في كل وقت وحين يمر على مسمعنا قصة لمن كبر سنه ورقّ عظمه ونسي أهله وبقي في ذاكرته القرآن؛ يستحضره ويرتله ويتنقل بين سوره وكأنه في شبابه، وهذا من فضل الله على عباده أن يختم لهم حياتهم بذكره، حفظوه في الصغر فحفظهم الله في الكبر، ذلك القرآن العظيم الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعًا متصدعًا من خشية الله ، هذا القرآن العظيم الذي تأثيره يفوق كل شي بأمر من الله ، هذا القرآن الذي أنزل بلغة العرب ويسره الله للذكر للعرب والعجم ، عندما ترى المسابقات القرآنية الدولية وقد حضرها الناس من شتى بقاع الأرض ليتنافسوا فيها، وتسمع من يتلون القرآن ترتيلاً وتجويدًا، وعندما تتحدث معه قد لايجيد الحديث باللغة العربية ولكن الله يسر له قراءته وزينه في قلبه.
في قصة لامرأة كبيرة في السن بدأت تفقد شيئاً من تركيزها يقول ابنها تنسى كل شي إلا القرآن! فقد قرأت معها سورة طه وكانت تستحضر الآيات وكأنها في كامل قواها العقلية ، القرآن العظيم هو مؤثر على الأجساد بالشفاء وعلى القلوب بالاطمئنان ،عندما تكون مع القرآن تستحضر وترتل آيته فأنت في معية الله، إذ هي طاردة للشياطين.
كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن سورة البقرة عندما قال (لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقابِرَ، إنَّ الشَّيْطانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيْتِ الذي تُقْرَأُ فيه سُورَةُ البَقَرَةِ) أعطني مايطرد الشياطين من البيوت غير القرآن فلو اجتمعت البشرية بأسرها لم تستطع ذلك ولكن تلك الآيات العظيمات النيرات بأمر الله تؤثر ، عندما ينزل بك المرض ويحتار الطبيب وينعاك القريب ويرى أنك قد شارفت على الهلاك ولكن الله هو القادر على كل شيء فترقي نفسك بالقرآن فيعافيك الله ويشفيك فالأسباب الربانية هي أقوى فاعلية من الأسباب الدنيوية.
كما ورد في حديث عن لديغ العقرب عندما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه في سريَّةٍ يقولون فنَزَلنا بقومٍ فسألْناهُم أن يُقرونا فأبَوا فلُدِغَ سيِّدُهم فأتَونا فقالوا أفيكُم أحدٌ يَرقي منَ العَقربِ فقُلتُ نعَم أنا ولَكِن لا أرقيهِ حتَّى تُعطونا غنَمًا قالوا فإنَّا نُعطيكم ثلاثينَ شاةً فقَبِلناها فقرأتُ عليهِ الحَمد سَبعَ مرَّاتٍ فبرِئَ وقَبَضنا الغنَمَ فعرَضَ في أنفسِنا منها شَيءٌ فقُلنا لا تعجَلوا حتَّى نأتيَ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فلمَّا قدِمنا ذَكرتُ لَه الَّذي صنَعتُ فقالَ أوَ ما علِمتَ أنَّها رُقيةٌ اقتَسِموها واضرِبوا لي معَكم سَهمًا ، قال الله تعالى ( وَنُنـزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) تأمل أنه شفاء ورحمة لكل مريض شفاء حسي ومعنوي فهو شفاء الأرواح وهي تحتاجه كما تحتاج الأبدان إلى الغذاء.
تأمل سور المعوذات ورد في فضلها عن عبد الله بن خبيب قال: خرجنا في ليلة مطر وظلمة شديدة نطلب النبي ﷺ ليصلي لنا، فأدركناه فقال: قل، فلم أقل شيئًا، ثم قال: قل، فلم أقل شيئًا، ثم قال: قل، فقلت: يا رسول الله ما أقول؟ قال: قل «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ»، وَالمُعَوِّذَتَيْنِ، حِينَ تُمْسِي وَتُصْبِحُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. ، قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة من الفريضة من أسباب دخول الجنة وأنه سبب للحفظ من الشياطين كما ورد في الأحاديث ، وقراءة آخر آيتين من سورة البقرة في كل ليلة كما ورد في الحديث قال الرسول صلى الله عليه وسلم (منْ قَرَأَ بالآيتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورةِ البقَرةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ) .
ومن فضل الله علينا أن جعل قرأة القرآن بكل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف فكم من الأجور سوف تجنيها بوردك اليومي ، ولقد رأيت من الناس من كان يختم في كل ثلاثة أيام والقرآن هو أنيسه في فرحه وحزنه؛ بل رأيت من كان مصحفه لايفارقه في كل يوم وتجد النور في وجهه وهو منشرح الصدر هادئ البال وقد نزلت عليه السكينة وتغشته الرحمة، القرآن فيه من الجمال الأدبي والبلاغة مالو اجتمع الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لم يستطيعوا ولو بمقدار ذرة، كان جماله وبلاغته سبب في إسلام بعض الكفار في عهد النبوة .
ولقد حفظ الله هذا القرآن طيلة القرون ولم يحرف بل نقرؤه كما أنزل على نبي الهدى محمد صلى الله عليه وسلم ونأخذ منه الأحكام والعظات وهو دستور الأمم الإسلامية ، ولقد سخر الله من عباده من يعلم القرآن لهم في مملكتنا العربية السعودية عبر المدارس التعليمية أو الجمعيات الخيرية، ومنها في منطقة الرياض جمعية تحفيظ القرآن الكريم (مكنون) بإشراف المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، رؤيتها التميز المؤسسي في تعليم القرآن وغرس تعـظيمه والتربية عليه، ولقد اجتهدت في تعليم القرآن في المساجد والمدارس والبرامج التقنية عبر التطيبقات السحابية .
فنسأل أن يجعلنا ممن يقرأ القرآن فيرقى ولا يجعلنا ممن يقرأه فيشقى وأن يجعله شاهدًا لنا لا علينا وأن يبارك في قادتنا وحكامنا فهم الداعمون الأولون لتلاوة القرآن وحفظه وجعلوا له المسابقات المحلية والدولية كمسابقة الملك سلمان المحلية ومسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم ،فنسأل الله أن يجزيهم عنا خير الجزاء وأن يمد في أعمارهم على طاعته.
المصدر: صحيفة صدى
كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم کما ورد فی القرآن فی
إقرأ أيضاً:
الاستكبار الصامت والمصير الأبدي .. قراءة قرآنية دلالية للشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه
في قراءة للمعاني الدلالية لقوله تعالى : {وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتَّخَذَهَا هُزُواً}(الجاثية8) ، للشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه ، نجد بعداً إنسانيًا وروحيًا عميقًا، حيث لا يقف عند حدود التفسير النصي، بل يتجاوزها إلى تشخيص العلل النفسية والاجتماعية التي تحوّل الإنسان إلى خصم للحق، ومن بين تلك العلل، يبرز داء الاستكبار، الذي لا يقتصر على الجبابرة المعروفين في التاريخ كفرعون وهامان، بل يمتد في رؤيته رضوان الله عليه ، إلى الصغار الذين يحملون روح فرعون وإن كانوا بلا سلطات.
يمانيون / خاص
دلالة الآية في تصوير النفس المستكبرةيبدأ الشهيد القائد بالتأمل في قوله تعالى: {وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً…}، يُقسم الآية إلى ثلاثة مسارات ترتبط ببعضها، وتبدأ بالسماع الواعي للحق، فالآيات تتلى على هذا الإنسان، فهو يعلم الحق، ولكنه يرفضه، والثاني الإصرار والاستكبار، إذ ليست المسألة جهلًا، بل عنادًا، مما يجعل الاستكبار صفة قلبية ونفسية، والثالث التظاهر بعدم السماع كأن في أذنيه وقرًا، وهذه حالة من الإنكار الإرادي للحق، تدفع نحو التهلكة، وبهذا فإن الشهيد القائد يقرأ في هذه الآية خطورة المكابرة على آيات الله، ويرى أنها أخطر من الكفر الصريح، لأنها تعني معرفة الحق ورفضه عمدًا، وهذا هو ما يقود إلى العذاب الأليم.
الاستكبار كمرض اجتماعي شائع
يفنّد الشهيد القائد الفكرة السائدة أن الاستكبار حكر على الملوك أو الأقوياء، ويقول صراحة أن بعض الفقراء يحملون نفس الروح الفرعونية، ولكن لم يتح لهم أن يكونوا فراعنة على الأرض، الجبروت ليس بالمنصب بل بالنفسية وبعض الناس يبدون بسطاء، ولكن ما إن يحصلوا على منصب بسيط أو كلمة مسموعة، حتى يتحولوا إلى طغاة صغار، والكبر على الناس هو رفض خفي للحق الإلهي، لأن الله أمر بالتواضع، ومن تكبر فقد تمرد على أمر الله.
وهنا يكشف الشهيد القائد عن ظاهرة خطيرة ، وهي الاستكبار النفسي المغلّف بالدين أو التواضع الظاهري، وهو ما يشكل خطرًا مضاعفًا لأنه يُخفي نفسه وراء أقنعة الفضيلة.
مفارقة الرفعة في الدنيا والآخرة
من أقوى الأفكار التي يطرحها الشهيد القائد هي مقارنة بين الرفعة الدنيوية والرفعة الأخروية، ويستند إلى قول الله: {خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} ، فيوم القيامة، يُخفض من تكبّر في الدنيا، ويُرفع من تواضع وصدق مع الله، ويشبه القائد السعي الدنيوي للرفعة عبر الباطل بـ”السراب”، لأن عمر الدنيا محدود، وعمر الآخرة أبدي لا نهاية له، فما قيمة أن يُقال عنك في الدنيا وجيه وأنت في الآخرة في الحضيض؟.
الأتباع المستكبرون ..
يفتح الشهيد القائد نافذة جديدة على الاستكبار، هي الاستكبار بالوكالة، فالإنسان قد يكون تابعًا ولكنه يشعر بالقرب من شخصية نافذة، ويمارس الاستكبار نيابة عنها، ويتمرد على الحق باسم الولاء، ويقول الشهيد إن هؤلاء يعيشون وهمًا كبيرًا، فمن يتبع الطغاة، يتخيل أنه معهم في القوة والعلو، لكنه يوم القيامة يُنبذ مثلهم، مستشهدًا بقوله تعالى: {تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} ، {وَقَالَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً…}، ففي يوم الحساب، لا شفاعة في الباطل، ولا تنفع العلاقات، ولا تنفع المواقف التي كان ظاهرها القوة، وباطنها الانحراف.
السباق إلى الخيرات هو النجاة
يعقد الشهيد القائد مقارنة أخيرة بين ثلاث فئات:
أصحاب المشأمة .. أهل الشؤم، العصاة، المستكبرون، المصرّون.
أصحاب الميمنة .. المؤمنون الناجون.
السابقون المقربون ..من يبادرون بالحق، ينشرونه، يؤسسون المشاريع، ويستمر تأثيرهم بعد موتهم.
ويؤكد أن السبق إلى الخير، ليس في الكم فقط، بل في المبادرة، وتأسيس العمل الجماعي، وتشغيل الناس على الخير.
ويقول الشهيد القائد إن بعض الناس يحاول أن لا يُلزم نفسه بأي شيء، ويرى أنه ذكي لأنه لم يساهم، لكنه في الحقيقة غبي، لأنه فوّت فرصة النجاة.
الوعي بالآخرة أساس الاستقامة في الدنيا
ينقل الشهيد القائد فكرة شديدة العمق، وهي أن الإنسان حين يغفل عن القيامة، عن الحساب، عن المصير الأبدي، تبدأ انحرافاته، فالمعيار الذي يجب أن يحكم السلوك هو هل هذا العمل يقربني إلى الله؟ هل يجعلني آمِنًا يوم القيامة؟
إنها رؤية قرآنية للوجود، تجعل من كل عمل صغير في الدنيا خطوة في مشروع الأبد، ولهذالا تبالِ بالمصاعب ما دمت على الحق، ولا تهتم بمن يكرهك من أهل الباطل، فمن يضحك اليوم من أهل الإيمان، سيُضحك عليه غدًا في الجنة ، {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ}.
ومما يستفاد من قراءته رضوان الله عليه للمعاني الدلالية لهذه الآيات ، أن الاستكبار مرض صامت، قد يصيب البسطاء كما يصيب الجبابرة، وأن السكوت عن الحق، رغم معرفته، هو صورة من صور الكبر والعناد، كما أن المبادرة إلى الخير ضمانة نفسية وأخلاقية للنجاة، والقيامة ليست حدثًا مستقبليًا بل هي معيار للحاضر.
الشهيد القائد يقدّم خطابًا عمليًا، لا تأمليًا فقط، ويحرّك النفس نحو العمل الصالح لا الاكتفاء بالموعظة ..