عائشة الدرمكية لـ"الرؤية": نحتاج إلى "حاضنة حقيقية" للمُثقَّفين.. وبعض النصوص لا ترتقي إلى مستوى "العمل الأدبي"
تاريخ النشر: 27th, November 2023 GMT
◄ قراءاتي في تفكيك التراث الثقافي قادتني لخوض غمار "السيميائيات"
◄ الرواية العُمانية تخلت عن "القولبة" ونجحت في تقديم أنماط سردية متعددة
◄ دعم المُثقَّف لا يرتبط بعدد المؤسسات المعنية.. ولكن بمدى فاعليتها
◄ "الاستراتيجية الثقافية" خطوة رائدة تتكامل مع "المختبرات"
◄ التكنولوجيا أوجدت فجوة ثقافية بين الأجيال لكنها تتلاشى منذ سنوات
◄ الكتب الرقمية والمسموعة تُسهم في النمو المعرفي للمجتمع
◄ عُمان تشهد نموًا معرفيًا وإنجازات ثقافية ملموسة
◄ الكتاب العُمانيون تألقوا في المحافل الإقليمية والدولية
الرؤية- مدرين المكتومية
أكدت المكرمة الدكتورة عائشة بنت حمد الدرمكية عضوة مجلس الدولة والأستاذ المساعد المتخصص في السيميائيات اللسانية، أنَّ الساحة الفكرية في عُمان تشهد نموًا معرفيًا وثقافيًا في مختلف المجالات، وذلك في ظل تطور الأدوات المستخدمة واتباع أساليب حديثة في الكتابة، لافتة إلى أن الكتاب العُمانيين أثبتوا تميزهم في المسابقات العربية والخليجية والدولية.
وأضافت الدرمكية- في حوار لـ"الرؤية"- أنها شاركت في معرض الشارقة الدولي للكتاب، من خلال ندوة "الواقعية السحرية"، وهي ندوة تمثل أهمية أدبية ونقدية، وتضمنت الحديث عن نشأة الواقعية السحرية، كيف بدأت كمفهوم وكفكرة، ومدى تأثر العرب بمفهوم الواقعية السحرية وتوظيفها، وتسليط الضوء على نموذج عُماني وهو "تغريبة القافر".
وإلى نص الحوار...
** هل من فجوة ثقافية بين جيل الآباء والأبناء؟ وكيف يمكن التعامل معها؟
نعم.. هناك فجوة بين الأجيال، وهذه الفجوة تتغير من فترة إلى أخرى؛ فالآباء يتغيرون وبالتالي يتغير الأبناء مع الوقت ومع تطورات الحياة، وربما في جيلنا والجيل الذي سبقنا كانت هناك فجوة أكبر خاصة مع ظهور التقنيات الحديثة في حياتنا، وغيابها تمامًا في حياة آبائنا، وهو ما أدى إلى اتساع هذه الفجوة.
لكن في نفس الوقت، بدأت الفجوة تتقلص بعد التقارب المعرفي والفكري لدى الجيلين، ولذلك نلاحظ أنَّه حتى على المستوى الثقافي والتعليمي هناك تقارب، والفجوة بين الأجيال وإن بدت ملامحها ظاهرة إلا أنها بدأت في التلاشي عند كثير من الأسر، وعندما نتابع منصات التواصل الاجتاعي نجد جميع أفراد الأسرة يتفاعلون على هذه المنصات ولديهم اهتمامات مشتركة، وهو ما أدى إلى التقارب الكبير بين الأجيال ثقافيا ومعرفيا.
** ما تأثير دراستك في المغرب على حياتك الشخصية والثقافية؟
بالطبع كانت رحلتي للمغرب للدراسة لها آثار كبيرة على المستوى الشخصي والثقافي، كما أنني حصلت على البكالوريوس في الكويت وكان لهذه الفترة أثرها على حياتي، وبعد ذلك كانت هناك مساحة من الوقت كبيرة بين مرحلة البكالوريوس والدكتوراه، ولذلك تأثري بالمغرب اختلف عن تأثري بالكويت.
وفي المغرب تجد الثقافة مختلفة والإطار الثقافي مختلف وإيقاع الحياة أيضًا مختلفاً، وكل ذلك كان له الأثر على المستوى الشخصي والمعرفي، فدول المغرب يتميزون بطريقة في تفكيك المصطلحات لتأثرهم بالمنهجيات الأوروبية والفرنسية بشكل خاص، ولذلك تغيرت قراءاتي ونظرتي للأشياء اختلفت وهو ما انعكس على توجهاتي الثقافية.
** حدثينا عن مصطلح "السيميائيات" وأنواعه، وأهميته المعرفية؟
السيميائيات كفكرة قرأت عنها وعملت عليها قبل ذهابي للمغرب، وذلك كوني مغرمة بالتراث الثقافي الذي قادني ووجهني للسيميائيات، والسيميائيات هي علم اجتماعي أكثر من كونه علمًا أدبيًا، وقد ظهر في الأنثربولوجيا والتراث وبعد ذلك انتقل للنص الأدبي، وقراءتي في تفكيك التراث الثقافي هي التي جعلتني أحب مجال السيميائيات، وبعد ذلك اخترت المغرب لأن لديها دراسات حديثة في السيميائيات، وقد تكون من الدول الرائدة على المستوى العربي في هذه الدراسات، وبعدها قمت بدراسة الدكتوراه السيميائية.
والسيميائية أنواعها كثيرة ولها منهجياتها، ومن بينها سيميائية التواصل وسيميائية الأدب وسيميائية الثقافة وغير ذلك.
** المثقف العربي مُتهم بالتقصير في نشر ثقافته.. كيف ترين ذلك؟
المثقف له دور كبير؛ سواءً في تسويق إنتاجه الثقافي وفكره أو في تسويق ثقافته بشكل عام، ولذلك فإنَّ المثقفين العرب يقوم كل شخص منهم بدروه، فلا يمكن للمثقف الواحد أن يحمل على عاتقه نشر الثقافة العربية ما لم يكن جزءا منها، ولا بد للمثقف أن يشعر بالانتماء إلى هذه الثقافة.
ومع ذلك، فإنَّ كثيرًا من المثقفين يواجهون تحديات عديدة في الوطن العربي وفي دول الخليج، فمثلاً لا يوجد لدينا في عُمان حاضنة حقيقية لتبني المثقف أو الكاتب، في حين أن الكثير من الدول والحكومات تساعد الكتاب في نشر إنتاجهم من خلال طباعة كتبهم وتسويقها.
والواقع يقول إن الكُتَّاب يضطرون إلى تحمُّل تكاليف الطباعة والنشر، وهي تكاليف مالية كبيرة، لكنه يتحمل ذلك لإيمانه بدوره وتأثيره في المجتمع، كما أنه يشارك في الكثير من المحافل والملتقيات المحلية والدولية، وهو دور فاعل في نشر الثقافة العربية.
ومن الأمثلة على حرص المثقفين على نشر الثقافة العربية، هو المشاركة الواسعة في معرض الشارقة الدولي للكتاب، إذ يشارك الكثير من الكتّاب في هذا المحفل الثقافي الكبير، وهذا يدل على دور المثقف في نشر ثقافته، ولذلك ما أريد قوله هو أن الكتاب العرب يجتهدون لنشر ثقافتهم، ولا يعني هذا أن يقوم بنشر كل ما يتعلق بالثقافة العربية، لكن مجرد مشاركة الكتاب العرب بنشر مقال أو كتاب أو المشاركة في عمل مسرحي، كل ذلك من وسائل نشر الثقافة، وهي أدوار تكاملية بين الأفراد والمؤسسات والحكومات والمجتمع المدني.
** في ظل إيقاع الحياة المتسارع وضعف الاهتمام بالقراءة.. ما دور المثقف في تعزيز الوعي بأهمية القراءة والمعرفة؟
الثقافة اليوم هي ثقافة جماهيرية، لم تعد الثقافة مقتصرة على النخبة بسبب وسائل التواصل الاجتماعي وظهور التقنيات الحديثة، وبسبب الذكاء الاصطناعي الذي أصبح يلعب دورا كبيرا أيضا، وبالتالي لم يصبح دور المثقف كما هو في السابق، ودورنا نحن كمجتمع أن نكشف عن ثقافتنا وأن نطور من أدواتنا بحسب تطورات الحياة وألا نظل ثابتين نستخدم نفس الأدوات القديمة حتى لا تتسع الفجوات، ولابُد أن نستخدم أدوات جديدة مثل المخطوطات الرقمية والكتب الرقمية، كما ظهرت أيضًا الكتب المسموعة.
لقد اختلفت وتيرة الحياة وأصبح بإمكانك الاستماع إلى كتاب في السيارة أو تستمع إلى رواية وأصبحت القراءة الآن أبسط بكثير من السابق، ولا يوجد الآن أي مُبرر لعدم القراءة والاطلاع، لأننا إذا لم نستطع القراءة فيمكننا الاستماع إلى الكتب، فنمط القراءة التقليدي يجب أن نتحرر منه حتى لا يكون مبررا للبعد عن القراءة والاطلاع.
** من وجهة نظرك.. كيف ترين المُنجز الثقافي العُماني؟
التقييم صعب جدًا، ولكن عُمان تمضي بنمط متصاعد في الإنجاز الثقافي، ليس فقط لأنَّ الكثير من الكتاب حصلوا على جوائز عالمية أو عربية أو خليجية أو عُمانية، ولكن لأننا نشهد نموًا معرفيًا في كافة المجالات الثقافية، فالرواية على سبيل المثال في عُمان لا تتطرق فقط إلى موضوعات مُقوْلَبة، وإنما تحررت من معالجة الموضوعات التراثية بطريقة بدائية وبطريقة إعادة كتابة الموروث، لتستخدم طرقاً تقنية جديدة، ولدينا مجموعة كبيرة من الكتاب لديهم القدرة على تقديم أنماط مختلفة.
ولقد كان النمو المعرفي في عُمان أحد أسباب تألق الكتاب العُمانيين على المستوى العربي والخليجي والعالمي، ولقد نمت المنجزات الثقافية العُمانية من حيث الجوهر والموضوع والتكنيك المستخدم.
وعلى الرغم من ذلك، يوجد لدينا عدد هائل من النصوص وبعضها لا يرتقي إلى أن يطلق عليه "عمل ثقافي أو أدبي"، لأنَّ الكثيرين يكتبون وهذا ليس خطأ، لكن من يمتلك الأدوات الحديثة هو من يبقى متربعًا على الصدارة؛ فالكاتب يكتب من أجل المجتمع، ومن لديه خبرة وتجربة حقيقية مميزة هو من يستمر، والقارئ قادر على التمييز بين الجيد وغير الجيد.
وفي عُمان لدينا الكثير من المؤسسات والجهات المنوطة بدعم المثقفين والكتاب، غير أن الأمر لا يتعلق بالعدد، ولكن بمدى فاعلية هذه المؤسسات والقيام بدورها.
وإذا ما تكاملت الجهود سنشهد نقلة نوعية في مجال الثقافة العُمانية؛ حيث إن وزارة الثقافة والرياضة والشباب تؤدي دورها في التخطيط ووضع الاستراتيجيات، وهنا أود القول إن الاستراتيجية الثقافية العُمانية تعد خطوة رائدة، كما إن تجربة المختبرات الثقافية أمر يحسب للوزارة، إضافة إلى أن النادي الثقافي أيضًا يقوم بدور وجمعية الكتاب والجمعيات الأخرى التخصصية تقوم بدورها، وإذا ما قام الجميع بدورهم وجلسوا على طاولة واحدة سنشهد تطورًا كبيرًا على مستوى التخطيط والتنفيذ، ونحن محظوظون بوجود أجيال ثقافية رائدة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: الثقافة العربیة بین الأجیال على المستوى نشر الثقافة الثقافة الع الکتاب الع الع مانیة الکثیر من فی ع مان ع مانیة فی نشر
إقرأ أيضاً:
تدشين المشروع الوطني لأرشيف الفرق والمهرجانات الفنية المستقلة بمسرح المعهد الثقافي الإيطالي
نظّم المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية برئاسة المخرج عادل حسان، وبإشراف المخرج هشام عطوة رئيس قطاع المسرح، حفل تدشين مشروع الأرشيف الوطني لقاعدة بيانات ودعم الفرق والمهرجانات الفنية المستقلة والحرة، وذلك بمقر المعهد الثقافي الإيطالي بالقاهرة، وبحضور نخبة من المسرحيين والفنانين والباحثين، إلى جانب عدد من ممثلي المؤسسات الثقافية المصرية والدولية، وذلك في خطوة تهدف إلى حماية الذاكرة الفنية المصرية وتعزيز البنية التحتية للقطاع الثقافي برعاية ودعم د.أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة.
وفي كلمته خلال الحفل، أكد المخرج عادل حسان أن المشروع يأتي استجابة لحاجة ملحّة رصدها المركز، في ظل غياب قاعدة بيانات دقيقة وضعف التواصل بين المركز والشارع والمؤسسات والكيانات الفنية المستقلة، مشيرًا إلى أن المشروع يهدف إلى إرساء منظومة مؤسسية متكاملة تُسهم في دعم الممارسين وتطوير البنية المعلوماتية للقطاع الثقافي المصري.
وأوضح حسان أن المركز عمل خلال الأشهر الماضية على وضع تصور شامل لإنشاء أرشيف وطني مستقر يُوحّد الجهود ويؤسس لبنية مهنية طويلة الأمد، مشددًا على أن المشروع يحظى بدعم مباشر من معالي وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو، الذي وجّه بضرورة امتداد المشروع إلى المحافظات، وتكليف فرق عمل بالتنسيق مع الهيئة العامة لقصور الثقافة والإدارات الفنية المعنية لضمان التنفيذ الفعّال على مستوى الجمهورية.
وأضاف أن المشروع لا يقتصر على جمع البيانات فحسب، بل يشمل أيضًا تقديم خدمات بحثية وفنية للفرق المستقلة، وتوفير مساحات ثقافية لاستضافة الفعاليات، إلى جانب توفير مسارات للدعم اللوجيستي الخاص بالمهرجانات، بما يتيح فرص مشاركة عادلة ومنظمة للفرق في مختلف الفعاليات الثقافية.
وشهد الحفل مداخلة للمخرج أحمد العطار، عبّر فيها عن تقديره لإطلاق هذا المشروع، مؤكدًا أن المجتمع الفني المستقل عانى طويلًا من غياب التوثيق وصعوبة الوصول إلى المعلومات، مما أدى إلى ضياع جزء كبير من الأرشيف الفني المصري. وأشار إلى أن حجم المادة الفنية المتراكمة — من عروض وصور ونصوص وأرشيف شخصي — ضخم للغاية، وأن جزءًا كبيرًا منها مهدد بالاندثار بعد رحيل أصحابها، داعيًا إلى استخدام أدوات تكنولوجية حديثة تتيح الأرشيف للباحثين والمهتمين بشكل عصري وآمن، معتبرًا أن المشروع يمثل خطوة جوهرية نحو إنقاذ الذاكرة المسرحية المصرية.
من جانبه، قال رامي دسوقي، المدير المالي والإداري باتحاد المعاهد الثقافية الأوروبية (EUNIC)، الجهة المستضيفة لانطلاق المشروع، أن هذه المبادرة تمثل خطوة هامة لتوثيق مشهد محوري من مشاهد المسرح المصري، مشيدًا بانفتاح وزارة الثقافة ودعمها المتواصل لمثل هذه المبادرات، وموجهًا الشكر للوزير الدكتور أحمد فؤاد هنو على دعمه وإيمانه بأهمية المشروع.
وتضمّن الحفل عرضًا تقديميًا شاملاً لهيكل المشروع ورؤيته ومراحله التنفيذية، قدّمته منى سليمان - عضو اللجنة التنفيذية للمشروع -، حيث استعرضت مراحل الإعداد والتصميم، وآليات تسجيل وتصنيف الفرق، وتقديم الدعم الفني واللوجيستي، والتدريب والتطوير، وصولًا إلى آليات التقييم والتحديث الدوري لضمان استدامة المشروع.
واختُتمت الفعالية بجلسة نقاشية موسعة مع الفنانين والحضور، تناولت التحديات التي تواجه عملية التوثيق الفني، وسبل تعزيز التعاون بين المؤسسات الرسمية والمجتمع الفني المستقل، بما يضمن حفظ الإرث المسرحي وإتاحته للأجيال القادمة.
وتتشكل اللجنة التنفيذية للمشروع برئاسة المخرج عادل حسان، وعضوية نخبة من الفنانين والخبراء، وهم: المخرجة عبير علي، المخرج سامح مجاهد (مدير فرقة مسرح الغد)، المخرج تامر كرم (مدير فرقة مسرح الشباب)، الكاتب سامح عثمان ( مدير التدريب بالادارة العامة للمسرح بهيئة قصور الثقافة)، الفنانة منى سليمان (مدير ثقافي)، الأستاذة دينا فوزي (مدير رقابة المسرحيات بالرقابة على المصنفات الفنية)، الأستاذة جيهان علام (المدير المالي والإداري بالمركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون لشعبية)، ويشغل الدكتور محمد أمين عبد الصمد (مدير إدارة تراث الفنون الشعبية بالمركز) مقررا للجنة، وستضم اللجنة لاحقا عدد من الفاعلين في المسرح و الموسيقى والفنون الشعبية.
ويُعد هذا المشروع، في مرحلته التأسيسية الأولى، خطوة استراتيجية نحو بناء أرشيف وطني شامل للفرق الفنية المستقلة، بما يضمن حماية التراث الفني المصري، ودعم استدامة الإبداع، وتوفير بنية عمل آمنة ومنظمة تسهم في تطوير المشهد الثقافي على مستوى القاهرة والمحافظات.