دراسة: منتجات التبغ البديلة تساعد في الإقلاع عن التدخين وتخفض من أضراره
تاريخ النشر: 28th, February 2024 GMT
كشفت دراسة أمريكية حديثة، هي الأكبر من نوعها في مجال جدوى بدائل التدخين بالولايات المتحدة، أن "السجائر الإلكترونية" تُعد أداة فعالة للإقلاع عن التدخين بين البالغين. ودعا الباحثين القائمين على الدراسة حكومات دول العالم إلى السماح بتداول هذه البدائل، خاصة بعد أن أكدت النتائج أن من استخدموا "السيجارة الإلكترونية" خلال الدراسة نجحوا في خفض معدلات تدخينهم أو توقفوا عنه تمامًا.
وبحسب مجلة "لانسيت" البريطانية، أحد أقدم وأشهر الدوريات الطبية في العالم، فإن الدراسة أجريت على عينة عشوائية من المدخنين البالغين بلغ عددهم 638 مشاركا، من 11 مدينة في الولايات المتحدة، لديهم مستويات مختلفة من الرغبة في الإقلاع عن التدخين وخبرة قليلة جدًا في استخدام بدائل التدخين. استمرت الدراسة ستة أشهر بتمويل كامل من المعهد الوطني للسرطان في الولايات المتحدة وقام بإجرائها عدد من الباحثين من عدة جامعات أمريكية.
وأوضح القائمين على الدراسة أنه تم تقسيم العينة إلى مجموعتين، ضمت الأولى 427 مشاركا تم منحهم السجائر الإلكترونية لمدة 4 أسابيع. وكانت التعليمات المقدمة لهم ضئيلة للغاية، حيث كان الباحثون يهدفون إلى فحص معدلات الاستخدام وتأثيراته على الإقلاع عن التدخين، دون أي توجيه من جانبهم، أما المجموعة الثانية، فضمت 211 مشاركا، لم يتم تزويدهم بالسجائر الإلكترونية وانما ترك لهم حرية استخدام أي منتج وفق رغبتهم.
وبعد الشهر الأول من الدراسة لم يتم تقديم المزيد من السجائر الإلكترونية، مع متابعة المشاركين لمدة 24 أسبوعًا (ستة أشهر) من خلال الاستبيانات الهاتفية. لتحقيق الهدف الرئيسي من الدراسة وهو عمل محاكاة لكافة الظروف التي يتعرض لها المدخنون في الظروف الطبيعية، ليقرروا بأنفسهم هل سيستخدمونها أم لا؟ وكذلك قياس معدلات التوقف عن تدخين السجائر التقليدية أو التقليل من استخدامها. حيث تبين أن 14% من المشاركين في الدراسة قد توقفوا تماما عن استخدام السجائر التقليدية، بينما خفض 28% منهم نسبة الاستهلاك اليومي من السجائر إلى 50%.
كما أظهرت الدراسة أيضا، أن أولئك الذين استخدموا السيجارة الإلكترونية لديهم ميل أعلى بكثير للإقلاع عن التدخين في الأسبوع 12 و24، مقارنة بأولئك الذين ترك لهم حرية قرار استخدام السجائر الالكترونية أم لا خلال فترة الدراسة، ولذلك، أفاد الباحثون، بأن بدائل التدخين تعد خيارا أفضل وبديلا جديرا بالنسبة للمدخنين الذين يفشلون في الإقلاع عن التدخين بالأساليب التقليدية.
وفي ذات السياق أكد الدكتور ماثيو كاربنتر، الباحث الرئيسي بالدراسة أن المدخنون الذين شملتهم الدراسة واستخدموا السجائر الالكترونية أظهروا امتناعًا أكبر عن استخدام السجائر التقليدية مما نتج عنه انخفاضًا في الأضرار الصحية التي تسببها".
وأشار إلى أن الدراسة توفر معلومات قيمة لمجتمع الصحة العامة وصانعي السياسات يمكن من خلالها تحديد طريقة التعامل مع بدائل التدخين بشكل عام، سواء منتجات التبغ المسخن أو الــ (vaping).
وشدد كاربنتر على أن الجميع لا يريد إيصال السجائر الإلكترونية لأيدي الأطفال، وكذلك لا يجب حرمان المدخنين الأكبر سنًا الذين لم يتمكنوا من الإقلاع عن التدخين من طرق بديله يمكن ان تساعدهم في تحقيق هدفهم، مطالبا حكومات دول العالم بضرورة السماح بتداول المنتجات البديلة لدعم المواطنين في الإقلاع عن التدخين وحمايتهم من خطر السجائر التقليدية.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: التدخين الإقلاع عن التدخين فی الإقلاع عن التدخین السجائر الإلکترونیة السجائر التقلیدیة بدائل التدخین
إقرأ أيضاً:
من الاختبارات التقليدية إلى التحليل اللحظي للأداء
د. عمرو عبد العظيم
يتسارع تطور غير مسبوق في القطاع التعليمي، حيث لم تعد قاعات الدراسة تتّسع لاختبارات تقليدية تقيس جزءًا بسيطًا من قدرات الطلبة، أو حفظهم واسترجاع المعلومات. حيث أصبح من الضروري أن ننتقل من الامتحان الورقي الذي يَحدّ العقل، إلى تقييمٍ ذكيّ يقرأ أداء الطالب لحظة بلحظة. ويمنحه فرصة أن يكتشف ذاته قبل أن يحاسبه الآخرون أو يحكموا على أدائه، وهنا يتقدم الذكاء الاصطناعي ليعيد رسم المشهد التعليمي، ويحوّل التقييم من حدثٍ مُرهب يحدث مرة كل فترة إلى عملية مستمرة تُضيء طريق التعلم وتحسين مخرجاته.
ومن أهم التحولات الحديثة في التقييم هو بناء الاختبارات بالذكاء الاصطناعي وفق المنهج الدراسي والأهداف التعليمية الدقيقة، فقد أصبح بالإمكان اليوم إنشاء اختبارات متكاملة خلال ثوانٍ. ولي تجربة شخصية في هذا الصدد، حيث قمت بتزويد أحد أدوات الذكاء الاصطناعي بمنهج لإحدى الوحدات الدراسية للصف الخامس مادة اللغة العربية وكانت تحتوي على أهداف الوحدة وأهداف الدروس وكامل المحتوى، وطلبت من الأداة أن تنبني اختبار شامل لقياس أداء الطلبة في هذه الوحدة، وتراعي المعارف والمهارات وتحاول أيضا قياس الأهداف الوجدانية، فكانت النتيجة رائعة، فقد قرأ ملف الوحدة وقام بتحليلها بدقة وصَمَّم الاختبار وفق مصفوفة المدى والتتابع ليقيس الثلاث جوانب: (المعرفي، المهاري، والوجداني) كما طلبت منه.
هذه التجربة ليست عشوائية ولا سطحية؛ بل مبنية على تحليل عميق لمعايير التعلم، ومستويات الأداء، وقائمة المهارات المطلوبة، ثم يقوم الذكاء الاصطناعي بقراءة المنهج كما يقرأه الخبير التربوي، ويفكّك الأهداف إلى كفاءات قابلة للقياس، ثم يُولّد أسئلة متنوعة تراعي مستويات بلوم، وتضمن شمول المحتوى، وتحقق العدل بين الطلبة. بل يمكنه أيضًا تخصيص الاختبار لكل طالب حسب مستوى فهمه، بحيث يحصل المتقدم القوي تحصيلياً على أسئلة أعمق، والمتعلم الذي لديه صعوبة على أسئلة تساعده على البناء تدريجيًا، ولذا فهي نقلة نوعية تحول الاختبار أداة تعليمية أعمق من فكرة أنه وسيلة قياس، وتحوّل تصميم الامتحانات من مهمة مرهقة إلى عملية ذكية دقيقة تُعيد للمعلم وقته، وللتعلم قيمته.
ويأتي التقييم التكويني الفوري، أحد أهم الهدايا التي قدمها الذكاء الاصطناعي للتعليم، تخيّل أن يعرف الطالب مستوى فهمه فور انتهائه من نشاط أو سؤال، وأن يحصل في اللحظة نفسها على تغذية راجعة دقيقة تخبره بما أتقنه وما يجب أن يراجعه، دون انتظار أسبوع أو شهر، وتخيل أن المعلم يستطيع أن يرى خريطة حيّة لفهم كل طالب في الصف، ليُعدل الشرح فورًا ويردم فجوات الفهم قبل أن تتسع، وهذا التقييم اللحظي هو ما يجعل التعلم عملية نابضة، تنبض بالحركة والتفاعل، بدلًا من أن تكون محطة صامتة على ورقة فاقدة للروح.
ثم يبدأ التصحيح الآلي الذكي، الذي لم يعد مجرد عملية رصد إجابات صحيحة أو خاطئة؛ بل أصبح نظامًا ذكيًا قادرًا على فهم الإجابة، وتحليل أسلوب الطالب في التفكير، وتحديد أين تكمُن المشكلة بالضبط، وهذه الأنظمة تقرأ الإجابة كما يقرؤها المعلم الخبير، وتتعامل مع الأخطاء ليس كعلامات حمراء؛ بل كمداخل يمكن أن ينطلق منها المتعلم نحو فهم أعمق، والنتيجة تكون وقت أكبر للمعلم ليقود عملية التعلم بدلاً من أن يُدفن بين أكوام الأوراق.
ولعل أعظم ما يقدمه الذكاء الاصطناعي هو كشف أنماط الضعف والقوة في تعلم الطلبة بدقة أعمق مما يتخيله المعلم، فبدلًا من الاعتماد على انطباعات عامة. وتستطيع الأنظمة الذكية تحليل آلاف النقاط من بيانات أداء الطالب مع سرعة الإجابة، ونوع الأخطاء، الأسئلة التي يتردد فيها، وحتى مهارات التفكير المستخدمة أثناء الحل، وبهذا لا يعود التقييم مجرد أرقام؛ بل يصبح كأنه "صورة أشعة تعليمية" تكشف ما يجري في عقل المتعلم، وتساعده على أن يعرف نفسه أكثر مما يعرفه الآخرون.
إنَّ التحول من الامتحانات الورقية التقليدية إلى امتحانات الذكاء الاصطناعي ليس قفزة تقنية مفاجئة؛ بل رحلة تحول تربوي عميق يُعاد فيه تعريف معنى التقييم ذاته. فالمسألة ليست استبدال الورقة بشاشة؛ بل إعادة صياغة فلسفة القياس من اختبارٍ ثابت يلتقط لحظة واحدة من أداء الطالب، إلى تقييم ديناميكي يتفاعل مع المتعلم ويفهمه ويدعم رحلته. حيث يبدأ التحول بخطوات هادئة من رقمنة الأسئلة، ثم تحليل النتائج آليًا، مرورًا بتوفير بنوك أسئلة ذكية، وصولًا إلى الاختبارات التكيفية التي تغيّر مستوى السؤال وفق قدرة الطالب، وتدريجيًا، تصبح المدرسة أقل اعتمادًا على الامتحان الورقي الذي يُقيّم الجميع بالمسطرة نفسها. وأكثر توجهًا نحو نظام ذكي يرى كل طالب كحالة فريدة، ويقيس مهاراته الحقيقية لا مجرد إجاباته المختصرة، وفي هذا التحول ينكشف جوهر التطوير، حيث يقدم امتحانات لا تُرهِق الطالب ولا تستهلك وقت المعلم؛ بل تبني فهمًا أعمق، وتُعطي بيانات أدق، وتفتح الباب أمام عدالة أكبر، إنه انتقال من ورقة تُصحَّح إلى تعلم يُفهم ومن نظام يُسجِّل العلامة إلى نظام يصنع التقدّم.
ومع كل هذه الفرص، يبقى التحدي الأكبر هو العدالة والإنصاف، فالذكاء الاصطناعي مهما بلغ تطوره يبقى انعكاسًا لبيانات بُني عليها، فإذا كانت البيانات منحازة، فالنتائج ستكون منحازة. وهنا تتقدم المسؤولية المهنية للمؤسسات التعليمية في ضمان تطوير أنظمة عادلة، شفافة، تخضع للرقابة البشرية، وتحترم تنوع الطلبة وفروقهم الفردية، فالهدف ليس تقييمًا يفرز الطلبة؛ بل نظامًا يفتح الأبواب للجميع ويضمن تكافؤ الفرص.
لا بُد لنا أن ندرك أن إعادة تصور التقييم بالذكاء الاصطناعي ليست مجرد نقلة تقنية؛ بل ثورة تربوية تعيد للطالب دوره الفاعل، وللمعلم مكانته القائدة، والتعلم روحه التي افتقدها لسنوات.
هذه دعوة لأن ننتقل من "امتحان يُخيف" إلى "تقييم يُفهم"، ومن "علامة تُحفظ" إلى "تعلم يُبنى"، فالمستقبل ليس للذي يحفظ أكثر؛ بل للذي يُقيَّم بطريقة أذكى.
رابط مختصر