توترات البحر الأحمر تتعب الصيادين في اليمن
تاريخ النشر: 4th, January 2024 GMT
تلقي الأحداث المتصاعدة في البحر الأحمر بتبعاتها على أنشطة الصيد البحر في اليمن، لتضيف المزيد من المتاعب للصيادين الذين يعانون من انحسار أعمالهم وتضرر موانئ الصيد والقوارب بفعل سنوات الحرب التي مزقت البلاد.
وتبدي جمعيات عاملة في مجال الاصطياد السمكي قلقها ومخاوفها الشديدة جراء ما يتعرض له هذا القطاع من تدهور خطير، وسط توسع الأعمال العسكرية وانتشار البوارج والقطع الحربية في مياه البحر الأحمر وتأثير ذلك على مناطق الاصطياد في محافظات اليمن الشمالية الغربية مثل الحديدة وحجة ومناطق المخاء وذباب وباب المندب.
وتاتي هذه المخاطر لتضاف إلى تداعيات استمرار ممارسات جرف الثروة السمكية واستنزافها من قبل أباطرة صيد إقليميين ودوليين كما هو حاصل في مياه محافظات اليمن الشرقية كالمهرة وحضرموت وسقطرى.
يقول طاهر قايد، وهو مسؤول في جمعية عاملة في الاصطياد السمكي، لـ"العربي الجديد"، إن هناك صعوبات بالغة يواجهها الصيادون في سواحل اليمن الشمالية الغربية على البحر الأحمر في الوصول إلى مناطق الاصطياد بسبب خطورة الأوضاع ليس بسبب تصاعدها مؤخراً بل أيضا من بفعل الصراع الدائر في البلاد وتركزه بدرجة رئيسية في مثل هذه المناطق الاستراتيجية في ظل تحويل عدد من مراكز الإنزال السمكي إلى مخازن ومواقع عسكرية.
وشكلت الولايات المتحدة الأميركية تحالفا دوليا بعد تكثيف الحوثيين لهجماتهم بالصواريخ والطائرات المسيرة التي تم تدشينها في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي على السفن التجارية الإسرائيلية والمتعاونة معها رداً على العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.
ويؤكد قايد أن تصاعد الأحداث الأخيرة في البحر الأحمر وبحر العرب سيكون له تأثير كبير على جرف الأسماك وتهجيرها عن السواحل ومناطق الاصطياد في المياه اليمنية.
ويقدر عدد الصيادين الذين تأثروا أو فقدوا مصادر دخلهم جراء الصراع في اليمن بما يقارب 30 ألف صياد و102 موظف و21 ألفاً من الأيدي العاملة المساعدة، فضلا عن تدمير 249 قارب صيد في سواحل الحديدة وحجة، فيما بلغت الخسائر المترتبة على توقف تنفيذ المشاريع السمكية في البحر الأحمر أكثر من 1.5 مليار دولار، إضافة إلى الخسائر الناتجة من الاصطياد الجائر وغير المرخص.
ويرى خبراء في الاقتصاد والبيئة أن هناك أضرارا بالغة للسفن الحربية المنتشرة في الممرات المائية، إضافة إلى الأضرار الناتجة جراء رمي الملوثات المختلفة في السواحل والمياه اليمنية والتي تسببت وفق بيانات رسمية في خسائر تقدر بنحو 420 مليون دولار، في حين يُقدر إجمالي تقييم الأضرار البيئية لسفن الصيد الأجنبية المخالفة بنحو 1.68 مليار دولار، إلى جانب الخسائر الناتجة من الصناعات والخدمات المصاحبة للنشاط السمكي والرسوم والعائدات والتي تصل إلى حوالي 100 مليون دولار.
ويشير الصياد خميس عايش، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن التواجد العسكري للبوارج والسفن الحربية يتسبب في تدمير مناطق الاصطياد، لافتا إلى خطورة هذه الأوضاع التي تمنعهم من البحث عن بدائل للاصطياد السمكي.
وكانت سلطة صنعاء قد استنكرت الشهر الماضي استمرار جرائم الاعتداءات والصيد الجائر من قبل قوى العدوان للثروة البحرية في المياه الإقليمية في بحر العرب وخليج عدن" باستخدام قوة السلاح، موضحة أن هناك بواخر عملاقة تتبع شركات أجنبية تعمل على تجريف الثروة السمكية منذ سنوات، مستغلة غياب مؤسسات الدولة وعدم تطبيق القانون على المخالفين.
بدوره، يشدد الخبير الاقتصادي ياسين القاضي، في حديثة لـ"العربي الجديد"، على أن قطاع الصيد في اليمن من أكثر القطاعات المتضررة من الأحداث المتصاعدة في البحر الأحمر، بينما لايزال يعاني من تبعات الصراع المحلي في اليمن وانتشار الألغام البحرية.
ويؤكد البنك الدولي أهمية إنعاش هذا القطاع الحيوي في اليمن، حيث قدم مساندة مباشرة إلى 250 صياداً على شكل منحٍ لشراء المولدات الكهربائية للقوارب، وأنظمة تحديد المواقع، وأجهزة اكتشاف تجمعات الأسماك، إضافة إلى دعم تقنيات الصيد الحديثة من خلال دورات تدريبية، لتمكين المستفيدين من تعزيز حجم صيدهم وزيادة دخلهم.
ويبلغ طول الساحل اليمني 2520 كيلومتراً، وتوفر موارده السمكية الوفيرة سبل كسب العيش والتغذية لسكان الساحل، كما يعد اليمن منتجاً رئيسياً للأسماك بحسب البيانات الصادرة قبل الحرب في البلاد العام 2015، والتي ترجح وجود أكثر من 350 نوعاً من الأسماك وغيرها من الأحياء البحرية في مياه اليمن الإقليمية.
وتعد الأسماك المصدر الرئيسي للغذاء في المناطق الساحلية اليمنية، حيث يعتمد عليها سكان هذه المناطق في موائدهم ووجباتهم اليومية، في حين يجدون أنفسهم خلال الفترة الماضية في حالة عجز تام على شرائها للارتفاع المبالغ به في أسعارها وانخفاض المعروض منها مع وصول الأمر إلى بعض الأصناف التي كانت تتوفر بمستويات تفوق احتياجات الأسواق.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن اقتصاد البحر الأحمر الحوثي الصيد فی البحر الأحمر فی الیمن
إقرأ أيضاً:
البرهان يناور بذكاء ويتوعد الدعم السريع
تخيل بلدا يقف على جرف هارٍ تدفعه حرب ضارية إلى الهاوية، وجيشا يقاتل على جبهات متشعبة، واقتصادا ينهار طبقة بعد أخرى، بينما تتنازع قوى عالمية على أرضه وموانئه وذهبه وموقعه الاستثنائي.
وفي قلب هذا المشهد يقف رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، محاولا أن يمسك بالعصا من وسطها: يلوح للغرب بإمكانية الشراكة، ويشد في الوقت نفسه خيوط الارتباط بالشرق الصاعد.
ليس ذلك تقلبا سياسيا ولا انتقالا عشوائيا بين المحاور، بل مناورة وجودية فرضتها الجغرافيا القاسية، وحرب أنهكت الدولة والمجتمع، وتوازنات دولية تجعل من السودان ساحة اختبار كبرى في صراع النفوذ على البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
وفي هذا السياق تحديدا، برزت آخر رسائل البرهان إلى الغرب عبر مقاله الذي اختار له بعناية صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية بتاريخ 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2025؛ رسالة لم تكن مقال رأيٍ عابرا، بل مذكرة سياسية مشفرة، صيغت بقدر محسوب من الإيحاء لتصل مباشرة إلى دوائر صناعة القرار.
الانحياز إلى الشرق يعني سلاحا متاحا، لكن يفضي إلى عزلة مالية خانقة والانحياز إلى الغرب يعني دعما اقتصاديا محتملا، لكن يفضي إلى فقدان الإسناد العسكري، وخطر الانفجار الداخلي، ولهذا يصبح الاصطفاف الكامل قاتلا
الرسالة السياسية والصفقة غير المعلنةفي مقاله المثير، حمل البرهان قوات مليشيا السريع مسؤولية الحرب، رافضا توصيف الصراع بأنه "صراع جنرالين"، ومؤكدا أنها حرب تمرد على الدولة.
لكنه لم يكتفِ بهذا التوصيف؛ بل بنى المقال كله على فكرة واحدة: إذا ساعدتموني على تفكيك مليشيا الدعم السريع وإنهاء التمرد، فسأكون جاهزا للمضي في مسار التطبيع، وتقديم صيغة حكم مدني ترضيكم.
لوح البرهان بالانتقال الديمقراطي، وذكر الغرب بأن الصراع يهدد مصالحه في البحر الأحمر، وفتح باب الشراكة الاقتصادية، مشيرا إلى دور للشركات الأميركية في إعادة الإعمار. بدا المقال أقرب إلى عرض تفاوضي مكتمل الأركان: دعم عسكري وسياسي مقابل شرعية واستقرار وتعاون أمني.
هذه الرسالة ليست معزولة؛ فهي تأتي في وقت تتنامى فيه تحركات البرهان على الساحة الدولية: خطابات في الأمم المتحدة، إشارات إيجابية في الملفات الإنسانية، وانفتاح محسوب على المؤسسات الغربية.
إعلانلكن هذه الإشارات لا تعني انقلابا إستراتيجيا نحو الغرب، بل هي جزء من لعبة أكبر توازن فيها القيادة السودانية بين مكاسب اللحظة، ومخاطر الاصطفاف الحاد.
بين القيمة الجيوسياسية وكلفة الاصطفافيحتل السودان موقعا استثنائيا. فهو بوابة البحر الأحمر، وممر التجارة العالمية، وخزان ضخم للمعادن والأراضي الزراعية. ولهذا تتصارع عليه القوى الكبرى اليوم، كما لم تفعل من قبل.
الصين ترى في السودان امتدادا لطريقها التجاري نحو أفريقيا. استثماراتها الضخمة في الموانئ والبنية التحتية والزراعة، تجعلها تبحث عن طريقة لتفادي انهيار كامل قد يبتلع مصالحها. وبكين، رغم هدوئها المألوف، تدرك أن الفوضى في السودان تعني خسارة سنوات من العمل الاقتصادي والإستراتيجي، ولذلك تتحرك بدقة: دعم محدود للجيش، وضغط خلفي لتثبيت الاستقرار دون الاصطدام بالغرب مباشرة.
أما روسيا فقد استعادت أدواتها غير النظامية عبر "أفريكا كوربس"، البديل الجديد لفاغنر، بهدف ترسيخ وجود إستراتيجي دائم على البحر الأحمر. بالنسبة لموسكو، السودان ليس مجرد شريك إستراتيجي، بل هو مفتاح لدخول القرن الأفريقي بعمق، وتحقيق توازن مع الضغوط الغربية في أوكرانيا، وأوروبا.
الغرب من جهته يراقب بقلق تمدد الشرق. لكنّ لديه شرطا واحدا لم يتغير: لا دعم اقتصاديا حقيقيا دون التقدم في ملف التطبيع، وهندسة المسرح السياسي الداخلي، واستبعاد تيار بعينه.
هكذا يجد السودان نفسه أمام معادلة مستحيلة:
الانحياز إلى الشرق يعني سلاحا متاحا، لكن يفضي إلى عزلة مالية خانقة. الانحياز إلى الغرب يعني دعما اقتصاديا محتملا، لكن يفضي إلى فقدان الإسناد العسكري، وخطر الانفجار الداخلي.
ولهذا يصبح الاصطفاف الكامل قاتلا، والمناورة بين الشرق والغرب أشبه بخيط نجاة رفيع، لكن لا بد من السير عليه.
عدم الانحياز الذكي ورهان الداخلضمن هذه الحسابات الدولية المعقدة، يبرز مسار ثالث يفرض نفسه بقوة:
عدم الانحياز الفعال، وهو ليس حيادا سلبيا كما في الستينيات، بل إستراتيجية قائمة على مزيج من الانفتاح الانتقائي، والمداورة الدبلوماسية.
هذا المسار يعني:
تعاونا اقتصاديا عميقا مع الصين، دون الارتهان لها. شراكة أمنية مع روسيا، دون التحول إلى بوابة لها على البحر الأحمر. انفتاحا على الغرب، دون الوقوع في فخ الشروط الثقيلة التي قد تشعل الداخل. بناء دور إقليمي يعتمد على الجغرافيا لا على الأيديولوجيا.بهذه المقاربة، يتحول السودان من ساحة صراع إلى لاعب يجيد توظيف الصراع لصالحه.
بيد أن كل هذا لن ينجح إذا لم يتم حسم المعركة الأهم: معركة الداخل. فالرهان الحقيقي ليس على واشنطن ولا بكين ولا موسكو، بل على قدرة القيادة السودانية على:
توحيد الجبهة الداخلية، إعادة بناء المؤسسات، وقف النزيف الاقتصادي، وفرض إرادتها على القوى الإقليمية المتدخلة.
فمن دون جبهة داخلية متماسكة، تصبح المناورة الخارجية مجرد لعبة خطرة قد تسقط عند أول هزة. ومن دون قرار وطني صارم، لن تستطيع الخرطوم تحويل ثقلها الجيوسياسي إلى قوة حقيقية.
الخلاصة: المناورة ليست خيارا.. بل قدرا سياسياما يقوم به البرهان اليوم ليس استسلاما للغرب ولا انحيازا للشرق، بل مناورة إجبارية تهدف إلى جمع السلاح من منطقة، والشرعية من أخرى، والمساعدات من ثالثة، دون دفع الأثمان كاملة لأي طرف.
إعلانهي محاولة لاستثمار موقع السودان الفريد في معركة الهيمنة على البحر الأحمر، وتحويل الأزمة إلى ورقة تفاوض كبرى. غير أن هذه اللعبة الخطرة لن تجدي نفعا إذا لم يُستعَد الداخل أولا.
ففي النهاية، لا تحدد الدول الكبرى مصائر الأمم بقدر ما تحددها إرادة أبنائها.
وقدرة السودان على الخروج من النفق لا تتوقف على لعبة التوازن الدولية فحسب، بل على قوة البيت الداخلي، وتمكن القيادة من فرض رؤيتها على من يحاولون تشكيل مستقبل السودان من الخارج.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline