لجريدة عمان:
2025-06-25@16:04:24 GMT

تلويحة مانديلا والطاقة المدمرة

تاريخ النشر: 24th, January 2024 GMT

كثيرة هي الإيحاءات والرموز التي تجسد نضال وكفاح الزعيم نيلسون مانديلا، لكن تبقى قبضة يده التي لوح بها للجماهير هي أكثر ما عبرت عنه وعن كفاحه، فظلت رمزًا وإشارة للكفاح والنصر وعلامة على التحدي والنضال ضد الظلم والفصل العنصري، تلك القبضة سوف تصبح أيقونة تلهم أحرار العالم المتطلعين نحو التحرر والعدالة.

ما زالت صورة نيلسون مانديلا راسخة في ذاكرتي في21 أغسطس 1990م عندما رأيته أول مرة على شاشة التلفزيون يخطو خطوته الأولى نحو الحرية.

كان يمشي بخطوات وئيدة مثقلة وقد أعيته سنوات العمر التي قضاها في السجن، لكنها خطوات الواثق بالنصر ودحر نظام الفصل العنصري. كانت يده ممسكة بيد زوجته ويني وبيده الأخرى يرفع قبضته ملوحاً بها للجماهير التي هرعت لاستقباله. كانت صورته تبدو أكثر نضوجًا ولمعانًا كلما اقترب، ذكرتني هامته المديدة بهامات أخرى وصلت إلى الآفاق، رأيت فيه قادة ومناضلين كبارًا، رأيت فيه جمال عبد الناصر وهو يلوح بيده، وفيدل كاسترو بسيجاره وتشي غيفارا وهو يحث الثوار للتقدم، رأيت وكأنه هواري بومدين وجوزيف تيتو وغاندي ونهرو. فكانت صورته ملهمة، حقيقية ونقية رغم تجاعيد الزمن لكنها صافية شفافة. لم ينل منه السجن ولم يثبط عزيمته أو تتضعضع قواه. لحظة لم تكن عادية كغيرها من لحظات الزمن، سوف يسجل التاريخ تلك الخطوات الوئيدة لذلك المناضل الأبي الذي لم ينحن لسجانيه.

عندما استذكر تلك الصورة والإنجازات التي حققها لشعبه أتعجب كيف استطاع هذا الشخص الذي قضى في سجنه 27 عاما أن ينتصر على سجانيه، وأن يلهم الناس، ويصبح رمزا للتحرر والكفاح؟

رحل نيلسون مانديلا في الخامس من ديسمبر عام 2013م إلا أن حضوره لا يزال طاغيًا في نفوس الجنوب إفريقيين يتذكرونه كما لو أنه يعيش بينهم يلهمهم بسيرته النضالية التحررية، لذلك لم يتركوه يرحل. أو لعل وقته لم يحن بعد، ربما لا تزال الحاجة لوجوده بينهم، أو ربما لأنهم يشعرون بأنه لم يرحل أساسًا. كل شيء هناك يدل على مانديلا، وجهه يرسم على أماكن عدة، على الجدران، وعلى الأوراق النقدية، وتقام له التماثيل. فأدرك أحد المسؤولين الجنوب إفريقيين إلى وجود حنين عميق لمانديلا في البلاد، حيث لا يزال حبه ينتشر بشكل سريع واعتبر أن التثبت بهذا الرمز يمكن أن يتحول إلى طاقة مدمرة، لذلك ربما «حان الوقت لتركه يرحل».

كيف يتحول حب شخص إلى طاقة مدمرة؟ أدركت أن الطاقة المدمرة التي تحدث عنها ذلك المسؤول ما هي إلا الثورة المشتعلة في نفوس الجنوب إفريقيين والإصرار على مواصلة مسيرة التحرر والكفاح ضد كل ما هو ظلم وعدوان، ليس فقط في جنوب إفريقيا بل فهمها يتعدى ذلك الحيز الجغرافي إلى العالم بأسره ونصرة المظلومين، إصرارا منهم أن كفاح مانديلا لا تزال جذوته مشتعلة.

وبعد رحيله بعامين بعثت عائلته رسالة إلى الشعب الفلسطيني وكانت فحواها «روح نيلسون مانديلا تقف مع نضالكم العادل، والتضامن مع فلسطين لن يكون عبر الكلمات والخطابات المكتوبة على الورق فقط، إنما سيكون من خلال ترجمة فعلية لقناعتنا بالتضامن مع الشعب الفلسطيني على الأرض، من خلال المشاركة الفاعلة في حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات»، وتابعت: «نضال شعب جنوب إفريقيا ضد نظام الفصل العنصري، الذي قاده الأجداد، له تكملة هذا اليوم عنوانها الوقوف في وجه نظام الابرتهايد الإسرائيلي».

فعلها أحفاد مانديلا وفضحوا إسرائيل والدول المتعاطفة معها واستطاعوا تعرية أنظمتها ومعاييرها المزدوجة وتلك السردية المخادعة التي قامت عليها في الأساس. مستلهمين إرث زعيمهم الخالد في نصرة الفلسطينيين، واضعين نصب أعينهم أفكاره وآراءه ومسيرته في النضال ضد الفصل العنصري والاستعمار والظلم والعدوان الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، مستلهمين مقولته في ذلك «إن حرية جنوب إفريقيا لن تكتمل بدون حرية الفلسطينيين».

تجلى ذلك في الدعوى التي رفعوها أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية في غزة، معززة بفريق قانوني تمكن من تقديم مرافعة قانونية اكتسبت أهمية قانونية وإنسانية. وتكمن أهميتها في صياغتها ومهنيتها الفائقة، ابتعدت فيها عن أسلوب الخطابية المهرجانية والبلاغة والحماسة. موثقة دعواهم بالأدلة والبراهين حول الانتهاكات واستهدافه المدنيين بشكل واضح ومتعمد من خلال قصفها للمستشفيات والمدارس ومركز الإيواء بما فيها تلك التي حددتها دولة الاحتلال، وسيارات الإسعاف وحرمان الفلسطينيين من الغذاء والدواء والمياه. مقدمين أدلة مادية معتمدة فيها على تصريح العديد من المسؤولين بأدلة واضحة، ومن خلال التصريحات العنصرية التي أطلقها كبار قادة الصهاينة ووزراؤهم حرضوا فيها على قتل المدنيين ووصف الفلسطينيين بالحيوانات (تصريح وزير التراث الصهيوني بإلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة، تصريح يصف الفلسطينيين بأنهم حيوانات ولا يستحقون أن يعيشوا كالبشر) وتضمنت الأدلة العديد من الصور والفيديوهات واللقطات التي بثها الجنود الصهاينة ويفتخرون فيها بأفعالهم الإجرامية وما يقومون به من تفجير وقتل وتدمير لكل شيء. ركزت الدعوى على أن معاناة الفلسطينيين لم تبدأ في السابع من أكتوبر وإنما تعود تلك المعاناة إلى ما يقارب 76 عاما، والنكبة المستمرة للشعب الفلسطيني منذ 1948 وربطها بالاستعمار وليس وليدة السابع من أكتوبر، موضحين للعالم الحقيقة التي يتجاهلها الغرب ويقفز عليها ويحاول أن يروج أن القضية بدأت بعد السابع من أكتوبر.

فقد الكيان المغتصب عقله وأصابه الارتباك والحيرة فسارع نتانياهو إلى إطلاق تصريحات محاولاً التبريد لتلك المجازر ومنها حديثه بأن إسرائيل تقوم بالدفاع المشروع عن نفسها وأنها ليس لها علاقة بمحاصرة الفلسطينيين ومنع الدواء والغذاء من الوصول إليهم محملاً ذلك للحكومة المصرية لأن منفذ رفح لا تتحكم هي فيه.

لا غرابة أن يقف نيلسون مانديلا مع كفاح الشعب الفلسطيني، هكذا هو الشعور الأصيل لمن ذاق المعاناة وخبر تعذيب المعتقلات وسياسة الفصل العنصري والتمييز. لن يهدأ باله ولن يذوق طعم الحرية إلا إذا ذاق الفلسطينيون طعم الحرية والتحرر من الاستعمار الصهيوني البغيض، إنه لصادق ومحق في ذلك والأهم أنه متصالح مع تاريخه النضالي لم تغره المناصب ورفاهية الحياة.

كذلك لا غرابة ولا استغراب فيما فعله أحفاد مانديلا لنصرة الفلسطينيين وأهل غزة، كيف لا وقد غرس فيهم أبجديات النضال والتحرر والحرية، لن نتعجب من تصدي جنوب إفريقيا للسياسات الإسرائيلية وحرب الإبادة التي تنفذها في غزة. إذ ذلك يعد تناسقا واتصالا مع الذات الجنوب إفريقية التي غرسها مانديلا في جيل جنوب إفريقيا الوقوف مع المظلومين وهم الذين ذاقوا وخبروا عذابات الاستعمار والفصل العنصري، وكما رفضوه وقاوموا في حينه كذلك لا يرتضون للشعب الفلسطيني أن يظل يرزح تحت نير الاستعمار والفصل العنصري الإسرائيلي. أما تلك الجمهوريات والحضارة الغربية التي طالما تغنت بالديمقراطية وحقوق الإنسان فلا عزاء لها في نفاقها ومراوغتها وسقوطها في كل ما دعت إليه وروجت له على مدار عقود ليتبين ما هي إلا شعارات واهية وتستخدمها مطية لتحقيق أطماعها وسياساتها، وتعتبر فصلا عنصريا بمقاييس مزدوجة قبيحة.

كيف لا نحب نيلسون مانديلا وكيف لا نحب جنوب إفريقيا، كيف لا نحبها اليوم، وقد أصبحت جزءًا من حاضرنا وذاكرتنا وأحببناها أمس وكان مانديلا رمزًا وجزءًا من ضميرنا وضمير كل شرفاء وأحرار العالم. لن تذكر غزة إلا وتكون جنوب إفريقيا حاضرة. ولن تذكر فلسطين إلا ونيلسون مانديلا حاضرًا. مانديلا الذي كان يلهمنا وهو في حبسه، وألهمنا عندما خرج وعندما صار رئيس دولة وعندما اعتزل العمل والحياة السياسية، وقد اطمأن لما أنجزه وما سيتركه.

كثيرون هم من تمنوا لو رفعت تلك الدعوى من قبل دولة عربية. كثيرون من تساءلوا، ما الذي ينقص العرب والمسلمين في تبني ذلك النهج. نقول ذلك ونعرف الإجابة.

نستلهم حياة النضال والكفاح التي عاشها مانديلا وغيره من المناضلين وندرك كم نحن بحاجة إلى تلك الطاقة المدمرة من الحب والحنين إلى الكفاح والتحرر ونصرة المظلومين. كم نحن بحاجة إلى طاقة تدمر ذلك الخذلان والتراجع الذي يخالج كل مواطن عربي حر، شعور بالغصة والذل والهوان وهو يشاهد بأم عينه ما تفعله إسرائيل والأنظمة الداعمة لها بعضو في الجسد العربي المثخن أصلا بالجراح، جراح كثيرة، فهذا أمر في الحقيقة يفوق التفكير، ويتجاوز المعنى الحقيقي للهوان والذل والانبطاح.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الشعب الفلسطینی نیلسون ماندیلا الفصل العنصری جنوب إفریقیا من خلال کیف لا

إقرأ أيضاً:

«متحدث الوزراء»: جاهزون لكل السيناريوهات ولدينا مخزون استراتيجي للسلع والطاقة

أكد الدكتور محمد الحمصاني، المتحدث باسم مجلس الوزراء، أن الحكومة تتابع عن كثب تطورات الأوضاع الإقليمية، خاصة في ظل الضربات الأمريكية الأخيرة على إيران، وتعمل على دراسة كل السيناريوهات المحتملة لتقليل أي آثار سلبية على الاقتصاد المصري.

وأوضح الحمصاني، خلال مداخلة مع الإعلامي هشام عبد التواب، على قناة «إكسترا نيوز»، أن لجنة إدارة الأزمات استعرضت عدة تحديات اقتصادية محتملة، من بينها ارتفاع أسعار النفط، زيادة تكاليف الشحن والتأمين، احتمالية تأثر سلاسل الإمداد.

وأكد أن هذه المخاطر ليست قاصرة على مصر، بل تواجهها معظم دول العالم، وهو ما يتطلب تحسبًا واستعدادًا لتقليل انعكاساتها على الاقتصاد المصري.

وبشأن السلع الأساسية، شدد «الحمصاني» على أن المخزون الاستراتيجي من السلع الغذائية آمن ومطمئن، ويكفي لعدة أشهر، بل إن بعض السلع يتجاوز مخزونها الستة أشهر.

وقال: «تم تكوين هذا المخزون منذ العام الماضي بتوجيه من رئيس الجمهورية، تحسبًا لأي تطورات إقليمية، وقد نجحنا في تأمينه على نحو يضمن تلبية احتياجات المواطنين لفترة طويلة».

وفي ما يخص الطاقة، أكد المتحدث باسم مجلس الوزراء أن الدولة تعمل منذ شهور على تأمين أمن الطاقة، من خلال تجهيز وربط ثلاث سفن تغييز بالشبكة القومية للغاز الطبيعي، وصول سفينة رابعة قريبًا لتعزيز القدرة على استيراد الغاز الطبيعي المسال، تحديث البنية التحتية لقطاع الطاقة

وأضاف: «الخطة الحالية تم إعدادها مسبقًا لمواجهة احتياجات فصل الصيف، ووفقًا لتصريحات رئيس مجلس الوزراء، فإن احتياجات الكهرباء خلال الصيف مؤمّنة بالكامل ولا يوجد أي مخاوف من انقطاعات».

وحول استقرار سعر الصرف، أشار الحمصاني إلى أن السياسة النقدية المعتمدة من البنك المركزي تعتمد على نظام سعر الصرف المرن، مما يتيح توازنًا طبيعيًا في السوق بين الصعود والهبوط.

وأوضح: «نجحت السياسة النقدية في القضاء على السوق الموازية، وتوفير الاحتياج الكامل من العملة الأجنبية، حيث أن مواردنا من النقد الأجنبي أصبحت متوافقة مع حجم احتياجاتنا للشهر الثالث على التوالي».

وفيما يتعلق بالاستعدادات الحكومية، أكد الحمصاني أن كل وزارة تعمل على وضع خطط تفصيلية للتعامل مع مختلف السيناريوهات، بما في ذلك وفرة المواد البترولية والغاز الطبيعي، استمرارية سلاسل الإمداد الغذائي، توفير السلع الأساسية حتى في حال امتداد الأزمة لفترة طويلة.

اقرأ أيضاًمتحدث الوزراء يكشف سبب تأجيل افتتاح المتحف المصري الكبير

متحدث الوزراء يكشف تفاصيل زيارة مدبولي لمدينة العلمين

تخفيف الأحمال 3 ساعات.. متحدث الوزراء يعلن موعد انتهاء قطع الكهرباء

مقالات مشابهة

  • "عُمان شل" و"التربية" تحتفيان بالإبداع في حفل جوائز "شل إنكسبلوررز"
  • «معلومات الوزراء»: إنجازات غير مسبوقة في الصناعة والطاقة والبنية الرقمية وجذب الاستثمارات خلال 10 سنوات
  • 315 مليار جنيه إيرادات.. إنجازات غير مسبوقة في الصناعة والطاقة والبنية الرقمية
  • مصطفى بكري عن مقتل 7 جنود بجيش الاحتلال: الصهاينة يشعرون بالورطة التي أوقعهم بها نتنياهو
  • "نماء لتوزيع الكهرباء" تستضيف النسخة الرابعة من مؤتمر عُمان للكهرباء والطاقة.. 13 أكتوبر
  • هكذا خططت إسرائيل لقتل الفلسطينيين في نقاط توزيع المساعدات
  • «نماء» تستضيف النسخة الرابعة من مؤتمر عمان للكهرباء والطاقة
  • الرئيس السيسي يوجه بتكثيف الجهود لجذب الاستثمارات لقطاع الطاقة المتجددة
  • الرئيس السيسي يجتمع بمدبولي ووزير الكهرباء .. تفاصيل
  • «متحدث الوزراء»: جاهزون لكل السيناريوهات ولدينا مخزون استراتيجي للسلع والطاقة