّ، فإنَّه وقت نزول الرحمة، لاسِيَّمَا أول قطر السنة، والكلام في دعاءٍ متوفر الشروط والأركان والآداب] اهـ.
وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيُسْتَجَابُ الدُّعَاءُ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاطِنَ: عِنْدَ الْتِقَاءِ الصُّفُوفِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَعِنْدَ نُزُولِ الْغَيْثِ، وَعِنْدَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَعِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ» أخرجه البيهقي في "المعرفة"، والطبراني في "الكبير".
وروى الإمام الشافعي في "الأم" عن عبد العزيز بن عمر عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اطْلُبُوا إجَابَةَ الدُّعَاءِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الْجُيُوشِ، وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَنُزُولِ الْغَيْثِ».
نصوص الفقهاء الواردة في استجابة الدعاء وقت نزول الأمطار
كما استدل الفقهاء بالآثار التي تدُلُّ على استحباب الدعاء أثناء نزول المطر على أنَّ الدعاء حال نزول المطر مستجاب؛ من ذلك: حديث أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا رأى المطر يقول: «اللهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا» رواه البخاري. وفي لفظ لأبي داود أنه كان يقول: «اللهُمَّ صَيِّبًا هَنِيئًا».
قال الإمام الطحطاوي في "حاشيته على مراقي الفلاح" (1/ 553، ط. دار الكتب العلمية): [ويستحب الدعاء عند نزول الغيث؛ لما ورد من استجابة الدعاء عنده] اهـ.
وقال العلامة ابن رشد في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" (1/ 224، ط. دار الحديث): [أجمع العلماء على أنَّ الخروج إلى الاستسقاء، والبروز عن الِمصْر، والدعاء إلى الله تعالى والتَّضرُّع إليه في نزول المطر سُنَّة سنَّها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم] اهـ.
وقال الإمام النووي في "المجموع" (5/ 96، ط. دار الفكر): [قال الشافعي: وحفظت عن غير واحد طلب الإجابة عند نزول الغيث وإقامة الصلاة] اهـ.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "شرح منهج الطلاب" (2/ 126، ط. دار الفكر): [(و) أن (يقول عند مطر: اللهم صيّبًا) بتشديد الياء، أي: مطرًا (نافعًا) للاتباع، رواه البخاري، (ويدعو بما شاء)؛ لخبر البيهقي: «يستجاب الدعاء في أربعة مواطن: عند التقاء الصفوف، ونزول الغيث، وإقامة الصلاة، ورؤية الكعبة»] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (2/ 327، ط. مكتبة القاهرة): [ويستحب الدعاء عند نزول الغيث؛ لما رُوِي أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اطلبوا استجابة الدعاء عند ثلاث: عند التقاء الجيوش، وإقامة الصلاة، ونزول الغيث»] اهـ.