كاتب بريطاني: ما يحدث بالسودان عواقبه كبيرة بالشرق الأوسط.. وانشغال بايدن بغزة خطأ استراتيجي
تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT
"السودان على شفا كارثة جديدة"، تحت هذا العنوان كتب مارتن بلوت، الزميل الأول في معهد دراسات الكومنولث والمستشار السابق للحكومتين البريطانية والأمريكية، مقالا في موقع "أوراسيا ريفيو"، قائلا لإن ما يحدث في السودان لم يحصل إلا على القليل من العناوين الرئيسية في عالم مهووس بالقتال في غزة.
ورغم أن الصراع في السودان ليس مجرد قضية إقليمية على ما يبدو، إلا أنه يحمل القدرة على إعادة تشكيل سياسة المنطقة، مع ما يترتب على ذلك من عواقب على الشرق الأوسط بأكمله، كما يقول الكاتب، الذي ينتقد قلة الاهتمام الأمريكي بما يحدث في السودان، مع انشغال بايدن الشديد بغزة، واقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، لا سيما أن السودان بات بسبب تلك الحرب ملعبا لخصوم واشنطن، وأبرزهم روسيا.
ويضيف بلوت أن إعادة التشكيل تلك قد تأتي في وقت لاحق، لكن الآن يبدو أن الحرب الدائرة بين الجيش السوداني - الذي يقوده عبدالفتاح البرهان، وقوات "الدعم السريع" التي يتزعمها محمد حمدان دقلو "حميدتي" – تسببت في أزمة إنسانية وخيمة، أجبرت ما يقدر بنحو 6.7 مليون شخص على الفرار من منازلهم.
اقرأ أيضاً
مع حرب إسرائيل على غزة.. كيف بات السودان مأساة منسية؟
ووفقاً لوكالات الإغاثة، فإن هذه "أكبر أزمة نزوح على مستوى العالم".
وقد اقترب العديد من السودانيين من المجاعة بسبب تلك الحرب، بعد أن أجبروا على ترك أراضيهم، وبات أكثر من نصف السكان – 25 مليون شخص (بما في ذلك 13 مليون طفل) – بحاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية، كما يقول الكاتب.
ود مدنيويعتبر الكاتب أن سقوط مدينة ود مدني في يد قوات "الدعم السريع" تطور محوري للحرب، حيث منحت هذه المدينة لقوات "حميدتي" موارد ثمينة، وباتت تلك القوات تسيطر الآن على المنطقة الحضرية التي لجأت إليها معظم وكالات الإغاثة بعد اندلاع القتال في العاصمة السودانية الخرطوم.
والآن، تسيطر قوات "الدعم السريع" على معظم العاصمة الخرطوم وأجزاء كبيرة من إقليم دارفور، في حين اضطر الجيش السوداني إلى الانتقال إلى منطقة آمنة نسبياً في بورتسودان، شرقي البلاد.
وقد لخص محللو "تشاتام هاوس" الوضع بدقة عندما قالوا: "لقد ظهر تقسيم فعال في السودان، حيث يسيطر الجيش على الشرق والشمال الشرقي، بينما تسيطر قوات الدعم السريع على جزء كبير من العاصمة وغرب البلاد".
اقرأ أيضاً
اتهام أمريكي جديد للإمارات بتسليح قوات الدعم السريع في السودان.. ماذا حدث؟
التفاعل الأمريكيوينتقد الكاتب التفاعل الأمريكي الفاتر مع الحرب في السودان، رغم أن واشنطن يمكنها لعب دور مؤثر ومحوري لوقفها.
ويقول إن السبب وراء كون الدعم الأمريكي فاترًا بسيط، وهو أن الرئيس جو بايدن متورط في الصراع بين إسرائيل و"حماس" في غزة.
ويضيف: مع انطلاق حملة إعادة انتخابه، لم يعد لدى بايدن سوى القليل من الوقت للتركيز على السودان.
ويمضي الكاتب بالقول إن هذه اللامبالاة الظاهرة أمر خاطئ، ولا يخدم مصالح واشنطن.
اقرأ أيضاً
السودان: "الدعم السريع" تستغل الانشغال بغزة لتنفيذ جرائمها
"فاجنر" وروسياويشير الكاتب إلى أن سيطرة "حميدتي" على مناجم الذهب وثرواته في السودان منحته قوة استثنائية وعلاقات مع روسيا وميليشيات "فاجنر" التابعة لها.
وقد حظيت "فاجنر" بحصص منتظمة من ذهب السودان مقابل إمداد قوات الدعم السريع بالسلاح، كما أظهرت تقارير غربية.
وكان الذهب السوداني، الذي تم نقله جواً من ليبيا إلى القاعدة الروسية في اللاذقية، يدفع ثمن الأسلحة.
ويقول الكاتب: "لم يمول هذا الذهب شركة فاغنر فحسب، بل قام أيضًا بتمويل حرب الرئيس فلاديمير بوتين في أوكرانيا".
اقرأ أيضاً
بمبعوث خاص والضغط على الإمارات.. اتجاه أمريكي لتصحيح المسار بشأن الحرب في السودان
الإماراتوبصرف النظر عن مجموعة "فاجنر" الروسية، فإن الإمارات العربية المتحدة هي الداعم الرئيسي الآخر لقوات "الدعم السريع"، يقول الكاتب.
ويقول الجيش السوداني إن لديه "معلومات من المخابرات والمخابرات العسكرية والدائرة الدبلوماسية تفيد بإرسال الإمارات طائرات لدعم الجنجويد".
وأنشأت الإمارات مستشفيات في تشاد لتقديم العلاج للاجئين الفارين من القتال.
وعلى الرغم من أن الإمارات تنفي ذلك، إلا أن هناك اعتقادًا واسع النطاق بأن المساعدات ليست أكثر من مجرد واجهة لإمدادات الأسلحة لقوات "الدعم السريع"، كما يقول بلوت.
ويُنظر إلى أوغندا على أنها طريق بديل لدعم الإمارات لعمليات "حميدتي".
وبحسب ما ورد، عندما هبطت طائرة في مطار عنتيبي الرئيسي في أوغندا في يونيو/حزيران من العام الجاري، ذكرت وثائق رحلتها أنها كانت تحمل مساعدات إنسانية أرسلتها الإمارات للاجئين السودانيين. وبدلاً من ذلك، "قال المسؤولون الأوغنديون إنهم عثروا على عشرات الصناديق البلاستيكية الخضراء في عنبر شحن الطائرة مليئة بالذخيرة والبنادق الهجومية وغيرها من الأسلحة الصغيرة".
اقرأ أيضاً
فورين بوليسي: لا تسمحوا بانهيار كارثي في السودان.. والحل في الإمارات والسعودية ومصر
توسيع نفوذ الإمارات وروسياويحذر الكاتب من أنه إذا نجح "حميدتي" في حملته ضد الجيش السوداني فسيؤدي إلى توسيع نفوذ الإمارات في عمق أفريقيا وتعزيزا لقوة "فاجنر" في مساحة شاسعة من القارة السمراء ومنطقة الساحل، علاوة على تعزيز نفوذ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتمويله، وهو ما سيكون بمثابة ضربة قوية للولايات المتحدة والغرب.
المصدر | مارتن بلوت / أوراسيا ريفيو - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: السودان حميدتي قوات الدعم السريع الجيش السوداني ود مدني الشرق الأوسط بايدن فاجنر روسيا الإمارات الجیش السودانی الدعم السریع فی السودان اقرأ أیضا
إقرأ أيضاً:
البرهان يناور بذكاء ويتوعد الدعم السريع
تخيل بلدا يقف على جرف هارٍ تدفعه حرب ضارية إلى الهاوية، وجيشا يقاتل على جبهات متشعبة، واقتصادا ينهار طبقة بعد أخرى، بينما تتنازع قوى عالمية على أرضه وموانئه وذهبه وموقعه الاستثنائي.
وفي قلب هذا المشهد يقف رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، محاولا أن يمسك بالعصا من وسطها: يلوح للغرب بإمكانية الشراكة، ويشد في الوقت نفسه خيوط الارتباط بالشرق الصاعد.
ليس ذلك تقلبا سياسيا ولا انتقالا عشوائيا بين المحاور، بل مناورة وجودية فرضتها الجغرافيا القاسية، وحرب أنهكت الدولة والمجتمع، وتوازنات دولية تجعل من السودان ساحة اختبار كبرى في صراع النفوذ على البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
وفي هذا السياق تحديدا، برزت آخر رسائل البرهان إلى الغرب عبر مقاله الذي اختار له بعناية صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية بتاريخ 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2025؛ رسالة لم تكن مقال رأيٍ عابرا، بل مذكرة سياسية مشفرة، صيغت بقدر محسوب من الإيحاء لتصل مباشرة إلى دوائر صناعة القرار.
الانحياز إلى الشرق يعني سلاحا متاحا، لكن يفضي إلى عزلة مالية خانقة والانحياز إلى الغرب يعني دعما اقتصاديا محتملا، لكن يفضي إلى فقدان الإسناد العسكري، وخطر الانفجار الداخلي، ولهذا يصبح الاصطفاف الكامل قاتلا
الرسالة السياسية والصفقة غير المعلنةفي مقاله المثير، حمل البرهان قوات مليشيا السريع مسؤولية الحرب، رافضا توصيف الصراع بأنه "صراع جنرالين"، ومؤكدا أنها حرب تمرد على الدولة.
لكنه لم يكتفِ بهذا التوصيف؛ بل بنى المقال كله على فكرة واحدة: إذا ساعدتموني على تفكيك مليشيا الدعم السريع وإنهاء التمرد، فسأكون جاهزا للمضي في مسار التطبيع، وتقديم صيغة حكم مدني ترضيكم.
لوح البرهان بالانتقال الديمقراطي، وذكر الغرب بأن الصراع يهدد مصالحه في البحر الأحمر، وفتح باب الشراكة الاقتصادية، مشيرا إلى دور للشركات الأميركية في إعادة الإعمار. بدا المقال أقرب إلى عرض تفاوضي مكتمل الأركان: دعم عسكري وسياسي مقابل شرعية واستقرار وتعاون أمني.
هذه الرسالة ليست معزولة؛ فهي تأتي في وقت تتنامى فيه تحركات البرهان على الساحة الدولية: خطابات في الأمم المتحدة، إشارات إيجابية في الملفات الإنسانية، وانفتاح محسوب على المؤسسات الغربية.
إعلانلكن هذه الإشارات لا تعني انقلابا إستراتيجيا نحو الغرب، بل هي جزء من لعبة أكبر توازن فيها القيادة السودانية بين مكاسب اللحظة، ومخاطر الاصطفاف الحاد.
بين القيمة الجيوسياسية وكلفة الاصطفافيحتل السودان موقعا استثنائيا. فهو بوابة البحر الأحمر، وممر التجارة العالمية، وخزان ضخم للمعادن والأراضي الزراعية. ولهذا تتصارع عليه القوى الكبرى اليوم، كما لم تفعل من قبل.
الصين ترى في السودان امتدادا لطريقها التجاري نحو أفريقيا. استثماراتها الضخمة في الموانئ والبنية التحتية والزراعة، تجعلها تبحث عن طريقة لتفادي انهيار كامل قد يبتلع مصالحها. وبكين، رغم هدوئها المألوف، تدرك أن الفوضى في السودان تعني خسارة سنوات من العمل الاقتصادي والإستراتيجي، ولذلك تتحرك بدقة: دعم محدود للجيش، وضغط خلفي لتثبيت الاستقرار دون الاصطدام بالغرب مباشرة.
أما روسيا فقد استعادت أدواتها غير النظامية عبر "أفريكا كوربس"، البديل الجديد لفاغنر، بهدف ترسيخ وجود إستراتيجي دائم على البحر الأحمر. بالنسبة لموسكو، السودان ليس مجرد شريك إستراتيجي، بل هو مفتاح لدخول القرن الأفريقي بعمق، وتحقيق توازن مع الضغوط الغربية في أوكرانيا، وأوروبا.
الغرب من جهته يراقب بقلق تمدد الشرق. لكنّ لديه شرطا واحدا لم يتغير: لا دعم اقتصاديا حقيقيا دون التقدم في ملف التطبيع، وهندسة المسرح السياسي الداخلي، واستبعاد تيار بعينه.
هكذا يجد السودان نفسه أمام معادلة مستحيلة:
الانحياز إلى الشرق يعني سلاحا متاحا، لكن يفضي إلى عزلة مالية خانقة. الانحياز إلى الغرب يعني دعما اقتصاديا محتملا، لكن يفضي إلى فقدان الإسناد العسكري، وخطر الانفجار الداخلي.
ولهذا يصبح الاصطفاف الكامل قاتلا، والمناورة بين الشرق والغرب أشبه بخيط نجاة رفيع، لكن لا بد من السير عليه.
عدم الانحياز الذكي ورهان الداخلضمن هذه الحسابات الدولية المعقدة، يبرز مسار ثالث يفرض نفسه بقوة:
عدم الانحياز الفعال، وهو ليس حيادا سلبيا كما في الستينيات، بل إستراتيجية قائمة على مزيج من الانفتاح الانتقائي، والمداورة الدبلوماسية.
هذا المسار يعني:
تعاونا اقتصاديا عميقا مع الصين، دون الارتهان لها. شراكة أمنية مع روسيا، دون التحول إلى بوابة لها على البحر الأحمر. انفتاحا على الغرب، دون الوقوع في فخ الشروط الثقيلة التي قد تشعل الداخل. بناء دور إقليمي يعتمد على الجغرافيا لا على الأيديولوجيا.بهذه المقاربة، يتحول السودان من ساحة صراع إلى لاعب يجيد توظيف الصراع لصالحه.
بيد أن كل هذا لن ينجح إذا لم يتم حسم المعركة الأهم: معركة الداخل. فالرهان الحقيقي ليس على واشنطن ولا بكين ولا موسكو، بل على قدرة القيادة السودانية على:
توحيد الجبهة الداخلية، إعادة بناء المؤسسات، وقف النزيف الاقتصادي، وفرض إرادتها على القوى الإقليمية المتدخلة.
فمن دون جبهة داخلية متماسكة، تصبح المناورة الخارجية مجرد لعبة خطرة قد تسقط عند أول هزة. ومن دون قرار وطني صارم، لن تستطيع الخرطوم تحويل ثقلها الجيوسياسي إلى قوة حقيقية.
الخلاصة: المناورة ليست خيارا.. بل قدرا سياسياما يقوم به البرهان اليوم ليس استسلاما للغرب ولا انحيازا للشرق، بل مناورة إجبارية تهدف إلى جمع السلاح من منطقة، والشرعية من أخرى، والمساعدات من ثالثة، دون دفع الأثمان كاملة لأي طرف.
إعلانهي محاولة لاستثمار موقع السودان الفريد في معركة الهيمنة على البحر الأحمر، وتحويل الأزمة إلى ورقة تفاوض كبرى. غير أن هذه اللعبة الخطرة لن تجدي نفعا إذا لم يُستعَد الداخل أولا.
ففي النهاية، لا تحدد الدول الكبرى مصائر الأمم بقدر ما تحددها إرادة أبنائها.
وقدرة السودان على الخروج من النفق لا تتوقف على لعبة التوازن الدولية فحسب، بل على قوة البيت الداخلي، وتمكن القيادة من فرض رؤيتها على من يحاولون تشكيل مستقبل السودان من الخارج.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline