دراسة بيئية تحذر من اختفاء "رئة الأرض"
تاريخ النشر: 15th, February 2024 GMT
عواصم - الوكالات
قال علماء يوم الأربعاء إن الجفاف والحرارة الناجمين عن تغير المناخ وعوامل أخرى يهددان بانهيار منظومة غابات الأمازون المطيرة الخصيبة في قارة أميركا الجنوبية، وذلك في دراسة خلصت إلى أن نصف الغابات تقريبا قد تمر بمنعطف خطير بحلول 2050.
وكتب الباحثون في الدراسة المنشورة في دورية (نيتشر) العلمية: "يزداد تعرض المنطقة لضغوط غير مسبوقة بسبب درجات الحرارة الآخذة في الارتفاع وحالات الجفاف الشديد وإزالة الأشجار والحرائق، حتى في الأجزاء النائية أو التي تقع في قلب المنظومة".
وقدر الباحثون أن عشرة إلى 47 بالمئة من الغطاء النباتي الحالي في الأمازون والتي توصف بأنها "رئة الأرض"، سيكون معرضا لهذه العوامل الضاغطة المجتمعة بحلول 2050.
وأوضح برناردو فلوريس عالم البيئة بجامعة سانتا كاتارينا في البرازيل أنه "بمجرد تجاوزنا هذا المنعطف، ربما لن نتمكن من فعل أي شيء بعدها. ستموت الغابة من تلقاء نفسها".
وذكر فلوريس أن الوقت حان لإعلان "أقصى درجات التحذير" بالنسبة للأمازون، أكبر غابة مدارية مطيرة في العالم.
وأشار خبراء إلى أنه مع تبديد درجات الحرارة الآخذة في الارتفاع للرطوبة في المنطقة، تتحول الغابة المطيرة بشكل مطرد إلى سافانا (سهول عشبية) أو منظومات بيئية أخرى أقل مرتبة ترتفع احتمالات اشتعالها جراء حرائق الغابات.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
خبراء للجزيرة نت عن زلزال روسيا التاريخي: أدركنا همسات الأرض بأثر رجعي
اهتزت شبه جزيرة كامتشاتكا الروسية صباح 30 يوليو/تموز تحت وطأة زلزال مدمر بلغت قوته 8.8 درجات على المقياس، ليُصنف رسميا ضمن أقوى 10 زلازل سجلت في التاريخ الحديث.
والمثير للانتباه أن هذه الهزة العنيفة سبقتها خلال العامين الماضيين هزتان قويتان، بلغت قوتهما 7.1 و7.4 درجات، مما أعاد إلى الواجهة تساؤلات لم تحسم حتى الآن، وهي: هل كانت تلك الزلازل المتوسطة جزءا من سلسلة تراكمية انتهت بالزلزال العظيم؟ وهل شكلت علامات مبكرة على تصاعد التوتر في باطن الأرض؟ وهل يمكن للعلم رصد مثل هذه المؤشرات قبل فوات الأوان؟
"الجزيرة نت" توجهت بهذه الأسئلة إلى 3 من خبراء الزلازل بجامعات أميركية وصينية، واتفقوا جميعا على أن "همسات الأرض" التي تسبق الزلازل الكبرى لا يمكن فهمها أو تأكيد دلالتها إلا بأثر رجعي، ولا يعود ذلك إلى تقصير علمي، بل لعدم وجود أنماط زلزالية واضحة أو أدوات موثوقة تتيح التمييز المسبق بين الزلازل التمهيدية العادية وتلك التي تُنذر بكارثة كبرى.
وأكد الخبراء أن "بعض الهزات المتوسطة قد تبدو كأنها إشارات تحذيرية، لكن العلم لا يستطيع الجزم بذلك إلا بعد وقوع الزلزال الكبير، وهو ما يجعل التنبؤ بالزلازل العظمى من أكبر التحديات التي يواجهها علم الزلازل حتى اليوم".
معضلة أبحاث الزلازليقول البروفيسور رولاند بورغمان، أستاذ علوم الأرض والكواكب ورئيس مجموعة التكتونيات النشطة بجامعة كاليفورنيا في بيركلي: "الآن بعد أن وقع الزلزال بقوة 8.8 درجات، يمكن عدّ الهزتين السابقتين هزات تمهيدية (فور-شُوكس)، ومن ثم تصنف ضمن المؤشرات التحذيرية لهذا الحدث، لكننا لا نستطيع تأكيد ذلك إلا بأثر رجعي، ولا أعتقد أنه كان هناك ما يدل بوضوح في حينها على أن هذين الزلزالين مقدّمة للحدث الأكبر، وهذه هي المعضلة الكبرى في أبحاث التمهيدات الزلزالية ومحاولات التنبؤ".
إعلانويضيف بورغمان "مع ذلك، سيكون من المهم للغاية دراسة تسلسل هذه الأحداث وفهم العمليات الجيولوجية الكامنة وراءها، فقد يتيح لنا هذا البحث لاحقا فهما أعمق يسهم في تحسين القدرة على التنبؤ الزلزالي القصير الأجل".
أما البروفيسور كيجي تشين، أستاذ علوم الأرض والفضاء بجامعة جنوب الصين للتكنولوجيا، فكان أكثر حذرا، إذ قال إن "من المغري التفكير في أن الزلزالين السابقين كانا إنذارا مبكرا بقرب الزلزال العظيم، لكن من الناحية العلمية لا يمكن الجزم بذلك".
وأوضح أن "في مناطق الاندساس مثل كامتشاتكا، قد تكون الزلازل المتوسطة إلى الكبيرة جزءا من تفريغ تدريجي للتوتر على الصدع، لكنها لا تعني بالضرورة أن زلزالا عظيما على وشك الحدوث".
وأضاف "فقط بعد وقوع الزلزال الكبير، يمكننا النظر إلى الوراء والقول: ربما كانت تلك الزلازل تمهيدية، لكن في لحظة حدوثها، لم يكن هناك ما يثبت ذلك علميا".
وتتفق الدكتورة مع هذا الطرح جوديث هوبارد، وهي أستاذة مساعدة زائرة بقسم علوم الأرض والغلاف الجوي بجامعة كورنيل الأميركية، مؤكدة أنه "لا يوجد نمط زلزالي موثوق يربط بين الزلازل المتوسطة (مثل 7.1 أو 7.4) وحدوث زلازل عظيمة (مثل 8.8)، لكن أحيانا، كما في هذه الحالة، قد تسبق الزلازل الكبرى هزات تمهيدية بالفعل".
وتضيف "مثل هذه الزلازل المتوسطة قد تحدث تعديلا في الضغط على الصدوع المجاورة، مما يزيد احتمال حدوث زلازل لاحقة، لكنها في الغالب لا تؤدي إلى كارثة كبرى، لذلك فهي ليست مؤشرا موثوقا لتقييم الخطر الزلزالي".
ومع التركيز على الزلازل المتوسطة التي سبقت الزلزال الكبير، فإن ذلك لم ينس مجتمع علماء الزلازل الربط بين زلزال 30 يوليو/تموز وزلزال آخر شهدته المنطقة عام 1952، أي قبل 73 عاما، وكان يفوق الأخير قوة، إذ بلغت قوته 9 درجات على مقياس ريختر، وهو ما أثار سؤالا لا يقل أهمية عن سابقيه، وهو: لماذا تتكرر الزلازل العظمى في كامتشاتكا؟
واشتركت آراء الخبراء الثلاثة في أن البنية التكتونية لكامتشاتكا تضعها على رأس قائمة المناطق المعرضة لزلازل عملاقة، فهذه المنطقة تقع على حدود اندساس نشط للغاية، حيث تنزلق صفيحة المحيط الهادي تحت صفيحة أميركا الشمالية بسرعة تتجاوز 8 سم في السنة، وهي من أعلى معدلات في العالم لهذا النوع من الظواهر الجيولوجية.
وبحسب بورغمان الذي أجرى من قبل دراسات على تلك المنطقة، فإن الزلزالين الكبيرين يشتركان في خصائص عديدة، ليس فقط من حيث القوة، بل أيضا من حيث النمط والموقع".
واللافت أن الفاصل الزمني بينهما، والممتد من 1952 إلى 2025، يعدّ قصيرا نسبيا إذا ما قورن بالمدة التي فصلت بين زلزال عام 1952، والحدث الذي سبقه عام 1737، كما يوضح بورغمان.
ومع ذلك، يشير إلى أن الحسابات الجيولوجية تكشف أن الفجوة الزمنية التي امتدت على مدار 73 عاما كانت كافية لتراكم قدر كبير من "عجز الإزاحة"، أي الفرق بين الإزاحة التي كان يُفترض أن تحدث بفعل حركة الصفائح التكتونية، والإزاحة التي لم تتحقق بعد.
إعلانويقول "عند احتساب المعدل السنوي للتقارب بين الصفائح في هذه المنطقة، والذي يبلغ نحو 8 سنتيمترات في السنة، يتبين أنه خلال الفترة الممتدة بين عامي 1952 و2025 تراكم ما يقرب من 584 سنتيمترا من الإجهاد الصخري (الضغط أو القوة الداخلية التي تتعرض لها الصخور داخل القشرة الأرضية نتيجة الحركات التكتونية)، وهو رقم يطابق تقريبا متوسط الإزاحة الذي سجلته هيئة المسح الجيولوجي الأميركية خلال الزلزال الأخير".
ويضيف بورغمان أنه أجرى مقارنة بين نموذج الإزاحة الذي قدمته هيئة المسح الجيولوجي الأميركية للزلزال الأخير ونموذج مماثل وُضع لزلزال عام 1952 من قبل الباحثين جونسون وساتاكي في دراسة نُشرت عام 1999، وتبين من المقارنة أن النموذجين يتكاملان بشكل لافت، مما يدعم فرضية أن هذه المنطقة تخضع لدورات دورية من التراكم والانفجار الزلزالي نتيجة بنية صدعية نشطة ومقيدة للغاية.
وتصف هوبارد السرعة الكبيرة التي تتحرك بها الصفيحة التكتونية تحت كامتشاتكا (8 سنتيمترات سنويا) بأنها من أعلى معدلات الاندساس في العالم.
وتقول إنه "أنه عندما يحرر الزلزال الضخم الذي شهدته المنطقة عام 1952 طاقة تعادل انزلاقا بطول 5 أمتار تقريبا، فإن المنطقة تحتاج إلى نحو 60 عاما فقط لإعادة شحن نفسها بالطاقة الكامنة اللازمة لزلزال مماثل. وبالفعل، فقد مرت 73 سنة منذ وقوع ذلك الزلزال الكبير، وذلك يتوافق بدقة مع هذه الحسابات التراكمية".
وما يزيد من خطورة هذا الوضع الجيولوجي ما أشار إليه البروفيسور تشين من أن الفالق الموجود في المنطقة واسع وضخم بما يكفي ليتكسر دفعة واحدة على مدى مئات الكيلومترات، وهو ما يفتح المجال أمام زلازل عنيفة وواسعة النطاق.
وأضاف أن "الرواسب السميكة التي تغطي قاع المحيط هناك تساعد أيضا على إغلاق الفالق بإحكام لفترات طويلة، فيمنع ذلك تسرب الطاقة تدريجيا ويؤدي إلى تراكم الضغط لعقود، قبل أن يُفرج عنه فجأة على هيئة زلزال مدمر".
وعما إذا كانت هذه السمات الجيولوجية تشير إلى خطر زلزالي طويل الأمد في المنطقة، يؤكد بورغمان أن الزلزال الأخير بالفعل خفف بشكل كبير من التوتر التكتوني المتراكم عند واجهة التقاء الصفائح في المنطقة، وهو ما يُعد أمرا إيجابيا على المدى القصير.
ولكنه ينبه إلى أن القطاعات المجاورة من الصدع نفسه أصبحت الآن أكثر تحميلا بالإجهاد، مما يزيد من احتمال حدوث زلازل أخرى كبيرة في المستقبل القريب، نتيجة انتقال الضغط بين مناطق الصدع المختلفة، فكما هو معروف في علم الزلازل، عندما يحدث زلزال ضخم، فإن احتمال وقوع زلازل لاحقة في المناطق المجاورة يرتفع مؤقتا بسبب إعادة توزيع القوى التكتونية.
مع ذلك، يطمئن بورغمان إلى أن الزلازل العظمى، بتلك القوة المدمرة، لا تحدث بشكل متكرر، ولا يتوقع أن تشهد المنطقة زلزالا آخر بالحجم نفسه في المدى القريب، مستندا في ذلك إلى أنماط الزلازل المسجلة تاريخيا والدراسات العلمية المنشورة عن تكرار الزلازل في هذا الحزام الزلزالي.
وإذا كان بورغمان حاول أن يكون متوازنا في تقدير الخطورة، فإن البروفيسور تشين كان قاطعا في قوله إن "هذه المنطقة من أبرز البقع الساخنة زلزاليا على كوكب الأرض، وهناك خطر طويل الأمد بحدوث زلازل مماثلة في المستقبل، ويكفي للدلالة على خطورة هذه المنطقة أنها كانت مسرحا لزلازل عملاقة مرتين خلال أقل من قرن، أحدهما في عام 1952 بقوة 9.0 درجات، والآخر في عام 2025 بقوة 8.8".
وسارت هوبارد على نهج البروفيسور تشين بقولها: "لا يوجد شك في أن الخطر الزلزالي الكبير في كامتشاتكا مستمر على المدى البعيد، نظرا للخصائص التكتونية النشطة والمتسارعة في هذه المنطقة".
إعلان هل بالإمكان الاستعداد لهذه الأحداث الكبرى؟وإذا كانت الأحداث الكبرى ستقع حتما في كامتشاتكا كما أجمع الخبراء، فهل بالإمكان الاستعداد لها؟ يؤكد بورغمان وتشين أنه "رغم التقدم التكنولوجي الكبير، فإن التنبؤ بالزلازل لا يزال من أكبر التحديات العلمية".
ويضيفا أن "المتاح حتى الآن هو الإنذار المبكر الذي يمكنه تحذير الناس فقط بعد بدء الزلزال، أي قبل وصول الموجات الزلزالية إليهم بثوانٍ أو دقائق، لكنه لا يتنبأ بالزلازل قبل حدوثها".
وأضافا أن "دراسة سلسلة الزلازل التي وقعت في كامتشاتكا مؤخرا قد تساعد في المستقبل على تحسين نماذج التنبؤ القصير الأجل".
وتشير هوبارد إلى أن "ما يمكن فعله حاليا هو رفع درجة الاستعداد مؤقتا إذا حدثت زلازل بقوة 7 درجات في مناطق معينة، كما تفعل اليابان في نظامها الجديد بمنطقة نانكاي".
وفي هذا النظام المعروف باسم "نظام الاستشارة الزلزالية"، يتم إصدار تحذيرات مؤقتة عندما تقع زلازل متوسطة في مناطق حساسة، لتنبيه السكان إلى ارتفاع مؤقت في احتمال الزلازل العظمى".
وتضيف "لكن في معظم الحالات لا يحدث شيء، وتكون المخاوف من الهلع أو تعطيل الاقتصاد واردة، إلا أن المثال الروسي يُثبت أن هذه التحذيرات قد تكون ثمينة أحيانا، خاصة في المناطق العالية النشاط".
والأمل الذي يعوّل عليه الخبراء هو أن تقود هذه الأحداث الزلزالية، رغم قسوتها، إلى تطوير نماذج أكثر دقة لرصد المخاطر الزلزالية وتقديم تحذيرات مفيدة، ليس فقط في كامتشاتكا، بل في كل مناطق العالم المهددة بخطر الزلازل العظمى.