اللاذقية-سانا

تميزت لغة الشاعر مصطفى أنيس الحسون بالتطور في مجموعته الجديدة “لك كل هذا البوح” التي سيطر فيها على الهم الوجداني والذاتي، لتبدو المجموعة زفرات وبوح شاعر عاشق إلى محبوبة متفردة بالجمال.

ولا يشمل التطور الشعري في المجموعة اللغة الشعرية فحسب، وإنما كل معطيات الحداثة الشعرية من رؤى وموسيقا وبناء معنوي وشكلي للقصيدة.

وأهم ما يميز المجموعة الموسيقا الشعرية العالية على مستوى الإيقاع والهمس الداخلي، لتصل إلى درجة الغنائية في بعض النصوص، ولعل الشاعر يرى في قصائده أغنيات منشودة وأحلاماً يسعى إليها، وإلى غنائها مع المحبوبة، كما في نصوص “لا تصهلي” و”غني معي” و”هباء”.

ويستحضر الشاعر أحلام وأحزان سواه من الشعراء كالسياب الذي دفعه ضيق الحال للهجرة إلى الخليج، ليبث أحزانه ومواجعه في الغربة، في حين إن غربة الحسون هي غربة روحية ذاتية تكاد تكون أصعب من الغربة الحقيقية.

وتقع المجموعة الصادرة عن دار أطياف بدمشق في 110 صفحات من القطع المتوسط، والشاعر الحسون يحمل دكتوراه في الأدب العربي، ويعمل موجهاً تربوياً في وزارة التربية، وهو عضو مرشح باتحاد الكتاب العرب جمعية الشعر ومعد ومقدم برامج تعليمية وثقافية على التربويّة السورية.

بلال احمد

المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء

إقرأ أيضاً:

موفق محمد .. لسان حال الناس

فـي أحاديثه الشخصية، وفـي تصريحاته لوسائل الإعلام، اعتاد الشاعر موفق محمد الذي غادر عالمنا عن (77) عاما، أن يطلق الطرائف، راويا الكثير من المفارقات التي تصادفه فـي الحياة بروح ساخرة، هذه الروح كانت طابعا ملازما له، وقد زحفت على شعره، حتّى غطّته، وفـي كل تلك الأحاديث تراه، رغم آلامه وأحزانه، يشيع جوّا من المرح، حين يذكر مفارقات تحمل طابع الكوميديا السوداء، فـيصدق به قول الشاعر:

كالطير يرقص مذبوحا من الألم

وفـي واحد من أحاديثه قال إنه ذهب ذات صباح باكر إلى تمثاله الذي يتوسّط واحدة من ساحات مدينته الحلّة، فوجد عمّال النظافة قد بكّروا قبله لتنظيف الساحة، وحين شاهده أحدهم مستغرقا، فسأله، من دون أن يعرف أن التمثال له، عن صاحب التمثال: هل هو سياسي أم مخترع أم قائد عسكري؟ فأجابه: إنه شاعر، فأصيب عامل النظافة بخيبة أمل، وقال: الله يرحمه!

كان موفق يروي الواقعة وهو يضحك، (هل سيضحك وهو فـي قبره حين يسمع أن هناك من يقف اليوم أمام تمثاله ويترحم له ؟) وجه المفارقة فـي الحكاية أن الناس اعتادوا على تكريم المخترعين، والشهداء، والقادة، بوضع التماثيل لهم، أما الشعراء، فحظهم هو الأقل فـي ذلك، ومن هذا القليل تمثال الشاعر بدر شاكر السياب المتوفى عام 1964 الذي أزيح عنه الستار عام 1971م فـي مدينته البصرة، وكذلك الرصافـي، وعبد المحسن الكاظمي، ومحمد سعيد الحبوبي، وكلهم، جرى تكريمهم، بعد وفاتهم، أما الشاعر موفق محمد، فقد كان استثناء، فقد نصبوا له تمثالا فـي حياته، وكان على نفقة أحد تلامذته الذين أصبحوا من رجال الأعمال، وقد افتتح بحضوره، وهذا دليل على احتفاء المحيط به، وتقديره له، فقد عاش علما من أعلام مدينته الحلة ونجما ساطعا من نجومها، وهذا نادرا ما يحدث فـي زمننا، الذي نشهد به تراجعا ملحوظا لمكانة الشعر ومع تراجعها، تراجعت مكانة الشاعر، إلّا موفق محمد فقد بقيت مكانته عالية، ولكن كيف اكتسب هذه المكانة؟ هذا ما سنحاول أن نجيب عنه، وأوّلها أنه كان قريبا من آلام البسطاء، فكان صوت الناس، المعبّر عن آلامهم، وآمالهم، لذا أحبّوه، فحين سئل القاضي الفاضل عن سبب إقبال الناس على شعر المتنبي، أجاب: «إن أبا الطيب ينطق عن خواطر الناس» فموفق محمد نطق عن خواطر الناس، فكان لسان حالهم، فأحبّوه:

«طفلةً حافـيةً ترقص تحت وابل من الرصاص

فـي الطريق إلى المدرسة وهي تجر خلفها حقائب من الأسى،

وكان اسمها زيتونةً وقلبها ينبض كالغصن يميل مع الرصاص يمينا وشمالا

ولا يسمع جرس الدرس الأول فـيعود منكسرا إلى قفصه ..

لقد أحدودبت ظهور أطفالنا

وأعشوشب الضيم فـي صدورهم»

وتنطوي قصيدته على مفارقة، ففـي قصيدة يصور فـيها قسوة الحصار الذي فرضته أمريكا على العراق فـي التسعينيات، فـيقول:

رسم المدرس برتقالة

فوجد الطلاب يقشّرون السبورة

رسم المدرس دجاجة

فوجد الطلاب يلوّحون لها بالسكاكين

ترك المدرس قبره

وأصرّ أن يعطي الذين أحبهم

بعض الدروس

وجد الجميع بلا رؤوس

تميّزت قصيدة بالعفوية، والتلقائيّة، وحرصه على موسيقى الشعر:

شلوا يمينك واستعانوا بالذئاب على يسارك

هذا جزاؤك أن تموت فدى لصوتك واختيارك

وقد اعتاد أن يرسم مشاهد بصريّة يلتقطها من الواقع بعين الشاعر الذي يرى ما لا يراه الآخرون، ويعبّر عن تلك المشاهد القاسية بعذوبة آسرة تجعل القارئ يعيد قراءة النص عدّة مرّات:

فـي براد الموتى

وبعين مرعوبة ميّز وجه أخيه

حدق فـي جبهته المثقوبة

فرأى أما معطوبة وغرابا ينقر فـي عين أبيه

وهو غزير النتاج الشعري، كثير التنوّع، كتب قصيدة الشطرين، والتفعيلة، وقصيدة النثر والشعر الشعبي وزاوج ما بين الفصيح والشعبي فـي قصائده الساخرة المريرة، جاعلا من اللغة أبرز أدواته التعبيرية، معتمدا على اللغة المركزة:

عشرة أيتام

كنا حين ينام النهر ننام

ويعتمد فـي شعره على المفارقة:

أحياء ما زلنا أحياء

نحيا فـي حي الأسرى والمفقودين

وحي الشهداء.

جمعني به مهرجان المربد الشعري الذي أقيم فـي البصرة عام 2010، وتكررت لقاءاتنا فـي مهرجان بابل 2022 م ورأيته كما هو فـي شعره، عفويا، متوحّدا مع كلماته، فهو لا ينفصل عنها، بسيطا، حاملا أوجاعه التي يغطي عليها بسخرية مريرة، وخصوصا وجعه الكبير بتغييب ولده عام 1991 الذي خلّف جرحا لا يندمل عبّر عنه بالكثير من القصائد.

مقالات مشابهة

  • “مجموعة روشن” تطلق برنامج “ROSHNEXT” لتعزيز الابتكار في القطاع العقاري
  • لتحقيق التنمية المستدامة وتحفيز بيئة العمل رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار يلتقي وفدا رفيعا من مجموعة شركات طلعت مصطفى القابضة
  • محمد الشرقي يشهد أمسية شعرية لطلبة الأزهر الوافدين في كلية اللغة العربية بالقاهرة
  • في إطار إستعدادت “الشان”.. المحليون يواجهون روندا
  • مي فاروق في أمسية استثنائية بالأوبرا | الأول من يونيو
  • مى فاروق بقيادة مصطفى حلمي في أمسية إستثنائية بالأوبرا
  • رحيل الشاعر ياسين البكالي بعد رحلة إبداعية مع الحرف والقصيدة
  • «راوتر شيخ البلد».. صالون الدستور الثقافي يناقش المجموعة القصصية للشاعر عاطف عبيد
  • الكوميديا الشعرية.. كيف سخر ألكسندر بوب من مجتمعه؟
  • موفق محمد .. لسان حال الناس