علي جمعة يحدد أفضل طريقة للخروج من فتن العصر
تاريخ النشر: 26th, February 2024 GMT
قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر إننا نعيش في عصر غريب عجيب، فقد الناس فيه المعيار والمقياس الذي يقاس به الحق، ويقاس به الباطل، والذي ينكر به المنكر، ويُرد به الخطأ، وخيمت علينا حالة من التيه والتغبيش، فنسينا أن مردنا هو كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نعيش في عصر غريب عجيب وفتن فما المخرج منها؟وتابع علي جمعة من خلال صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك: نسينا أن في هذا الكتاب حكم ما بيننا، نسينا ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في وصف كتاب الله، حيث قال : إنها ستكون فتنة، قال : قلت فما المخرج ؟ قال : كتاب الله، فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، من ابتغى الهدى (أو قال العلم) من غيره أضله، هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي تناهى الجن إذ سمعته حتى قالوا : (إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد) من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعى إليه هدي إلى صرط مستقيم) [رواه البيهقي في الشعب].
وأضاف علي جمعة: نحن نرى في القرآن دساتير كثيرة تنظم الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بوضع المبادئ والأسس لهذه المناحي من مناحي الحياة، ولكنها لا تدخل في التفاصيل الجزئية، لمرونتها وهي التي في هذا المقام يمكن أن نسميها (نسبية جزئية) أي أنها ليست نسبية مطلقة تصل إلى حد اختلاف التضاد، بل هي نسبية جزئية، تشتمل على اختلاف التنوع الذي نقدر معه على تحصيل تلك المرونة.
ولذا أمر الله رسوله أن يحكم بين الناس بكتابه فقال تعالى : ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ﴾ [المائدة :49].
بل عد ربنا الانحراف عن منهجه والاحتكام لمبادئ ما أنزل الله بها من سلطان جهل وجاهلية، فقال تعالى : ﴿أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة :50].
وشدد علي جمعة: فربنا يحذرنا من أن نأخذ ديننا من غيرنا، وإن الفتوى التي تصدر من العلماء لا بد وأن يكون لها بيئة، ولا بد وأن تكون بينة، وأن يراعى فيها المبادئ القرآنية والسنن الإلهية والنموذج المعرفي للمسلمين، فلا ينبغي للعالم أن يتأثر بمناهج الغرب ومبادئهم، وإن كان لا بد عليه أن يطلع على تلك المبادئ ويعرفها ويراعيها، ولكن لا يتأثر بها ويجعلها منطلقا له أو إطارا مرجعيا.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: علي جمعة هيئة كبار العلماء علی جمعة
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: حديث من نفس عن مؤمن كربة فيه 7 وصايا من النبي لبناء أمة قوية
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، انه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «من نفَّس عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة، وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه». [صحيح مسلم].
واضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ان في هذا الحديث الكريم جمع لنا رسول الله ﷺ سبعًا من الوصايا الثمينة، وهي من الأعمدة الرئيسة لبناء المجتمع الإسلامي، المعينة له في أزماته، والمحفزة على توثيق مشاعر الرحمة والمودة بين أفراده.
الوصية الأولى: تنفيس الكرب
تحث الوصية الأولى على تنفيس الكرب عن الناس، وجعلها ﷺ في صيغة المفرد النكرة لتعظيم الثواب؛ فالحساب على مستوى الكربة الواحدة، مع الفارق العظيم بين كرب الدنيا وكرب يوم القيامة.
وجعلها غير مرتبطة بزمنٍ للحث على فعلها في كل وقت، واختار الفعل «نفَّس» لتأكيد الراحة النفسية المصاحبة لزوال الكرب، وجعل الثواب من الله مباشرة حيث لا واسطة ولا حائل.
جميع هذه المعاني اجتمعت في وصيةٍ جامعةٍ مطلقةٍ صالحةٍ لكل زمانٍ ومكان.
الوصية الثانية: التيسير على المعسر
تناولت الوصية الثانية شكلًا آخر من أشكال تنفيس الكرب، وقد أفردها المصطفى ﷺ بوصيةٍ مستقلة لتأكيدها والحث عليها وبيان عظم أجرها.
فالمعسر في كربٍ دائم، ومن دعائه ﷺ اليومي: «اللهم إني أعوذ بك من الكفر، والفقر، وعذاب القبر». استعاذ ﷺ من الفقر كأنه بلاء، وقرنه بالكفر وعذاب القبر لشدته على المؤمن.
وقد جعل الإسلام سهمًا من أسهم الزكاة للغارمين تأكيدًا لأهمية التنفيس عن المسلمين في أزماتهم.
والتيسير على المعسر منه فرضٌ ومنه مندوبٌ؛ أما الفرض فهو "الإنظار"، أي تأجيل الدين إلى الميسرة كما قال تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280]. وأما المندوب فهو إسقاط الدين عن المعسر. ومن عجائب هذا الفرع أن المندوب فيه أعظم أجرًا من الفرض، على خلاف القاعدة العامة، وهو واحدٌ من أربعة فروعٍ يُثاب المندوب فيها أكثر من الفرض، وهي:
" إسقاط الدين عن المعسر، البدء بالسلام، التطهر قبل الوقت، ختان الذكور قبل البلوغ".
الوصية الثالثة: الستر
تأمر الوصية الثالثة بالستر، وهو ضد الفضيحة، وعليه مبنى الدين.
وفي عصرنا يدعو كثير من الناس إلى ما يسمى "الشفافية"، ولها معنى صحيح وآخر قبيح.
أما الصحيح فهو "الصدق"، وأما القبيح فهو الدعوة إلى نشر الفواحش والتساهل في سوء الأخلاق بدعوى الانفتاح.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19].
الوصية الرابعة: معونة الإخوان
الحقيقة الكونية الشرعية أن "الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه"، وهي وصية تدل على أن قلب المسلم يتسع للعالمين، وأنه دائم الاستعداد للتعاون على البر والتقوى، لا على الإثم والعدوان، وأنه كلما أعان غيره وجد معية الله وعونه.
الوصية الخامسة: طلب العلم
تجعل هذه الوصية السعي في طلب العلم سعيًا في طريق الجنة، وهي بلاغة لا نجدها إلا في كلام أفصح العرب وسيد المرسلين.
فشراء الكتاب، وحضور المحاضرة، والبحث العلمي كلها من موجبات الجنة.
قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]، وقال أيضًا: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]، وقال: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76]، ونهايتها قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ} [فاطر: 28].
الوصية السادسة: عمارة المساجد بالعلم
توصي هذه الوصية بجعل المسجد مؤسسةً من مؤسسات المجتمع، فيها بناء الإنسان قبل البنيان، وفيها الاهتمام بالساجد قبل المساجد، وفيها مفاتيح الخير من علمٍ وذكرٍ وفكر.
الوصية السابعة: معيار القبول والرد
تبين هذه الوصية أن المعيار الذي نقيس به قبول الأشياء وردها وتقويم الناس، يجب أن يُبنى على "العمل الصالح والتقوى" لا على الأحساب والأنساب.
هذه هي صورة المجتمع الذي أراده لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومجتمعنا المعاصر يشكو من قصورٍ شديدٍ في هذه المعاني، ويطالب بالعودة إلى تلك الأزمان المباركة التي تجسدت فيها روح الإيمان والتكافل. فإن قوة الأمم بقوة المجتمعات.