لأول مرة.. الصين تحقق أصعب أنواع النقل الآني الكمي
تاريخ النشر: 29th, July 2025 GMT
في خطوة كبيرة قد تُسرّع من بزوغ فجر الإنترنت الكمومي لعالمنا، أعلن فريق من العلماء في جامعة نانجينج بالصين عن نجاحهم في تحقيق ظاهرة "النقل الآني" للمعلومات.
هذا الإنجاز، الذي نُشر في دراسة حديثة في دورية "فيزيكال ريفيو ليترز"، يستغل أحد أغرب الظواهر في ميكانيكا الكم والتي لا تكف عن إثارة دهشة العلماء حول العالم.
ويقول شياو سونغ ما، الباحث في قسم الفيزياء في مختبر نانجينج الصيني للبنى المجهرية للحالة الصلبة، والمشارك في الدراسة، في تصريحات حصرية للجزيرة نت، محتفلا بالإنجاز "لقد نجحنا في إثبات إمكانية إجراء النقل الآني الكمومي من ضوء مستخدم في الاتصالات إلى ذاكرة كمومية في الحالة الصلبة تعتمد على أيونات الإربيوم".
ويكمن جوهر هذا الإنجاز في ربط عالمين، وهما عالم الفوتونات الضوئية، التي تعد أفضل حامل للمعلومات الكمومية عبر مسافات طويلة، مع عالم الذاكرة الكمومية الصلبة، القادرة على تخزين هذه المعلومات الهشة ومعالجتها.
على عكس ما تصوره أفلام الخيال العلمي، فالنقل الآني المقصود هنا ليس نقل إنسان أو مادة من مكان إلى آخر، بل المقصود هو عملية نقل "للمعلومات" أو بالأحرى للحالة الكمومية الدقيقة لجسيم ما، مثل فوتون، إلى جسيم آخر بعيد.
والحالة الكمومية هي الوصف الكامل لجميع الخصائص الممكنة لجسيم دون ذري مثل الإلكترون أو الفوتون، والتي تشمل موقعه، وسرعته، وطاقته، إلخ، ولكن بطريقة تختلف تمامًا عما يمكن أن تتصور.
في العالم الكلاسيكي (عالم الحياة اليومية)، يمكننا أن نعرف موقع وسرعة جسم ما بدقة في وقت واحد، أما في العالم الكمومي، فالحالة الكمومية لا تحدد نتيجة واحدة أكيدة، بل تعطي احتمالات لنتائج مختلفة، تخيّل مثلا أنك تصف عملة تدور في الهواء، وتقول: "هناك 50% احتمال أن تسقط على وجه الصورة، و50% على الكتابة"، لكن لا يمكنك الجزم إلا بعد أن تقع، هذا شبيه بالحالة الكمومية.
إعلانيشرح سونغ: "تصف الحالة الكمومية سلوك الفوتونات. إذ يمكن للحالة الكمومية أن توجد في حالة تراكب بحسب ميكانيكا الكم، أي قد يُحتمل أن يكون الفوتون في الحالة "أ" ويُحتمل أن يكون في الحالة "ب" في نفس الوقت، وهذا يعني أن المُستقبِل يمكنه استنساخ وتخزين الحالة الكمومية الأولية عن بُعد دون إجراء أي قياس على الفوتونات المُرسلة، وهذا هو جوهر المكررات الكمومية".
نقل من خلال ميكانيكا الكمفي الإنترنت التقليدي، تضعف الإشارة الرقمية الثنائية (0 و1) الناقلة للبيانات بعد مسافة معينة، فيقوم ما يعرف بـ"المُكرر" بقراءة الإشارة قبل ضياعها، ونسخها، ثم إعادة إرسال نسخة مُكررة قوية.
لكن هذه الطريقة مستحيلة في العالم الكمومي، إذ لا يمكن إنشاء نسخة مثالية من حالة كمومية غير معروفة لأن مجرد محاولة قراءة الحالة الكمومية بهدف تكرارها سيؤدي إلى تدميرها وفقدان معلوماتها الكمومية الاحتمالية الهشة.
ولكن في هذه التجربة، دمّر العلماء الحالة الكمومية للفوتون الأصلي في موقع الإرسال كما هو متوقع، لكنهم نجحوا في إظهار نسخة طبق الأصل منه في موقع الاستقبال، مما سمح بنقل المعلومات الكمومية قبل تعرضها للتلف أثناء الانتقال عبر الأسلاك أو القنوات المادية المعتادة، وهو أمر ضروري لبناء "مُكررات" كمومية قادرة على تطوير مدى الاتصالات الكمومية لمسافات كبيرة.
تتم العملية عبر ظاهرة كمومية شهيرة تُعرف باسم "التشابك الكمومي"، حيث يرتبط جسيمان بطريقة خفية تجعل قياس حالة أحدهما مؤثرة فوريا على حالة الآخر، حتى وإن بلغت المسافة الفاصلة بينهما الكون بأسره.
يكمن أحد الجوانب الأكثر أهمية في هذه الدراسة في اختيار مكوناتها بعناية فائقة لتكون متوافقة مع التكنولوجيا الحالية، فقد كان العثور على ذاكرة كمومية قادرة على العمل بكفاءة في نطاق مماثل للنطاق الذي تستخدمه شبكات الألياف الضوئية العالمية تحديا كبيرا من أجل الاستفادة من عقود من التطور في تكنولوجيا الاتصالات والبنية التحتية الموجودة بالفعل والبناء عليها.
هنا يأتي دور أيونات الإربيوم، وهو عنصر نادر زرعه الباحثون داخل بلورة من مادة خاصة. يعلق سونغ: "تمتلك أيونات الإربيوم تحولات بصرية فريدة ومناسبة ضمن هذا النطاق تحديدًا، مما يجعل هذا المزيج مهمًّا جدًّا لمستقبل التقنيات الكمومية".
عند تبريد أيونات الإربيوم إلى درجات حرارة شديدة الانخفاض تبلغ حوالي 200 ملي كلفن، أي أبرد من الفضاء السحيق، تصبح قادرة على امتصاص وتخزين الحالة الكمومية للفوتون الضوئي لفترة وجيزة، ثم إعادة إطلاقه عند الطلب.
تحدث عملية التخزين عندما يمتص أيون الإربيوم فوتونا ضوئيا، نتيجة لذلك فإن إلكترونا بداخله "يقفز" من مستوى طاقة منخفض إلى مستوى أعلى، هذه "القفزة" هي ما يُسمى تحولًا بصريًّا، لأنها تحدث نتيجة امتصاص الضوء (أو إطلاقه لاحقًا). خلال هذه القفزة، يحتفظ الأيون بمعلومات الفوتون، كأن الأيون صار ذاكرة مؤقتة.
وبعد فترة قصيرة، يمكن "تحفيز" الأيون ليُطلق فوتونًا يحمل نفس المعلومات الكمومية الأصلية، كأنه يخرج الرسالة المحفوظة داخله من الصندوق ويعيد إرسالها.
نقل آني للفوتوناتلتنفيذ عملية النقل الآني، صمم الفريق تجربة معقدة تتكون من عدة أجزاء رئيسية، حيث استخدموا شريحة سيليكونية قادرة على توليد أزواج من الفوتونات المتشابكة للاستفادة من خاصية التشابك الكمومي. هذه الشريحة، التي يمكن إنتاجها بكميات كبيرة، هي خطوة نحو جعل التكنولوجيا أقل تكلفة وأكثر قابلية للتطوير.
إعلانيؤخذ فوتون "دخيل" غير متشابك يحمل الحالة الكمومية المراد نقلها مع واحد من فوتوني الزوج المتشابك ويسمى الفوتون "العاطل"، ويُدفعان دفعًا للتفاعل معًا إلى أن يُدمَّر الفوتونان، ولكن بفضل التشابك الكمومي، ينقل الفوتون العاطل حالة الفوتون الدخيل فورًا إلى الفوتون البعيد قبل التدمير.
يُرسل الفوتون المتبقي، والمُسمى فوتون "الإشارة"، إلى ذاكرة الإربيوم المُهيأة لاستقباله وامتصاصه ثم إعادة إطلاقه في ذات الحالة التي تم امتصاصه فيها مكررة إياه كالصدى.
والمسافة بين عملية الامتصاص وإعادة الإطلاق تُعرف باسم فترة التخزين، وقد نجح الفريق في تخزين الحالة الكمومية المنقولة في مجموعة أيونات الإربيوم لفترة تجاوزت 2 ميكروثانية!
يقول سونغ: "زمن تماسك الفوتونات العاطلة ليس طويلاً (حوالي 1 نانوثانية)، مما يصعب تحقيق تراكب مثالي بين الفوتونات الدخيلة والفوتونات العاطلة في النطاق الزمني".
ولكن على الرغم من هذه الصعوبات، أثبت الفريق نجاح العملية، كما تمكنوا من التحقق من أن الحالة الكمومية المخزنة مطابقة للأصلية بدقة بلغت في المتوسط 81.8%، وهو ما يتجاوز بشكل كبير الحد الأقصى النظري الذي يمكن تحقيقه بأي إستراتيجية غير كمومية، مما يؤكد بشكل قاطع أن العملية كمومية بحتة.
يقول سونغ: "في رأيي، زمن التخزين العملي لشبكة كمومية واقعية يحتاج إلى أن يصل إلى أكثر من 500 ميكروثانية. لكن حاليًا، ما زال زمن التخزين في تجاربنا محدودا". أي أنها تظل فترة قصيرة جدًّا مقارنةً بتطبيقات العالم الحقيقي، ويقر الفريق بهذا التحدي ويعمل بالفعل على الخطوات التالية.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
قبل عرضه الأول بمهرجان تورنتو.. مخرجة فيلم فلسطين 36: أصعب مغامرة في حياتي
يشارك فيلم فلسطين 36 للمخرجة آن ماري جاسر بعروض "الجالا" الاحتفالية بمهرجان تورونتو السينمائي الدولي، وهو دراما تاريخية تدور حول الثورة الفلسطينية ضد الحكم البريطاني والدعوة إلى الاستقلال عام 1936.
تدور أحداث الفيلم في فلسطين عام 1936، بين منزله الريفي ومدينة القدس المتأججة، يتنقل يوسف توقًا إلى مستقبل يتجاوز الاضطرابات المتزايدة في فلسطين جراء الثورة على الحكم البريطاني، وهو إنتاج دولي مشترك بين فلسطين وبريطانيا وفرنسا والدنمارك وقطر والسعودية والأردن، وتتولى التوزيع MAD Distribution مهام توزيعه في العالم العربي.
يتتبع الفيلم شخصية يوسف وهو يتنقل بين منزله الريفي ومدينة القدس المتأججة، توقًا إلى مستقبل يتجاوز الاضطرابات المتزايدة في فلسطين الانتدابية عام 1936، حيث كانت عدة قرى تثور ضد الحكم البريطاني. لكن التاريخ لا يتوقف؛ فمع تزايد أعداد المهاجرين اليهود الهاربين من أوروبا الفاشية المتصاعدة، والمطالبات الفلسطينية بالاستقلال، تتجه جميع الأطراف نحو صدام حتمي في لحظة حاسمة للإمبراطورية البريطانية ومستقبل المنطقة بأسرها.
عندما سُئلت عن مصدر الإلهام والرؤية للفيلم، تحدثت جاسر عن حلمها الطويل بصنع فيلم عن ثورة عام 1936، "لكن بطريقة حميمية، شخصية، وواقعية.
وأضافت: "تتبع القصة مجموعة من الأشخاص يجد كل منهم نفسه في موقف لم يختره، بينما يخيّم عليهم شيء أعظم بكثير مما يدركون. الفيلم يتناول تلك اللحظات في حياتنا التي نُجبَر فيها على اتخاذ قرار، خيار يغيّرنا إلى الأبد.
وتابعت: صناعة فلسطين 36 كانت أصعب مغامرة في حياتي. لم أكن لأتخيل أن يكون هذا العام المنصرم المليء بالدم والعنف، هو نفسه العام الذي أصنع فيه عملًا جُمِع من أيادٍ وقلوب كثيرة، ومن حب وتحدٍ لا يُوصف".
الفيلم من تأليف وإخراج آن ماري جاسر، وتصوير هيلين لوفارت (Invisible Life)، مونتاج تانيا ريدين (Dirty Filthy Love)، وتصميم الديكور نائل كنج (عمر)، وتصميم أزياء حمادة عطاالله، وموسيقى بن فروست (Dark).
يضم الفيلم طاقم عمل دولي يضم العديد من الأسماء الكبيرة ومنهم الممثل البريطاني الحائز على جائزة الأوسكار جيرمي آيرونز (Kingdom of Heaven) ، والممثلة الفلسطينية الكبيرة هيام عباس (Succession)، والممثل الفلسطيني الكبير كامل الباشا (قضية رقم 23)، وصالح بكري (أزرق القفطان)، وياسمين المصري (شكرًا لأنك تحلم معنا)، وجلال الطويل (ولد من الجنة)، وبيلي هاول (Dunkirk)، وظافر العابدين (إلى ابني)، ووليام كانينغهام (Game of Thrones)، وروبرت أرامايو (Nocturnal Animals)، مع الوجوه الجديدة ورد حلو، وورد عيلبوني، ويافا بكري، وكريم داوود عناية.
قام على إنتاج الفيلم كل من أسامة بواردي (فيلم واجب ممثل فلسطين في الأوسكار) وعزام فخر الدين لشركة أفلام فلسطين، ويشارك في إنتاجه كل من كات فيليرز لشركة أوتونوموس (The Proposition)، وهاني فارسي ونيلز أستراند لشركة كورنيش ميديا (الزمن المتبقي) في المملكة المتحدة، وأوليفييه باربييه لشركة إم كي برودكشنز (The Worst Person In The World) في فرنسا. ويشارك في الإنتاج أيضًا كاترين بورس لشركة سنو جلوب (Godland) في الدنمارك، وإليسا بيير في النرويج وحمزة علي لشركة بطيخة بيكتشرز.
حصل الفيلم على تمويل من عدة جهات وهي معهد الفيلم البريطاني (BFI)، ومؤسسة البث البريطانية BBC Film، ومؤسسة الدوحة للأفلام، واستوديوهات كتارا، وبطيخة بيكتشرز، وصندوق البحر الأحمر، ومجموعة رؤيا الإعلامية (ميشيل الصايغ وفارس الصايغ)، وشركة ميتافورا للإنتاج، وشركة كوكون للأفلام، وTRT، وصندوق الأردن للأفلام، والهيئة الملكية للأفلام، وشركة Koala VFX، والمعهد الدنماركي للأفلام، وFilm I Väst، وSørfond، ومؤسسة السينما الفرنسية، ومنطقة إيل دو فرانس، وآفاق، ومؤسسة منيب وأنجيلا المصري، ومؤسسة غياث ونادية سختيان، ومؤسسة خالد شومان، وستوديو رايز، وتلفاز 11.