كانتْ تلك الفتاةُ من غزّة تصرخ من الألم، وهو يحاول تضميدَ جراحها، وظلّت مع ذلك تسأله: "يا عمو قل لي هذا حلم وِلَا حقيقة"، وكان الطبيب عاجزًا عن الجواب يحاول أن يهدّئها، ويقول: "عمو خلينا نوقف النزيف أولًا".
لا أدري ما اسمك، يا صغيرتي، فدعيني أسمِّك "فاطمة" نسبة إلى أشرف نساء العالمين، بنت أعظم خلْق الله، حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.
أنا أيضًا، يا فاطمة، لا أريد أن أجيب، أَوَ تعلمين لماذا يا رُوح الروح- وكل بنات غزة هكذا والله- لأنني أخاف عليك من نفسي هذه الخائرة أولًا، ومن عواقب الوعي المبكّر الذي بلغْتِه تحت القصف والبارود.
يا فاطمة! دعينا نظل في مرابع الحُلم، ولو كان كابوسًا، فهو أرحم من أن تدركي يا حبيبتي الحقيقة، فجراح الوعي تكون أحيانًا أعمقَ من جراح الكوابيس وأوجع.
يا فاطمة! لن نذهبَ إلى النبي يوسف في سجنه ليُؤوِّل لنا الحُلم، ونعْبُر كابوسَنا الرهيب، ولو فعلنا يا بُنيتي فلن تجدي حولك إلا أضغاث أُمّة صلبها جلادوها من وراء البحار، فها هي الطير تأكل من رؤوسنا جميعًا، إلا أهل غزّة فإنهم يسقون الدنيا كرامةً من كؤوس جهادهم.
لن نغادر الحلميا فاطمة، إني أخاف عليك! لن نغادر الحُلم ولو كان كابوسًا، ولو فعلنا- يا صغيرتي- إلى أين نذهب؟ سيطلبون منك عند الحدود جواز سفر، وأنت لم تستخرجيه بعدُ، ولو كنت استخرجتِه فلن يصدقوك إن قلتِ لهم: "إنه كان محفوظًا مع أمي التي خرّ سقف بيتنا عليها مع بقية إخواني وأخواتي".
وحتى لو كانت وثيقة السفر بحوزتنا، يا فاطمة، فسيقولون لك: أين "الفيزا"؟ فمَن هو مثلك محرّمة عليه بلاد العرب، حلال لغيره ولو كانوا ممن هدموا الدار فوق رؤوسنا، عصيّةٌ عليه وحده حدودها، مشاع لغيره من بيض البشرة وزرق العيون!
آهِ يا فاطمة! لو كانت أمك على قيد الحياة لقصت عليك بعض قصص آلامنا على حدود العرب وعلى دروبهم! كم من مرة يتعين على الواحد منا أن ينزِل متاعه للتفتيش ويُحَمِله، ولن يمرّ إلا من بعد إتاوة يدفعها!
نحن، يا فاطمة، مأخوذون عند بني جلدتنا بالشبهة دائمًا، يصفوننا أحيانًا بأننا مُقَطَّعون لا تُؤْمَن جوانبنا، فنُسْأَلُ ونُسْتَجْوب ونُرَدُّ على أعقابنا، فكم من أسرة منا جابت مطارات العالم فلم تجد بابًا عربيًا تدخل منه، فاستقبلتها "ديار الحرب" بعد أن رفضتها "ديار الإسلام".
سيعلم حرّاس البوابات غدًا، يا فاطمة، مَنْ هم الذين تقطعت بهم السبل في عالم لا يرحم إلا الأقوياء الأحرار.
هل أخبرك، يا فاطمة، عن مئات الأسر ممن لجؤُوا إلى بلد عربي ثم أُخْرِجوا منه، قبل سنوات قليلة، ولم يستقبلهم بلد عربي، وفتحت البرازيل في الجانب الآخر من العالم لهم أبوابها، وكانت من بينهم عجوز، تكاد تخنق المئة، لتدفن هناك في موطن اللجوء الجديد؟!
يا فاطمة! إني أخاف عليك، لن نبرح الحُلم ولو كان كابوسًا "يا شيبة أبوي"، كما كان جَدي يناديني وأنا رُوح روحه في مثل سنك اليوم.
دنيا الحلمسنظل في دنيا الحلم، يا صغيرتي! أَوَ تدرين ما سوف ترين إن خرجنا إلى دنيا الحقيقة؟ شوارع نَغِلة تمتلئ حتى الثمالة بأجسام لا تشعر بكينونتها ولا وزنها، يحط على رؤوسها الطير ولا تهش باليد لتستنفره.
ينتهرهم الراعي ويهوش عليهم كلبه فيسوقهم إلى الحظيرة وراء جرس المرياع، )هو الكبش ذو الجرس يقود النعاج وراء حمار يركبه الراعي).
يا فاطمة! لو رأيتِ لرأيتِ جموعًا تموج تحسبينهم من بعيد جحافل تنفر إلى ساح الوغى، فإذا اقتربت رأيت غثاءَ سيلٍ تتناثر فقاعاته مثل فراش مبثوث.
لا تغادري يا بُنيتي، فلا يَنْبَؤُكِ مثلي، وأنا واحد منهم فقاعة لا وزن لها ولا قيمة.
يا فاطمة، إني أخاف عليك! الكابوس الذي تبحثين عن تأويل له أرحم مما ستجدينه في بلدان مَن كنا نظن أنهم منا ونحن منهم، وما يضمره كبراؤهم تجاه غزة ذلك أعظم وأحط، وهم يستعجلون فناء غزة ومُجاهديها.
طلبت غزة في محنتها قليلًا من زاد وماء، فجاءتها منهم أكفان وشيء من متاع قليل، وهذه لم تدخل إلا من بعد إذن من سادتهم في الكيان.
أتدرين، يا صغيرتي، ما قيمة كل من يرتقون شهداء من أطفال غزة ونسائها وشيوخها، أو يجرحون مثلك في نظر هذا الغثاء؟ فيلم قصير على المنصات كالذي شاهدتُك فيه تسألين عن الحلم، وتحاولين عبوره إلى الحقيقة.
نتبادله ونتصنع الحزن، ونشيد بصمود أهل غزة، ونكتب كما أفعل الآن، وندعو وكفى، بانتظار فيلم آخر! وحتى لو كان هذا الفيلم الآخر لحظةَ هدم "الأقصى" لا قدر الله، سيتنظرون فيلمًا آخر يصور ما هو أعظم وأكثر هولًا.
لا تسألي، يا فاطمة، تأويلًا من يوسف حتى يأتي زمن يُستبدَل فيه الغثاء بمن يجاهدون ويغاثون.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+
تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ولو کان کابوس ا لو کان
إقرأ أيضاً:
أم الإمارات تزور مجمع الشيخ زايد لرعاية الأطفال في إسطنبول
إسطنبول - وام
زارت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك «أم الإمارات» رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، اليوم، مجمع الشيخ زايد لرعاية الأطفال في إسطنبول، حيث كان في استقبالها السيدة أمينة أردوغان حرم الرئيس رجب طيب أردوغان رئيس الجمهورية التركية وعدد من كبار المسؤولين الأتراك.
وشاهدت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك والسيدة أمينة أردوغان عرضاً تعريفياً تناول برامج المجمع وبرامجه المتكاملة في رعاية الطفولة، وأبرز جهوده في توفير بيئة تعليمية واجتماعية وصحية متكاملة للأطفال.
وفي مستهل العرض، استمع الحضور إلى آياتٍ بيّناتٍ من الذكر الحكيم، تلاها أحد أطفال المجمع.
كما تناول العرض أهمية المجمع في دعم التعاون الثنائي بين الدولتين في مجالات تنمية الطفولة المبكرة، إلى جانب تسليط الضوء على المبادرات التعليمية التي يطلقها المجمع لترسيخ القيم الإنسانية، وتطوير القدرات الذهنية والإبداعية للأطفال، مع تقديم الدعم الأكاديمي والنفسي للطلبة الموهوبين.
وقدّم القائمون على المجمع نبذة تعريفية حول أهدافه ورؤيته في رعاية الأطفال، وتوفير بيئة آمنة ومحفزة لنموهم الشامل، مشيرين إلى أن المجمع يركز على تنمية الجوانب التعليمية والنفسية والاجتماعية للأطفال، وتمكينهم من اكتشاف قدراتهم ومواهبهم، بما يُسهم في إعداد جيل متميز من الأطفال قادر على المساهمة الفاعلة في مجتمعاتهم.
كما استمعت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، خلال زيارتها، إلى عرض شامل حول مشروع إعادة تطوير مجمع الشيخ زايد لرعاية الأطفال في إسطنبول، والذي جاء نتيجة توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة تنمية المجتمع ومؤسسة زايد للأعمال الخيرية والإنسانية ووزارة الأسرة والخدمات الاجتماعية في الجمهورية التركية؛ بهدف تطوير المجمع بقيمة 40 مليون درهم، حيث يشكل المجمع نقلة نوعية في خدمات الرعاية المتخصصة للأطفال.
وتضمّن العرض شرحاً لأعمال التوسعة والصيانة والتحديث التي تم تنفيذها ضمن خطة شاملة تضمن استمرارية عمل المجمع بكفاءة عالية، بما يواكب أفضل الممارسات العالمية في مجال رعاية الطفولة؛ حيث شملت عملية التطوير توسعة المرافق، وتحسين بيئة الإقامة والتعليم والدعم النفسي والاجتماعي.
وأشادت سموها بالجهود المبذولة في المجمع الذي يعدّ صرحاً إنسانياً بارزاً يعكس العلاقات التاريخية المتميزة بين دولة الإمارات والجمهورية التركية، مؤكدة أهمية هذه المشاريع الإنسانية في تعزيز روابط التعاون المشترك وتحقيق التكافل الاجتماعي، منوهة بأن رعاية الأطفال وتوفير الحياة الكريمة لهم من أولويات العمل الإنساني الإماراتي في مختلف دول العالم.
واستمعت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، أثناء زيارتها، إلى كلمة مؤثرة ألقاها شاب نشأ في المجمع، أكد فيها أن المجمع لم يكن مجرد مكان للإقامة، بل بيئة تربوية وإنسانية متكاملة صقلت شخصيته وزرعت فيه الأمل والطموح، معرباً في كلمته عن بالغ امتنانه لدولة الإمارات على رعايتها المستمرة ومبادراتها النبيلة التي تعكس التزامها الإنساني العميق بدعم الأطفال وتمكينهم في مختلف أنحاء العالم.
كما شاهدت سموها عرضاً قدمته فرقة كورال مكونة من أطفال المركز، عبّروا من خلاله عن أحلامهم بمستقبل مشرق ورسائلهم المليئة بالأمل والثقة بالحياة، كما زارت سموها مركز الحضانة التابع للمجمع، واطلعت على مرافقه والخدمات المقدمة للأطفال من حديثي الولادة حتى عمر عامين، مشيدة بمستوى الرعاية الشاملة والاهتمام الذي يحظى به الأطفال في هذه المرحلة المبكرة من حياتهم.
بعد ذلك ألقت سناء بنت محمد سهيل، وزيرة الأسرة، كلمة، أكدت فيها أن مجمع الشیخ زاید لرعایة الأطفال في إسطنبول یعدّ شاھداً على عمق الروابط الوثیقة التي تجمع بین البلدین والشعبین الصديقين، مشيرة إلى أن المركز يُعدّ امتداداً لنھج «العطاء» الذي أرساه المغفور له الشیخ زاید بن سلطان آل نھیان، طیب الله ثراه، تاركاً إرثاً خالداً من الإنجازات التي عكست الخير والمحبة والإنسانیة في مختلف أنحاء العالم.
وقالت: «منذ افتتاحه عام 1990، يوفر المجمع بیئة آمنةً وحاضنةً للأطفال ممن هم في حاجة للرعایة، لا تقتصر على إیوائھم فحسب، بل تنشئتهم تنشئة سليمة تجعلهم قادرين على بناء مستقبلهم، وذلك من خلال تقدیم خدمات متنوعة تشمل التعلیم، والرعایة الصحیة، والدعم النفسي والمعنوي».
وأضافت: «تجمع دولة الإمارات والجمھوریة التركیة علاقات تاریخیة متینة، تستند إلى رؤیة مشتركة وقیم أصیلة ثابتة تربط بين الشعبین الشقیقین. ويأتي في مقدمتها التكافل الاجتماعي ورعایة الفئات الأكثر احتیاجاً، وھي الأساس الذي نبني علیه مستقبلاً مزدهراً لأجيالنا القادمة».
وشددت على أن دولة الإمارات العربیة المتحدة، بقیادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، ومتابعة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك «أم الإمارات»، تولي اهتماماً بالغاً بالأسرة والطفل، وتعمل بشكل مستدام على توفیر جمیع سبل الدعم والرعایة لھم، الأمر الذي أسهم في تحقيق إنجازات رائدة في ھذا المجال.
وأضافت: «أنه ومع إعلان عام 2025 «عام المجتمع» في دولة الإمارات، نؤكد على أھمیة تعزیز التلاحم والتماسك المجتمعي، فالأسرة ھي نواة المجتمع، ورعایة أفرادھا ھي الأساس لبناء مجتمع قوي قادر على مواجھة التحدیات وتحقیق الازدھار».
واختتمت وزيرة الأسرة كلمتها بالتأكيد على التزام دولة الإمارات بھذه الشراكة الاستراتیجیة مع الجمهورية التركية، وعلى مواصلة العمل معاً من أجل تحقیق التنمیة المستدامة والرخاء للشعبین الشقیقین.
وألقت ماهينور أوزدمير غكتاش، وزيرة الأسرة والخدمات الاجتماعية في تركيا، كلمة أكدت فيها عمق العلاقات التي تجمع بين الجمهورية التركية ودولة الإمارات، مشيدة بالدور الريادي الذي تضطلع به دولة الإمارات في دعم المبادرات الإنسانية والاجتماعية على المستويين الإقليمي والدولي.
وثمّنت جهود سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك في دعم قضايا المرأة والطفل على الصعيدين الإقليمي والدولي، مشيدة برؤيتها الإنسانية الرائدة التي شكلت مصدر إلهام للعديد من المبادرات الاجتماعية والتنموية في العالم.
وعبّرت عن تطلع بلادها إلى ترسيخ هذا التعاون البناء، لا سيما في مجالات حماية الطفل وتمكين الأسرة، من خلال تبادل الخبرات وتطوير البرامج المشتركة، بما يعكس الرؤية المشتركة للبلدين في تعزيز جودة الحياة وتحقيق التنمية المستدامة للمجتمعات.
يذكر أن مجمع الشيخ زايد لرعاية الأطفال في إسطنبول يستهدف خلق بيئة شاملة وآمنة تحتضن الأطفال وتوفر لهم مقومات النمو السليم، بما يعزز من قدراتهم ويؤهلهم ليكونوا أفراداً فاعلين في مجتمعاتهم، وهو ما ينسجم مع رؤية الإمارات في الاستثمار في الإنسان منذ سنوات طفولته.