بمناسبة الذكرى المئوية لولادة الشاعر السوري الكبير نزار قباني؛ صدر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، كتاب (نزار قباني أيقونة الحب السورية... "كتابات عربية للذكرى") إعداد وتقديم: إياد مرشد.

كان نزار،  الملقب بشاعر النساء، وما زال حتى هذه اللحظة، أكثر الشعراء العرب المعاصرين حضوراً في الذائقة الشعرية العامة، إذ أدخل الشعر في نسيج الحياة الاجتماعية، وقرّب كثيراً بين الشاعر والمغني، ووضع الشاعر في منزلة نجوم الفن ونجوم المجتمع، وسيبدو بعد رحيله أن الشعر العربي المعاصر قد أصبح أقل حضوراً في الحياة العامة، لأن حضور الشاعر على مستوى الأجيال، وعلى مختلف المستويات الثقافية والاجتماعية، لم يحققه أي شاعر كما حققه نزار.

إذ يصح أن نطلق عليه لقب "شاعر الإجماع"، وشاعر الجميع دون أن نتوقف، كما فعل قباني، عند أسئلة الحداثة الشعرية المعقدة. لقد جعل الشعر أبسط وأسهل، وأدرجه في متناول الجميع.
 

كتاب (نزار قباني أيقونة الحب السورية... "كتابات عربية للذكرى") إعداد وتقديم: إياد مرشد. صادر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب 2023.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: نزار قبانى الشعراء العرب الهيئة العامة السورية للكتاب نزار قبانی

إقرأ أيضاً:

الحب في زمن التوباكو (9)

 

 

مُزنة المسافر

جوليتا: دو، ريه، مي، فا، فا فا... كنتُ أنسجُ الدرجات النغمية بتتابعية، كانت تتراقص أمامي في خفة غير معتادة، فصرتُ أتعلمُ الصمت والصوت بشكل مختلف، لم أحفظ الأغنيات، ولم أضع في قلبي الأمنيات؛ بل كنت أقول الأشياء في غير مهل، إنها تتحرك من الورق، تخرج من الجسر الذي وضعته لها في خطوط متناغمة، اثبتي داخل السلم الموسيقي، ابقي أيتها الصغيرة لا ترقصي أو تهربي، انتظري حتى تكبري قليلًا وتصبحي بجانب قريناتك.

قاطعتني عمتي حين قدمت لي قطع البسكويت، وقالت إن جارنا يقول إن الغرباء قد ازدادت أعدادهم في المنطقة، والمسرح لم يعد آمنًا، وأنه لابد أن يكون هنالك حارس يحرس المكان، أو أحد رجال الدَرَك.

جوليتا: يا عمَّتي لسنا بحاجة إلى حارس يحرس المكان والأشياء.

ماتيلدا: أغلى ما نملُك هو كرامتنا يا جولي، لكن هذا ما قاله الجار.

تعرفين يا جولي، أن الحراس في الماضي لم يكن لهم وجود، كُنَّا نحرُس الأشياء بحُبنا الكبير لها، وبقلوبنا الصادقة، لم نسهوا عن شيء ولم نغفُل عن أمر.

أتذكر جيدًا أنه حين كنتُ أعبرُ الطريق، وأرغبُ في أن أقطعه، قَطَعَ الطريقَ شابٌ وسيمٌ، كان كثيف الشعر، وعيناه تقولان بالمكر والجرأة، وجعلني أتعثرُ لكنه اعتذر، زعقتُ في وجهه وكرَّر لي أسفه وساعدني على أن أحمل حقيبتي. كان في يده بضعة كُتب، فعرفتُ أنه طالبٌ جامعي، تبعني لاحقًا إلى متجر الملابس، دخل المتجر وقدم لي أحمر الشفاة، الذي سقط من حقيبتي.

الشاب: نسيتِ هذا الشيء، أتعرفين.. لا أضع أحمر الشفاة على وجهي!!

ماتيلدا: شكرًا.

قلتُ له شكرًا ببرودٍ كبير، وحين انتبهت للَّمعة التي وُجدتها في عينيّه شكرته أكثر وهمست في نفسي الربما التي جعلتني أدعوه لاحتساء القهوة معي.

ماتيلدا: ربما قد يهمك أن نحتسي القهوة معًا في مكانٍ ما؟

ألبيرتو: سأقبلُ بسرور كبير، اسمي ألبيرتو.

في المقهى شرح لي ألبيرتو العلوم السياسية التي يدرسها، شرح لي عن بلادنا في الماضي وعن التاريخ وعن أمجاد الآخرين.

لم تهمُّني أبدًا أفكاره وآراءه في تلك اللحظة، كان يعنيني لطفه فقط، استغربَ الشاب من أنني لا أهتمُ بدنيا أخرى غير المسرح الذي اعتلي خشبته بسعادةٍ، قلتُ له يهُمُّني أن أغنِّي جيدًا في المسرح لأنها لقمة عيشي، وأن صوتي لا يُمكن له أن يختفي، لا بُد أن يكون واضحًا وضوح الشمس، وأن الحياة لا بُد أن نعيشها يومًا بعد يومٍ بفرحٍ كبيرٍ.

كان ألبيرتو لطيفًا، فَطِنًا، مخايل الذكاء، ماكرًا مكر الثعالب، وغالبًا لأصحابه في الشطرنج، وكان يقرأ بنهمٍ شديد، ويسمع الچاز الأمريكي، ويشرح لي عن بلدانٍ قد زارها ويضع خريطةً ما أمامي، ويخبرُني أنه في هذا المكان حدث كذا وكذا.

وكنتُ أشعرُ بالنعاس، ويظهر على وجهي التعب من أفكاره، وكان يعزفُ الغيتار والهرمونيكا، كان مُسليًا للغاية، كان يُخبرني أنه لا يوجد بيننا أي خطٍ وهميٍّ يفصل بين أفكارنا وأحلامنا ومشاعرنا، وأن قلوبنا بحر عظيم بموج جامح، وأن عيوننا تنظر للسماء دائمًا في انتظار عاصفة. كان جموحه وطموحه يظهران على شخصيته، وكان حُلمه الأهم أن يُهاجر إلى العالم المُتقدِّم، وكان يُخبرني أن أصدقاءه قد تبعوه هناك، وأنهم بانتظاره الآن يُكمل فصلًا أخيرًا في الجامعة وينضم إليهم.

 

وسألني سؤالًا غريبًا: هل بإمكاني أن أحرُس قلبك؟

 

مقالات مشابهة

  • تساقط الشعر.. الأسباب وطرق العلاج
  • جدل انفصال أحمد السقا ومها الصغير يكشف حقائق جديدة وراء الكواليس
  • الداخلية السورية تعلن شن عملية جديدة ضد خلية تابعة لتنظيم الدولة
  • “شقيقتي فاجأتني”.. مكالمة هاتفية تُفجر أسراراً في قصة طلاق السقا
  • البنك المركزي يكشف حقيقة نيته طباعة عملة جديدة
  • رحيل الشاعر ياسين البكالي بعد رحلة إبداعية مع الحرف والقصيدة
  • الحياة اليوم يكشف ثورة تطوير مصانع الأدوية في مصر
  • الحب في زمن التوباكو (9)
  • موفق محمد .. لسان حال الناس
  • طبيب يحصل على الميدالية الذهبية في معرض جنيف الدولي للاختراعات.. فيديو