عربي21 ترصد معاناة النزوح القسري للغزيين.. هل هي نكبة جديدة؟ (شاهد)
تاريخ النشر: 13th, November 2023 GMT
مُتعبين وذاكرتهم جريحة تحمل هم السنين، مشوا لساعات طويلة بأجسادهم المُرهقة، تحت الحر، في انعدام المياه، هاربين من القصف، نحو وجهة يصفونها بـ"المجهولة".. هكذا قطع النازحون قسرا، أشواطا من طريق شارع صلاح الدين، الذي يمتد لأكثر من 14 كم، والذي لا تُخطئه رائحة الموت، مُحملّين بالشيء القليل الذي صمد من القصف المكثف، الذي لم يتوقف لأزيد من شهر كامل.
يقول أحمد، شاب عشريني، من سكان "بيت حانون"، وهو واحد من آلاف النازحين قسرا: "قُصف بيتنا، وقصف كامل حيّنا، ومن نجى منّا، كُتبت له حياة جديدة بأعجوبة، وقصف المستشفى، ولا مكان لنا في مدارس الإيواء، فماذا نفعل؟ لا مكان آمن، فاخترنا أنا وإخوتي المضي نحو الجنوب"، مردفا: "نُدرك أنك كذلك قد لا يكون آمنا، وأن الاحتلال كاذب، ولكنها رحلة قسرية، مُجبرين نحن لا مُخيّرين".
على غرار أحمد، آلاف من الأسر، بينهم نساء وشيوخ وأطفال، ساروا على الأقدام، منهم من كان حافيا، في طريق، يعتبرونها "الأقسى" في مشوار حياتهم، المُنهك بالصعوبات؛ حيث أجبروا على ترك ركام منازلهم، بكافة ما تحمله من ذكريات، خلفهم، على أمل أن يعودوا إليها يوما ما.
للنزوح مُبررات قاسية
بحسرة وألم، ترك عدد من أهالي شمال قطاع غزة المحاصر، ديارهم، التي لم تعد ملامحها مألوفة، جرّاء الخراب الذي جعلها عليه الاحتلال الإسرائيلي، لكل منهم أسبابه؛ حيث خلف كل "نازح" حكاية يطول سردها.
تروي ياسمين، شابة من منطقة الزيتون شمال القطاع، اضطرت للنزوح، بعد أن أباد الاحتلال كل المشاهد المألوفة لديها، وسوّاها أرضا: "قطعنا مشوارا اضطررنا فيه إلى رفع الراية البيضاء، والتلويح بيدنا، لعلنا نسلم من قصف الاحتلال الذي ما كان ليُخطئنا، حيث أن المسار غير آمن كما يُشاع" مؤكدة: "ابني مريض وأمي مريضة كذلك، ولا مكان آمن لنجلس فيه هناك، ومنزلنا سُوّي أرضا، فاخترنا أن نكون من جماعة النازحين قسرا".
وأضافت الشابة، المُنهكة ملامحها، ممّا عايشته من مأساة، في حديثها لـ"عربي21": "ما يحصل لنا هو تطهير عرقي وليس مجرد نزوح أو نكبة جديدة" مشيرة إلى أنه "لا يزال في غزة الكثير من الأهالي، ممّن اختاروا البقاء، ورفضوا النزوح، وما يرويه الاحتلال كذبة كبرى، بكون الشمال خالي من السكان؛ بل هناك الآلاف من السكان الصامدين".
ورصدت "عربي21" جُملة من المنشورات، على مختلف منصات التواصل الاجتماعي، في الساعات القليلة الماضية، توثق أن شمال قطاع غزة، ليس فارغا من السكان، بل لا تزال فيه الكثير من العائلات، التي اختارت أن تظل هناك، خاصة بعد معرفتهم أن المسار نحو "الجنوب" بدوره غير آمن؛ فيما يُطالبون بعدم تركهم للنسيان، والاستمرار في الحديث عنهم.
نُزوح أم نكبة جديدة؟
تحدث عدد من النازحين، في مقاطع فيديو، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، على أنهم شاهدوا في شارع صلاح الدين، الذي يُفترض أنه آمن، وهو غير كذلك، جثث متحللة، وعدد من دبابات الاحتلال الإسرائيلي؛ فيما نشر جيش الاحتلال الإسرائيلي على منصة "إكس" (تويتر سابقا)، لقطات فيديو تظهر مجموعات من الأشخاص يسيرون على طول الطريق وهم يلوّحون بأعلام بيضاء، لإبراز أنهم مدنيون، في إشارة منهم إلى "نكبة 1948" وهي ما يحاول الاحتلال تكريسها.
وفي هذا السياق قال المتخصص في القانون العام والعلوم السياسية، سيف الدين جرادات، إن "ما يحدث الآن هو نكبة تشبه ما حدث عام 1948" موضحا أن "ما يحصل اليوم في فلسطين عموما، وفي قطاع غزة بالتحديد، هي عملية تندرج ضمن سياق فكر الاحتلال الإسرائيلي القائم على أساس القتل والتهجير، وخلق واقع يدفع الناس نحو مغادرة البلاد؛ هذه السياسة ما زالت الصهيونية تستخدمها منذ عام 1948 وإلى اليوم".
وأضاف جرادات، في حديثه لـ"عربي21" بأن "النكبة الفلسطينية حصلت حين ارتكب الاحتلال المجازر بحق السكان العرب الأصليين في فلسطين، بحيث دفعت أكثر من نصف مليون فلسطيني إلى مغادرة أراضيهم وممتلكاتهم، ليصبحوا لاجئين في بلدان العالم. وقد حدث ذات الأمر عام 1967 حين زحف العدو لاحتلال القدس ومدن الضفة الغربية وقطاع غزة، ليزداد عدد اللاجئين والنازحين الفلسطينيين".
وتابع: "انسجاما مع تلك السياسة، عادت قوات الاحتلال عام 2023 لتستخدم أكثر أنواع الأسلحة تطوراً، وتسير الطائرات الحربية والآليات العسكرية البرية منها والبحرية، لكي ترتكب أبشع المجازر ضد السكان المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، وفي رأيي إن جيش الاحتلال يعتمد سياسة قتل أكبر قدر ممكن من المدنيين الفلسطينيين، في محاولة منه للقضاء عليهم حتى لا يعودوا مطالبين بحقهم بالعودة، فقد تعلم الصهاينة الدرس منذ عام 1948".
وأكد المتخصص في القانون العام والعلوم السياسية، أن: "سياسة الاحتلال تحاول جعل المدنيين الذين أجبروا على ترك ممتلكاتهم إلى لاجئين جدد من خلال الطلب الذي تقدمت به إلى مصر، بأن يتم تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، غير أن مصر رفضت ذلك، فانتقل الاحتلال للخطة "ب" وهي تحويلهم إلى نازحين من شمال قطاع غزة إلى جنوبه" مبرزا أن "الأمر يشكل انتهاكا للقانون الدولي الإنساني وكذلك القانون الدولي لحقوق الإنسان".
وختم جرادات، حديثه لـ"عربي21" بالقول إنه "ليس من السهل على الاحتلال إفراغ شمال قطاع غزة من ساكنيه، ما دامت هناك مقاومة لهذا الاحتلال، كما أن المقاومة لن تستطيع الصمود أمام الاحتلال إلا بصمود السكان، أي أن المقاومة تقوى عزيمتها ويشتد بأسها بصمود السكان، والسكان تتقوّى عزيمتهم ويزداد صمودهم بقوة وبئس المقاومة، بذلك كلا منهما يدعم الآخر".
وأوضحت منصة "مسبار" للتحقق من الأخبار الكاذبة والزائفة والاستقصاءات والتحقيقات المعمقة، بأن مفهوم "النكبة الفلسطينية، يشير إلى: النزوح القسري والتشريد الذي تعرّض له مئات آلاف الفلسطينيين عقب إعلان قيام "دولة إسرائيل" عام 1948. وعلى الرّغم من وجود أدلة كافية على وقوع النكبة، إلّا أنّ هناك محاولة مستمرة ومقصودة لإنكار تأثيرها على الشعب الفلسطيني".
وتابع المصدر نفسه، أنه "غالبًا ما يتم تجاهل النكبة باعتبارها نتيجة لـ"هجرة عربية طوعية"، كما لو أنّ الفلسطينيين تخلوا عن منازلهم وأراضيهم بإرادتهم الحرة" مردفا بأن "هذه السرديّة تتجاهل حقيقة أنّ الكثير من الفلسطينيين هُجّروا بالقوة من قبل ميليشيات صهيونية أو هربوا خوفًا من العنف. وفي بعض الحالات، أُجبِر الفلسطينيون على التوقيع على اتفاقيات تنصّ على تنازلهم عن حقهم في العودة إلى منازلهم".
ما بين رواية الاحتلال والواقع في غزة
مشاهد نُزوح الآلاف من السكان من شمال غزة إلى جنوبها، هناك من وصفه بـ"القاسي"، وهناك من أكد أنها "عملية ممنهجة للطهير العرقي"؛ فيما تشير رواية الاحتلال الإسرائيلي، إنها "نكبة 2023" كما جاء في حديث وزير إسرائيلي، السبت، في ردّه على سؤال من القناة الإسرائيلية "ن 12".
وعقب حملة الإبادة الجماعية التي ينتهجها جيش الاحتلال الإسرائيلي، لما يزيد عن 33 يوما، اضطر أكثر من مليون و600 ألف من أهالي القطاع المحاصر إلى النزوح قسرا إلى وسط وجنوب القطاع، وفقا لتقديرات الأمم المتحدة.
وأضافت الأمم المتحدة بأن "أكثر من 670 ألف نازح في قطاع غزة يقيمون في مدارس ومبان تابعة لمنظمة أونروا التي باتت مكتظة؛ ناهيك على أنهم يعيشون في ظروف مروعة وغير صحية، مع محدودية الطعام والماء، وينامون على الأرض، داخل غرف غير مهيأة أو في العراء".
من جهتها، قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في بيان لها: إن "التعليمات التي أصدرتها السلطات الإسرائيلية لسكان مدينة غزة بمغادرة منازلهم فورا، إلى جانب الحصار الكامل الذي يحرمهم صراحة من الغذاء والماء والكهرباء، لا تتوافق مع القانون الدولي الإنساني".
وعلى الرغم من زعم الاحتلال الإسرائيلي بأن المقاومة الفلسطينية، "تستخدم المدنيين دروعا بشرية، أو أنها تخفي عناصرها وبنيتها العسكرية في الأحياء السكينة وقرب المستشفيات"، وهو ما تنفيه الحركة؛ فإن القانون الدولي الإنساني يؤكد أنه "حتى لو عمد أحد طرفي القتال إلى تعريض المدنيين للخطر، فإن هؤلاء المدنيين لا يزالون يتمتعون بحق الحصول على الحماية الكاملة".
ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي لليوم ال38 على التوالي، الاثنين، غاراته العنيفة على قطاع غزة؛ ما خلَّف شهداء وجرحى، فيما اندلعت اشتباكات ضارية شمال بيت حانون ومنطقة أبراج العودة وبيت لاهيا شمال مدينة غزة، وسط انهيار المنظومة الصحية، وخروج المستشفيات من الخدمة تباعا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية غزة النزوح فلسطين فلسطين غزة النزوح طوفان الاقصي سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاحتلال الإسرائیلی شمال قطاع غزة جیش الاحتلال من السکان أکثر من عام 1948
إقرأ أيضاً:
قافلة «زاد العزة» الـ91 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة
شرعت قافلة شاحنات المساعدات الإنسانية الـ91 في الدخول إلى الفلسطينيين بقطاع غزة، عبر البوابة الفرعية لميناء رفح البري باتجاه معبري كرم أبو سالم والعوجة، تمهيدا لإدخالها إلى القطاع.
وصرح مصدر مسؤول بميناء رفح البري في شمال سيناء، اليوم الأربعاء، بأن الشاحنات اصطفت في ساحة الانتظار ضمن قافلة «زاد العزة.. من مصر إلى غزة»، مشيرا إلى أن الشاحنات تخضع للتفتيش من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي على معبر كرم أبو سالم جنوب شرق قطاع غزة قبل إدخالها إلى القطاع.
وأعلن الهلال الأحمر، أن القافلة الـ91 تحمل أكثر من 10 آلاف طن من المساعدات الإنسانية العاجلة، والتي تضمنت: أكثر من 6.200 طن سلال غذائية، وأكثر من 2، 600 طن مستلزمات طبية وإغاثية ضرورية يحتاجها القطاع، ونحو 1.200 طن مواد بترولية.
وذكر بيان صادر عن الهلال أنه في إطار الجهود المصرية لتقديم الدعم الإغاثي لأهالي غزة، حملت قافلة «زاد العزة» في يومها الـ91، احتياجات الشتاء الأساسية لتخفيف معاناة الأهالي، والتي شملت: أكثر من 45 ألف بطانية، 25.900 قطعة ملابس شتوية، و10.225 خيمة لإيواء المتضررين.
يذكر أن قافلة «زاد العزة.. من مصر إلى غزة» التي أطلقها الهلال الأحمر، انطلقت في 27 يوليو حاملة آلاف الأطنان من المساعدات تنوعت بين سلاسل الإمداد الغذائية، دقيق، ألبان أطفال، مستلزمات طبية، أدوية علاجية، مستلزمات عناية شخصية، وأطنان من الوقود.
ويتواجد الهلال الأحمر كآلية وطنية لتنسيق وتفويج المساعدات إلى قطاع غزة منذ بدء الأزمة في أكتوبر 2023، ولم يتم غلق ميناء رفح البري نهائيا خلال تلك الفترة، ويواصل تأهبه في كافة المراكز اللوجستية وجهوده المتواصلة لإدخال المساعدات بواسطة 35 ألف متطوع.
وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد أغلقت المنافذ التي تربط قطاع غزة، منذ يوم 2 مارس الماضي، بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بغزة وعدم التوصل لاتفاق لتثبيت وقف إطلاق النار، واخترقت الهدنة بقصف جوي عنيف يوم 18 مارس الماضي، وأعادت التوغل بريا بمناطق متفرقة بقطاع غزة كانت قد انسحبت منها.
كما منعت سلطات الاحتلال دخول شاحنات المساعدات الإنسانية والوقود ومستلزمات إيواء النازحين الذين فقدوا بيوتهم بسبب الحرب على غزة، ورفضت إدخال المعدات الثقيلة اللازمة لإزالة الركام وإعادة الإعمار إلى قطاع غزة، وتم استئناف إدخال المساعدات لغزة في مايو الماضي وفق آلية نفذتها سلطات الاحتلال وشركة أمنية أمريكية رغم رفض وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لمخالفتها للآلية الدولية المستقرة بهذا الشأن.
وأعلن جيش الاحتلال «هدنة مؤقتة» لمدة 10 ساعات «الأحد 27 يوليو 2025»، وعلق العمليات العسكرية بمناطق في قطاع غزة للسماح بإيصال المساعدات الإنسانية، فيما واصل الوسطاء «مصر وقطر والولايات المتحدة» بذل الجهود من أجل إعلان اتفاق شامل لوقف إطلاق النار بقطاع غزة وتبادل إطلاق الأسرى والمحتجزين، حتى تم التوصل فجر يوم 9 أكتوبر 2025، إلى اتفاق ما بين حركة حماس وإسرائيل حول المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار وفق خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشرم الشيخ بوساطة مصرية أمريكية قطرية وجهود تركية.
اقرأ أيضاًالخارجية: مصر شهدت طفرة في مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان في السنوات الأخيرة
الأمم المتحدة ترفض أي تغيير لحدود قطاع غزة
اليونيسف تحذر من ارتفاع مستويات سوء التغذية لدى الأطفال والحوامل في غزة