ستبقى القضية الفلسطينية هي قضيتنا المركزية الأولى، وسوف يسجل التاريخ المعاصر ما تعرض له الفلسطينيون من مأساة فاقت كل التصورات، بينما العرب يعيشون حالة من الضعف والخذلان وقد أصبحوا في حالة من الهوان والضعف، ليس لقلة إمكاناتهم وإنما لأنهم أسلموا إرادتهم لغيرهم، وتركوا عدوهم يمارس كل صنوف القهر والقسوة، بعد أن اكتفوا بإصدار بيانات الشجب والإدانة التي ملئوا بها صحفهم ووسائل إعلامهم، وهي سياسات اعتاد عليها عدوهم مع علمه بأنها لا تجدي شيئا.
لقد انتفض ضمير العالم الحر من هول المآسي والجرائم التي يمارسها الإسرائيليون بجيشهم وعتادهم ضد المدنيين العزل في غزة، بينما راح العرب يعيشون حياتهم بإقامة المهرجانات الغنائية والفنية دون مراعاة لمشاعر إخوانهم الذين يموتون صباح مساء، سواء داخل بيوتهم أو في شوارع مدنهم حيث تسيل الدماء تحت أعين وبصر العالم، إنها بحق مأساة لن يرحمنا التاريخ بسببها، بعد أن فقدنا كل مقومات مجدنا وفخارنا، وقد انكشف الغطاء عن واقع يتسم بالضعف والهوان.
خمسة أشهر من الحرب على غزة، لم يخل يوما واحدا من قتل النساء والأطفال والشيوخ في ظل حصار ضربه العدو على أهلنا في غزة، أُغلقت المستشفيات بعد أن نفد الدواء والغذاء وقُطع الكهرباء والناس يهيمون على وجوههم وهم يحملون أطفالهم وآشلاء قتلاهم في مشهد مروع، بينما العرب يمارسون حياتهم يأكلون ويشربون ويشاهدون التلفاز، وبمرور الوقت أصبحت المشاهد المروعة شيئا عاديا على الرغم من حالة الغضب في كل أوطاننا العربية التي انتفض بعضها بينما الكثيرون منهم قد مُنعوا من مجرد التعبير عن مشاعرهم، وهكذا انكشف الغطاء عن حقيقة مروعة، وهي أن معظم أوطاننا قد اخترقها العدو سواء بسبب الصراعات الإقليمية التي يراهن البعض على دعم إسرائيل إذا ما دعت الحاجة إلى ذلك، أو بسبب تسليم كل أمور مقاليدنا إلى الولايات المتحدة الأمريكية الداعم الرئيس لإسرائيل.
إذا كان الكثيرون من زعماء العالم ومؤسسات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ومحكمة العدل الدولية جميعها قد أدانت ما يحدث من الجرائم المروعة في غزة، التي وصلت إلى حد اتهام إسرائيل بأنها تمارس الإبادة الجماعية إلا أن كل ذلك بقي مجرد بيانات، لم يصاحبها أية إجراءات تحول دون قتل الفلسطينيين، وممارسة كل صنوف الإبادة والتجويع ضد شعب أعزل لا يملك الغذاء والدواء والوقود، وأصبح الموت يحاصر الناس إما جوعا أو قصفاً بالصواريخ التي تهدم البيوت على ساكنيها، ولعل مشهد المخيمات في رفح وقد خلت من كل مقومات الحياة لم يعد كافياً لتحريك ضمائر العالم، ورغم ذلك فالكثيرون من قادتنا لم تتحرك مشاعرهم، بل اكتفى إعلامهم بمجرد البيانات وإعلان الدعم والمساندة، في الوقت الذي راحت فيه إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة الامريكية تواصل الإبادة كل يوم، ولم يسلم من ذلك ساكنوا الخيام، ولم يتحرك ضمير العالم وهو يشاهد بكاء الأطفال وعويل النساء وعجز الرجال في ظل افتقاد الماء والغذاء والدواء وكل وسائل الحياة.
تابعنا قسوة الحياة في غزة وقلوبنا تنفطر ألما ومرارة، وقد هام الناس على وجوههم بحثا عن القدر اليسير من الطحين، وراحوا يزحفون إلى شارع الرشيد "دوار النابلسي" بعد أن وصلتهم الأخبار عن وصول قافلة تحمل الغذاء، وكان المشهد بمثابة زحف الجياع للحصول على الطحين، إلا أن عدوهم لم يرحم ضعفهم ومأساتهم، بعد أن تركهم يتجمعون بالآلاف أطفالاً ورجالاً ثم راح يطلق نيران مدافعه وصواريخه من خلال الطائرات المسيرة إلى أن استشهد منهم ما يتجاوز المائة وعشرين، وأصيب منهم أكثر من سبعمائة من بينهم إصابات بالغة، كل ذلك يحدث ووسائل الإعلام تنقل هذه الجريمة المروعة بكل تفاصيلها، ورغم ذلك فقد سئل رئيس وزراء إسرائيل من إحدى الصحفيات قائلة له: هل سمعت عما حدث في شارع الرشيد؟ أجاب قائلا بكل استهانة: نحن نحاول معرفة ماذا حدث!
لقد أحدث هذا المشهد المروع ردود فعل كبيرة في معظم دول العالم، إلا أن الرئيس الأمريكي كعادته لم يعط أهمية لهذه الجريمة البشعة، وقد سئل عن مذبحة شارع الرشيد في أحد لقاءاته الصحفية، أجاب قائلا: إننا نسمع لوجهتي نظر متناقضتين ومازلنا ندرس! رغم أن الأحداث كانت تنقل بالصوت والصورة وشاهدها العالم الحر في كل مكان، إلا أن الرئيس الأمريكي بايدن لم يقنع بكل ذلك، ولم يملك الضمير الحي الذي يجعله يقول الحقيقة، وعلى الرغم من كل ذلك فما يزال قادتنا يعولون على موقف الولايات المتحدة الأمريكية، التي وقفت بمفردها معترضة على أي قرار سواء من الأمم المتحدة أو مجلس الأمن يدين السياسة الإسرائيلية.
كان موقف الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو جوتيريش، وقد زار رفح منذ بداية الحرب، وفي كل تصريحاته كان يدعو إلى وقف إطلاق النار وإدخال الغذاء والدواء للفلسطينيين، وعقب مذبحة شارع الرشيد ندد بتلك الجريمة مطالباً بفتح تحقيق تحت إشراف الإمم المتحدة إلا أن دعوته ذهبت أدراج الرياح، وقد نددت دول كثيرة بتلك الجريمة من بينها فرنسا وكندا التي صرحت وزيرة خارجيتها بأن الأمر أشبه بكابوس وشاركتها في ذلك وزيرة خارجية إيطاليا التي قالت: إننا نشعر بالفزع من جراء ما يحدث، ولعل ما قاله رئيس وزراء البرازيل لولاداسيڤا كان أكثر تعبيرا عن هول المأساة، حينما قال: إن ما تمارسه إسرائيل يعد أكثر فظاعة وجرما مما تعرض له اليهود على يد هتلر في الحرب العالمية الثانية، ولعل المشهد الذي أقدم عليه أحد الجنود الأمريكيين بعد أن أشعل النيران في نفسه وهو يصرخ: الحرية لفلسطين، كان بمثابة رسالة تعبر عن المأساة التي يتعرض لها الفلسطينيون، ورغم كل ذلك فمازال العرب يأكلون ويتسامرون ويضحكون ويقيمون المهرجانات بينما الموت يحصد أهلنا في فلسطين في كل يوم، ومن لم يمت منهم بالقذف مات بسبب الجوع أو المرض.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: شارع الرشید بعد أن فی غزة إلا أن کل ذلک
إقرأ أيضاً:
تحت رماد البركان.. كنز دفين يقلب موازين الطاقة في العالم
الولايات المتحدة – أعلن فريق من علماء الجيولوجيا عن اكتشاف احتياطي هائل من معدن الليثيوم في بركان “كالديرا ماكديرميت” على الحدود بين ولايتي نيفادا وأوريغون في الغرب الأمريكي.
وتشير التقديرات الأولية إلى أن قيمة هذا الاكتشاف تصل إلى نحو 413 مليار يورو، مما يجعله أحد أبرز الاكتشافات الجيولوجية في العقود الأخيرة.
ويتركز الاحتياطي الرئيسي في منطقة “ثاكر باس” داخل الكالديرا، حيث كشفت التحاليل الجيولوجية عن وجود تركيزات عالية من الليثيوم في طبقة طينية تسمى “الإيليت”.
وأظهرت العينات المختبرة نسبا غير مسبوقة تصل إلى 2.4% من وزن الليثيوم، وهي نسبة تفوق بكثير المتوسط العالمي البالغ 0.4%. ويبرز هذا التفاوت الكبير الأهمية الاستراتيجية للموقع كمصدر رئيسي للليثيوم، الذي يُعد مكوناً حيوياً في صناعة البطاريات وتقنيات الطاقة النظيفة.
ويرجع تكون هذا الاحتياطي إلى عملية جيولوجية فريدة من نوعها امتدت على مرحلتين. وبدأت الأولى قبل أكثر من 16 مليون سنة إثر ثوران بركاني ضخم، حيث تفاعلت مياه البحيرات القلوية مع الزجاج البركاني الغني بالليثيوم، مما أدى إلى تكوين طين غني بالمغنيسيوم.
أما المرحلة الثانية، فقد شهدت تسرب سوائل حرارية أرضية محملة بعناصر مثل البوتاسيوم والفلور، مما غيّر التركيبة المعدنية للطين وأنتج طبقات “الإيليت” الغنية بالليثيوم.
وأكدت دراسة أجراها باحثون من جامعة كولومبيا بالتعاون مع شركة “ليثيوم أميركاز” أن متوسط تركيز الليثيوم في هذه الطبقات يبلغ 1.8%، وهي نسبة أعلى من تلك المسجلة في مواقع أخرى مثل “وادي كلايتون” و”رايولايت ريدج”، مما يعزز مكانة “ثاكر باس” كموقع واعد للتعدين في الولايات المتحدة.
ومع الأهمية الاقتصادية الكبيرة لهذا الاكتشاف، إلا أنه أثار جدلا واسعا، خاصة بين قبائل السكان الأصليين التي تعتبر المشروع شكلاً من “الاستعمار الأخضر” الذي يهدد أراضيها وثقافتها.
كما عبر نشطاء بيئيون عن قلقهم بشأن الآثار المحتملة على التربة والمياه الجوفية، رغم أن عمليات الاستخراج لن تعتمد على الطرق التقليدية الملوثة مثل برك التبخير.
ويعد هذا الاكتشاف فرصة حاسمة للولايات المتحدة لتقليل اعتمادها على استيراد الليثيوم من دول مثل الصين وتشيلي، خاصة في ظل الطلب المتصاعد على هذا المعدن لدعم صناعة السيارات الكهربائية وتقنيات تخزين الطاقة.
وفي حال نجاح تطوير المشروع، فقد يعزز موقع الولايات المتحدة كقوة رائدة في سوق الطاقة النظيفة، ويدعم جهودها نحو التحول إلى مصادر طاقة أكثر استدامة لمكافحة التغير المناخي.
المصدر: Daily Galaxy