"المسرح الشعري العماني المعاصر" لسعيد الوهيبي.. بين الواقع والمأمول
تاريخ النشر: 20th, February 2024 GMT
يتحدث كتاب "المسرح الشعري العماني المعاصر" (دراسة وصفية تحليلية فنية) لسعيد بن هديب بن ثاني الوهيبي عن المسرح الشعري العماني وتاريخه، وموضوعاته، منذ مراحل نشأته، وإرهاصاته التجريبية، متناولًا بالعرض العوامل المؤثرة فيه مثل الأحوال الثقافية العمانية، ودور معلمي العرب الوافدين على ساحة المسرح العماني، وكذلك أثر المسرح الشعري الغربي في المسرح الشعري العماني، ويفرد فصلاً كاملاً لأبعاد البناء الفني للمسرحية الشعرية العمانية من خلال عدد من النماذج.
وتكشف فصول الكتاب الصادر عن "الآن ناشرون وموزعون" إلى أي مدى جاء المسرح انعكاسًا للواقع العماني، إذ يقول سعيد الوهيبي في مقدمة الكتاب: "لقد صوَّر المسرح الشعري العماني صورة حقيقية للبيئة الاجتماعية العمانية حينما حمل في جعبته الكثير من الملامح التراثية والمعاصرة".
وظهر أمل الكاتب في ختام مقدمته إدراك عدد من النتائج أهمها: "الكشف عن أهم تطلُّعات المسرح الشعري العماني، والتعبير عن آلام الشعب وهمومه وأحلامه، ومدى تأثير المسرح الشعري العماني المعاصر في المسارح القومية والدولية، والتي كانت حاضرة وبقوة في نصوصه وعروضه".
ويأتي المسرح انعكاسًا لبيئة صانعيه فلا ينفصل عن الأحداث الاجتماعية الدائرة، وهذا ما يؤكده المؤلف: "إن توالد المسرح نتيجة للتلاقي والتبادل بين الناس، ذلك أن وظيفة المسرحية الكشف للمشاهد عن طبيعته الإنسانية حتى يستطيع التآلف معهم، وأن الممارسة المسرحية يمكن أن تهز في بعض الأحيان كل المجتمع ومؤسساته، وهي بلا شك تحقق الصلة التي طال البحث عنها بين القيمة الجمالية وبين الحياة الاجتماعية وبين الإبداع الفني وبين بنية الوجود الجماعي، وبمعنى آخر فإن القيم الجمالية التي يبعثها المشهد المسرحي في نفوس المشاهدين من الممكن أن تتحوَّل بعد هضمها والتفاعل معها إلى قوة فاعلة في صفوف المجتمع أو على أقل تقدير بين أفراد الجماعة".
جاء كتاب المسرح الشعري العماني في خمسة فصول، ومقدمة وخاتمة، ويعد الفصل الأول دراسة تمهيدية، وتناول الفصل الثاني مفهوم المسرح الشعري وعناصره وأغراضه وأنواعه، وأما الفصل الثالث فجاء حول مراحل نشأة المسرح الشعري العماني وتطوره، والفصل الرابع عن العوامل المؤثرة في المسرح الشعري العماني المعاصر، وأما الفصل الخامس والأخير فقد تناول أبعاد البناء الفني للمسرحية الشعرية العمانية.
ومثَّل المؤلف للظواهر المسرحية بعدد من المسرحيات؛ منها: البناء الفني لمسرحية أرجمند ملحمة الحب والخلود، لمؤلفها العماني صالح الفهدي، وقد أورد الوهيبي على لسان مؤلفها: "الموروث الإنساني ملك للإنسانية، وأينما يجدُ المرءُ ما يُلفتهُ فيه يقبل عليه، مُعيداً النظر، أو مقلّباً الفكر، تعلماً أو تأملاً، هكذا تعاطيت مع القصة الجميلة لممتاز محل (أرجمند) وزوجها شاه جيهان، قصة حب، لكنّها قصة غدر، وخيانة!".
كما تناول الأبعاد الفنية لبناء مسرحية "كأسك يا سقراط"، ومؤلف هذه المسرحية هو الشاعر والكاتب المسرحي والصحفي العراقي – العماني عبدالرزاق الربيعي، ويقول عنها الوهيبي: "تتكوَّن المسرحية الشعرية "كأسك يا سقراط" من خمسة مشاهد، والتي تستلهم أحداثها من حياة الفيلسوف "سقراط" وصراعاته مع قوى الظلام والجهل في عصره، ودعوته للتفكير الحر ومعرفة النفس، وتوعية الشباب، وتحرير عقولهم، وحاولت السلطة إغراءه بالمناصب ليتخلَّى عن أفكاره ولكنه لم يتراجع فجاءت نهايته التراجيدية، بعد فشل محاولات السلطة بتدجينه جاعلاً منه نموذجاً للمثقف الحر، من القيود التي تحد من التفكير، وتجرُّعه كأس السم بعد أن وجهت إليه محكمة أثينا عدداً من التهم الباطلة، من بينها إفساد عقول الشباب، لكن محامياً من عصرنا يتقدَّم بطلب لإعادة محاكمته، وإنصافه لكنه يلقى المصير نفسه، فمحنة المثقف واحدة في كل الأزمان".
كما تناول البناء الفني في مسرحية "جذيمة والملك" ومؤلفها الشاعر العماني الشيخ عبد الله بن علي الخليلي، ويعده الوهيبي رائد الشعر المسرحي في عمان لأنه سبق غيره بتقديم مسرحية "جذيمة والملك" التي استقى أحداثها من عصر ما قبل ظهور الإسلام، وقال الوهيبي إن هذه المسرحية: "تروي لنا قصة "جذيمة الأبرش بن مالك" ثالث ملوك تنوخ وأول ملك في الحيرة مع الزباء ملكة تدمر، وهي ابنة عمرو بن الضرب الذي كان ملكاً للشام، وقد قتله جذيمة، فتولَّت الزباء الحكم بعده، وأطمعت جذيمة في الزواج منها، حتى اغتر بها، وقدم إليها فقتلته وأخذت بثأر أبيها، ثم إن ابن أخت جذيمة عمرو بن عدي وخليفته في المُلك أخذ بثأر عمرو عبر خطة دبَّرها له وزير جذيمة واسمه قصير بن سعد، وأنهى بذلك مُلك الزباء، فالشيخ الشاعر الخليلي استقى أحداث هذه القصة من عصر ما قبل الإسلام مستغلّاً معرفته بالسرد القصصي ليوظفها في هذا النتاج، ويحتفظ الشاعر في هذه المسرحية بدور الراوي مع المزج بين الطريقة الحوارية والطريقة السردية".
ومن الجدير ذكره أن سعيد بن هديب بن ثاني الوهيبي أستاذ محاضر في جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بمسقط، حاصل على الدكتوراة في فلسفة آداب اللغة العربية في الجامعة الإسلامية العالمية الماليزية، وله عدة بحوث ومقالات وأوراق عمل، شارك في مجموعة من المؤتمرات والندوات، وله فصل منشور في كتاب (بواكير المسرح الشعري في الوطن العربي استدامة تعليم اللغة العربية والآداب في ظل جائحة كورونا:رؤى وأفاق).
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: البناء الفنی
إقرأ أيضاً:
الاقتصاد العماني وسياسات التنويع والابتكار
يمر الاقتصاد العُماني بمرحلة مهمة من التحولات النوعية، تشهد خلالها سلطنة عمان تطورا ملحوظا في مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية، ضمن رؤية طموحة ترتكز على التنويع والابتكار.
ويمكن أن نلمس أثر هذا التحول بجلاء في أداء القطاعات غير النفطية، التي تضطلع بدور متنامٍ في قيادة النمو، وتأكيد قدرة الاقتصاد الوطني على الاستمرار في التوسع، متجاوزا إلى حد كبير تداعيات تقلبات أسعار النفط.
وقد أسهم في تعزيز هذا النجاح السياسات الاقتصادية التي اعتمدت على تخطيط استراتيجي طويل المدى، وتفعيل البرامج التنفيذية للخطة الخمسية الحالية، بما يضمن استدامة النمو ويعزز صلابة الاقتصاد في مواجهة التحديات.وفي دلالة بارزة على الفاعلية المتزايدة للأنشطة الاقتصادية خارج إطار النفط، سجل معدل نمو الاقتصاد غير النفطي خلال العام الماضي 3.9%.. هذا النمو المتسارع هو نتاج لكثير من المحفزات، من بينها توسيع الشراكات الاقتصادية، والاتفاقيات الاستثمارية، إضافة إلى الحراك النشط لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث بلغ حجم هذه الاستثمارات ـ وفق مؤشر الربع الأول من هذا العام 30.6 مليار ريال عُماني، مما يعكس الثقة المتزايدة التي تحظى بها سلطنة عمان كوجهة عالمية جاذبة لرؤوس الأموال.ولا شك أن الاتفاقيات الاستراتيجية، التي أبرمتها سلطنة عمان مع عدد من الاقتصادات الكبرى، فتحت آفاقا جديدة للتعاون والشراكات في مجالات واعدة مثل الهيدروجين الأخضر، كمحور مهم في مسار التحول الصناعي، إلى جانب تأسيس صناديق استثمارية مشتركة تعزز من تمويل مشروعات التنمية المستدامة، وفتح أسواق جديدة لتمكين القطاع الخاص.
ومما يستوجب الإشارة هنا، الدور الكبير لجهاز الاستثمار العُماني في استقطاب استثمارات مباشرة تجاوزت 3.3 مليار ريال عُماني، كما نجحت منصة «استثمر في عُمان» في توطين أكثر من أربعين مشروعا بقيمة تفوق ملياري ريال، في قطاعات حيوية تشمل السياحة، والصناعة، والتعدين، والطاقة المتجددة، والصحة، والأمن الغذائي، وجميعها تشكل روافد حقيقية للنمو، وتوفر فرصا واسعة للتوظيف وتنمية المهارات، إلى جانب إسهامها في إثراء المحتوى المحلي وتنشيط قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتمكين الشباب العماني في مجالات الابتكار والتقنيات الحديثة، خصوصا في الصناعات المستقبلية.
وعلى هذا المسار تواصل الحكومة دورها المحوري، من خلال تحديث السياسات التنظيمية، وتوفير بيئة محفزة للاستثمار، بما يضمن تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي وتنمية الجوانب الاجتماعية وفق منهجية تراعي الاستدامة، وتزيد من قدرة مشاركة الأفراد في النشاط الاقتصادي، انطلاقا من قناعة راسخة بأن الإنسان العماني هو محور التنمية وغايتها.
وعلى هذا يمكننا القول إن ما تحقق حتى الآن من خطوات في الإصلاح الاقتصادي، وما يتم الإعداد له من خطط وبرامج، يؤكد أن سلطنة عمان تمضي نحو بناء اقتصاد تنافسي ومبتكر، يقوم على التنويع والمعرفة، ويستند إلى بنية قوية من الثقة والتكامل بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع، ما يمهد لمرحلة جديدة من النمو المتوازن والمستدام.