الاستحقاق الرئاسي معّلق على خشبة غزّة حتى إشعار آخر
تاريخ النشر: 19th, January 2024 GMT
يصعب كثيرًا في مثل هذه الأيام الماحلة والقاحلة التفتيش عمّا يريح المواطن العادي الساعي إلى لقمة عيش أهل بيته بعرق الجبين. فالهموم تلاحقه كيفما اتجه. يحاول التخّلص من بقايا المشاكل، التي قذفتها سنة 2023 إلى شواطئ سنة 2024، لكنه يعود فيقع فريسة الهواجس في كل محاولة من محاولات معروفة النتائج سلفًا. فلا الحركة الداخلية ستؤدّي إلى ما يُرجى منها، مع أنها مطلوبة في كل الأوقات، وبالأخصّ في مثل هذه الأيام، التي يحتاج فيها المواطن إلى من أو ما يخفّف عنه بعضًا من أحماله الثقيلة.
وإن لم تحقّق هذه الحركة مبتغاها من حيث الفائدة المباشرة فإنها بالتأكيد لن تضرّ. فالتواصل بين اللبنانيين حتى بين المختلفين على أمور كثيرة مطلوب في كل آن، وهو سيؤدي في نهاية المطاف إلى ما من شأنه تلطيف الأجواء المشحونة، والتقريب بين وجهات النظر على قدر ما تسمح به الظروف الموضعية لكل فريق، الذي يتمترس وراء مواقف متصلبة ومتشنجة، فيصبح أسيرها، بحيث تصبح عملية الخروج من خيوطها العنكبوتية أمرًا غير سهل. ولأن المواطن العالق بين شاقوفين مكبّل ولا يستطيع الحراك إلا ضمن دائرة محدودة جدًّا فإن الخارج الممثّل باللجنة الخماسية سيبدأ، على ما يبدو، بالسعي إلى إقناع من يجب إقناعهم بأن ربط الأزمات الكثيرة في لبنان، ومن بينها الأزمة الرئاسية، بالحرب الدائرة في قطاع غزة، قد يؤدي حتمًا إلى تكريس مبدأ دائم لربط الشؤون اللبنانية الداخلية بأزمات الخارج. وفي رأي أكثر من مرجع سياسي أن موقف "حزب الله" الرافض مبدئيًا مناقشة أي أمر داخلي قبل جلاء صورة ما يحصل في غزة، قادر على تعطيل أي مسعى خارجي لتحريك أزمات الداخل طالما أن ما يتمّ طرحه لا يأخذ في الاعتبار مآل الأزمة الغزاوية. فكما عطّل بالأمس، وعلى مدى اثنتي عشرة جلسة انتخابية افتراضية، وصول أي رئيس لا يحمي خاصرة "المقاومة"، ولا يضمن حصولها على الحدّ الأقصى من الدعم الرسمي، سواء عبر البيانات الوزارية، أو عبر المواقف التي سوف يتخذها "الرئيس المقاوم المفترض" في اتصالاته ولقاءاته وطلاته من على المنابر الدولية تمامًا كما كان يفعل الرئيسان أميل لحود وميشال عون، اللذان أمنّا شرعية رسمية لسلاح "المقاومة"، قادر اليوم على تعطيل أي مسعى خارجي لا يحسب أي حساب لما تقوم به "المقاومة الإسلامية" في الجنوب وما تقدّمه من تضحيات التي تضعها أوساط معارضة في خانة الاستثمار السياسي تحت عنوان "مساندة مقاومة الشعب الفلسطيني في غزة"، وهو لا يعدو كونه شماعة لعناوين أخرى ولمشاريع مستقبلية لا يمكن إلا وضعها في خانات ما يُطبخ للمنطقة، وما يُحضّر لها من خرائط جديدة، وفق ما تراه أوساط معارضة. فبين السباق الحاصل بين توسع الحرب والجهود الديبلوماسية الدولية الهادفة إلى تلافيها، ثمة من يرى أن أي دفع خارجي نحو تقديم أولوية انتخاب رئيس للجمهورية على ما عداها من أولويات يبدو في الظروف الراهنة غير محقق، على رغم الجهود الديبلوماسية، وبدفع فرنسي في الكواليس، نحو تحريك اللجنة الخماسية واعادة استئناف المبعوث الرئاسي للرئيس إيمانويل ماكرون الوزير السابق جان إيف لودريان تحركه من ضمن هذه اللجنة التي لا تزال محركاتها تعمل بدفع رباعي أميركي، فإن هذه الحركة المستجدة لن تخرج عن الإطار الذي وضعته اللجنة في اجتماعها الأخير في الدوحة، حيث تم التوافق في ما بين أعضائها على المواصفات المطلوب توافرها في الرئيس المقبل، على أن يكون العمل الآن على إسقاط هذه المواصفات على مرشح يُصنّف في خانة الخيار الثالث، على أن تصل في اجتماعها المقبل إلى الاقتناع بضرورة التفاهم بالإجماع على الآليّة التي تتيح إنجاز الاستحقاق الرئاسي، عبر تجاوز مسألة المواصفات التي تم أساساً التوافق عليها للدخول في مرحلة إسقاط أسماء، من دون أن يعني ذلك حصر الأمر بمرشح واحد وإنما حصره بخيار ثالث ينضم إلى الخيارين القائمين، على أن يلحظ هذا الخيار مجموعة محدودة من الأسماء المقترحة التي يمكن أن تشكل قاسماً مشتركاً بين القوى السياسية اللبنانية.
إلاّ أن بين هذه التوقعات أو التمنيات وبين الواقع بونًا شاسعًا، إذ من المستبعد أن يوضع الملف الرئاسي على نار حامية، لأنه لا يزال من المبكر فتح الملف الرئاسي قبل أن تتضح الصورة في الجنوب، واستطراداً في غزة.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
هل ينفرط عقد مجلس القيادة الرئاسي اليمني أمام تعقيدات المحاصصة؟
عدن- يقف مجلس القيادة الرئاسي في اليمن أمام منعطف بالغ الخطورة منذ تأسيسه قبل أكثر من عامين، وسط تصاعد الانقسامات بين مكوناته وتباين أجنداتها السياسية والعسكرية، بالتزامن مع تنامي النزعة الانفصالية لدى المجلس الانتقالي الجنوبي، أحد أبرز أعضائه وأكثرهم نفوذا.
وتشير الوقائع إلى أن مجلس القيادة، المكوّن من 8 أعضاء برئاسة رشاد العليمي وهو أعلى سلطة شرعية معترف بها دوليا في البلاد، يعيش اليوم اختبارا وجوديا، فهل يقترب من مرحلة التفكك؟
منذ تشكيله في أبريل/نيسان 2022 بهدف توحيد الجبهة المناهضة لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، حمل المجلس في تكوينه تناقضات بنيوية، إذ ضم قوى جنوبية ذات نزعة انفصالية، إلى جانب مكونات متمسكة بمرجعيات الشرعية ووحدة الدولة، وأطراف محلية أخرى تسعى لتعزيز نفوذها السياسي والعسكري في معادلة ما بعد الحرب.
وخلال الأشهر الأولى، حافظ مجلس القيادة على تماسك نسبي بفعل انشغال مكوناته بالمعركة ضد الحوثيين، غير أن هذا التماسك الهش لم يصمد طويلا. فتعقيدات المحاصصة وتضارب المصالح دفعت الخلافات إلى السطح سريعا، لتتفجر أزمات متكررة، تهدأ حينا وتشتعل في أحيان أخرى.
ورغم محاولات السعودية -الداعم الأبرز له- احتواء هذه التباينات منذ اللحظات الأولى، فإن خلافات المكونات انعكست تدريجيا في تباعد المواقف داخل مؤسسات الدولة وتضارب القرارات، وامتدت إلى خارطة الانتشار العسكري في المحافظات المحررة.
وبحسب مراقبين، فإن المشهد داخل المجلس يعكس تحالفا هشا بين أطراف متناقضة الرؤى والمشاريع. فبينما يدفع الانتقالي الجنوبي -ممثلا بثلاثة أعضاء- نحو مشروع انفصالي واضح، تتمسك قوى أخرى بخيار الدولة الواحدة، في حين تتحرك أطراف محلية لتعزيز حضورها.
إعلانوخلال الأيام الماضية، انفجر الخلاف إلى تصعيد غير مسبوق، بعد أن نفذ الانتقالي عمليات عسكرية واسعة في وادي حضرموت والمهرة، وبسط سيطرته على مواقع ومدن ومرافق حيوية، بينها مناطق نفطية إستراتيجية، مما وسّع نطاق نفوذه ليشمل نحو نصف مساحة البلاد.
أثار هذا التصعيد غضب الحكومة التي غادرت عدن باتجاه السعودية في خطوة فسّرها مراقبون كمؤشر على عمق الأزمة، واتهم رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي الانتقالي الجنوبي بتقويض شرعية الدولة، داعيا المجتمع الدولي إلى موقف ضاغط لعودة القوات إلى مواقعها السابقة، ومحذرا من تداعيات الإجراءات الأحادية.
سلطة موازيةويُعد الانتقالي الجنوبي، منذ تأسيسه عام 2017 بقيادة محافظ عدن السابق عيدروس الزبيدي سلطة موازية للحكومة الشرعية، القوة الأكثر نفوذا في الجنوب. وبرغم مشاركته في السلطة عبر رئاسة ونائبين داخل مجلس القيادة، يواصل الدفع نحو برنامج انفصالي يهدف لاستعادة دولة الجنوب السابقة.
في المقابل، تسعى السعودية إلى احتواء التصعيد عبر جهود تهدئة مكثفة، لكن دون تحقيق اختراق حقيقي حتى الآن. مما يجعل قدرة المجلس على الاستمرار مرهونة بمدى استعداد أطرافه لتقديم تنازلات، أو تدخل خارجي قادر على فرض تسوية داخلية، بحسب مراقبين.
ويرى محللون أن جذور الأزمة داخله تعود إلى تركيبته الأولى التي جمعت أطرافا ذات مصالح متناقضة تحت مظلة واحدة، لم يجمعها سوى هدف مواجهة الحوثيين.
ويقول رئيس مركز أبعاد للدراسات الإستراتيجية عبد السلام محمد إن تعثر تحقيق هذا الهدف دفع كل طرف إلى تنفيذ أجندته الخاصة، في ظل تعقيد إضافي فرضته الخلافات الإقليمية. وأشار -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن تلك الخلافات انعكست على أداء المجلس فأضعفت قدرته على اتخاذ قرارات جماعية، مما دفع بعض المكونات -وفي مقدمتها الانتقالي- إلى إجراءات أحادية عمّقت الانقسام.
وباتت ملامح التفكك -وفق محمد- ظاهرة من خلال قرارات فردية وتعيينات أحادية، ثم بفرض واقع عسكري جديد في حضرموت، محذرا من أن المجلس "يقترب من نهايته" ما لم تتوحد مكوناته حول "هدف إسقاط الحوثيين".
دعا رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد محمد العليمي المجتمع الدولي إلى موقف موحّد يرفض الإجراءات الأحادية للمجلس الانتقالي، ويضغط لعودة قواته الوافدة من خارج حضرموت والمهرة.
وحذّر العليمي من أن تحركات الانتقالي تُقوّض وحدة القرارين الأمني والعسكري وتهدد العملية السياسية،… pic.twitter.com/02eCh1Yl1P
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) December 9, 2025
سيناريوهات متعددةومع انسداد أفق التفاهمات وتصاعد الخلافات، تبدو فرص بقاء مجلس القيادة الرئاسي بصيغته الحالية محدودة. ويطرح مراقبون سيناريوهات متعددة، تشمل إعادة هيكلته، أو تقليص عدد أعضائه، وصولا إلى "الانهيار السياسي" إذا استمرت التصدعات.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي أحمد الزرقة أن المجلس "أثبت فشله وانتهاء عمره الافتراضي" نتيجة تضارب أجندات مكوناته وتعدد ولاءاتها الإقليمية، معتبرا أن تشكيله "وجّه ضربة قاصمة للشرعية اليمنية" بدل أن يكون منصة لتوحيد القوى المناهضة للحوثيين.
إعلانوتوقع -خلال حديث للجزيرة نت- إعلان "وفاة المجلس" فعليا إذا استمرت الأزمات، مع احتمال ظهور ترتيبات جديدة قد تشمل تقليص أعضائه أو تشكيل سلطة بديلة قائمة على الغلبة، خصوصا في ظل تقدم الانتقالي الجنوبي في حضرموت والمهرة.
وحذّر الزرقة من أن رفع الانتقالي سقف طموحات أنصاره نحو الانفصال سيجعل أي محاولة لإعادة صياغة مجلس القيادة الرئاسي صعبة ما لم يتوصل الداعمون الإقليميون إلى تفاهمات حاسمة، معتبرا أن تصاعد نفوذ الانتقالي واتساع خطواته الأحادية يهددان شرعية المجلس، الذي قد يفقد مبرر وجوده ما لم تُعالج الخلافات المتفاقمة سريعا.