مفقودو حرب السودان.. مأساة أسر كاملة في كردفان
تاريخ النشر: 10th, December 2025 GMT
في ركن منسي بولاية شمال كردفان حيث تتلاشى الحدود بين النزوح والفقد، تجلس نساء سودانيات قهرتهن الحرب مرتين؛ مرة حين سلبتهم الديار، وأخرى حين ابتلعت فلذات أكبادهن وذويهم في طرقات المجهول.
ولا تروي الخيام قصص الجوع والعطش فحسب، بل تضج بصمت ثقيل لأمهات وزوجات ينتظرن غائبين لم يتبقَ منهم سوى "أسماء في الذاكرة" وصور يتيمة.
تجلس السيدة "خديجة" وهي مثقلة بالهموم أمام خيمتها التي أوتها بعد النزوح القسري، إذ فقدت زوجها وعددا من أفراد أسرتها، لتجد نفسها وحيدة في مواجهة مصير 8 أطفال يعتمدون عليها كليا.
وتروي خديجة للجزيرة فصول مأساتها بصوت يغالبه الانكسار: "عانينا ما لا يوصف؛ هربنا من جحيم المعارك في بابنوسة إلى الفولة، ومنها قذفتنا الأقدار إلى هنا".
لكن النزوح لم يكن نهاية المطاف، فالمأساة تكمن في الغياب؛ إذ تضيف: "نفتقد الوالد، والأخ، وزوج ابنتي الذي يطلب الخاطفون فدية تعجيزية لإطلاق سراحه، بينما لا نملك عن والدنا خبرا ولا أثرا".
صور يتيمة وأسئلة بلا إجاباتخديجة ليست وحدها في هذا العراء؛ ففي كل خيمة غصة، ولكل نازح قصة اختفاء قسري. تحكي السيدة "أم شريم" عن الصورة الفوتوغرافية الوحيدة لابنتها المفقودة وكيف أنها تتمسك بها كطوق نجاة، وتقول إنها لا تحمل سوى أمنية وحيدة وبسيطة استعصت على التحقيق: "أريد فقط أن أعرف أين هي.. هل هي باقية على قيد الحياة؟".
وعلى مقربة منها، تجلس "عزة" تحدق طويلا في ملامح شقيقها عبر صورة صامتة، وإلى جوارها يجلس طفله الصغير، يتقاسم مع عمته مرارة الانتظار.
قالت عزة: "فقدنا أخي منذ يوم الجمعة، وهذا طفله يجلس معنا ينتظر.. لا خبر، لا اتصال، ولا شيء يطمئننا".
أرقام مفزعة
الفاجعة في شمال كردفان تتجاوز القصص الفردية لتتحول إلى ظاهرة جماعية، فبحسب إفادات مسؤولين في وزارة التنمية الاجتماعية، فإن أعداد المفقودين في تزايد مقلق، حيث تجاوزت البلاغات حاجز الـ100 أسرة تبحث عن ذويها في الوقت الراهن.
إعلانوتشير التقارير الرسمية إلى أن الفقد لم يقتصر على الرجال، بل طال النساء والأطفال وأسر كاملة اختفت في محلية "بارا"، وسط عجز عن حصر دقيق لمن تاهوا في دروب الحرب الوعرة.
وبينما تتلقى بعض الأسر أخبارا مفجعة تقطع الشك باليقين، يظل آخرون معلقين بخيط أمل واه، لا يملكون سوى الانتظار في محطات خلت من المسافرين، ولم يبق فيها سوى صدى الأسماء.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
«الدعم السريع» السودانية تسيطر على مناطق واسعة.. مقتل 114 شخصاً في كردفان
أعلنت قوات الدعم السريع، يوم الاثنين 8 ديسمبر 2025، سيطرتها الكاملة على منطقة هجليج النفطية وكامل إقليم غرب كردفان، الذي يمثل مركزًا حيويًا لعصب الاقتصاد السوداني، بعد التصدي لهجوم من الجيش السوداني، مشيرة إلى فرار أعداد كبيرة من ضباط وجنود اللواء 90 التابع للجيش خارج حدود البلاد.
وأكد بيان صادر عن قوات الدعم السريع أن السيطرة على منطقة هجليج تشكل نقطة محورية، لما تحمله المنطقة من أهمية اقتصادية بارزة، إذ تعد مورداً رئيسيًا لتمويل العمليات العسكرية وتوسيع نطاقها، إضافة إلى مساهمتها في الإيرادات الوطنية.
وتعهدت قوات الدعم السريع بتأمين وحماية المنشآت النفطية الحيوية في المنطقة لضمان مصالح دولة جنوب السودان، التي تعتمد بشكل كبير على موارد النفط المتدفقة عبر الأراضي السودانية إلى الأسواق العالمية، مؤكدًا توفير الحماية اللازمة للفرق الهندسية والفنية والعاملين في المنشآت النفطية، بما يوفر لهم بيئة آمنة لأداء مهامهم.
وجددت قوات الدعم السريع التزامها بالهدنة الإنسانية المعلنة من جانبها، مع احتفاظها بحق الدفاع عن النفس، مشددة على حرصها على حماية الموارد الاقتصادية الحيوية وضمان استمرار الإنتاج النفطي.
ويضم إقليم غرب كردفان أكبر حقول النفط في السودان، ويعد أكبر معقل للثروة الحيوانية والصمغ العربي، وتنتج منطقة هجليج في الظروف الطبيعية نحو 600 ألف برميل نفط يوميًا، مما يجعلها مصدرًا رئيسيًا لإيرادات السودان.
كما يشكل الإقليم معبرًا حدوديًا استراتيجيًا يربط السودان بعدد من دول الجوار، بما فيها تشاد وليبيا وجنوب السودان، ويشهد تقاطعًا لخط سكك حديدية يربط المدن الرئيسية كوستي ونيالا وواو.
ويأتي هذا التطور بعد سيطرة قوات الدعم السريع على إقليم دارفور في 26 أكتوبر الماضي، لتتركز المعارك لاحقًا في إقليم كردفان، ما أسفر عن سيطرتها على بابنوسة ومناطق واسعة، فيما يمثل الإقليم، إلى جانب دارفور، نحو نصف مساحة البلاد ويعيش فيه نحو 30 بالمئة من السكان، كما يضم حوالي 35 بالمئة من الموارد الاقتصادية السودانية.
منظمة الصحة العالمية: مقتل 114 شخصاً بينهم 63 طفلاً بهجوم على روضة في جنوب كردفان بالسودان
أعلنت منظمة الصحة العالمية، الاثنين، مقتل 114 شخصاً بينهم 63 طفلاً في هجوم عنيف استهدف روضة أطفال بولاية جنوب كردفان في السودان، واستمر الهجوم أثناء محاولة إسعاف المصابين ونقلهم إلى مستشفى مجاور.
وأكد المدير العام للمنظمة، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، في بيان صادر اليوم، أن الهجمات شملت قصفاً متكرراً على الروضة بأسلحة ثقيلة، ثم استهداف المسعفين والمدنيين الذين كانوا يحاولون إنقاذ الجرحى، مشيراً إلى نقل الناجين لاحقاً إلى منشأة طبية أخرى مع إطلاق نداءات عاجلة لتوفير الإمدادات الطبية والدم.
وأدانت جامعة الدول العربية، الأحد، الانتهاكات الخطيرة بحق المدنيين في إقليم كردفان السوداني، مطالبة بإجراء تحقيقات مستقلة وشفافة، وحملت المسؤولية القانونية والجنائية عن أعمال القتل والعنف في مجزرة مدينة كلوقي للمسؤولين عنها، محذرة من استمرار الانزلاق الخطير للأوضاع وتحول العنف إلى ممارسة ممنهجة يهدد الأمن والاستقرار في السودان.
وأكد رئيس مجلس السيادة الانتقالي والقائد العام للقوات المسلحة السودانية، الفريق أول الركن عبد الفتاح البرهان، ضرورة صياغة الدولة السودانية من جديد وفق أسس حقيقية، مشدداً على عدم قبول أي حل لا يفكك قوات الدعم السريع ويجردها من سلاحها، واصفاً الحرب بأنها أثرت على جميع السودانيين وخلّفت مأساة خاصة في الفاشر، مؤكداً أن الحل الوحيد يكمن في زوال الميليشيات.
وشهد السودان منذ أبريل 2023 اشتباكات عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع، مع محاولات كل طرف السيطرة على مقار حيوية، وتوسطت أطراف عربية وأفريقية ودولية لوقف إطلاق النار دون التوصل لوقف دائم، ما أدى إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح نحو 13 مليون شخص، وبعضهم إلى دول الجوار، الأمر الذي تسبب بأزمة إنسانية تعد من الأسوأ في العالم بحسب الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.