بقلم: فالح حسون الدراجي ..

أرسل لي في الأسبوع الماضي، صديقي العزيز، (الرفيق الشيوعي) أبو علي الوحيلي، صورة تجمعني بالصديق الراحل مؤيد محمد صالح ابن شقيقة الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم، والأخ عوف عبدالرحمن العطار منسق التيار القاسمي في الكرخ، وقد التقطت هذه الصورة -التي يجدها القارئ أسفل المقال- قبل سنوات وتحديداً في ذكرى ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة.

. وحين رأيت الصورة، لم أسأل أبا علي عن سبب إرسالها لي، لأن أبا علي معروف بطيبة قلبه وحبه ومودته لرفاقه واصدقائه.. لكن الأمر أصبح مختلفاً عندما تلقيت ذات الصورة وفي اليوم ذاته أيضاً من عدة أصدقاء ورفاق، من بينهم الرفيق العزيز حجاز بهية عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي والمناضل جاسم الحلفي -الذي لايحتاج لتوصيف أو تعريف- مما جعلني في حيرة، ودفعني للإتصال بالرفيق (أبو علي الوحيلي) واسأله عن سبب ارسال هذه الصورة هذا اليوم ؟

فأخبرني أنه أرسلها، بعد أن وجدها منشورة في صفحات بعض محبي الزعيم، بمناسبة عيد ميلاده.. وقد أحب أن يبعثها لي، ويذكرني أيضاً بالمناسبة، متمنياً عليّ كتابة مقال عن هذا القائد .. فوعدته بكتابة المقال في أول عدد قادم.

وها أنا اليوم أجلس خلف الكيبورد لأكتب المقال الموعود عن الزعيم عبد الكريم قاسم، ولكن ماذا أكتب عن هذا الرجل، وأي الصفات التي أصفه بها، وهو أكبر من كل مقال؟!

أأقول عنه (رجل وطني) مثلاً، وهو الرجل الذي تتشرف به الوطنية، أم أقول (لقد كان بطلاً)، وهو الذي سعت البطولة اليه بقدميها، ومنحته أرض (فلسطين) وثيقة تفوقه في درس البطولة حين دافع عنها مع جنوده ملحقاً الهزيمة بالصهاينة في (كفر قاسم) قبل خمسة وسبعين عاماً؟!.

هل أكتب عن عفوه المقتدر وسماحته النقية، وهو الذي أطلق مقولة (عفا الله عما سلف)، حتى صارت هذه العبارة قانوناً عراقياً اخلاقياً (قاسمياً).. أم أكتب عن نزاهته، وهو أول وآخر رئيس دولة يترك لعائلته إرثاً عظيماً مقداره دينار واحد فقط، (أكرر دينار واحد فقط) !

هل أكتب عن تواضعه الذي صار مضرب أمثال، أم أكتب عن شجاعته التي أدهش بها قتلته البعثيين حين رفض وضع العصّابة السوداء على عينيه وهو يقف بمواجهة رصاصات (اعدامهم) في شباط عام ١٩٦٣ ؟!

عن ماذا أكتب يا أبا علي، وأعداء الزعيم بمن فيهم المجرم صدام حسين نفسه قد اعترفوا بنزاهته، وقيمه، ومنجزاته ووطنيته، فهل سيحتاج هكذا شخص إلى مقال مديح مني، بعد أن امتدحه أعداؤه قبل أصحابه ورفاقه ومحبيه؟!

وكي أكون صادقاً معك ياصديقي، فقد قررت أن أكتب مقالي هذا بحبر منجزات الزعيم ، وهل ثمة مقال أصدق من مقال يكتب بحبر المنجزات ؟!

لقد سئم الناس مقالاتنا المكتوبة بلغة المديح والتعظيم اللغوي المجانية، لذلك كتبت افتتاحية اليوم بلغة وأبجدية الزعيم عبد الكريم قاسم، أي لغة منجزاته فحسب، دون أن

أضيف حرفاً واحداً مني.. وسأضع أمام القراء ما حققه الزعيم عبر اربع سنوات وخمسة أشهر فقط، ولا أريد من أحبتي القراء لاسيما أبناء الأجيال الحالية الذين فتحوا أعينهم وآذانهم وهم لا يرون ولا يسمعون غير وعود وخطابات زعماء – هذه الأيام الرنانة التي تبدأ من (سوف نفعل)، وتنتهي عند(سوف نعمل) والنتيجة معروفة، فهم (لا يفعلون ولا يعملون) قط!! لذلك لا أريد من القراء سوى أن يقرؤوا هذه المنجزات بلا كلل ولا ملل، وأن يصدقوا بها فقط، لأنها منجزات- كماً ونوعاً- لا يصدق حدوثها في بلد عربي، وفي زمن قصير جداً.. إنه المستحيل بعينه، لكن الزعيم فعلها وكسر أنف المستحيل ..!

إذاً، تعالوا معي لنقرأ سوية منجزات الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم :

لقد بنى الزعيم اليرموك وزيونة والاسكان ومدينة الثورة والرشاد، والمعامل وحي السلام ومدينة الشعب، وأحياء الضباط و نواب الضباط في كافة انحاء العراق.. وهو نفسه الذي بنى مدينة الطب ومطار بغداد، والمستشفى الجمهوري وجامعة بغداد ومعرض بغداد الدولي، ومتحف الفن، وميناء أم قصر .. وشيد 2,334

مدرسة، و 7766 مركزاً لمحو الأمية .. وبنى سد
دوكان ودربندخان وسد اعالي الفرات وقناة الجيش، وجسر الكرادة المعلق، وجسر الكوت، وجسر روزخانه، وجسر علي، والزعيم نفسه الذي بنى مستشفى اليرموك و الكرخ وابن النفيس والنعمان، والشماعية، والجذام والطوارئ للاطفال، ومستشفى في كل محافظة عراقية بالاضافة إلى 160, مستوصفاً و280,000 مذخر ادوية.. وبنى معمل البان ابو غريب والفرن الذري (مفاعل تموز النووي) ! ومصنع الزجاج في الرمادي ومعمل الادوية في سامراء

ومصانع السيارات في الاسكندرية ومعمل تعليب كربلاء ومعمل السكاير في السليمانية ومصنع اطارات الديوانية،

وأكثر من مصنع و معمل في كل المحافظات.. لقد بنى الزعيم كل هذا، ومؤامرات الخارج والداخل عليه لم تتوقف ! خاصة بعد توقيعه قرار رقم 80 الذي مهد لتأميم النفط العراقي من احتكار الشركات الاجنبية، وأصدر قانون الاصلاح الزراعي الذي حرر الفلاح من ظلم الاقطاعيين، وقانوناً حمل اسم ( من اين لك هذا )؟ فضلاً عن قانون الاحوال الشخصية التقدمي..

لا أريد أن أتحدث عن تبرعه بقطعة الأرض التي ورثها عن أسرته، لتشيد فوقها مدرسة للبنات في الصويرة، ولا أريد اعادة نشر حكايته الشهيرة مع أحد أنصاره من اصحاب أفران الخبز الحكومي، حين همس بأذنه قائلاً : (ارجوك إذا تحبني، صغر صورتي وكبر الشنگه)!

ولعل من أهم منجزات الزعيم القيادية، قدرته الفائقة على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، فمثلاً هو الذي اختار (العبقري) محمد حديد والد المعمارية زها حديد معه في الحكومة، وداود سلمان الجنابي (العراقي) الذي أسس الجيش الليبي، وعالم الاثار طه باقر، ومزهر الشاوي الرجل الذي أدار موانئ العراق بجدارة، واختار العالم (الصابئي) الفذ عبد الجبار عبد الله مكتشف عين الاعصار، ليكون رئيساً لجامعة بغداد رغم اعتراض (الطائفيين) على تعيينه بحجة أنه ليس مسلماً، فقال لهم الزعيم: (لقد اخترته رئيساً لجامعة، وليس إماماً لجامع) ..!

واختار الدكتورة نزيهة الدليمي وزيرة البلديات، لتكون أول وزيرة في العالم العربي ..

علماً بأن زعيم البلاد (الأوحد) عبد الكريم قاسم لم يسكن في بيت ملك صرف له، بل استأجر بيتاً من الأموال المجمدة، يدفع ايجاره من حسابه الخاص، وعندما تم إعدامه ظهر أنه مديون لحوانيت الجيش ولم يكن يملك إلا 360 فلساً.. فهل يمكن لأحد أن يصدق أن رجلاً بهذا العطاء والشرف والوطنية والمنجز الفذ، يعدم، بل ولم يجد قبراً يحفظ جثته الطاهرة ؟

ولكن الأمر ليس غريباً بالمرة، حين نعرف من هم الذين أعدموه، وما هي عقيدتهم، وأخلاقهم، إذ ماذا ننتظر ونتوقع من (أولاد شوارع)، وعملاء، ومجرمين، يتفاخر زعيم حزبهم بمجيئهم للحكم بقطار امريكي بريطاني ؟!

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات لا أرید

إقرأ أيضاً:

في ذكرى ميلاده.. «نجيب محفوظ» رجل صاغ القاهرة من طين الحكايات وصنع للروح العربية مرآتها الحقيقية

في كل ذكرى لميلاد نجيب محفوظ، تُفتح نافذة سرّية على وجدان الأمة؛ كأننا نتذكّر فجأة أن هذا الرجل لم يكن مجرد روائي، بل كان «ذاكرة جماعية» تمشي على قدمين، كان يمسك بالقلم كما يمسك العازف بوترٍ حساس، يضربه برفقٍ مرة، وينفجر منه اللحن مرة أخرى، ليرسم من خلاله ملامح الإنسان في ضعفه وقوته، خضوعه وتمرده، خطيئته وخلاصه.

لم يكن محفوظ يكتب روايات بقدر ما كان يكتب خريطة الروح، يقتفي أثر الإنسان في شوارع القاهرة، يلتقط تنهيدتها، يلاحق صمتها، ويعيد تشكيلها في نصوصٍ تشبه المدن القديمة: صلبة، معقدة، لكنها مسكونة بالدفء والدهشة، في يوم ميلاده، يعود السؤال الأبدي: كيف تحوّل ابن الجمالية الهادئ إلى الأب المؤسس للرواية العربية الحديثة، وإلى الاسم الذي هزّ المؤسسة الأدبية العالمية حتى فتحت له أبواب نوبل؟

من الجمالية إلى العالم.. رحلة طفل مفتون بالأسئلة

وُلد نجيب محفوظ عام 1911 في قلب القاهرة الفاطمية، بين الأزقة التي ستصبح لاحقًا وطنًا كاملاً لأبطال رواياته. لم يكن طفلاً صاخبًا؛ كان مراقبًا، ينصت أكثر مما يتكلم، يجمع التفاصيل الصغيرة مثل مقتنيات أثرية، ليعيد صياغتها في ذاكرته بحسّ فلسفي مبكر.

طموحه الأول كان الفلسفة، وقرأ بشغف لابن خلدون وتوفيق الحكيم واليونانيين، لكنه اكتشف سريعًا أن المقال لا يسعه، وأن الرواية هي الوسيط الأقدر على حمل أسئلته الوجودية، هكذا وُلد الروائي من رحم الفيلسوف.

بدأ محفوظ بكتابة الرواية التاريخية عن مصر القديمة، قبل أن يقفز إلى الحاضر بقوة، ليُطلق أكبر مشروع روائي عرفه الأدب العربي: الثلاثية. لم تكن الثلاثية مجرد حكاية عائلة، بل كانت وثيقة حية لبنية المجتمع المصري بين الحربين، وصورة عميقة لتحولات الطبقة والسلطة والوعي.


كاتب يكتب بالانضباط قبل الإلهام.. وسر الساعة الواحدة

كان نجيب محفوظ نموذجًا نادرًا في الانضباط: يكتب ساعة واحدة فقط في الصباح، في الموعد نفسه، وبالهدوء نفسه، وكأنه موظف في محراب الكتابة.
لم يؤمن بالكتابة المزاجية، وكان يرى أن “الإبداع الحقيقي يحتاج نظامًا صارمًا، وإلا ضاع العمر في محاولات لا تكتمل”.

الغريب أن هذا الانضباط لم يُنتج نصوصًا جامدة، بل أعمالًا مليئة بالروح، مشتعلة بالحياة، وكأن تلك الساعة الواحدة كانت نافذته الوحيدة على الخلود، ورغم شهرته الطاغية، كان يتجنب الأضواء، وينفر من الكاميرات، ويعيش حياة شديدة البساطة. حتى جائزة نوبل لم يذهب لاستلامها، وبقي وفيًّا لمقهاه وأصدقائه وطقوسه الصباحية.

«أولاد حارتنا».. الجرح الذي لم يندمل

من بين كل أعماله، تبقى رواية “أولاد حارتنا” هي الأكثر إثارة للجدل، والأقرب إلى قدره الشخصي، عندما نُشرت في الأهرام عام 1959 انفجرت معركة ثقافية كبرى، ووُجهت إليها اتهامات قاسية دون أن يقرأها معظم من هاجموها.

حُوصرت الرواية لسنوات ومنعت من النشر في مصر، وأصبح محفوظ هدفًا للغضب وسوء التأويل، حتى جاءت محاولة اغتياله عام 1994 على يد شاب لم يرَ الرواية في حياته.

ومع ذلك، بقي محفوظ ثابتًا: «أنا أكتب عن الإنسان.. وليس عن العقائد»، كان يؤمن أن الأدب لا يعادي أحدًا، بل يكشف الظلم أينما كان، ويبحث عن العدالة داخل النفس البشرية قبل أن يبحث عنها في العالم.

حكيم الحارة المصرية.. الذي عرف سرّ الإنسان

يقول مقربوه إنه كان قادرًا على سبر النفوس بنظرة واحدة.
لم يكن يرفع صوته، ولم يكن ساخرًا بطبعه، لكنه كان يرى ما لا يراه الآخرون: يقرأ القلق على الوجوه، ويتتبع الشهوات الصغيرة، ويُمسك بين السطور بما يختبئ خلف الأقنعة.

ولهذا أحب الناس أعماله.. لأنهم وجدوا أنفسهم فيها، كان محفوظ يكتب عن البسطاء، لكنه في الحقيقة كان يكتب عن البشرية كلها.


ما بعد نوبل.. العالم يكتشف القاهرة من جديد

عندما مُنح محفوظ جائزة نوبل للآداب عام 1988، تغيّر مكان الأدب العربي في العالم، أصبح اسم القاهرة مرتبطًا بالرواية، وأصبحت الحارة المصرية رمزًا عالميًا للدهشة الإنسانية، ترجمت أعماله إلى لغات العالم، وتحوّلت إلى أفلام ومسلسلات قاربت الوعي الجماهيري العربي لعقود.

وبعد محاولة اغتياله، ومع ضعف يده، لم يتوقف عن الكتابة. كان يملي “أحلام فترة النقاهة” بصوت خافت، كأنها رسائل أخيرة يبعثها من على حافة الألم، وتحوّلت تلك الأحلام القصيرة إلى واحدة من أهم وأغرب تجارب السرد العربي الحديث.

في ميلاده.. نعود إلى الرجل الذي كتب ليحيا

في ذكرى ميلاد نجيب محفوظ، نعود إلى الرجل الذي لم يكتب ليشتهر، بل كتب ليعيش، الذي حوّل الحياة العادية إلى ملحمة، والمقهى إلى صالون فلسفي، والحارة إلى كونٍ كامل.

نجيب محفوظ لم يكن صوت جيل، بل صوت الإنسان في رحلته القلقة نحو الحقيقة، وبين ميلاده ورحيله، بقي شيء واحد ثابتًا: «أن الأدب يمكنه أن يغيّر العالم… حين يكتبه رجل يعرف سرّ الروح».

طباعة شارك نجيب محفوظ ذاكرة جماعية خريطة الروح شوارع القاهرة الجمالية

مقالات مشابهة

  • ابنة نجيب محفوظ تتحدث عن أعمال والدها في ذكرى ميلاده
  • "منضبط وبسيط".. رامي إمام يكشف كواليس تعاونه مع الزعيم عادل إمام
  • الزعيم كيم يكرّم وحدة عسكرية شاركت في معارك كورسك بروسيا
  • شرطة دبي تضبط شاباً احتفل بعيد ميلاده بإشعال النار على شارع عام
  • بث مباشر .. أحمد العوضي يوزع جوائز بـ 300 ألف جنيه في عيد ميلاده
  • في ذكرى ميلاده.. أعمال درامية استلهمت أحداثها من روايات نجيب محفوظ
  • أقوى الرجال.. هاجر أحمد توجه رسالة لزوجها في عيد ميلاده
  • في ذكرى ميلاده.. «نجيب محفوظ» رجل صاغ القاهرة من طين الحكايات وصنع للروح العربية مرآتها الحقيقية
  • رجل أعمال إسرائيلي يهدد بكشف أسرار خطيرة إذا مُنح نتنياهو عفوا
  • تهديدات داخل بيت هرتسوغ: رجل أعمال يلوّح بكشف “أسرار خطيرة” إذا مُنح نتنياهو عفوا