تحوّلت الحرب الأخيرة على غزة إلى ساحة اختبار لتقنيات الذكاء الاصطناعي في ميادين القتال، في مشهد قد يُنذر بمستقبل الحروب في عصر الذكاء الاصطناعي. اعلان

اسخدمت الدولة العبرية في حربها على غزة مزيجًا غير مسبوق من أنظمة الذكاء الاصطناعي، بعضها مدعوم من شركات تكنولوجيا أمريكية عملاقة، لتحديد الأهداف، وتوجيه الضربات، ومراقبة السكان.

وبينما تنكر تل أبيب بعض الادعاءات، فإن تقارير صحافية وتحقيقات لمنظمات غير ربحية تقدم صورة مختلفة تمامًا.

أنظمة تولّد أهدافًا.. وقرارات قتل آلية

في عام 2021، دخل مصطلح "الإنجيل" قاموس الحروب الحديثة. كان هذا الاسم الرمزي لنظام ذكاء اصطناعي استخدمته إسرائيل خلال حربها التي استمرت 11 يومًا ضد غزة، والتي وصفها الجيش الإسرائيلي بأنها "أول حرب تعتمد على الذكاء الاصطناعي".

يقوم "الإنجيل" بتحليل بيانات المراقبة وصور الأقمار الصناعية ومحتوى مواقع التواصل الاجتماعي لتوليد قائمة سريعة بالمباني المرشّحة للقصف. ومنذ ذلك الوقت، تسارعت وتيرة التطور في هذا المجال بشكل غير مسبوق.

وقد اعتمد الجيش أيضًا على برنامجين آخرين: "الكيميائي" الذي يرسل تنبيهات عند رصد "حركات مريبة"، و"عمق الحكمة" المخصص لتحديد شبكة أنفاق غزة، ويُقال إن كليهما لا يزال قيد الاستخدام حتى اليوم.

فلسطينيون يسيرون قرب مبانٍ مدمّرة في مخيم الشاطئ بمدينة غزة، بعد اتفاق حماس وإسرائيل على هدنة تشمل إطلاق سراح الرهائن المتبقّين، الأحد 12 أكتوبر 2025. Abdel Kareem Hana/ AP

لكن التطور الأخطر تمثّل في نظام "لافندر"، الذي يُنتج فعليًا "قائمة قتل" للفلسطينيين عبر تقييم احتمال انتماء كل شخص إلى جماعة مسلّحة. فإذا كانت النسبة مرتفعة، يُدرج اسمه ضمن الأهداف العسكرية.

ووفقًا لتقرير مجلة "+972" الإسرائيلية، "اعتمد الجيش بشكل شبه كامل" على هذا النظام في الأسابيع الأولى من الحرب الأخيرة، رغم علمه بأنه يخطئ في تحديد المدنيين كإرهابيين. ورغم اشتراط الموافقة البشرية على قراراته، كشف التقرير أن "التحقق" كان يقتصر غالبًا على التأكد من كون الهدف رجلًا فحسب.

كما أشار ضباط استخبارات إلى برنامج آخر يُعرف باسم "أين الأب؟"، صُمم لاستهداف الأفراد في منازلهم العائلية، إذ قال أحدهم للمجلة: "كان الجيش يقصف عناصر حماس في منازلهم دون تردد، كخيار أول، والنظام صُمم لتسهيل ذلك".

المراقبة الرقمية في خدمة الحرب

لم يقتصر استخدام الذكاء الاصطناعي على ميدان القتال، بل امتد إلى فضاء المراقبة الرقمية، فقد كشفت صحيفة "ذا غارديان" في آب/أغسطس أنّ إسرائيل خزّنت وسجّلت مكالمات الفلسطينيين عبر منصة "Azure" التابعة لمايكروسوفت.

وبعد احتجاجات واسعة، أعلنت الشركة الشهر الماضي قطع بعض خدماتها عن وحدة في الجيش الإسرائيلي، ورغم نفي مايكروسوفت معرفتها المسبقة، ذكر التقرير أن المدير التنفيذي ساتيا ناديلا التقى عام 2021 برئيس عمليات التجسس في الجيش الإسرائيلي لبحث استضافة البيانات الاستخباراتية على سحابة الشركة.

وبحسب تحقيق لوكالة "أسوشييتد برس"، استخدم الجيش الإسرائيلي نماذج ذكاء اصطناعي متقدمة من شركة "OpenAI" عبر خدمات مايكروسوفت السحابية لترجمة الاتصالات، خصوصًا بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، مع ارتفاع وتيرة العمليات العسكرية.

وخلال العامين الماضيين، أودت الحرب بحياة أكثر من 67 ألف فلسطيني، بينهم ما يزيد على 20 ألف طفل. وبحسب تحقيق أجرته وكالة رويترز، فقد أُبيدت بالكامل أكثر من 1,200 عائلة حتى آذار/مارس 2025.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

المصدر: euronews

كلمات دلالية: إسرائيل دونالد ترامب حركة حماس غزة أسرى قطاع غزة إسرائيل دونالد ترامب حركة حماس غزة أسرى قطاع غزة الولايات المتحدة الأمريكية الذكاء الاصطناعي قطاع غزة إسرائيل تجسس الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيل دونالد ترامب حركة حماس غزة أسرى قطاع غزة دراسة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الضفة الغربية فرنسا احتجاز رهائن فلسطين الذکاء الاصطناعی الجیش الإسرائیلی

إقرأ أيضاً:

مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي تستهلك الأرض

في زمنٍ أصبح فيه الذكاء الاصطناعي قلب التحول التكنولوجي العالمي، تتوسع مراكز البيانات بوتيرة مذهلة لتلبية الطلب المتزايد على قدرات المعالجة والتخزين، إلا أن هذه الطفرة التقنية لا تأتي دون ثمن، إذ تسببت في ضغط غير مسبوق على مصادر الطاقة والمياه، وأصبحت عبئًا بيئيًا يهدد استدامة الموارد في العديد من الدول.

فمع توسع تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي — مثل شات جي بي تي وكوبيلوت وميدجورني — زادت الحاجة إلى وحدات معالجة الرسومات (GPU) العملاقة، وهي الشرائح التي تُعد العمود الفقري في عمليات التعلم العميق، هذه الشرائح تستهلك كميات هائلة من الطاقة وتنتج حرارة كثيفة، ما أدى إلى مضاعفة استهلاك مراكز البيانات للكهرباء والمياه في غضون سنوات قليلة فقط.

 سباق الرقائق والطلب الجشع على الطاقة

يشير خبراء صناعة الرقائق إلى أن الذكاء الاصطناعي بات عنصرًا لا غنى عنه في مختلف الصناعات، من الرعاية الصحية إلى الأمن والتمويل، ما يدفع الشركات لبناء مراكز بيانات ضخمة قادرة على استيعاب أحمال المعالجة المتزايدة.

لكن المشكلة تبدأ من جوهر البنية التقنية نفسها. فبينما كانت وحدات المعالجة المركزية (CPU) تُصمم لمعالجة المهام بالتتابع وبكفاءة عالية في استهلاك الطاقة، فإن وحدات معالجة الرسومات (GPU) تعتمد على آلاف النوى الصغيرة التي تعمل بالتوازي، ما يجعلها أكثر قدرة على التعامل مع نماذج الذكاء الاصطناعي، ولكن على حساب استهلاك طاقة هائل.

ويؤكد فيل بور، رئيس قسم المنتجات في شركة Lumai البريطانية، أن كل جيل جديد من وحدات معالجة الرسومات يستهلك قدرًا أكبر من الكهرباء مقارنة بسابقه، مضيفًا أن كلما زادت قوة الرقاقة، زاد استهلاكها للطاقة بشكلٍ غير متناسب.

تقرير صادر عن مختبر لورانس بيركلي الوطني في عام 2024 كشف عن قفزة حادة في استهلاك الطاقة داخل مراكز البيانات الأمريكية، حيث ارتفع من 76 تيراواط/ساعة عام 2018 إلى 176 تيراواط/ساعة بحلول عام 2023. وإذا استمر النمو بالوتيرة نفسها، فقد يصل إلى 12% من إجمالي استهلاك الكهرباء في الولايات المتحدة بحلول ثلاثينيات هذا العقد.

 الحرارة الزائدة: معركة التبريد المستحيلة

الحرارة الناتجة عن تشغيل مراكز البيانات ليست مجرد تحدٍ هندسي، بل أزمة طاقة قائمة بحد ذاتها. فكل رقاقة تعمل تولد حرارة يجب التخلص منها للحفاظ على كفاءتها. ووفقًا لإرشادات الجمعية الأمريكية لمهندسي التدفئة والتبريد (ASHRAE)، يجب أن تبقى درجة حرارة غرف الخوادم بين 18 و27 درجة مئوية، وهو ما يتطلب أنظمة تبريد معقدة تستهلك كميات ضخمة من الكهرباء والمياه.

تعتمد معظم المراكز على أنظمة تبريد تبخيرية تستخدم المياه لتقليل الحرارة، وهي عملية فعالة لكنها مكلفة بيئيًا. فكل لتر من الماء المتبخر لتبريد الخوادم يُفقد من دورة المياه الطبيعية، وغالبًا لا يُعاد تدويره.

بحسب بيانات مختبر بيركلي، ارتفع استهلاك المياه في مراكز البيانات الأمريكية من 21 مليار لتر عام 2014 إلى أكثر من 66 مليار لتر في 2018، وقفز إلى نحو 55 مليار لتر لمرافق الذكاء الاصطناعي وحدها عام 2023. وتشير التقديرات إلى أن هذا الرقم قد يتضاعف إلى أكثر من 120 مليار لتر بحلول عام 2028.

وتحذر دراسة صادرة عن مجلة Environmental Research Letters من أن نحو خمس هذه المراكز تقع في مناطق تعاني أصلًا من ندرة المياه، مما يجعلها منافسًا مباشرًا للسكان والزراعة على الموارد المائية.

 التلوث الكيميائي والبصمة الخفية

ما يزيد الطين بلة أن المياه المستخدمة في تبريد المراكز غالبًا ما تُعالج بمواد كيميائية لمنع الصدأ ونمو البكتيريا، ما يجعلها غير صالحة لإعادة الاستخدام أو الزراعة.

ويقول خبراء من جامعة تكساس إن مراكز البيانات تسحب فعليًا مياه الشرب من الدورة المحلية وتفقدها نهائيًا، إذ تذهب أغلبها إلى محطات الصرف الصحي دون إمكانية استرجاعها.

كما لا يقتصر استنزاف المياه على أنظمة التبريد المباشرة فقط، بل يمتد إلى عمليات توليد الكهرباء نفسها. فكل ميجاواط/ساعة من الطاقة المستهلكة لتشغيل هذه المراكز يحتاج في المتوسط إلى 7 أمتار مكعبة من المياه في عمليات التبريد بالمحطات الكهربائية، ما يعني أن البصمة المائية غير المباشرة قد تكون أضعاف الاستهلاك الفعلي داخل المراكز.

 البحث عن بدائل أكثر استدامة

أمام هذا الوضع، تتجه كبرى الشركات إلى حلول مبتكرة لتقليل استهلاك الطاقة والمياه.
من بين هذه الحلول التبريد السائل، الذي يُستخدم فيه نظام حلقة مغلقة تمر فيها سوائل التبريد مباشرة عبر شرائح المعالجة لتقليل الحرارة بكفاءة أعلى من التبريد الهوائي التقليدي.

تقول تقارير من مايكروسوفت إن تقنية التبريد بالموائع الدقيقة أثبتت فاعليتها في المختبر، إذ تمكنت من تقليل حرارة الشرائح بنسبة تصل إلى 65% مقارنة بالطرق التقليدية.

في البرتغال، يُعد مشروع ستارت كامبس نموذجًا فريدًا لاعتماد أنظمة تبريد تعتمد على مياه البحر، حيث يستخدم نحو 1.4 مليون متر مكعب يوميًا لتبريد المرافق، مع إعادة المياه إلى المحيط بدرجة حرارة مماثلة، دون فقدان يُذكر.

أما الحل الأكثر طموحًا فيأتي من الطاقة الحرارية الأرضية، التي بدأت شركات مثل ميتا وسيج جيوسيستمز بتجربتها لتشغيل مراكز بياناتها بقدرة تصل إلى 150 ميجاواط اعتبارًا من عام 2027، وهو ما قد يغطي 60% من الطلب المتزايد على الطاقة في العقد المقبل.

 ما بعد الأجهزة: مسؤولية الشفافية والذكاء في التصميم

رغم أهمية التقنيات الجديدة، يرى الخبراء أن الحل الحقيقي يبدأ من الشفافية. فشركات الذكاء الاصطناعي مطالبة بالكشف عن استهلاكها للطاقة والمياه والانبعاثات الناتجة عن عملياتها. يقول الدكتور فيجاي جاديبالي، كبير العلماء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إن القطاع يبني منشآت أكبر دون أن يسأل: هل نحتاج فعلًا إلى هذا الحجم من القوة الحسابية؟.

ويشير إلى أن الكثير من مراكز البيانات تعمل بكفاءة منخفضة، إذ تُهدر طاقة هائلة في عمليات غير ضرورية أو في تشغيل نماذج ذكاء اصطناعي ضخمة يمكن استبدالها بأخرى أصغر وأكثر كفاءة دون فقدان الأداء.

فبدلًا من تقطيع الهامبرجر بمنشار كهربائي، كما وصفها جاديبالي، يمكن تدريب نماذج أخف وزنًا قادرة على تحقيق النتائج نفسها بطاقة أقل، مما يحد من الضغط على الشبكات الكهربائية والمياه.

الثورة في الذكاء الاصطناعي تقود العالم نحو مستقبل رقمي واعد، لكنها في الوقت ذاته تُحدث أزمة بيئية لا يمكن تجاهلها. فمراكز البيانات التي تُغذي خوارزمياتنا اليومية باتت تستهلك كميات هائلة من الطاقة والمياه، وتفرض أعباء متزايدة على كوكب يعاني أصلًا من شح الموارد.

ومع اتساع استخدام الذكاء الاصطناعي في كل مجالات الحياة، يبدو أن السؤال لم يعد كيف نبني مراكز بيانات أكبر؟ بل كيف نجعلها أكثر ذكاءً واستدامة؟
فمن دون هذا التوازن، قد تتحول الثورة الرقمية إلى عبء بيئي يهدد مستقبل التكنولوجيا والبشر معًا.

مقالات مشابهة

  • مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي تستهلك الأرض
  • «هاكاثون» لتطوير الذكاء الاصطناعي في طب العيون
  • هل يُعيد الذكاء الاصطناعي صياغة بيئة التعلم؟
  • الجيش الإسرائيلي يتسلم الدفعة الأخيرة من الرهائن الأحياء من قطاع غزة
  • يديعوت أحرونوت: صدام بين الجيش والمالية في إسرائيل يكشف خسائر فادحة للاقتصاد
  • يديعوت أحرونوت: صدام بين الجيش الإسرائيلي والمالية يكشف حجم الخسائر
  • الذكاء الاصطناعي سرّع تفشّيها.. كيف تميّز بين الحقائق والمعلومات المضللة؟
  • جوجل تعيد ابتكار البحث بالصور عبر الذكاء الاصطناعي
  • هل اقتربنا من سيناريوهات انفجار الذكاء الاصطناعي؟