لجريدة عمان:
2025-07-31@04:38:54 GMT

احذروا الإجماع الجديد بشأن الاقتصاد العالمي

تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT

خلال الفترة التي سبقت عام 2023، بدت آفاق الاقتصاد العالمي قاتمة. فقد توقع المحللون أن يُـفـضي حرب روسيا على أوكرانيا وارتفاع أسعار الطاقة الذي ترتب عليها إلى إشعال شرارة انكماش اقتصادي خطير في أوروبا. وأعلنت منصة بلومبرج إيكونوميكس أن احتمال معاناة الولايات المتحدة من الركود قائم بنسبة 100%. وقليلون هم من تصوروا أن أغلب الاقتصادات النامية قد تكون قادرة على تحمل تركيبة تتألف من ارتفاع أسعار الطاقة، وارتفاع أسعار الفائدة، والانكماش في الاقتصادات المتقدمة.

لو توقع المحللون اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس واحتمالات تصعيدها على المستوى الإقليمي، واشتداد وطيس الحرب الروسية الأوكرانية، والاضطرابات السياسية في بعض الدول الغربية، لكان تشاؤمهم يزداد وضوحا. علاوة على ذلك، كانت التقلبات غير العادية في سوق سندات الخزانة الأمريكية، التي تشكل معيارا أساسيا لعدد كبير من الأسواق المحلية والدولية، لتغذي المخاوف بشأن ركود عالمي يلوح في الأفق، كما كان ليفعل إفلاس البنوك الأمريكية. ولكن في حين كان من المحتم أن تتسبب الاضطرابات السياسية والجيوسياسية والسوقية غير المتوقعة في كبح آفاق النمو العالمي بدرجة أكبر، وجدنا الاقتصاد العالمي يفاجئنا بأداء إيجابي.

فقد تحدت الغالبية العظمى من الاقتصادات المتقدمة كل التوقعات، ونجحت في تجنب الانكماش الاقتصادي. وتجنبت البلدان النامية ككل الضائقة المالية. وحتى الصين، على الرغم من نموها المخيب للآمال، استعرضت مرونة اقتصادها وقدرته على الصمود مع اقتراب العام من نهايته.

دفعت هذه الاتجاهات المشجعة المحللين إلى تبني توقعات متفائلة لعام 2024. فبدلا من الركود، تشير التوقعات الـمُـجـمَـع عليها الآن إلى أن اقتصاد الولايات المتحدة يتجه نحو «هبوط ناعم»، حيث مَـهَّـدَ انحسار التضخم الطريق أمام تخفيضات أسعار الفائدة. ومن المتوقع أن تتمكن أوروبا، بعد أن نجحت في تعزيز احتياطياتها من الطاقة وإعادة هيكلة سلاسل التوريد، من تجنب الركود هي أيضا، وإن كان من المحتمل أن يستمر اقتصاد ألمانيا في التخلف عن الركب.

وفي الصين، من المتوقع أن تعمل حزمة تحفيز كبرى على تعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي. ومن المنتظر أيضا أن تعمل التركيبة التي تتألف من أسعار الفائدة الأقل وأسعار الطاقة المستمرة في الهبوط على حماية أغلب البلدان النامية من الارتباكات الاقتصادية والمالية.

ولأني كنت أكثر تفاؤلا من التوقعات الـمُـجـمَـع عليها لعام 2023، فإنني كنت لأود تأييد التوقعات المتفائلة للعام المقبل. ففي نهاية المطاف، لا يستطيع الاقتصاد العالمي أن يتحمل مزيدا من النكسات. ولكن على الرغم من رغبتي في أن أكون متفائلا، فأنا أخشى أن توقعات الإجماع، التي تبين أنها كانت قاتمة للغاية لعام 2023، تأرجحت أبعد مما ينبغي في الاتجاه المعاكس لعام 2024.

السبب الرئيسي وراء هذا القلق هو أن ديناميكيات النمو العالمي اعتراها الضعف مع تسبب التوترات الجيوسياسية وارتباكات السياسية المحلية في تفاقم التطورات الاقتصادية والمالية المؤسفة. ويبدو أن عددا كبيرا للغاية من صناع السياسات يركزون على إعادة تنشيط محركات النمو غير الفَـعّـالة بدرجة أكبر من تركيزهم على التصدي للتهديدات الطويلة الأمد مثل أزمة المناخ والتحول نحو نماذج أكثر استدامة وتطلعا إلى المستقبل.

يتجلى هذا بوضوح في الصين، وأوروبا، وكثير من البلدان النامية حيث فشلت الحكومات في تنفيذ الإصلاحات البنيوية اللازمة لتعزيز الإنتاجية وإمكانات النمو. ورغم أن الولايات المتحدة في وضع أفضل نسبيا بفضل مشاريع القوانين الاقتصادية الكبرى التي أقرتها إدارة الرئيس جو بايدن، فإن تضاؤل مدخرات الأسر، فضلا عن ارتفاع الديون، يلقي بظلال قاتمة على توقعات النمو للعام المقبل.

لا يزال الاقتصاد العالمي يتصارع مع التأثيرات التي خلفتها الزيادات الكبيرة في تكاليف الإقراض. وفي بيئة حيث من المتوقع أن تظل أسعار الفائدة مرتفعة لفترة مطولة، تصبح إعادة تمويل بعض عقود الديون ــ وخاصة في قطاع العقارات التجارية ــ أمرا متزايد الصعوبة.

الواقع أن التحول بعيدا عن عشر سنوات من أسعار الفائدة المنخفضة بشكل مصطنع وعمليات ضخ السيولة السخية من قِـبَـل البنوك المركزية عملية تدريجية وقد تكون مؤلمة لبعض الأطراف، وخاصة مع اقترابنا من «جدار استحقاق السداد» الذي يواجه قطاع الشركات في عام 2025.

تهدد هذه الشكوك بزعزعة استقرار سوق تتعامل في صميمها بالفعل مع تقلبات عالية إلى حد غير عادي. في غياب ركائز اقتصادية وسياسية وفنية قوية، ظلت عائدات سندات الخزانة الأميركية شديدة التقلب. وكلما طال أمد هذه الحالة من عدم الاستقرار، كلما ارتفعت احتمالات تسبب مخاطر أسعار الفائدة في إشعال شرارة الذعر في ما يرتبط بالائتمان والأسهم والسيولة.

وقد تؤدي التحولات الجيوسياسية والمحلية أيضا إلى تفاقم نقاط الضعف الاقتصادية والمالية والسوقية، مع تسبب الخسائر البشرية الهائلة والمروعة الناجمة عن الصراعات الجارية، وخاصة في غزة، في تعظيم خطر التصعيد وتقويض الاستقرار العالمي. علاوة على ذلك، يهدد الموقف الذي اتخذته الولايات المتحدة إزاء الصراع الدائر في الشرق الأوسط بالتعجيل بتفتت النظام الاقتصادي الدولي وتقليص مكانة أميركا ونفوذها العالمي بدرجة أكبر.

قد يُـفضي هذا، جنبا إلى جنب مع الثقة المتنامية التي تكتسبها «الدول الـمُـرَجِّـحة» المتوسطة القوة، إلى إعاقة عملية تنسيق السياسات الدولية التي تشكل أهمية بالغة في التصدي للتحديات العالمية مثل تغير المناخ، ونقص النمو، والديون المفرطة، واتساع فجوات التفاوت، ونقاط الضعف التي تعيب سلاسل العرض والتوريد، والحاجة إلى إزالة المخاطر عن علاقات اقتصادية بعينها دون التسبب في إحداث انفصال مؤلم. وقد تفرض الانتخابات في بلدان مستقطبة مثل الولايات المتحدة عقبات تحول دون التحرك العالمي في الوقت المناسب.

على الرغم من المشهد السياسي والجيوسياسي الأكثر صعوبة من أغلب التوقعات، فاق الاقتصاد العالمي التوقعات في عام 2023. ولكن في حين قد يكون من الـمُـغري الاستقراء من هذه التجربة والتنبؤ بأداء أقوى في عام 2024، فمن الأهمية بمكان أن نتعامل مع مثل هذه التوقعات بجرعة صحية من الحذر. فمن المحتمل بدرجة كبيرة أن يطيش سهم التوقعات الـمُـجـمَـع عليها مرة أخرى، وقد تكون العواقب أوخم هذه المرة.

محمد العريان رئيس كلية كوينز بجامعة كامبريدج، وأستاذ بكلية وارتون بجامعة بنسلفانيا ومؤلف كتاب «اللعبة الوحيدة في المدينة: البنوك المركزية، وعدم الاستقرار، وتجنب الانهيار التالي».

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاقتصاد العالمی الولایات المتحدة أسعار الفائدة عام 2023

إقرأ أيضاً:

دويتشه بنك يتوقع نمو الاقتصاد المصري 4.8% وتخفيض سعر الفائدة 4%

توقع دويتشه بنك الألماني أن ينمو الاقتصاد في مصر بنسبة 4.8% خلال العام المالي 2026/2025، مقابل نمو بنسبة 4.3% بالعام المالي 2025/2024.

ورجح البنك الألماني أن يتراجع متوسط معدل التضخم في مصر إلى 15 و16% خلال العام الحالي 2025، على أن يواصل الانخفاض ليسجل 10% في العام المقبل 2026.

يقترب هذا التوقع من تقديرات صندوق النقد الدولي، والذي توقع أن معدل التضخم في مصر سيصل إلى 15.3% في المتوسط خلال العام المالي 2026/2025، قبل أن يتراجع إلى 10.7% في المتوسط في العام المالي المقبل.

تجدر الإشارة إلى أن معدل التضخم السنوي في مدن مصر تراجع إلى 14.9% خلال شهر يونيو الماضي، مقابل 16.8% في مايو 2025، وهو أول تراجع على مدى ثلاثة أشهر متتالية.

ويري دويتشه بنك أن تنخفض أسعار الفائدة في البنك المركزي المصري بنسبة 4% خلال الفترة المتبقية بالعام الحالي، على أن يصل سعر الإيداع إلى 20% بنهاية العام مقارنة بنسبة 24% حالياً.

اقرأ أيضاًالبنك الأهلي المصري يقدم حساب توفير المستقبل المجاني بالجنيه والدولار

سعر الدولار في البنك المركزي يسجل أدنى مستوى له منذ أكتوبر 2024

يصل لـ 27%.. بنك مصر يواصل طرح شهادات الادخار للأفراد بأعلى عائد سنوي

مقالات مشابهة

  • الاقتصاد الأميركي ينمو 3% في الربع الثاني
  • محذرًا من غموض سياسات واشنطن.. صندوق النقد يرفع توقعات النمو العالمي بعد تخفيف ترامب للرسوم
  • الاقتصاد العماني وسياسات التنويع والابتكار
  • ثقة دولية في الاقتصاد التركي: صندوق النقد يرفع توقعات النمو!
  • الجنيه الإسترليني يهبط إلى أدنى مستوى له في 10 أسابيع
  • الفيدرالي الأمريكي يحسم الفائدة غدا.. والأسواق تراهن على التثبيت
  • تحذير عاجل من الأونروا: احذروا الصفحات الوهمية التي تستهدف سكان غزة
  • أسعار النفط تتراجع في ظل ضبابية التوقعات الاقتصادية
  • دويتشه بنك يتوقع نمو الاقتصاد المصري 4.8% وتخفيض سعر الفائدة 4%
  • المشهد الاقتصادي الأمريكي أمام منعطف قرار الاحتياطي الفدرالي بشأن أسعار الفائدة