يمن مونيتور:
2025-05-21@14:31:48 GMT

الولايات المتحدة.. سياسة كابوسية

تاريخ النشر: 31st, December 2023 GMT

الولايات المتحدة.. سياسة كابوسية

في عام 1796، حذر جورج واشنطن مواطنيه من مخاطر السماح “للارتباط العاطفي” بدولة أخرى بالتأثير على السياسة. لكن يبدو أن إدارة بايدن تذهب بعيداً عن هذا التحذير!

في اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أعلن البيت الأبيض دعماً “أعمى” وغير مشروط للإسرائيليين ضد الفلسطينيين في قطاع غزة؛ بعث بايدن وزير خارجتيه “بلينكن” إلى إسرائيل ليقول إنه وصلها كيهودي وليس كوزير خارجية للولايات المتحدة.

بايدن خرج يقول “أنا صهيوني ودعمي لليهود لا يتزعزع”. لقد تبنى بايدن المسؤولون والصحافة الأمريكية كل الأكاذيب والدعاية الإسرائيلية. بالتزامن مع سلسلة من ردود الفعل السلبية التي تفتح الطريق بشكل مؤلم “أمام توسيع حرب واشنطن التي لا تنتهي التي بدأت في أعقاب 11 سبتمبر”- كما أوضح أندرو باسيفيتش عالم السياسة الأمريكي في مقاله الأخير.

وطول عقود سعت الولايات المتحدة إلى عدم ربط سياساتها الخارجية بالصراع “العربي-الإسرائيلي”. ففي حين مدّت إسرائيل بالأسلحة والغطاء الدبلوماسي سعت واشنطن إلى وضع نفسها باعتبارها “وسيط نزيها” ملتزم بتعزيز الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط، وتبنت “عملية السلام”، وهي عملية مثيرة للسخرية أصبحت مقترنة بفشل الدبلوماسية والمؤسسات الدولية، وأفول نجم تزعم العالم رغم حالة الانكار في دوائر واشنطن.

ولإبقاء تربعها على رأس الهيمنة كانت أمريكا قد حوّلت استراتيجيتها باتجاه المحيطين الهندي والهادئ، ولم يكن الشرق الأوسط ضمن أولوياتها. حتى السابع من أكتوبر مع العدوان الإسرائيلي على غزة دفعت بالقوات والقطع البحرية بشكل مستغرب، وسيرت جسر جوي عسكري لا يتوقف من الولايات المتحدة إلى إسرائيل. وهي تعتقد أنها ستمنح النجاح لدبلوماسية بلينكن وكأنه كسينجر الجديد!

ولا يمكن مقارنة الدبلوماسية الخرقاء الأمريكية الحالية، بالدور الذي لعبه كيسنجر لصالح بلاده رغم أنه لم يكن لصالح العرب. إذ كان ينظر للخريطة الاستراتيجية الأكبر، بينما ينظر بايدن إلى صهيونيته وبلينكن إلى يهوديته. بل إن البيت الأبيض يستخدم سياسة السوفييت في الحرب الباردة، حيث استبعدوا أنفسهم كوسطاء محتملين لقضايا الشرق الأوسط بسبب ردود فعلهم السلبية. وهي أخطاء استخدمها كسينجر لإيهام الزعماء العرب أن الولايات المتحدة وحدها القادرة على تقديم التنازلات الإسرائيلية، وأن الثمن ــ السلام مع إسرائيل والانفصال عن الفلك السوفييتي ــ يستحق العناء لأجل الاستقرار والتنمية في المنطقة! وأخرج مصر من الفلك السوفيتي وانتج اتفاق “كام ديفيد” ثم أوسلو الذي دفن الوعود الأمريكية بمنح الفلسطينيين بلداً مقابل اعترافهم بإسرائيل!

لذلك لم يعد لدى الأمريكيين ما يقدمونه للعرب، ودعاية واشنطن لم تعد صالحة، فليست وسيطاً نزيها، ولم تعد تستطيع تقديم “التنازلات الإسرائيلية” بل أصبحت طرفاً في الحرب. فلم يكن مستغرباً ظهور العرب بعيداً عن واشنطن، وهي نتاج تحوّلات سبعة عقود من علاقاتها مع دول المنطقة.

ومع حرب غزة ظهر الحزم الدبلوماسي الإيجابي لدول الخليج –السعودية وقطر على وجه خاص- وتأثيره في العالم الإسلامي، والتوسط في القضايا ذات التأثير الكبير على المنطقة بعد عقود من تأثير غربي منفرد على السياسات الإقليمية. وهو يأتي ضمن موقف عربي أظهر أنه لا يقف على الهامش ويستطيع التأثير في مجلس الأمن وقيادة الدول الإسلامية للتوحد حول مبادئ واحدة تدعم القضايا العربية. وتم تجريد البيت الأبيض من نفوذه في الأمم المتحدة، فلم تجد واشنطن بجانبها في تصويت الجمعية العمومية إلا دولاً مجهرية مثل ميكرونيسيا وتونغا؛ والتفت المجتمع الدولي مع العالم الإسلامي وروسيا والصين التي يروج بايدن أنها تسعى لإنهاء “النظام القائم على القواعد”.

ولتأكيد السخرية من “النظام القائم على القواعد” ردت إدارة بايدن منذ السابع من أكتوبر بإرسال المزيد من القوات والقطع البحرية إلى البحر الأحمر وشرق المتوسط، في عمل عسكري أحادي دون اعتبار لمجلس الأمن ولدول المنطقة وحلفاءها التقليديين بما في ذلك الأوروبيين؛ في وقت تجرف المزيد من الأسلحة إلى إسرائيل. فرفضت الدول المطلة على البحر الأحمر الانضمام إلى “عملية حارس الازدهار” فيما رأى الأوروبيون أنهم لم يعودوا قادرين على الانخراط في حماقة حرب جديدة في الشرق الأوسط بعد الهزائم بقيادة الولايات المتحدة من العراق وحتى أفغانستان؛ فرد الفعل السلبي دون ملاحظة الفروق الدقيقة يجد العواقب أمامه.

 وكما أوضح جورك كينان في “نقد الديناصورات”، فإن الولايات المتحدة تتخذ قراراتها في فورة غضب وعاطفة دون تمييز في الفروق الدقيقة بما فيها مصالحها، “ديناصورات تتجاهل كل شيء لفترة طويلة بشكل خطير”. وتقدم السياسة الكابوسية في غزة، مع موزانة جديدة للدفاع وقعت الأسبوع الماضي بقيمة 886 مليار دولار، أي قرابة التريليون، خيالاً لديناصور الحرب الأمريكي وهو يتجاهل كل شيء عائداً إلى الشرق الأوسط.

ونظرياً فإن جر الولايات المتحدة إلى حملة صليبية جديدة في الشرق الأوسط سوف يكون قمة الحماقة. إلا أنه وفي ظل قدر ضئيل من الاهتمام العام وإشراف أقل من جانب الكونجرس، فإن هذا هو على وجه التحديد ما قد يحدث. ففي محاولتها لاستيعاب حرب غزة، وفقدان ثقة المنطقة والعالم بها في حرب غزة، تبدو أمريكا مع عودة للحرب في الشرق الأوسط بطريقة جديدة يحتمل أن تكون كارثية، وهي طريقة قد تساعد في حملة إعادة انتخاب دونالد ترامب، الجمهوري الشعبوي الأكثر غروراً بـ”أمريكا أولاً” وأسهل قراراته هي الحرب، لكنها لن تخدم إلا ظهور عالم متعدد الأقطاب.

تؤكد سياسات الولايات المتحدة خلال العقد الأخير أن الإمبراطورية المهيمنة تتحول إلى اللون البني مثل رأس خس قديم، فهي منهكة سياسياً، ومنقسمة للغاية، ومختلة وظيفياً، وفاشلة في الاحتفاظ بالحلفاء، إلى حد لا يسمح لها بالازدهار في عالم تنافسي.

ويقول أندرو باسيفيتش إن تحذير جورج واشنطن -الذي ابتدأنا به المقال- “لا يزال صالحا حتى يومنا هذا. إن حرب غزة ليست ولا ينبغي أن تصبح حرب أمريكا”؛ واتخاذ مسار حرب جديدة في الشرق الأوسط يفقدها الحلفاء التقليديين، ولم تكن الولايات المتحدة قوية إلا بتحالفاتها، عندما تفقد ذلك ينتهي احتكارها قيادة العالم، لصالح عالم تنافسي متعدد الأقطاب!

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: البحر الأحمر السياسة الدولية الولايات المتحدة اليمن غزة الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط حرب غزة

إقرأ أيضاً:

صحف عالمية: نتنياهو أمام قرار مصيري بشأن غزة

تناولت صحف عالمية قضايا محورية في الشرق الأوسط، أبرزها القرار المصيري الذي يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بين المضي في العملية العسكرية "عربات جدعون" أو قبول صفقة تبادل.

كما استعرضت ما وصفته بالتحول الدراماتيكي في السياسة الأميركية تجاه سوريا، فضلًا عن تحذيرات من مخاطر قانونية تواجه حلفاء إسرائيل بسبب عدم تحركهم لمنع "الإبادة الجماعية" في غزة.

ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن وزراء في الحكومة الإسرائيلية أن نتنياهو يواجه أحد أهم القرارات في مسيرته، فإما أن يمضي قُدما في المرحلة الأولى من خطة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف أو يذهب إلى صفقة شاملة.

وأضافت الصحيفة أن عددا من وزراء الحكومة يرون أنه يجب إتمام أي صفقة في أقرب وقت، حتى لو كانت تشمل نصف الأسرى فقط، على أن يناقَش لاحقا احتمال التوصل إلى صفقة شاملة تتضمن "استسلام" حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإنهاء الحرب.

وفي سياق متصل، رأت افتتاحية صحيفة "هآرتس" أن عملية عربات جدعون التي بدأها الجيش الإسرائيلي يوم الخميس في قطاع غزة لا تهدف إلى إطلاق سراح الأسرى أو توفير الأمن لمواطني إسرائيل.

وأوضحت الصحيفة أن هدف العملية في أفضل الأحوال هو الحفاظ على ائتلاف نتنياهو "المتطرف" من خلال تأجيل نهاية الحرب.

إعلان

وفي أسوأ الأحوال -وهو الأرجح في نظر الصحيفة- الهدف منها هو دفع الجيش الإسرائيلي إلى ارتكاب جريمة حرب مروعة تتمثل في التطهير العرقي في القطاع بأسره أو في أجزاء منه.

ترامب والشرع

وتحت عنوان "حلفاء إسرائيل يواجهون خطر التواطؤ"، كتبت مراسلة صحيفة "لوموند" في لاهاي أن إحجام الدول الغربية عن اتخاذ إجراءات ملموسة ضد إسرائيل -على الرغم من قرار محكمة العدل الدولية الذي يعترف بخطر الإبادة الجماعية في غزة- يعرّضها لملاحقة قضائية بسبب فشلها في الوفاء بالتزاماتها الدولية.

وأضافت أن الاتحاد الأوروبي تلقى إخطارا رسميا بسبب فشله في الوفاء بالتزاماته بالتحرك في مواجهة خطر الإبادة الجماعية المؤكد في غزة.

وفي السياق السوري، قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن مصافحة الرئيس دونالد ترامب للرئيس السوري أحمد الشرع ووعده برفع العقوبات عن بلاده هذا الأسبوع كان دليلًا واضحًا على نجاح دبلوماسية الرئيس الأميركي في الشرق الأوسط في تهميش إسرائيل.

ورغم ذلك، لا يوجد ما يشير إلى أن الولايات المتحدة ستتخلى عن علاقاتها التاريخية بإسرائيل، أو أنها ستوقف دعمها العسكري والاقتصادي لها.

بدورها، قالت صحيفة "الأوبزرفر" إن سوريا تعمل على تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة بعد الكلمات الدافئة من الرئيس ترامب للرئيس السوري الشرع.

وأضافت أن قرار ترامب المفاجئ لقاء الشرع في الرياض خلال رحلته إلى الشرق الأوسط حمل أكثر من مجرد رمزية من العيار الثقيل، وقد قلب إعلان ترامب الطاولة على سنوات من السياسة الأميركية التي حافظت على مجموعة واسعة من العقوبات التي استهدفت عائلة الأسد وداعميه لمدة طويلة.

مقالات مشابهة

  • التحديات مستمرة مع إعادة ترامب تعريف دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط
  • ترامب ينتقد سياسات بايدن ويؤكد: جولتي في الشرق الأوسط كانت إيجابية
  • «الشرق الأوسط للساعات والمجوهرات» ينطلق في الشارقة 28 الجاري
  • ثلاث مقاتلات أمريكية تسقط من على متن “ترومان”.. واشنطن تسحب حاملة الطائرات من الشرق الأوسط
  • عالم يُقسَّم.. والشرق الأوسط يدفع الثمن
  • جولة ترامب في الشرق الأوسط تكشف تجاهله لغزة
  • الرياض عاصمة القرار السياسي في الشرق الأوسط
  • ترامب يعيد رسم تحالفات الشرق الأوسط ورسالة صامتة تضع العراق في الظل
  • صحف عالمية: نتنياهو أمام قرار مصيري بشأن غزة
  • ترامب يغير الشرق الأوسط وليس نتنياهو