انطلق فجأة صوت جندي يتحدث باللغة العربية بواسطة مكبر الصوت "بسرعة... بسرعة... في طابور منظم"، وكان يطلب من النازحين الذين تجمعوا قرب نقطة عسكرية نصبها الجيش الإسرائيلي في شارع صلاح الدين الذي يربط بين محافظات جنوب قطاع غزة وشماله.

ووقف النازحون الفارون من القصف الإسرائيلي المكثف على مدينة غزة في طابور طويل وحملوا الرايات البيضاء وهم يستعمون لتعليمات الجندي الذي يتحدث معهم بواسطة مضخم صوت ويقول لهم "يجب على الجميع النظر نحو اليسار، ارفعوا بطاقات الهوية واحداً تلو الآخر".

الممر الآمن ثكنة عسكرية وعلى شارع صلاح الدين من جهة الجنوب وبالتحديد بعد وادي غزة، وهو آخر الحدود الجغرافية لمدينة غزة، تمركز الجيش الإسرائيلي وشيد ثكنة عسكرية كبيرة على جانبي الطريق وتمتد لبضعة أمتار ونصب حاجز تفتيش في وسط الطريق.

ولم يعد الطريق مجرد شارع ممهد بل تحول إلى مسالك ملتوية بسبب التلال الرملية التي أوجدها الجيش، ولا تصلح هذه المسالك لمرور السيارات ولا يستطيع أن يمشي فيها شخصين إلى جانب بعضهما بل هي مخصصة لمرور نازح واحد فقط.

وفي الثكنة العسكرية تقف الدبابات قرب النازحين وتوجه فوهة مدفعيتها نحوهم، وعلى كثبان رملية يتمركز جنود إسرائيل ويصوبون أسلحتهم نحو المشردين الذين يمرون من حاجز عسكري ضيق يتلف حوله أسلاك شائكة.

وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) فإن نقاط التفتيش غير المأهولة التي نصبها الجيش الإسرائيلي في الممر الآمن جرى فيها تركيب نظام مراقبة يمكنه التعرف على وجوه النازحين. ممر النجاة المذل ومن بين الأشخاص الذين قرروا النزوح في وقت متأخر ولم يستجيبوا لأوامر إسرائيل في إخلاء مدينة غزة عند صدورها كانت سوزان بصل التي خرجت مع عدد من المصابين والنازحين قسراً من شمال غزة نتيجة القصف على منطقة سكنها.

واتجهت نحو الجنوب عبر طريق صلاح الدين وسلكت مسار الممر الآمن الذي حدده الجيش، وتقول سوزان "كنت أعتقد أنه ممر النجاة لكني وجدته طريق الموت والذل حيث كانت المركبات محظورة يسمح فقط الذهاب سيراً على الأقدام لمسافة تزيد على 14 كيلومتراً".

 وسوزان واحدة من بين 20 شخصاً أدلوا بشهاداتهم لـ "اندبندنت عربية" التي وصلت أقرب نقطة ممكنة تسمح للصحافيين الفلسطينيين في قطاع غزة إلى الوصول إليها قرب الحاجز العسكري الإسرائيلي.

وفور قطع النازحين ممر النجاة أو ممر الموت كما يسميه الفارون من شمال غزة أو الممر الإنساني الآمن بحسب ما يطلق عليه الجيش الإسرائيلي، تقول سوزان "يمضي الهاربون من القصف أفواجاً رافعين رايات بيضاء على طول الطريق الممتلئ بالدبابات والجنود والقناصة الذين يعتلون المباني".

تفتيش عار وتضيف، "على الحاجز طلب مني الجندي الخروج من الطابور ووضع حقائبي على كومة من الوحل، بما في ذلك الذهب الذي ألبسه في يدي ثم وجهني النزول إلى حفرة في المكان وأمرني بخلع جميع ملابسي حتى الداخلية، واستمر الحال لأكثر من ساعة وتم التحرش بي لفظياً".

 وتكمل سوزان، "خلعت ملابسي بعد التهديد بالقتل وكان الجو بارداً وأمام الجميع لم يوجه الجنود لي أية أسئلة عن حركة ’حماس‘ ولا عن الوضع في قطاع غزة، ولم يكن أمامي سوى الامتثال لأوامر الجنود".

وبعد أن أُطلقت سوزان أكملت مشيها من دون أن يأذن لها الجيش بأخذ حقائبها ومجوهراتها ومشت أمام الدبابات مؤكدة أنها قطعت 14 كيلومتراً في ممر غير إنساني من أجل النجاة بروحها واستغرق طريقها أكثر من 10 ساعات. إطلاق نار وبحسب شهادة النازح تامر العجلة فإن القناصة أطلقوا عليه النار، وما إن وصل محيط الدبابات حتى بدأت المعدات العسكرية بنثر التراب على النازحين ومن ثم بدأوا بمناداة بعضهم وطلبوا من عدد من الشباب خلع جميع ملابسهم بالكامل أمام المشردين.

يقول تامر، "طلبوا مني النزول في حفرة وجرى التحقيق معي وفصلي عن أهلي، وشاهدت الجنود يطلقون النار على شاب لم أعرف مصيره، كما أجبروا ستة أشخاص أن يركعوا لعلم دولة إسرائيل تحت تهديد السلاح"، مضيفاً "أمروني بالسير بين سيارات متفحمة وأسلاك كهربائية متدلية فوق شوارع مهدمة وعلى جثث قتلى مجهولين الهوية، وبعد ذلك تعرضت للضرب لأنني قررت أن أمشي في ممر اعتقدت أنه ممر النجاة لكنه كان الجحيم".

ويتابع تامر، "الجنود يقتلون النازحين ويعتبرونهم أرقاماً لا تملك أحلاماً ولا قصصاً، ولقد سمعت أطفالاً يصرخون وشاهدت جثثاً كثيرة، وحاول أحد النازحين النزول لجثمان وتفقده فأطلق الجنود النار عليه ولا أعرف مصيره". "أيها العجوز أنزل أولادك" ومن بين النازحين الذين نجوا بأنفسهم من ممر الذل الإنساني العجوز كايد خرمة الذي يقول "كنت أحمل أحفادي بالتناوب مع والدهم وأسير وأنا مرهق من المسافة الطويلة التي لا يوجد بها أي وسيلة مواصلات، وعلى ظهري حقيبة ملابس".

"أيها العجوز الذي معه أطفال... أنزل أولادك على الأرض وتعال". هكذا نادى الجندي على الجد كايد فاستجاب لأوامره، "طلب مني الوقوف قرب دبابة وأمرني أن أرفع قدماً واحدة وكلتا يدي في الهواء".

 ويضيف، "طلب الجندي من باقي عائلتي الاستمرار في السير وعدم انتظاري، لقد سقط قلبي خوفاً وظننته سيقتلني لكنه تعامل معي بذل شنيع وطلب مني خلع سروالي وسألني أسئلة جنسية مشينة".

وبعد ساعة سمح الجندي للجد كايد بمواصلة طريقه لكن من دون أن يكون معه هاتفه المحمول ولا حقيبة ملابسه، ويشير إلى أنه لا يعرف أين ذهبت أسرته ولا يحفظ أرقام هواتفهم ليتصل بهم.

وبحسب شهادة الجد كايد فإن إسرائيل ترصد وجوه النازحين بنظام تكنولوجي متطور، موضحاً أن الجنود أطلقوا النار على أشخاص في طابور المشردين وقتلوا أحدهم ومن حوله في عملية أشبه بالإعدام الجماعي.

ووفقاً للأمم المتحدة فإنها استمعت هي الأخرى إلى شهادات نازحين قالوا إنهم تلقوا تعليمات لإظهار بطاقات الهوية وأن نظاماً تكنولوجياً يعمل على مسح الوجوه ضوئياً كان معلقاً في الحاجز العسكري الذي نصبته إسرائيل في الطريق الآمن الذي تحول إلى ممر ذل وموت

المصدر: مأرب برس

إقرأ أيضاً:

35 شهيداً بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة اليوم

القدس المحتلة-سانا

استشهد 35 فلسطينياً اليوم، وأصيب العشرات بنيران الجيش الإسرائيلي، في مناطق متفرقة من قطاع غزة، بينهم 21 من منتظري المساعدات الإنسانية.

وذكرت وكالة وفا الفلسطينية، أن الجيش الإسرائيلي أطلق الرصاص صوب منتظري المساعدات الإنسانية غرب مدينة رفح جنوب القطاع، ومفترق الشهداء وسطه، ما أدى إلى استشهاد 21 فلسطينياً وإصابة العشرات.

كما قصف الطيران الإسرائيلي أحياء الزيتون والتفاح والشجاعية في مدينة غزة، ما أدى إلى استشهاد 11 فلسطينياً وإصابة آخرين.

وفي مدينة خان يونس جنوب القطاع، قصف الطيران الإسرائيلي خيمة تؤوي نازحين في منطقة المواصي، ما أسفر عن استشهاد ثلاثة فلسطينيين.

وبحسب مصادر طبية، ارتفعت حصيلة الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، منذ السابع من تشرين الأول عام 2023، إلى 55908 شهداء وإصابة 131138 آخرين.

ويشن الجيش الإسرائيلي حرباً شاملة على قطاع غزة، تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلاً النداءات الدولية كافة وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.

تابعوا أخبار سانا على 

مقالات مشابهة

  • الجيش الإسرائيلي يُصدر أوامر إخلاء لعدة مناطق شمال قطاع غزة
  • الجيش الإسرائيلي يرسل تحذيرا جديدا لسكان وسط طهران
  • عاجل الجيش الإسرائيلي يشن هجومًا على مقر قيادة للحرس الثوري في طهران
  • الجيش الإسرائيلي يدعو المواطنين للدخول إلى الأماكن المحمية بعد رصد صواريخ إيرانية
  • الجيش الإسرائيلي يعلن إطلاق صواريخ من إيران ويحذر السكان
  • عاجل.. الجيش الإسرائيلي: عطلنا القدرة التشغيلة لستة مطارات عسكرية في وسط وشرق وغرب إيران
  • الجيش الإسرائيلي: قصفنا 6 مطارات ايرانية
  • الجيش الإسرائيلي يتحسّب لاحتمال دخول حزب الله إلى الحرب
  • عاجل | إذاعة الجيش الإسرائيلي: سلاح الجو يهاجم منطقة تبريز شمال غرب إيران
  • 35 شهيداً بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة اليوم