حذر تحليل غربي من تطور الصراع في البحر الأحمر، مع تصاعد هجمات جماعة الحوثي على سفن الشحن التجارية، الأمر الذي سيكون له تداعيات اقتصادية وسياسية عميقة.

 

وقالت صحيفة "ذا هيل" البريطانية في تحليل لها ترجم أبرز مضمونه "الموقع بوست" إن "الولايات المتحدة تواجه قراراً مهماً في ظل الوضع الجيوسياسي المعقد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

 

وأضافت أن التصعيد الأخير في البحر الأحمر، والذي اتسم بهجمات المتمردين الحوثيين على طرق الشحن الدولية، بما في ذلك استهداف سفن الشحن المتجهة إلى إسرائيل، قد دفع المنطقة إلى حالة غير مستقرة. وهذا الوضع، الذي تفاقم بسبب الحظر الذي فرضته ماليزيا مؤخراً على السفن الإسرائيلية كإظهار لدعمها لفلسطين، يزيد من احتمالات توسيع الصراع.

 

وبحسب التحليل فإنه يمكن للولايات المتحدة أن تختار إما تصعيد التدخل العسكري أو مواصلة جهود السلام الدبلوماسية. وفي كلتا الحالتين، سيكون له آثار اقتصادية كبيرة.

 

وأفادت "لا يمكن المبالغة في تقدير الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر باعتباره قناة للتجارة العالمية، وخاصة بالنسبة للطاقة" مشيرة إلى أن الهجمات الأخيرة قد أدت بالفعل إلى إعادة تصنيف المنطقة على أنها منطقة عالية المخاطر من جانب سوق التأمين البحري في لندن، وهي خطوة من شأنها أن تزيد بشكل ثابت أقساط التأمين، وبالتالي تكلفة البضائع.

 

 وذكرت أن الهجمات أجبرت شركات الشحن العالمية العملاقة مثل ميرسك، وهاباغ لويد، وسي إم إيه، وسي جي إم على تعليق الشحنات عبر البحر الأحمر، وحذت حذوها شركة النفط العملاقة بي بي. وهذا التصاعد في التكاليف التشغيلية ليس مجرد قضية إقليمية؛ فهو يؤثر على الاقتصاد العالمي، حيث أن ارتفاع تكاليف الشحن يؤدي حتماً إلى زيادة الأسعار بالنسبة للمستهلكين والشركات في جميع أنحاء العالم.

 

وأكدت ـن التحالف العالمي، مثل ذلك الذي تصوره عملية حارس الازدهار، أمر حيوي لحماية هذه الممرات الملاحية الحيوية. ومع ذلك، فإن مدى فعاليتها كرادع لا تزال قيد التحديد، خاصة مع تراجع بعض الحلفاء عن التزامهم بالعملية.

 

وأوضحت أن أحد الجوانب الأساسية لهذا الصراع هو التفاوت الاقتصادي في أساليب الحرب لدى الجانبين. ويستخدم المتمردون الحوثيون بشكل متزايد طائرات بدون طيار منخفضة التكلفة لشن هجماتهم. وقد أثبتت هذه الطائرات بدون طيار، على الرغم من أنها رخيصة الثمن، فعاليتها في تعطيل طرق الشحن الرئيسية والتسبب في مخاوف أمنية كبيرة. إن فعالية هذه الطائرات بدون طيار من حيث التكلفة تعني أن الحوثيين يمكنهم مواصلة هجومهم على مدى فترة طويلة دون ضغوط مالية كبيرة.

 

ورجحت "ذا هيل" أن ترد الولايات المتحدة وحلفاؤها بأنظمة دفاع وأسلحة متطورة وعالية التكلفة. مشيرا إلى أن التكنولوجيا العسكرية الأمريكية، المعروفة بفعاليتها العالية، تأتي بتكلفة باهظة.

 

وقالت إن استخدام مثل هذه الأنظمة المتقدمة لمواجهة الطائرات بدون طيار الرخيصة نسبيًا يمثل عدم تطابق اقتصادي. ويعني هذا التفاوت أنه حتى لو تمكن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من مواجهة التهديدات المباشرة بشكل فعال، فإن العبء المالي للقيام بذلك مرتفع بشكل غير متناسب.

 

وأكدت أن الاستخدام المستمر لتقنيات الدفاع باهظة الثمن ردًا على الهجمات المستمرة منخفضة التكلفة يمكن أن يؤدي إلى استنزاف الموارد بشكل كبير.

 

وبحسب التحليل فإن جوهر القضية يكمن في حقيقة أن الوجود العسكري وحده لا يمكنه فك الديناميكيات السياسية المعقدة التي تغذي هذا الصراع. وبدون اتباع نهج شامل ودبلوماسي لمعالجة هذه القضايا الأساسية، هناك خطر حقيقي من أن مثل هذه التدابير قد لا توفر سوى فترة راحة مؤقتة أو تساهم في مزيد من التصعيد.

 

عواقب اقتصادية عميقة

 

وتوقع أن تخسر الولايات المتحدة بشكل كبير من التصعيد المستمر. وقال "يمكن أن تؤدي الاضطرابات في البحر الأحمر إلى زيادة أسعار الوقود، مما يؤثر على كل شيء بدءًا من تكاليف النقل إلى التصنيع، مما يزيد من الضغط على الاقتصاد العالمي الذي يعاني من التضخم. وفي اقتصاد عالمي مترابط، قد تكون التأثيرات المتتابعة المترتبة على مثل هذه الاضطرابات واسعة النطاق، فتؤثر على النمو الاقتصادي، والموازين التجارية، بل وحتى تشغيل العمالة المحلية".

 

واستدرك "إذا تصاعد الوضع أكثر، فمن الممكن أن تتورط الولايات المتحدة في صراع أوسع في الشرق الأوسط له عواقب اقتصادية عميقة".

 

وقال التحليل "يتعين على الولايات المتحدة أن تتبع استراتيجية تعطي الأولوية للسلام والاستقرار الاقتصادي. وهذا ينطوي على الانخراط في الجهود الدبلوماسية لتهدئة التوترات والسعي إلى حل للصراع. ومن خلال لعب دور في تعزيز السلام، تستطيع الولايات المتحدة المساعدة في ضمان التدفق الحر للتجارة عبر الطرق البحرية الحيوية، وبالتالي دعم الاستقرار الاقتصادي العالمي".

 

وأفاد "علاوة على ذلك، فإن التوصل إلى حل سلمي من شأنه أن يسمح للولايات المتحدة بالتركيز على الأولويات المحلية والنمو الاقتصادي. ويمكن إعادة توجيه موارد حكومة الولايات المتحدة المتعلقة بالمشاركة العسكرية نحو تعزيز الاقتصاد المحلي، والاستثمار في الابتكار، والحفاظ على القدرة التنافسية العالمية".

 

وختمت الصحيفة البريطانية تحليلها بالقول إن "الطريق إلى السلام ليس مجرد ضرورة أخلاقية واقتصادية. إنها استراتيجية تتوافق مع المصالح طويلة المدى للولايات المتحدة والمجتمع العالمي. وفي عالم يتسم بالثروات الاقتصادية المترابطة بشكل عميق، من الضروري تعزيز الاستقرار وفتح طرق التجارة. ويتعين على الولايات المتحدة أن تغتنم هذه الفرصة للتأكيد من جديد على دورها كمعزز للاستقرار العالمي وحارس للازدهار الاقتصادي".

 

 


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن البحر الأحمر أمريكا الحوثي اقتصاد الولایات المتحدة فی البحر الأحمر بدون طیار

إقرأ أيضاً:

مجلة بريطانية تسلط الضوء على حضرموت.. الجانب الآخر من اليمن البعيد عن صخب الحرب والحوثيين (ترجمة خاصة)

سلطت مجلة "ذا سبيكتاتور" البريطانية، الضوء على محافظة حضرموت (شرقي اليمن) التي تعج بالحياة، بعيدا عن ضجيج الحرب وجماعة الحوثي.

 

وقالت المجلة في تقرير أعده الكاتب الأسترالي "ماركوس راي" الذي زار حضرموت مؤخرا إنه في المخيلة الغربية، يُنظر إلى اليمن على أنها رمز للإرهاب والموت. وتُختزل صورها في عناوين الصحف العالمية في ثلاثية من المعاناة: الحوثيون، والجوع، واليأس.

 

وأضافت المجلة في التقرير الذي ترجمه للعربية "الموقع بوست" إن الحرب الأهلية استمرت لأكثر من عقد، تاركةً معظم أنحاء البلاد في حالة دمار، الحياة قاسية على ملايين الناس الذين يعيشون حياتهم اليومية وسط حالة من عدم الاستقرار المزمن. يواصل الحوثيون - المتحصنون في العاصمة صنعاء - تشديد قبضتهم على السلطة في الشمال الغربي. وقد أثارت هجماتهم على سفن الشحن في البحر الأحمر ردود فعل انتقامية دولية وأججت التوترات الإقليمية. ولا تزال وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية البريطانية تنصح المواطنين البريطانيين بعدم السفر إلى البلاد.

 

وتابعت "لذا، فإن اليمن ليست وجهة العطلات التقليدية. لكن اليمن أكثر من مجرد الحوثيين".

 

يقول ماركوس "على حافة الربع الخالي، في شمال شرق البلاد، تقع حضرموت. ومن هنا أتيتُ لألقي نظرة على يمن مختلف، بعيدًا عن خطوط المواجهة وبعيدًا عن متناول سيطرة الحوثيين. لقد نجت من صخب الحرب اليومي، ولذلك - متحمسًا للمغامرة والسفر كسائح، على الرغم من التحذيرات - صعدتُ على متن طائرة إيرباص قديمة تابعة للخطوط الجوية اليمنية إلى مدينة سيئون، بوابة إلى المناطق النائية في المنطقة".

 

وأضاف "تمتد حضرموت عبر وديان جافة محفورة في عمق الصحراء. تحيط بها منحدرات تحبس حرارة حضرموت القاسية، وتنتشر عجائب معمارية شامخة في تحدٍّ أشبه بالأحلام تتخلل مناظرها الطبيعية".

 

 

وأكد أن مدينة شبام هي أروع هذه الآثار الطينية والزمنية. كانت في يوم من الأيام عاصمة مملكة غابرة ومحطة قوافل مهمة على طريق البخور عبر جنوب شبه الجزيرة العربية. اليوم، تشتهر شبام، المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، بناطحات السحاب الطينية ذات الحواف الحادة التي تُهيمن على أفقها، والمبنية على أنقاض أساساتها.

 

وحسب ماركوس "تُعتبر شبام، التي تُستشهد بها غالبًا كأول مثال عالمي للتخطيط الحضري العمودي، شاهدًا على الخيال اليمني. وقد أطلقت عليها فريا ستارك، التي جابت المنطقة في ثلاثينيات القرن الماضي، لقب "مانهاتن الصحراء".

 

وأردف "يعود تاريخ العديد من الأبراج البالغ عددها 444 برجًا، والتي يمكن أن يصل ارتفاعها إلى 11 طابقًا، إلى القرن السادس عشر. وهي ذات شكل شبه منحرف، مصنوعة من طين الوادي، ومغطاة بجص من الحجر الجيري الباهت، وأسطحها عبارة عن خليط من اللونين الأصفر والأبيض. وتُحيط بالأبواب أعمال خشبية مزخرفة".

 

وتحيط بالمدينة، التي تقع على قمة تل، سور محصن، كان في السابق حصنًا منيعًا ضد غزاة البدو المهاجمين. يقول ماركوس "قضيتُ يومًا صيفيًا قائظًا أتجول في أزقتها، برفقة حراسة عسكرية تحمل كلاشينكوف. في وقت مبكر من بعد الظهر، انكشفت متاهة داخلية - معلقة في الزمن وخالية من الحياة - في الداخل. كان الهواء كثيفًا برائحة الطين المخبوز بأشعة الشمس، وقد لجأ سكان شبام البالغ عددهم 3000 إلى الظلال والظلال بحثًا عن ملجأ صامت.

 

وزاد "امتزجت أي علامات على الحداثة بسلاسة مع الهندسة القديمة لأبراج المدينة. بين الحين والآخر، يقف مبنى مهجورًا، حيث يتفتت الطين عائدًا إلى الأرض، وقد غادر سكانه السابقون منذ زمن طويل إلى المملكة العربية السعودية أو إلى الخارج. لم يكن صدى ثغاء الماعز يتردد من تجاويف مظلمة. ومع ذلك، لم يكن صمت المدينة يعني العزلة. خلف النوافذ الشبكية، كان جمهور صامت يراقب الغرباء".

 

ولكن مع غروب الشمس، بدأت شبام تنبض بالحياة. خرج الأطفال للعب في الأزقة، متجمعين في مجموعات ضاحكة. تدافع كبار السن إلى الساحة وهم يحملون أكياس القات - ذلك النبات المخدر الذي يُلين الكلام ويُطيل الزمن - مستعدين لبدء مضغهم المسائي. انطلقت أصوات ألعاب الدومينو على الصناديق الخشبية خارج المقاهي في الساحة الرئيسية. عاد إيقاع شبام بنبضات هادئة. انطلقت المدينة في رقصة رثائية خاصة بها، تعطلت للحظات بسبب أقدام الأجانب، وفق الكاتب الاسترالي.

 

وأشار إلى أن حضرموت تحتضن العديد من الأماكن الأخرى التي تُشبه عظمة القصص الخيالية. هناك مدينة تريم الدينية، وقرية حيد الجزيل، وقصر بقشان الفخم، الذي تتناقض ألوانه الساحرة مع محيطه القمري. خارج هذه المنطقة أيضًا، ثمة ثراءٌ لا يقلّ شهرةً عن صنعاء، وإن كان الكثير منه لا يزال مُعرّضًا لخطر الدمار، وهو، في الوقت الحالي، بعيد المنال.

 

على الرغم من روعتها -وفق ماركوس- إلا أن روائع حضرموت بدت سينمائيةً للغاية لدرجة أنها لم تُجسّد ديناميكية اليمن الحديث. في سيئون، كانت الحياة تنبض بالحياة بكل ألوانها، حيث كانت الدراجات النارية تتهادى بين أكشاك العسل والمآذن، حاملةً الأذان.

 

واستدرك "كانت رائحة الهيل والديزل تفوح في الهواء، بينما كان التلاوة الرقيقة تنبعث من مدرسة دينية قريبة. كان الأطفال يتدربون على ملاعب كرة قدم رملية، وكان الفنيون يجلسون تحت سيارات مُتهالكة، ودخان السجائر يتصاعد فوق هياكلها".

 

وقال " زأرت فتاةٌ في مروحة، مُبتهجةً بصوتها الأجشّ المُتقطّع، ثم انقلبت ضاحكةً. كان رجلٌ يُضبط عوده القديم تحت نخلة تمر. هذا النوع من الأمور العادية لا يُصبح خبرًا. لكن في بلدٍ غالبًا ما يُنظر إليه من منظور الانهيار، يُمكن للحياة الطبيعية أن تُشعِرنا بالكشف".

 

وختم الكاتب الأسترالي ماركوس تقريره بالقول "تقاوم إيقاعات حضرموت اليومية وعجائبها المعمارية الروايات السهلة المفروضة من بعيد. ليس كل شيء هنا يتوافق مع صورة أمة مُحاصرة. اليمن أكثر من مجرد عناوين رئيسية تُعرّفها. إنه بلدٌ يعيش فيه التاريخ جنبًا إلى جنب مع الصعاب، ويصمد شعبه دون أي استعراض".

 

 


مقالات مشابهة

  • مصر تدخل السوق العالمي للقاطرات واليخوت بتأسيس مصانع جديدة في البحر الأحمر
  • واشنطن تنسحب.. وصنعاء تسيطر.. الحصار البحري اليمني على الكيان يعيد رسم معادلات البحر الأحمر
  • مجلة بريطانية تسلط الضوء على حضرموت.. الجانب الآخر من اليمن البعيد عن صخب الحرب والحوثيين (ترجمة خاصة)
  • تحليل بريطاني: القدرات العسكرية اليمنية أربكت أمريكا و”إسرائيل”
  • جيروزاليم بوست: إغراق سفينة إتيرنتي سي جرس إنذار قاسٍ لقطاع الشحن
  • ساكاليان لـ سانا: زيارة فريق اللجنة الذي ضم مختصين من مجالات متعددة لمحافظة السويداء شكلت فرصة لفهم الوضع بشكل أفضل وتوسيع نطاق الاستجابة لتلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحاً، وذلك بالتعاون الوثيق مع الهلال الأحمر العربي السوري
  • صندوق النقد يرفع توقعاته بـ نمو الاقتصادي العالمي بنسبة 3% في عام 2025 و2026
  • الحصار البحري اليمني يجبر العدو على تحويل ميناء إيلات إلى “كازينو حكومي”
  • محافظ البحر الأحمر يعلن الانتهاء من توصيل المرافق بالكامل بمنطقة الحرفيين
  • مستنقع اليمن.. لماذا لا تنتصر القوة الأمريكية على الحوثيين؟ (ترجمة خاصة)