عربي21:
2025-05-25@00:37:35 GMT

الحرب على غزة أو الاستبدال العظيم

تاريخ النشر: 5th, January 2024 GMT

تصدير: "ها أنتم هؤلاء تُدعَون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل، ومن يبخل فإنما يبخل على نفسه والله الغني وأنتم الفقراء، وإن تتولَّوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم" (محمد: ٣٨).

مهما اختلفت المقاربات السياسية والأيديولوجية للقضية الفلسطينية، فإن تلك المقاربات ترتبط دائما بـ"أيديولوجية التحرير" المهيمنة في سياق تاريخي معين.

وقد كانت هيمنة الماركسية ومن بعدها القومية (الناصرية والبعثية) على خطابات المقاومة تكريسا لمرجعية العقل الغربي؛ باعتبار قضية فلسطين هي قضية "هامش" عالمثالثي محتل أو قضية "أمّة عربية" وليست قضية دينية. وقد كان هذا التوصيف ذو المرجعية الغربية يؤدي دورين متعامدين: أولا ضرب المرجعية الإسلامية للصراع وبالتالي توظيف "المقاومة" لترسيخ المرجعية "الحديثة" للدولة-الأمة بالمفهوم الوستفالي (رغم تناقض مفهوم الدولة-الأمة مع الدعوتين القومية والأممية)، ثانيا استهداف الحركات الإسلامية وما قد تمثله من تشكيك في شرعية الأنظمة القائمة بحكم قدراتها التعبوية الهائلة في استثمار الوعي و/ أو المخيال الدينيَّين.

وقد كان لظهور "المقاومة الإسلامية" في الفضاءين السّني والشيعي (خاصة حركات حماس والجهاد وحزب الله) دور كبير في تغيير "المعادلات" الأيديولوجية المتحكمة في إدارة الصراع؛ من جهة المفاهيم والرمزيات والتحالفات والغايات القصوى وغيرها. وهي تحولات كانت تعكس فشل المقاربات المهيمنة على السلطة في مستويين: الفشل في مستوى التحديث الداخلي أو التخلص من الاستعمار غير المباشر والتبعية والتخلف، ومن باب أولى الفشل في "تحرير فلسطين". ولكنّ تلك التحولات مسّت أمرا لا يقل أهمية عن المستوى السياسي أو الأيديولوجي المحايث، لقد استطاعت "المقاومة الإسلامية" أن تكسر السياج الطائفي الذي عملت عدة جهات سياسية وفقهية "سلطانية" (بدعم صريح أو خفي من القوى الصهيو-صليبية) على تكريسه.

تلك التحولات مسّت أمرا لا يقل أهمية عن المستوى السياسي أو الأيديولوجي المحايث، لقد استطاعت "المقاومة الإسلامية" أن تكسر السياج الطائفي الذي عملت عدة جهات سياسية وفقهية "سلطانية" (بدعم صريح أو خفي من القوى الصهيو-صليبية) على تكريسه
ربما تغرينا الملحمة الغزاوية وما ارتبط بها من تحولات تتجاوز الفضاء العربي الإسلامي على أن نجعلها نقطةً مرجعية في التأريخ للاستبدال العظيم، ولكننا نذهب إلى أن الاستبدال العظيم بدأ عندما وعت أطراف "المقاومة الإسلامية" بجناحيها السني والشيعي بضرورة الخروج من شرنقة التمذهب وضيق الطائفية؛ إلى سعة "الإسلام" باعتباره مرجعية جامعة لكل أطياف المقاومة، وليس فقط باعتباره مرجعية نضالية من داخل أدبيات الطائفة.

ونحن نذهب إلى أن "فلسطين" ورمزية الأقصى قد أعادت المسلمين إلى قبلتهم "الأولى"، ليس فقط بالمعنى التراثي المعلوم (الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين)، بل بمعنى أعمق. فالأقصى (وليس التراث الطائفي) قد أصبح مرجع المعنى "التحرري" وقِبلته، وهو ما يدفع بالأماكن/ المرجعيات "المقدسة" طائفيا إلى خلفية المشهد دون أن يُفقدها قدسيتها. إن "الأقصى" يُحيّد "الطائفية" ومفاعيلها السياسية ولكنه لا ينسفها أو يتجاوزها جدليا على الأقل في المدى المنظور، ولذلك يمكننا اعتباره "مدخل" الاستبدال العظيم أو رمزه الأعظم.

كي لا نغمط "طوفان الأقصى" حقه في مشروع "الاستبدال العظيم"، فإنّ علينا أن نعترف بأنه نقطة التحول المركزية في مواجهة مشروع "الاستبدال العظيم" بالمعنى الصهيو-صليبي الداعم للكيان. فـ"طوفان الأقصى" هو المقابل الموضوعي لـ"مشروع القرن" المدعوم من لدن "محور التطبيع" (وهو محور الثورات المضادة ذاته)، باعتبار ذلك المشروع هو مجرد لحظة من لحظات تصفية القضية الفلسطينية (في غزة) تمهيدا لاستهداف الضفة الغربية و"تهويد" كل فلسطين، بل كل العالم العربي بمنطق "التطبيع". فإسرائيل "الكبرى" لا تحتاج إلى "احتلال" العالم العربي احتلالا مباشرا، إذ يكفيها أن تهيمن السردية "الصهيونية" على هذا الفضاء بمنطق "التطبيع" أو "الديانة الابراهيمية" أو "التسامح بين الأديان"، بل يكفيها أن تضمن هيمنة "الوهابية السعودية" باعتبارها الخطاب المرجعي لأهل السنة والجماعة حتى تضمن هيمنتها (عبر هيمنة المنطق الطائفي وعبر تأبيد التوتر بين "المسلم" وعالمه، وتكريس منطق "تأليه الحاكم وتكفين المرأة" وما يؤدي إليه من تشويه صورة الإسلام في الغرب وفي ديار المسلمين أنفسهم).

عندما استعملنا تعبير "الاستبدال العظيم" فإننا كنا نقصد كل ما سبق، ولكننا نقصد أمورا أخرى منها ذلك المخزون البشري الداعم للمسلمين ولغزة في الغرب والذي سيتحول تدريجيا إلى "جماعات ضغط" التي ستتشكل من "المسلمين الجدد" ومن أفراد وجماعات من غير المتحولين دينيا، وكنا نقصد أيضا خلخلة السردية الصهيو-صليبية للصراع ضد الكيان الغاصب واستبدالها ولو جزئيا بسردية المقاومة، كما قصدنا سقوط الكثير من "المقدسات العلمانية" مثل "حيادية" المنظمات الدولية وكونية منظومة حقوق الإنسان، و"الصداقة" التي تربط العرب والمسلمين بالغرب، و"وطنية" الأنظمة الحاكمة أو انحيازها "الخطابي" لفلسطين، والدور الحقيقي لـ"جامعة الدول العربية" أو "منظمة المؤتمر الإسلامي" وغير ذلك من "الأوثان" التي لا قيمة لها إلا خدمة المشروع الصهيوني ورعاته في الغرب.

لقد أثبتت حرب الإبادة الجماعية التي يخوضها الكيان والغرب ضد غزة أن "الاستبدال العظيم" (سواء آعتبرناه مشروعا إلهيا متعاليا أم مشروعا "تحرريا" محايثا) يقتضي التخفف من الكثير من الأوهام التي حكمت العقل العربي-الإسلامي بمختلف تجلياته الحداثية والتراثية.

أثبتت حرب الإبادة الجماعية التي يخوضها الكيان والغرب ضد غزة أن "الاستبدال العظيم" (سواء آعتبرناه مشروعا إلهيا متعاليا أم مشروعا "تحرريا" محايثا) يقتضي التخفف من الكثير من الأوهام التي حكمت العقل العربي-الإسلامي بمختلف تجلياته الحداثية والتراثية
رغم أن "طوفان الأقصى" ليس بداية "الاستبدال العظيم"، فإن ملحمته قد تكون بداية لمشروع "التحرير" الحقيقي الذي يتجاوز العرب والمسلمين إلى الانسانية جمعاء. فهذا الطوفان قد أرجع الناس إلى "القرآن" وإلى الإسلام باعتباره منظومة قيمية قبل أن يكون منظومة تشريعية. كما أن "الطوفان" قد يكون أداة لتحرير الغربيين قبل غيرهم، فقد وضعهم أمام حقيقة جماعات الضغط التي تجعل من آراء الناخبين أو عموم المواطنين مجرد مجاز عند تحديد السياسات الخارجية للدول، بل حتى عند التعامل السلطوي مع حق التعبير الناقد للصهيونية ولحلفائها من القوى الصليبية المتعلمنة.

أما العرب والمسلمون، فقد أثبت لهم "طوفان الأقصى" أن بلدانهم مجرد محميات أو ملحقات وظيفية بالغرب، وأن مفاهيم "السيادة الوطنية" و"استقلالية القرار" والانحياز للحق الفلسطيني وغير ذلك من أسس الشرعية؛ ليست إلا تلبيسات لا تتجاوز قيمتُها قيمةَ "حلّ الدولتين" المستحيل واقعيا. كما أثبت لهم "الطوفان" أن "إسلام المقاومة والتحرير" لا يمكن البتة أن يكون إسلاما طائفيا أو سلطويا، وأن "الطائفة المنصورة" هي طائفة غير متمذهبة بالضرورة.

ولا شك عندنا في أن "الاستبدال العظيم" هو مشروع "كوني" لا يمكن الجزم بمساراته، وإن كنا نستطيع الجزم -من منطلق إيماني أو من منطلق الثقة في عدالة القضية أو حتى من منطلق استقراء قوانين التاريخ والجغرافيا- بمآلاته أو نهاياته ولو بعد حين: تحرير الانسانية من "تألّه" الانسان الغربي وصنيعته الصهيونية والمتصهينة.

twitter.com/adel_arabi21

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المقاومة تحولات غزة غزة المقاومة تحولات طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المقاومة الإسلامیة طوفان الأقصى

إقرأ أيضاً:

40 ألفًا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى

الثورة نت/..

أدى عشرات آلاف المصلين صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك، رغم إغلاق قوات العدو الإسرائيلي مداخل وشوارع في مدينة القدس، بالتزامن مع تنظيم ماراثون تهويدي، وتضييقها على وصول المصلين إلى المسجد.

وذكرت دائرة الأوقاف الاسلامية بالقدس، أن 40 ألف مصل أدوا صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك، والغائب على أرواح شهداء قطاع غزة والضفة الغربية.

وأفادت وكالة “صفا”، بأن قوات العدو الإسرائيلي أغلقت صباح اليوم، عدة شوارع في مدينة القدس بالحواجز الحديدية والأشرطة الحمراء، أثناء تنظيم ماراثون تهويدي للدراجات الهوائية في مدينة القدس، بالتزامن مع توافد المصلين إلى المدينة.

وأضافت أن قوات العدو انتشرت في شوارع ومداخل مدينة القدس بكثافة، لتسهيل الماراثون التهويدي بالمدينة، مقابل التضييق على السكان المقدسيين.

وفرضت القوات قيوداً على وصول الشبان للمسجد الأقصى، من خلال توقيفهم عبر الحواجز الحديدية، وفحص هوياتهم وتفتيش عدد منهم، ومنعهم من الوصول للمسجد الأقصى.

من جهته، قال مفتي القدس، الشيخ محمد حسين، “أما آن لأمة المسلمين أن تعقد مؤتمراً لله تعالى متأسية بمؤتمر عرفات ومناسك الحج، لينظروا في إغاثة الملهوفين في ديار الإسلام والمسلمين، وهنا في ديار الإسراء والمعراج من رفح في الجنوب إلى جنين في الشمال، حيث الحرب المجنونة التي تحصد أرواح أبناء الشعب الفلسطيني”.

وأضاف حسين: “تحصد أرواح الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ، والمسلمون يستنكرون أو يشجبون، أو يدينون ولا يرتقون إلى مستوى مؤتمر عرفات، مؤتمر الحج الأكبر الذي علت فيه كلمة الاسلام والمسلمين”.

وتابع: “فإليك يا رب عرفات والبيت الحرام نشكو ضعفنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس، فأغثنا يا غياث المستغيثين وأمدنا برحمتك يا أرحم الراحمين وثبتنا على الحق والايمان سدنة وحراسا أمناء لمسجدك الأقصى المبارك”.

وفي الخطبة الثانية، قال مفتي القدس: “في هذه الأيام العصيبة الحرجة تواجه القدس والمسجد الأقصى المبارك اعتداءات كثيرة على رحابه الشريفة من أولئك المتطرفين المتغطرسين، الذين يحلمون “بهيكل مزعوم” ويعشعش في أفكارهم الخربة أن هذا المكان، ما كان في وقت من الأوقات لهم”.

وأردف: “نقول رداً على كل الادعاءات والأحلام الموهومة والوهمية إن هذا البيت العظيم وهذا البلد الكريم، جعله الله مباركا مقدساً، وأنزل فيه قرآنا يتلوه كل مسلم، سبحان الذي أسرى بعبده ليلا، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله”.

وأكد أن “المسجد الأقصى للمسلمين عقيدة وشريعة وأمر حياة، وهو للمسلمين حضارة وتاريخ وعزة، يعتز بها كل مؤمن يوم أسري بحبيبه الأكرم صلى الله عليه وسلم إلى رحابه الشريفه، وعرج به من رحابه إلى السماوات العلى لتفرض علينا الصلوات الخمس”.

وبين أن “المسجد الأقصى هو ثالث المساجد التي لا تشد الرحال إلا إليها، وشد الرحال إليه هو دعوة نبوية، علينا أن نلبيها وأن ننهض بها، وأن نكون أول الملبين والقادمين إلى المسجد الأقصى، في هذه الأيام وعلى امتداد العام”.

وشدد على أن “المسجد الأقصى هو مسجدنا وقبلتنا، وهو مسرى نبينا عليه الصلاة والسلام، فلا تفريط ولا تغيير ولا تبديل بالموقف الإيماني الثابت باسلامية هذا المسجد المبارك، وحق المسلمين الكامل فيه وليس لغيرهم، مهما حاولوا التطاول والاعتداء والعدوان”.

وقال مفتي القدس: “للبيت رب يحميه والمسجد الأقصى ربه الله تعالى، قاسم الجبارين وهازم المتكبرين والمنتقم من كل جبار عنيد، ورواده وعماره هم المسلمون الموطئون أكنافاً، هم المؤمنون الذين يأتون وقلوبهم تلهف إليه وعيونهم تشخص إليه، ويشهد وتشهد أرضه لهم بأنهم الساجدون والراكعون والمعمرون للمسجد الأقصى، فخاب كل طامع في هذا المسجد، والحق والنصر لكل مؤمن، لأن هذا المسجد لنا وكل المسلمين جميعاً”.

مقالات مشابهة

  • متظاهرون صهاينة يتهمون نتنياهو بترك الأسرى ويفتحون النار على العملية العسكرية في غزة
  • اغتنم فضلها العظيم.. أفضل الأدعية والأعمال في عشر ذي الحجة ويوم عرفة 2025
  • كريم وزيري يكتب: أرباح الحروب التي لا نراها في نشرات الأخبار
  • فتوح يحذر من خطوة المجموعات الدينية اليهودية التي تطالب بفتح أبواب الأقصى
  • ضحايا العنف الطائفي بالذاكرة.. مبادرة سورية للسلام من جرمانا
  • البرلمان العربي يطالب بموقف دولي موحد لوقف الحرب على غزة
  • اقتصاد الظل في السودان: تحالفات الخفاء التي تموّل الحرب وتقمع ثورة التحول المدني
  • 40 ألفًا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
  • الحوثيون يحولون "مرّان" إلى مديرية لنهب الإيرادات وتعزيز مشروعهم الطائفي في صعدة
  • عميد الدراسات الإسلامية بأسوان يوضح خطوات الحج والعمرة.. وأدعية الطواف التي لا تُنسى