ميناء بربرة.. بؤرة توتر بين الصومال وإثيوبيا ومبعث قلق للجيران
تاريخ النشر: 4th, January 2024 GMT
أشعلت إثيوبيا فتيل أزمة مع الصومال هذا الأسبوع بعد إعلانها توقيع مذكرة تفاهم مع ما يُعرف بإقليم أرض الصومال، يسمح لها باستغلال ميناء بربرة على البحر الأحمر، تجاريا وعسكريا.
هذه المذكرة، التي تأتي بعد ما يقارب 6 سنوات من اتفاق أولي بين الطرفين أُلغي لاحقا، أثار إدانات من الصومال بشأن السماح بالوصول البحري المحتمل إلى البحر الأحمر من جانب إثيوبيا.
والاثنين الماضي، وُقعت مذكرة تفاهم بين رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ورئيس "أرض الصومال" موسى بيهي عبدي، ينص على موافقة الأخيرة تأجير أكثر من 12 ميلا من الوصول البحري في ميناء بربرة لمدة 50 عاما، للبحرية الإثيوبية.
وفي المقابل، تعترف إثيوبيا رسميا بـ"أرض الصومال" كدولة مستقلة، وهي خطوة قال عبدي إنها ستشكل "سابقة كأول دولة تقدم الاعتراف الدولي لبلدنا".
وكذلك، سيحصل إقليم أرض الصومال الانفصالي أيضا على حصة في الخطوط الجوية الإثيوبية المملوكة للدولة.
وجاء الاعتراض الأكبر من مقديشو، حيث عقدت حكومة رئيس الوزراء حمزة عبدي بري اجتماعا طارئا، الثلاثاء، لمناقشة الصفقة.
ووصفت الحكومة الصومالية مذكرة التفاهم بأنها "باطلة ولاغية" وطلبت من الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عقد اجتماعات بشأن هذه القضية، واستدعت الصومال سفيرها لدى أديس أبابا لإجراء مشاورات عاجلة.
ووفق تحليل لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية، فإن إريتريا ومصر ستشعران بالقلق أيضا من وجود إثيوبيا البحري الكبير في البحر الأحمر وخليج عدن الإستراتيجيين.
ومصر، واحدة من دول رئيسة على ساحل البحر الأحمر، وتملك عدة موانئ تجارية ونفطية، تعتبر أحد مصادر الدخل الأجنبي، فيما يعد استغلال إثيوبيا لميناء بربرة، بوابة تنافس مع مصر في صناعة الخدمات اللوجستية البحرية.
وأكدت مصر، أمس الأربعاء، ضرورة الاحترام الكامل لوحدة وسيادة الصومال على كامل أراضيه.
وفي جيبوتي، التي تتقاضى من إثيوبيا نحو 1.5 مليار دولار سنويا لاستخدام موانئها، يقول التحليل إن فقدان هذا الدخل قد يؤدي إلى عدم استقرار البلد الذي يرأسه إسماعيل عمر جيله.
أما الصومال، فإن ميناء بربرة يعتبر أحد أفضل المواقع الجغرافية للتطوير، وتحويله إلى أحد أهم مصادر الدخل للبلد الفقير، خاصة مع عدم توفر موانئ بالميزات نفسها التي يحظى بها "بربرة".
منفذ بحري لـ"دولة حبيسة"وإثيوبيا، "دولة حبيسة" لا تطل على أي واجهة بحرية، إذ تحدها من الغرب كينيا وجنوب السودان، ومن الجنوب الصومال، ومن الشرق جيبوتي وإريتريا، ومن الشمال والشمال الغربي السودان.
وفقدت إثيوبيا، وهي ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان، قدرتها على الوصول إلى البحر عندما انفصلت إريتريا عنها وأعلنت استقلالها عام 1993.
ومنذ ذلك الحين، اعتمدت إثيوبيا على جيبوتي في التجارة الدولية، حيث يمر أكثر من 95% من وارداتها وصادراتها عبر ممر "أديس أبابا-جيبوتي".
ووفق بيانات للبنك الدولي، فإن الرسوم البالغة 1.5 مليار دولار سنويا التي تنفقها إثيوبيا لاستخدام موانئ جيبوتي هي مبلغ ضخم بالنسبة لدولة وجدت صعوبة في خدمة ديونها الكبيرة.
ولسنوات، سعت الحكومة الإثيوبية إلى تنويع محاولات الوصول إلى موانئ بحرية، منها استكشاف الخيارات في السودان وكينيا، وفي 2018، وقعت صفقة للاستحواذ على حصة 19% في ميناء بربرة، قبل إلغاء الاتفاق.
وقد لا يبدو الحصول على منفذ بحري طوله 20 كيلومترا أمرا كبيرا، ولكنه حيوي بالنسبة لدولة حبيسة، مثل إثيوبيا، تبحث عن موارد مالية، من أجل بقائها، فهي من حيث عدد السكان أكبر دولة في العالم لا تملك ساحلا.
وفي تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، فإنه وبعيدا عن المنطقة، تنظر الصين إلى الصفقة بين "أرض الصومال" وإثيوبيا بعين الاهتمام. فقد تلقت "أرض الصومال" مساعدة من تايوان، ومن جهتها تدعم الصين دولة الصومال.
وتقيم تايوان علاقات دبلوماسية مع "أرض الصومال"، إذ بدأ التقارب بينهما في سنة 2020، وهو ما أثار سخط جيرانهما الكبار. فكلاهما غير معترف به دوليا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: البحر الأحمر میناء بربرة أرض الصومال
إقرأ أيضاً:
الانتصار اليمني في البحر الأحمر.. رسالة مدوية بنهاية عصر الهيمنة الأمريكية
يمانيون | تحليل
تمرّ الإمبراطورية الأمريكية اليوم بلحظة فارقة في تاريخها، لحظة لا تُخطئها أعين المراقبين ولا تقديرات الاستراتيجيات الجيوسياسية في العالم.
فمنذ عقود، فرضت الولايات المتحدة هيمنتها بالقوة على النظام العالمي، عبر سطوتها العسكرية والاقتصادية، فمارست الاحتلال المباشر تارة، والوصاية السياسية والنهب الاقتصادي تارة أخرى، وكانت البحر الأحمر مجرد ساحة عبور لتلك الإمبراطورية في مشاريعها نحو الهيمنة العالمية.
لكنّ معركة البحر الأحمر الأخيرة جاءت لتقلب هذه المعادلات، وتعلن بداية مرحلة جديدة لا يقرر فيها الكبار وحدهم مصير الملاحة الدولية، بل أصبح للشعوب المستضعفة – بفضل صمودها وتطور إمكانياتها الدفاعية – القدرة على فرض الوقائع الجديدة، وكسر إرادة الطغيان العالمي.
اليمن… مفاجأة التاريخ
حين دخلت القوات المسلحة اليمنية ساحة البحر الأحمر، لم تدخلها كدولة نامية محاصرة، بل كممثّل عن قضية عادلة، وموقف أخلاقي، وإرادة سياسية لا تلين.
استخدمت اليمن أدواتها العسكرية بمهارة، وأعلنت – بلغة القوة – أن الممرات البحرية لم تعد خطوطاً أمريكية حمراء، وأن مصالح الاحتلال الصهيوني ليست محصّنة، بل أصبحت تحت طائلة النار والموقف.
إن هذه المواجهة، رغم محدودية الوسائل مقارنةً بالإمكانات الأمريكية الضخمة، كشفت هشاشة الردع الأمريكي في مواجهة الإرادة الراسخة.
فكم من حاملات طائرات عبرت تلك المياه دون منازع، قبل أن تواجه اليوم طوفاناً من المسيّرات والصواريخ اليمنية الذكية التي تجاوزت الحواجز التقليدية للتفوق التكنولوجي.
تحوّل دولي في المواقف
الرسالة التي وصلت إلى عواصم العالم لم تكن عسكرية فقط، بل كانت سياسية وأخلاقية واستراتيجية. مفادها: أن الهيبة الأمريكية ليست قدراً لا يُقاوم، وأن مشاريع التسلط يمكن أن تُكسَر.
ولعل أبرز مظاهر هذا التحول، الصمت المريب – أو التراجع الخجول – من بعض حلفاء أمريكا في حلف الناتو، الذين باتوا يرون في استمرار التورط في الحروب الأمريكية عبئاً لا يطاق، وسبباً مباشراً في اهتزاز أمنهم الداخلي واستنزاف مقدّراتهم الاقتصادية.
كما بدأت شعوب أخرى تطرح تساؤلات كانت تعتبر من المحرمات: لماذا نخضع لقرارات أمريكية لا تأخذ مصالحنا بعين الاعتبار؟ لماذا نمضي خلف سياسات عدوانية تعود علينا بالخراب؟ واليمن قدم الجواب: يمكن المقاومة، ويمكن الانتصار.
البحر الأحمر… ميدان كسر الهيمنة
لقد شكّلت المعركة البحرية في البحر الأحمر والعربي ليس فقط تطوراً عسكرياً، بل لحظة مفصلية في ميزان الردع العالمي.. لم تعد قواعد الاشتباك تُدار من غرفة عمليات أمريكية أو قواعدها العائمة في البحار، بل أصبح للميدان صوت آخر، وصورة أخرى، وشعوب أخرى.
أثبتت اليمن أن التحكم بممرات الطاقة والتجارة العالمية لم يعد امتيازاً للغرب، وأن القوة لم تعد حكراً على من يمتلك التكنولوجيا، بل على من يمتلك الحق والإرادة والشجاعة السياسية لاتخاذ القرار.
بداية أفول الهيمنة الأمريكية
هزيمة أمريكا في البحر الأحمر – حتى وإن لم تعلنها واشنطن صراحة – تمثل كسرًا رمزيًا واستراتيجيًا للهيبة التي بنتها على مدى عقود، وهي بداية تحول عالمي أعمق، يتمثل في تراجع دور القطب الأوحد، وصعود قوى جديدة تفرض توازنًا في الإرادات والمعادلات.
لم يكن التراجع الأمريكي في أفغانستان، ولا التخبط في العراق، ولا التخلي عن أوكرانيا، ولا الانقسامات داخل حلف الناتو، إلا مؤشرات على دخول الإمبراطورية الأمريكية مرحلة الشيخوخة السياسية والاستراتيجية، تلك التي تحدث عنها ابن خلدون في نظريته عن أعمار الدول.
والآن، ها هو البحر الأحمر – بسواحله اليمنية – يعلن صراحةً أن العالم قد تغيّر، وأن الزمن الأمريكي يوشك على الأفول، وأن إرادة الشعوب حين تقترن بالقوة والموقف المبدئي، قادرة على إعادة صياغة الجغرافيا السياسية… من عمق البحر، إلى عرش الإمبراطورية.