جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-12@13:43:44 GMT

سجلات المجد يحتاجها الجميع

تاريخ النشر: 7th, January 2024 GMT

سجلات المجد يحتاجها الجميع

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

‏هذه الأرض التي نعيش فيها نحن بنو البشر وما شاء الله أن يشاركنا عليها من مخلوقات وعلى مر الزمن تعاقبت عليها حضارات وديانات وأقوام منهم ما هو معروف والأكثر في علم الله سبحانه وتعالى وحينما نقسّم الأرض من خلال القارات عليها نجد اختلافًا في كثير من الأحيان وتكاملًا في أحيانٍ أخرى وكذلك تكاملًا في جانبٍ آخر بين بني البشر في عاداتهم وتقاليدهم وألوانهم والكثير الكثير مما يمكن تسجيله عن طباعنا نحن البشر.

‏الملفت في الأمر أن القارة الواحدة وحين يتم قراءة تاريخها منفصلًا نجد أنها ترقى أكثر من غيرها مثلًا، ومع ذلك فإنَّ قلةً من الناس يدقق في الأسباب التي قد تكون جوهرية وإلى حدٍ ذي تأثير مفصلي على قاطني تلك القطعة من الأرض ولعلي اليوم أتلمس بعض الأسباب التي توجد فارقًا جماعيًا بين القارات بشكلٍ عام.

إن أهم الأسباب التي تجعل من أمة بعينها تعيش الكرامة والقوة والغنى هو ذلك المفتاح الذهبي الذي يمكن أن يفتح كل شيء، ذلك المفتاح وكلما صغر كان قادرًا على فتح كل شيء وأن كبر قلت فعاليته حتى يصل إلى عدم المقدرة على فتح أي شيء، هذا المفتاح هو الإجماع على حب العمل الجماعي وعلى قلب إنسان واحد وبرؤية واحدة والنظر إلى المصلحة العليا لأي وطن بأكثر أهمية من حب الذات وتفرع ذلك وانقسامه يبدأ بحب الذات والعمل المفرد وهنا يكبر المفتاح الذي ننتظر منه الأجمل غير أنه يصبح دون فائدة، زد على ذلك الاختلاف الديني والمذهبي والقبلي وجوانب لا حصر لها.

ومن خلال تعمقي في هذا الجانب، وجدت أن أهم أدوات التعرف على الأفراد والجماعات في هذا الجانب هو ذلك التوجه لهم بين إبراز الإنجازات الفردية والشكر من أجل الطموح، وبين آخرين لا شاغل لهم إلا النقد وإظهار الأخطاء وإشاعة السواد على المظهر العام متنقلًا بعضهم من الأخطاء العامة للأمة والأوطان والتوجهات متدرجًا في ذلك إلى ما لا نهاية ولا حدود لذلك النقد لأنها أصبحت صفة جماعية لكل القاطنين في مكانٍ ما والتي أصبحت في العمق البعيد حجةً ومخرجًا لكل تأخر، علمًا بأن ذلك المنتقد هو شريك أساسي في رسم تلك الصورة العامة بما لها وما عليها وهو جزء لا يتجزأ من كل شيء.

وهنا نتساءل بعمق: لماذا تكون بعض الفئات البشرية في مكانٍ ما بهذه الصفة وأخرى بصفات مختلفة؟ وأني توصلت إلى مفهوم شخصي بأن الإنسان ومهما كان دوره ومستواه يُريد أن يُبرهن لنفسه ومصداقيته وللعالم أنه مؤثر وذو قيمة وهو شريك أساسي لا يقل عن أي أحد في المجتمع فإذا لم يجد ذلك ولم يكن من بين أهل العطاء والإيجابيين والفاعلين، فإنه حتمًا سيتجه إلى التيار الناقد؛ بل إنه قد يصل إلى تبني الحقد، وما هو أكثر من ذلك؛ لأنَّ الاعتقاد الأصيل للفرد أنه يمتلك صفات لم يمكّنه المجتمع من إظهارها، ولم يتمكن أن يقول لمن حوله هذا هو أنا لست بأقل من أي بشر. ونعم كل إنسان على هذه البسيطة يمتلك شيئًا، ولكن هل هو في بيئة جاذبة أو هي طاردة؟

هنا سندخل في فصلٍ آخر سيذهب بنا بعيدًا لن يخدم رؤيتي المحددة في هذه العجالة، ولكن بقي أمرًا في غاية الأهمية أود أن أوضحه للجميع وعلى أي مستوى، وهو أن الإنسان يدرك في عمقه البعيد أن الحياة الأزلية والأكثر أهمية هو ما بعد الدنيا، ولذلك فإن إنجازاته الفعلية مهما ذهبت في تناهي الصغر والدقة فهو يريد لها الدوام لتعكس صورته في سجل الأبطال الفاعلين والمؤثرين وممن لهم دور فيما نرى من إنجازات.

يجب على أي وطن يريد أن يرتقي ويعيش رافعًا لرأس من هُم عليه، أن لا يستهين بأي إنسان؛ بل عليه أن يبحث له عن أي شيء ليكون شريكًا وحاميًا للمنجزات، ويجب أن يختفي من المشهد أولئك الذين يحملون اعتقاد الصفة أنهم الأبرز وأنهم السبب الوحيد الذي ينجز كل شيء، ولذلك فإن من الضروري استنباط شهادات التقدير والأوسمة وقوائم التميز، وأن يجد كل إنسانٍ له مكانًا يدفعه للعمل بقوة لتختفي صفة النقد والتي أهم أسبابها عدم وجود مكان للفئة التي يمكن الاستفادة منها بطرقٍ أخرى.

 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

من همس متقطع إلى صوت يصل إلى الجميع.. رحلة شفاء من التأتأة بالكتابة

بيروت- لم تكن التأتأة بالنسبة للبنانية كارين الحر، ابنة بلدة حومين الفوقا في جنوب لبنان، مجرد اضطراب لغوي عابر، بل تجربة عميقة شكّلت طفولتها ورافقت محاولاتها الأولى لفهم العالم والتواصل معه. فمنذ سنواتها المبكرة، كانت الكلمات تتجمع عند طرف شفتيها قبل أن تتشابك، معلقة بين رغبتها في التعبير وخوفها من ردود الفعل من حولها.

وفي كل مرة حاولت فيها المشاركة في أحاديث الصف، كانت النظرات الفاحصة والنصائح الجاهزة من نوع "احكي على مهلك.. خدي نفس" تزيد الفجوة بين صوتها وما تريد قوله. ومع مرور الوقت، لم يعد تعثر الكلام مجرد صعوبة لغوية، بل عبئا اجتماعيا يربط بين الطريقة التي يخرج بها الصوت وبين الشخصية والثقة والقدرة.

كبرت كارين وهي تتساءل بصمت: لماذا يُعامل التلعثم كعيب؟ ولماذا تتحول الهفوة الصوتية إلى معيار للحكم على الإنسان؟ لم تكن تبحث فقط عن طريقة تتجاوز بها التأتأة، بل عن مساحة ترى فيها نفسها كاملة، حتى لو خرج صوتها متقطعا.

ومع تقدمها في العمر، تغيّر منظورها. فتحولت التأتأة من مصدر قلق إلى رحلة اكتشاف ذاتي، أدركت خلالها أن صوتها، بكل ارتباكاته، يحمل شجاعة خاصة لا يشعر بها إلا من عاش التجربة فعلا.

في كتابها الأول "ت ت تَأتأة" تقدّم كارين رحلة مصالحة مع الذات تتجاوز مجرد اضطراب لغوي (الجزيرة)رحلة شفاء

في كتابها الأول "ت ت تَأتأة"، لا تقدّم كارين الحر حكاية عن اضطراب لغوي فحسب، بل مسارا شخصيا طويلا نحو التصالح مع الذات. أرادت منذ اللحظة الأولى أن يكون الكتاب صادقا إلى حد يعرّي التجربة دون تزيين، وأن يسمح للقارئ بالاقتراب من عالمها الداخلي كما هو، لا كما يُفترض أن يكون.

كتبت بلغتها التي تشبهها، وتركت الأفكار تتدفق على الورق من دون رقابة. تقول في حديثها للجزيرة نت: "كنت أكتب وأترك الأشياء تخرج وحدها، كأن الورق كان ينتظر هذه المشاعر التي حملتها سنوات". وبذلك تحوّل النص إلى مساحة تحرّر، أسقطت عليها ما ظل عالقا بين الصوت والقلب لوقت طويل.

إعلان

اختارت كارين عنوان الكتاب بعناية. تكرار حرف التاء لم يكن زخرفة لغوية، بل إعلان مواجهة. فما كانت تخجل منه يوما جعلته في الواجهة، كأنها تقول للقارئ: "هذا صوتي الحقيقي، بهذه التأتأة أوجد وأحكي". لقد أرادت استعادة ملكية صوتها، ووضعه في مكانه الطبيعي: جزءًا من هويتها لا يمكن فصله عنها.

وراء هذه الرحلة، كانت هناك عائلة احتضنتها دون شروط. وتؤكد كارين أن ثبات والدتها وأختها منحها القدرة على الوقوف في وجه العالم، وأن إيمانهما المتواصل بصوتها كان حجر الأساس في بنائها الداخلي. هذا الدعم ذكّرها دائما بأن المشكلة لم تكن يوما في صوتها، بل في الطريقة التي يتلقى بها المجتمع اختلافه.

وتعود بذاكرتها إلى سنوات المدرسة الأولى، حين كانت تحاول نطق كلمة بسيطة، فتتقدمها ضحكات أو نظرات شفقة. تقول: "الضحك كان يؤلمني، لكن كلمة يا حرام كانت أشد وجعا". وتضيف: "مع الوقت صار الخوف من ردّة فعل الناس أصعب من التأتأة نفسها".

كارين تواصل إطلاق مشاريع جديدة لتعزيز الوعي بالتأتأة (الجزيرة)بين التأتأة والمرض

ورغم أن التأتأة انتزعت من كارين الكثير في طفولتها وشبابها -من جرأتها ومن اندفاعها الفطري نحو الكلام- فإنها منحتها في المقابل حساسية عالية تجاه الآخرين وقدرة استثنائية على الإصغاء. وتوضح قائلة: "أحب التواصل والكلام، لكن الخوف كبلني لفترة طويلة. لاحقا أدركت أن المشكلة لم تكن في الصوت بل في الخوف نفسه. ومع ذلك، التأتأة منحتني القدرة على أن أسمع بصدق".

ولا تخفي كارين أن المجتمع لا يزال يخلط بين التأتأة والمرض، فحين يتحدث شخص يتأتئ أمام الآخرين، يسارع البعض إلى تقديم نصائح عفوية تثقل عليه أكثر مما تساعده. وتقول: "نحن نعرف كيف نتعامل مع التأتأة، لسنا بحاجة لمن يعلّمنا كيف نتكلم. هذه العبارات تضع الشخص تحت ضغط كبير". لكنها ترى في الوقت ذاته أن الوعي يتحسن تدريجيا، وأن السخرية يجب أن تتوقف تماما. وبالنسبة إليها، يأتي كتابها خطوة في مسار أطول لنشر الوعي، لا خاتمته.

وعندما جاء يوم توقيع الكتاب، شعرت كارين للمرة الأولى بأن صوتها يُستقبل كما هو، بلا تصحيح ولا مقاطعة. وتقول: "كان أجمل يوم في حياتي. أحبّ الناس من حولي، وشعرت بفخر وراحة، وخوف جميل، ذلك الخوف الذي يرافق كل بداية حقيقية".

بالنسبة إلى كارين، كانت الكتابة مسارا شِفائيا كاملا. جلست أمام الورق لتُفرغ ما ظل محبوسا لسنوات: الخوف، الوجع، وانكسارات الصوت. ومع الوقت تحولت الكتابة من فعل تعبيري إلى ملجأ يومي، طقس يعيد ترتيب الداخل ويهبه قدرا من الطمأنينة. تقول: "حين أكتب، أتنفّس. وأترك خوفي على الورق".

واليوم، بعد صدور كتابها، تمضي كارين في العمل على مشاريع جديدة تُعنى بالتوعية حول التأتأة، ساعية إلى خلق مساحة أوسع تتقبل اختلافات الصوت واللغة وطريقة التعبير، وتتيح لمن يعيش التجربة أن يشعر بأنه مسموع بلا أحكام.

وفي ختام حديثها، توجّه رسالة إلى كل من يمر بالطريق نفسه: "أصواتكم جميلة، وطريقتكم ليست خطأ. على المجتمع أن يسمعكم كما أنتم، لا كما يريدكم أن تكونوا. وإذا لم يسمعكم جيدا. فالمشكلة ليست فيكم".

إعلان

مقالات مشابهة

  • حذف عدد من عقارات القاهرة من سجلات الطراز المعماري
  • دعم الصحة مسئولية الجميع
  • صرخات تحت المطر.. 1.29مليون إنسان في غزة يواجهون شتاء الموت بلا مأوى
  • واشنطن تبحث عن حل يرضي الجميع في أوكرانيا
  • معلومات جديدة… هذا ما كشف عن العظام التي عثر عليها في محيط بركة دير سريان
  • من همس متقطع إلى صوت يصل إلى الجميع.. رحلة شفاء من التأتأة بالكتابة
  • محافظ كفر الشيخ يفتتح تطوير مدرسة الشهيد أبو المجد القاضي بالصافية
  • محافظ كفر الشيخ يفتتح تطوير مدرسة الشهيد أبو المجد القاضي بدسوق | صور
  • إليكم هوية الجثة التي عثر عليها في عمشيت
  • تحقيقات مع حلمي عبد الباقي وأبو المجد في نقابة الموسيقيين | خاص