في استديو تصوير صغير يقع في منطقة كوم الدكة بالإسكندرية، بدأت الحكاية التي تشبه الأفلام السينمائية، حيث دخل مجموعة من الأصدقاء إلى مكان مهجور، ليكتشفوا هناك أنهم على مقربة من اكتشاف كنز لم يخطر في بالهم.

هذا بالضبط ما حدث للأصدقاء الثلاثة، عبد العزيز بدوي (32 عاما)، وحازم جودة (35 عاما)، وأحمد ناجي دراز (37 عاما)، وهم يمتهنون التصوير الصحفي، ويجمعهم شغف التصوير وحب الكاميرا.

ومن خلال الصدفة البحتة، اجتمعوا على مشروع جمع وتوثيق وأرشفة ما تركه جد الأول، أحمد بدوي، المصور الأشهر في الإسكندرية خلال أربعينيات القرن الماضي.

أحمد بدوي المصور السكندري الأشهر منذ أربعينيات القرن الماضي (الجزيرة) دعوة من حفيد بدوي

بدأت القصة بدعوة عبد العزيز بدوي لصديقيه لزيارة استديو جده، والمغلق منذ وفاته في عام 2013، في زيارة عادية لاستديو التصوير القائم منذ الأربعينيات في بناية آيلة للسقوط.

لكن الزيارة لم تنته نهاية عادية، إذ اكتشف المصورون الثلاثة "الكنز" الذي تركه بدوي الجد في قبو الاستديو، مئات الأفلام المحمضة وآلاف الصور لأحداث وتفاصيل الإسكندرية، صور الشواطئ والبنايات والشوارع والحدائق والأزقة، وجوه ومناسبات عائلية، لقاءات فنية وصور رسمية، أرشيف هائل من الصور التي تروي تاريخ محافظة الإسكندرية وأحيائها ومبانيها وأهلها منذ عام 1939 وحتى عام 2007 حين أصيب بألزهايمر، وبدأ في الانزواء بعيدا عن هوايته الأثيرة.

زائرة تقف مشدوهة لحرفية المصور العبقري الذي سبق زمانه بزمن (الجزيرة) كنز من الصور

جلس الأصدقاء الثلاثة أمام كنز أحمد بدوي مشدوهين، ليس فقط لأهمية الصور التوثيقية، لكن "لحرفية المصور العبقري الذي سبق زمانه بزمن"، كما يقول المصور أحمد ناجي دراز للجزيرة نت، و"المفاجأة ليست فقط في الصور والكم الهائل من الذكريات، لكن أيضا المدرسة التي استخدمها أحمد بدوي، والتي تتفوق على المدارس الحالية في التصوير، فرغم التطور الذي شهدته الصورة الفوتوغرافية حاليا، فإن صور بدوي أكثر تطورا من وقتنا الحالي".

يحكي دراز عن الجد بدوي وعن شغفه بالتصوير الذي بدأ من أوائل عمره حين عمل مع المصورين الأجانب القدامى في الإسكندرية قبل أن يفتتح الاستديو الخاص به في كوم الدكة منذ عام 1939، لتبدأ قصته مع الصورة وهي القصة التي يقول عنها دراز "يجب أن تروى".

رواد المعرض يطالعون باهتمام صور الإسكندرية في 80 عاما (الجزيرة) المتحف اليوناني الروماني يستقبل أرشيف بدوي

ضمن فعاليات أسبوع الإسكندرية للصورة، دشن الأصدقاء الثلاثة معرضهم تحت عنوان "أرشيف بدوي".

المشروع الذي بدأه الأصدقاء الثلاثة لإنقاذ أرشيف الأستديو القديم وترميمه وتوثيقه تاريخيا، لم يحظ بالدعم حتى من عائلة بدوي نفسه، وعى الرغم من توارث المهنة عن الأب، فإن الشغف الحقيقي لا يورث، وانقرضت المهنة من بينهم، ولم يتذكر أحد منهم الأهمية التاريخية لما تركه الوالد إلا بعد أن رأوه معلقا يُحتفى به في "أسبوع الصورة" والذي أفتتح مطلع فبراير/شباط الجاري، في المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية.

الجد بدوي عمل مع المصورين الأجانب القدامى في الإسكندرية قبل أن يفتتح الاستديو الخاص به عام 1939 (الجزيرة)

"تحمسنا للمشروع كان أكبر من كونه مجرد شغف بالفن، لكنه شعور بأهمية تلك الصور، وأهمية وجودها كأرشيف لحظي لكل ما مرت به الإسكندرية خلال 80 عاما".

ويحكي دراز عن الحماسة التي جمعت ثلاثتهم، وعلمتهم أشياء جديدة في أنفسهم لم يكونوا يعلمون حتى بوجودها، مثل "ترميم الصور وأرشفتها وتأريخها وتقسيمها، لم نكن نعلم عنها شيئا، وبدأنا كل أعمال الإصلاح والأرشفة بالاستعانة بأساتذة لنا، وحتى أعمال النجارة والكهرباء أثناء المعرض كلها تعلمناها ومارسناها لأول مرة من أجل بدوي".

التجربة أشبه بفتح ألبوم الصور القديمة للعائلة بحسب رواد معرض أرشيف بدوي (الجزيرة) أرشيف بدوي.. ألبوم عائلة كبير

وكانت التجربة أشبه بفتح ألبوم الصور القديمة للعائلة، هكذا كانت تدور أغلب تعليقات الزائرين لمعرض أرشيف بدوي، صور الأفراح والشواطئ والبورتريهات والاحتفالات بالثورة والنكسة والحرب، كلها أحداث مرت على ملايين المصريين، فوجدوها أمامهم من جديد في المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية.

كثيرون ممن تابعوا المعرض نشروا ذكرياتهم مع المصور أحمد بدوي (الجزيرة)

يقول دراز للجزيرة نت "من ألطف المواقف التي حدثت بالمعرض أن سيدة كانت تتجول في المتحف، وتشاهد الصور وفجأة وقفت أمام صورة لها في شبابها معلقة في المتحف، كانت قد تصورتها في استديو بدوي منذ سنوات طويلة، لم تكن الحادثة الوحيدة، ولكن كثيرين ممن تابعوا المعرض نشروا ذكرياتهم مع المصور أحمد بدوي، الذي تملك كل عائلة في الإسكندرية صورا لها من تصويره".

سيدة تقف أمام صورة لها في شبابها معلقة في المتحف، كانت قد تصورتها في استديو بدوي منذ سنوات طويلة (الجزيرة)

وليست الصور فقط هي التي يحتويها المعرض، فهناك بعض أدوات التصوير المستخدمة قديما، حيث احتفظ بدوي بكاميراته المختلفة على مدى عمره.

ويأمل دراز وصديقاه أن يكملا المشروع لنهايته وتوثيق تراث المصور السكندري أحمد بدوي، الذي لم يلق تكريما ملائما قبل أن يتم نشر أعماله من خلال المعرض، وأن يتم توثيق الأرشيف بما يتلاءم مع كونه ثروة موثقة لـ80 عاما مرت على محافظة الإسكندرية.

كل عائلة في الإسكندرية لها صور فوتوغرافية في أرشيف بدوي (الجزيرة)

ويتمنى دراز أن تصبح تلك الصور متاحة مؤرشفة وموثقة من خلال موقع إلكتروني يسهل العمل عليها للباحثين والمؤرخين والكتاب والصحفيين.

كما يأمل الحفيد عبد العزيز بدوي أن يحصل اسم جده على تكريم لائق بتاريخه وما قدمه من إسهام في توثيق تاريخ محافظة الإسكندرية على مدار 80 عاما، وأن يجد ما تبقى من أرشيف، لم يتم الكشف عنه لصعوبة التعامل الفردي معه، اهتماما كافيا ليظهر للنور في معارض أخرى تحمل اسم المصور السكندري الأشهر.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی الإسکندریة فی المتحف أحمد بدوی مع المصور

إقرأ أيضاً:

مُتحف عمان عبر الزمان يروي شواهد حيّة على دور عمان في التواصل الحِواري منذ القِدم

يصادف العاشر من يونيو من كل عام اليوم العالمي للحوار بين الحضارات ، ولقد كان لعمان دور بارز منذ القدم في إرساء الحوار بينها وبين الحضارات الأخرى وتعزيز التبادل الثقافي والمعرفي بين شعوب العالم القديم، و شكّلت عمان عبر التاريخ جسراً حضارياً بين الشرق والغرب نظراً لموقعها الجغرافي الإستراتيجي عن طريق التجارة البرية والبحرية من خلال تجارتها المزدهرة أو علاقاتها السلمية مع مختلف الحضارات .

ومن خلال المرور بين جنبات متحف عمان عبر الزمان؛ برزت معالم التواصل الحواري بين عمان والحضارات الأخرى في كل العصور من خلال شواهد حيّة سطرها أجدادنا القدامى ، وسنذكر دور عمان قديماً في التواصل الحواري خلال العصر البرونزي والعصر الحديدي والعصر الأسلامي ، من خلال تسلسل تاريخي من مجان القديمة إلى عُمان الحاضرة .

"حضارة مجان والعصر البرونزي".

عاش الإنسان العماني في العصر البرونزي في مستوطنات منظمة على الساحل وفي داخل البلاد، وشيّدوا مدافن وأبراجاً ضخمة، وكانوا حرفيين مهرة وعملوا على صهر النحاس والتجارة والزراعة، وكانت سفن مجان تبحر عبر مايعرف حالياً ببحر عمان والخليج العربي حاملةً النحاس والأحجار القيِّمة إلى دلمون وبلاد الرافدين، وفي المقابل إستوردت مجان مقابل النحاس الفضة والزيوت والحبوب والمصنوعات الجلدية وقد كان لنحاس عمان سمعة طيبة في أسواق بلاد الرافدين نظراً لجودته العالية ومتانته ، وكان أسطول مجان هو الوسيلة الوحيدة بنقل حضارات مينا وبابل وسوسة إلى الهند، مما أدى إلى فتح المجال للتواصل الحواري والثقافي بين البشر.

" سمهرم وكنز اللبان العماني "

اشتهرت سمهرم بصفتها ميناء ومركزا تجاريا عالميا؛ حيث يصدر منها اللبان القادم من وادي دوكة والمناطق المجاورة له إلى مختلف أنحاء العالم القديم ، واستخدم الفراعنة اللبان العماني في العلاج الشعبي وتحنيط الأموات والشعائر الجنائزية نظراً لجودته و قيمته العالية مما جعله وسيلة غير مباشرة للحوارالحضاري بين الشعوب.

وقد عثر على إناء أثري زجاجي مستورد من روما في منطقة سلّوت الأثرية ، و على إبريق مستورد من بلاد الرافدين بين القرنين الأول والثاني الميلادي.

امتدت الشبكة التجارية لعُمان في العصور القديمة لتصل إلى حضارات الشرق الأقصى، والمحيط الهندي، والبحر الأبيض المتوسط، مما جعلها مركزًا تجاريًا حيويًا يربط بين الشرق والغرب. وقد صدّرت الموانئ العُمانية في ذلك الوقت سلعًا متعددة، أبرزها اللبان والتمور، إضافة إلى المنسوجات، وصبغة الأرجوان، واللؤلؤ، وغيرها من المنتجات الثمينة. أما وارداتها فشملت الفخار، والزجاج، والأخشاب، والزيوت، والحرير.

"إعتناق الإسلام في عمان ونشره في أفريقيا"

خلال القرون الأولى لظهور الإسلام، لعب العُمانيون دورًا بارزًا في تعزيز التواصل بين الحضارات، مستفيدين من مهاراتهم الملاحية المتطورة التي مكنتهم من الإبحار إلى سواحل شرق إفريقيا، والهند، والصين. ولم تكن رحلاتهم مجرد تحركات تجارية، بل كانت جسورًا للحوار الثقافي والديني، حيث حمل العُمانيون معهم ثقافتهم العربية ومعتقداتهم الإسلامية، وأسهموا في إنشاء تجمعات سكانية صغيرة ذات طابع حضاري مميز في تلك المناطق.

وقد وثّق كل من الرحالة ابن بطوطة وماركو بولو مشاهداتهم للتجار العُمانيين، مشيرين إلى تنقلهم الواسع بين موانئ العالم، حاملين معهم من عُمان اللؤلؤ واللبان والتمور والأسماك والخيول، ومستوردين من الصين الخزف والحرير، ومن الهند الأخشاب والتوابل، ومن إفريقيا العاج وسلعًا نادرة أخرى. لقد كانت هذه الحركة التجارية في جوهرها وسيلة فعّالة للتبادل الثقافي، ساهمت في ترسيخ الحوار بين الشعوب وتعميق الفهم المتبادل بين الحضارات.

وقد تميزت الإدارة العُمانية للتعاملات التجارية بتنظيم متقدم، وفّرت من خلاله بيئة آمنة ومنفتحة للتجار، تضمن حرية التنقل وممارسة الشعائر الدينية. كما فُرضت ضرائب على الصادرات ورسوم على السفن الراسية في الموانئ، وتم اعتماد أنظمة دقيقة لتسجيل الشحنات وأوزانها، إلى جانب استخدام الأختام كعلامات تجارية تُثبت هوية البضائع ومصدرها. لقد عكست هذه الإجراءات نضج الفكر التجاري العُماني وحرصه.

مقالات مشابهة

  • الصور الأولى من مسلسل ابن النادي لـ أحمد فهمي
  • «كان بيأهلنا للرحيل».. نجل الشهيد خالد عبد العال يروي اللحظات الأخيرة قبل وفاته| فيديو
  • نجل الشهيد خالد عبد العال يروي اللحظات الأخيرة قبل وفاة والده .. فيديو
  • مُتحف عمان عبر الزمان يروي شواهد حيّة على دور عمان في التواصل الحِواري منذ القِدم
  • في ذكرى ميلاده.. أحمد خالد توفيق العرّاب الذي غيّر وجه الأدب العربي
  • رئيس البرازيل يشيد بالدور الحيوي الذي تضطلع به الإنتربول برئاسة أحمد ناصر الريسي
  • ما هو مرض مها الصغير الذي دمّر حياتها؟
  • مصور “درون” يكشف عن مشهد مهيب في قلب صحراء لوط بإيران (فيديو)
  • بإطلالة صيفية.. لقاء سويدان تحتفل بـ عيد الأضحى في الإسكندرية
  • بإطلالة مميزة.. إلهام شاهين تخطف الأنظار من الساحل الشمالي