عربي21:
2025-07-03@09:16:51 GMT

المقاومة: إستراتيجيّة تحرير أم دفاع؟

تاريخ النشر: 12th, March 2024 GMT

إنّ منشأ هذا المقال والدافع إلى تسطيره، هو عدم التفات البعض إلى الوظيفة الأساسية للمقاومة في لبنان وفلسفة وجودها، إذ قد يرى أنّ هذه الوظيفة تُحصر إجمالاً في تحرير الأرض.وعليه، عندما يحصل التّحرير تنتفي وظيفة المقاومة، وبالتّالي لا يبقى من داعٍ لوجودها واستمرارها، لأن مبرّر هذا الوجود لم يعد موجوداً؛ وفي هذه الرؤية كثير من السذاجة، إن لم نقل أكثر من ذلك، لأن هؤلاء يخلطون بين إستراتيجية الدفاع وإستراتيجية التحرير، إذ إن إستراتيجية الدفاع تعني - إضافة إلى التحرير - ممارسة أقصى درجات الردع، بهدف الحؤول دون العدوان، في حين أنّ أقصى غاية إستراتيجية التحرير هو - بشكل أساسي - تحرير الأرض من الاحتلال، وهنا ينتهي دورها.



وما ينبغي قوله هنا هو إن الإستراتيجية التي يجب أن تُعتمد مع العدو الإسرائيلي هي إستراتيجيّة دفاع، فلا تقتصر على مجرد تحرير الأرض، ولا ينتهي دورها هنا، بل تكمل دورها في الدفاع عن الوطن، وردع العدو عن المبادرة إلى أي عدوان، والحؤول دون أي اعتداء على لبنان وشعبه وأرضه وحقوقه، ومصالحه...

وعليه، فإن القول بإستراتيجية الدّفاع مع العدو الإسرائيلي، إنما يعود إلى خصوصيات هذا العدو، وملابسات الصراع معه، وهو ما يمكن إيجازه في النقاط التالية:

1- إن هذا الكيان هو كيان عنصري، متطرّف، عدوانيّ توسعي، استعلائي. يمارس العنف بأعلى درجات الساديّة والتوحش، ولا ينظر إلى بقية الشعوب على أنهم بشر لهم حقوقهم. المعيار لديه فقط ما يراه من مصلحة له. وعقيدته استخدام آلته العسكريّة وقوته لتحقيق مصالحه. يحتل حيث لا رادع. ويقتل حيث لا عقاب. ويعتدي حيث لا حساب. ويمارس العدوان حيث لا أثمان يدفعها جراء عدوانيّته.

2- ماذا عن مجمل التجارب مع هذا العدو في المنطقة، من لبنان إلى فلسطين إلى غيرها؟ هل تثبت هذه التجارب أنه يمكن الاطمئنان أمام خطره؟ أم يمكن الركون إلى سوى الردع، في ظلّ تهديده؟ أم يمكن الوثوق بغير القوى والإمكانات الذاتية أمام ما يرتكبه من مجازر وعدوان، وحروب إبادة، لن يكون آخرها ما يحصل في فلسطين اليوم؟

فهل يمكن لعاقل أن يتخيّل - أمام هول هذه التجارب وقسوتها - أنه من الصحيح في يوم من الأيام، ألّا يكون من قوة ردع كافية أمام هذا العدو وشبقه إلى القتل والإجرام؟

وألّا يكون من ردع قادر على تعطيل ميله إلى الاحتلال والعدوان؟

3- هل يعتني هذا العدو بالقوانين الدّوليّة؟ هل يلتزم بتلك القرارات الصادرة عن المؤسسات الأممية ذات الصّلة؟ هل يحترم العهود والمواثيق؟ أم أنه لا يعبأ بمجمل ما تقدم؟ ألا تدلّ مجمل التجارب، طوال العقود السبعة، مع هذا العدو أنّه لا يحترم أيّاً من القرارات، أو القوانين الدولية، ما دام أنه لا توجد قوة ردع تحول دون تجاوزها، أو قوة قاهرة تلزمه بها؟

4- من هو حليف هذا العدو، الذي يمدّه بما يحفظ له تفوّقه في أكثر من مجال؟ هو القوة الأولى في العالم عسكريّاً واقتصاديّاً، أي الولايات المتحدة والغرب، إذ إنّ هذا الدعم الذي يتلقّاه من حليفه هذا سياسيّاً، وعسكريًاً وأمنيّاً وديبلوماسيّاً واقتصاديّاً... يوفّر له مزيداً من الإمكانية لتحقيق أهدافه وممارسة عدوانه، من دون حساب لحقوق أو حدود أو قوانين أو قرارات أو سوى ذلك، إلّا في حال كان من قوة ردع تلجم غطرسته وتكبح عدوانه.

5- هل لدى الدولة اللبنانية ومجمل قواها العسكرية والأمنية من قدرة كافية على ردع هذا العدو؟ والجواب - بكل وضوح - لا، وجميع التجارب ذات الصلة، وتجارب المواجهة في لبنان على وجه الخصوص، تثبت أن القوى النظامية لا تستطيع مواجهة الجيش الإسرائيلي وتفوّقه في مجمل تلك المجالات.

6- لدى العدو الإسرائيلي جميع دوافع الانتقام من لبنان وشعبه، والتعدي على مصالحه وحقوقه وسرقة مياهه وثرواته؛ وعليه، إن لم يكن من مقاومة بعد التحرير، كيف يمكن حماية أنفسنا وأرضنا وسيادتنا وثرواتنا من أي اعتداء غداً، أو بعد غد، أو في مستقبل الأيام؟

وعليه، نحن أمام عدو بهذا المستوى من التوحش والاستعلاء والعنصريّة والنزعة العدوانيّة؛ وهو يقدّم كلّ يوم دليلًا على إجرامه، ونزوعه إلى القتل والاعتداء، كما تدلّ عليه التجارب على مدى عقود متطاولة من الزمن؛ وهو لا يحترم أياً من القوانين الدّوليّة، أو القرارات الأمميّة، أو أي حقوق للإنسان، أو عهود أو مواثيق؛ وهو عدوّ احتل أرضنا، وقتل شعبنا، ودمّر بيوتنا، واعتدى على حقوقنا، وانتهك سيادتنا، وعاث فساداً وظلماً في حواضرنا؛ ويلقى الدّعم في كلّ ذلك من الغرب وأميركا، ما يوفر له جميع أدوات الإبادة والدمار؛ وهو عدو لديه جميع دوافع الانتقام من لبنان وأهله، وعناصر القوّة فيه؛ وهو عدو لا توجد أي قوّة يمكن أن تردعه عن عدوانه ووحشيته سوى قوة المقاومة، كما أثبتت ذلك التّجارب الواضحة، والطويلة، والمستدَلّة، والمقنعة، في حين أن الدّولة اللبنانيّة، بمجمل قواها العسكريّة، لا قدرة لها على هذا الردع؛ أمام هذه المقدمات، هل يمكن لمنصفٍ أن يقول إنه من الحكمة بمكان أن نتخلّى غداً عن قوة الردع الوحيدة لدينا في لبنان؟ أو أن نجرد أنفسنا، بعد استعادة الأرض، من العامل الوحيد الّذي يحول دون العدوان؟ وكأننا في هذا نُغري العدوّ بالعدوان علينا، أو ندعوه مجدّداً إلى الاستخفاف بنا، والتعالي علينا، وانتهاك سيادتنا، واستعادة طريقته السّابقة في التعامل معنا؛ فماذا سنفعل -بعد أن نتخلّى عن المقاومة - إذا بادر هذا العدو غداً إلى عدوان أو آخر، فيما لو رأى أنّ له مصلحة في ذلك، أو سبباً اخترعه لعدوانه؛ فمن يحمينا، ومن يدافع عنا؟ ومن يحول دون قتلنا؟ ومن يمنعه من ارتكاب المجازر بحقّنا؟ أم إن هناك من يستخفّ بواحدة من أهم حقوق المواطن على دولته وواجبها أمامه، وهو حقّه في الحياة بأمن وأمان وكرامة، والدفاع عنه، وحماية أرضه وعرضه، ومجمل سبل العيش لديه؟ أو إنّ هناك من يريدنا أن نعود إلى الزمن الرديء، حيث كان لبنان مستباحاً من قبل العدو الإسرائيلي وجيشه، يقتل، ويعتدي، دون حسيب أو رقيب؟

بناءً على ما تقدّم، لا بدّ من الوصول إلى ما يلي من استنتاج، ونصوغه على شاكلة هذا السؤال: لو لم يعد لنا مقاومة - بعد التّحرير-، وأراد هذا العدو، انسجاماً مع طبيعته العدوانيّة والتّوسعيّة، أن يعتدي على لبنان وشعبه، وحقوقه، وثرواته، وهو يعلم أن لا قوة تزجره، ولا مؤسسات دولية تمنعه، ولا ما يسمى مجتمعاً دوليّاً، أو نظاماً عربيّاً، أو عالماً إسلاميّاً يقف في وجهه، ولا عهود أو مواثيق تحول دون عدوانه، ولا قيم إنسانيّة أو حقوق إنسان تردعه؛ ففي هذا الحال، ما الّذي يمكن للبنان أن يفعله؟ ماذا لو رأى هذا العدوّ غداً أنّ له مصلحة ما في إعادة الاحتلال، أو القيام بأي اعتداء، أو السّطو على أيّ من الثروات، أو ارتكاب أيّ عدوان، فمن الّذي يحول دون حصول ذلك؟ وما الّذي يردع العدوّ عنه؟ وهل من ضمانة لعدم حصول ما تقدّم؟ وهل يمكن المغامرة في مثل هذه القضايا على هذا المستوى من الأهمية والخطورة؟

إنّ النتيجة الّتي نخلص إليها، أنّه أمام مثل هذا العدوّ الإسرائيليّ، إن أردنا أن نحمي لبنان، ونردع عنه أي اعتداء أو عدوان، لن يكون لدينا من سبيل سوى المقاومة، وقوة الرّدع الّتي تملكها، سواء قبل التّحرير أم بعده، وهذا ما أثبتته التّجربة الطويلة مع هذا العدوّ، الّذي لم يكن في تاريخه مردوعاً بالمستوى الّذي عليه اليوم؛ فهل يمكن لوطنيّ عاقل، أن يفارق التّجربة الناجحة في حماية لبنان من هذا العدوّ، ليستعيد التّجارب الفاشلة معه؟ وهل يمكن لذي حجى أن يرتضي أن يتخلّى عن قوّة الرّدع الوحيدة الّتي تحول دون معاودة عدوانه، وهو يعلم أن لا شيء آخر -سوى المقاومة - قادر على ردعه؟ أليس في هذا استدعاء للعدوّ لمعاودة عدوانه، أو إغراء له باستئناف احتلاله، أو تشريع للأبواب من جديد أمام اعتداءاته؟

وخلاصة القول: كما نحتاج إلى فعل التّحرير، فإنّنا نحتاج أيضاً إلى فعل الحماية والرّدع. وإنّ التّجربة الّتي أثبتت نجاحها في التّحرير، هي التّجربة المجدية في الرّدع. وإنّ الأسباب الّتي استدعت التّمسك بهذه التّجربة في التّحرير، هي نفسها الّتي تستدعي الإبقاء عليها في الدّفاع.

الأخبار

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي اقتصاد اقتصاد دولي اقتصاد عربي اقتصاد دولي لبنان المقاومة فلسطين لبنان فلسطين مقاومة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العدو الإسرائیلی أی اعتداء هذا العدو العدو ال هل یمکن حیث لا

إقرأ أيضاً:

كيف يمكن للهلال تفجير المفاجأة أمام مان سيتي؟

يواصل نادي الهلال مغامرته المميزة في كأس العالم للأندية 2025، بمواجهة مرتقبة أمام مانشستر سيتي الإنجليزي، فجرالثلاثاء، في مدينة أورلاندو شرقي الولايات المتحدة.
وقبل انطلاق اللقاء، هناك 5 أسئلة ملحة، الإجابة عنها ستكون “مفتاح” فهم اللقاء المرتقب بين القطبين.
سيكون هذا اللقاء بمثابة تحد شخصي للمدرب الإيطالي سيموني إنزاغي الذي يعود لمواجهة نظيره الإسباني بيب غوارديولا، والذي طالما وصفه بأنه “الملهم الأكبر” له كمدرب.
إنزاغي اصطدم بغوارديولا سابقا في نهائي دوري أبطال أوروبا 2023 حين كان يقود إنتر ميلانو وخسر بهدف نظيف، ثم تواجه معه مجددا في مرحلة المجموعات من النسخة التالية وتعادلا دون أهداف، قبل أن ينتهي مشوار إنتر بهزيمة قاسية أمام باريس سان جيرمان. ورغم ذلك يرى إنزاغي أن “غوارديولا غيّر فلسفة كرة القدم في آخر 20 عاما” ولا يخفي إعجابه به.
بعد موسم محبط في الدوري الإنجليزي الممتاز، ترددت الشكوك حول قدرة مانشستر سيتي على “الابتكار” والمنافسة من جديد، خاصة بعد قضاء مواسم طوبلة مع مدرب واحد وهو بيب غوارديولا.
لكن “السيتيزينس” دخل البطولة بحماس كبير، وتصدّر مجموعته محققا 3 انتصارات قوية، أبرزها فوزه على يوفنتوس الإيطالي 5-2.
كما أثبتت تعاقدات مانشستر سيتي الجديدة تأقلمها السريع، لتكون إضافات حساسة في وقت مهم للفريق، وأبرز هذه التعاقدات الجزائري ريان أيت نوري، والفرنسي ريان شرقي، والهولندي تيجاني رايندرز.
نجم الوسط البرتغالي ماتيوس نونيز قالها صراحة: “هذا الموسم نريد أن نُظهر أننا نلعب للفوز فقط”.
أما الهلال، ورغم بدايته القوية بتعادل مثير مع ريال مدريد وانتصار ثمين على باتشوكا، فإنه يعاني من ضربة مزدوجة قبل موقعة السيتي، إذ تأكد غياب المهاجم الصربي ألكسندر ميتروفيتش هداف الفريق، بسبب إصابة في ربلة الساق، وكذلك قائد الفريق سالم الدوسري الذي لن يلحق بالمباراة بعد إصابة في العضلة الخلفية ستبعده لشهر على الأقل.
نجاح الهلال في التألق أمام مانشستر سيتي يكمن في نجاحه بتعويض تجمي الفريق، أول اللعب كمنظومة متكاملة لا تبحث عن نجم واحد.
إلى جانب التحديات الفنية، يواجه الفريقان احتمال تأجيل أو تعليق المباراة بسبب الظروف الجوية الصعبة، والتي تكثر في ولاية فلوريدا، حيث ستقام المباراة.
وشهدت مباريات دور المجموعات خمس تأخيرات بسبب تحذيرات الطقس حيث ارتفعت درجات الحرارة إلى أكثر من 32 درجة مئوية، في حين استمرت مباراة تشلسي وبنفيكا في دور الستة عشر لأكثر من 4 ساعات.
هذه ظروف وصفها مدرب تشيلسي إنزو ماريسكا بأنها “غير مناسبة لكرة القدم”.
من جهته، قلل غوارديولا من أهمية هذه المخاوف بقوله: “الأمور الخارجة عن السيطرة لا تشغل بالي، سنواصل اللعب مهما حدث”.
باختصار، بالانضباط التكتيكي. مع إنزاغي، يجيد الهلال الدفاع المنظم وإغلاق المساحات أمام الفرق الكبيرة، وهو ما فعله أمام ريال مدريد وسالزبورغ بنجاح.
ثانيا، توظيف الهجمات المرتدة. رغم غياب ميتروفيتش والدوسري، يملك الهلال لاعبين مثل ميلينكوفيتش-سافيتش ومالكون وأوتافيو يمكنهم صناعة فرص مفاجئة.
السيتي يلعب دائما بأسلوب الاستحواذ العالي، ما قد يمنح الهلال فرصًا لخطف المرتدات.

جميع التوقعات تصب في مصلحة مانشستر سيتي بحكم الفارق الفني والبدني والعمق في التشكيلة. إلا أن الهلال أثبت في النسخة الحالية أنه لا يستسلم بسهولة أمام الكبار، ومع مدرب متمرس تكتيكيا مثل إنزاغي، قد ينجح “الزعيم” في تقديم مباراة مشرفة والقتال حتى النهاية.

مقالات مشابهة

  • ممثل خامنئي في العراق:بلادي مستمرة في دعم الحشد الشعبي
  • إعلام العدو يقر: حماس تفك شيفرة الجيش وتحوّل جنوده إلى أهداف مكشوفة في غزة
  • العدو الصهيوني يعترف: “حماس” فكت شيفرة تحركات الجيش في غزة وتصطاد الجنود كـ “البط”
  • خبير عسكري: المقاومة تثبت قدرتها على استهداف الاحتلال في غزة
  • حمادة: لا نقاش في سلاح المقاومة قبل تحرير الأرض وحماية لبنان
  • حول السلاح في لبنان.. والكلام عن نزعه
  • كتائب القسام تدك بالصواريخ مغتصبتي “نير إسحاق” و”مفتاحيم”
  • إبراهيم الموسوي: من واجب الدولة أن تدافع عن السيادة والحياة والكرامة
  • كيف يمكن للهلال تفجير المفاجأة أمام مان سيتي؟
  • لجان المقاومة: العدو يواصل مجازره بحق المدنيين في غزة بغطاء أمريكي وتواطؤ دولي